هل أصبحنا قريبين من لحس الحمص في دمشق؟

بُشرنا في نهاية الأسبوع الماضي، ولا سيما من مصادر أمريكية، بأن السلام مع سوريا يدق أبوابنا وأن تحقيق اتفاق بين إسرائيل وسوريا حتى بدون استعادة دمشق لهضبة الجولان، مسألة وقت، أسابيع وربما أشهراً قليلة.

لإعلانات ترامب، مثل ذاك الذي يقول إن سوريا ستنضم إلى اتفاقات إبراهيم، ينبغي التعاطي معه بحذر؛ إذ تتبين غير مرة كأمانيّ. ومع ذلك، حتى المشككون فيها يعترفون بأن شيئاً ما يحصل من خلف الكواليس. وحتى إذا لم يدر الحديث بعد عن اختراق تاريخي إلى السلام، فالحقيقة أن الدولتين بدأتا تجريان بينهما حواراً أمنياً وسياسية ما كان يمكن تصور مثيل له قبل بضعة أشهر.

البداية لم تبشر بالخير. فعندما استولى أحمد الشرع على الحكم في دمشق، استقبلته إسرائيل بشك وبعداء ظاهر. فقد استولت قوات الجيش الإسرائيلي على أراض داخل سوريا، وهاجمت أهدافاً عسكرية في أرجاء الدولة، وتنافس مسؤولون إسرائيليون فيما بينهم على إطلاق تهديدات وتصريحات تقضي بأن إسرائيل ستقيم منطقة مجردة من السلاح تصل حتى دمشق، وستأتي لمساعدة الدروز والأكراد في الدولة ممن لم يطلبوا مساعدتها على الإطلاق. وفي النهاية، أعلنوا بأن الشرع جهادي لبس بدلة، وهكذا ينبغي التعاطي معه.

عندما استولى أحمد الشرع على الحكم في دمشق، استقبلته إسرائيل بشك وبعداء ظاهر. فقد استولت قوات الجيش الإسرائيلي على أراض داخل سوريا، وهاجمت أهدافاً عسكرية في أرجاء الدولة

غير أن ترامب دخل إلى الصورة في هذه المرحلة، والتقى بمشورة صديقيه بن سلمان وأردوغان بالحاكم السوري وتبناه بحرارة. في الأسبوع الماضي، أعلن عن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا وشطب اسم الشرع من قائمة الإرهابيين المطلوبين لأمريكا.

ليس مؤكداً أن يعرف ترامب مكان سوريا على الخريطة، لكن إحساسه الغريزي ثبت صحته. من الأفضل في نظره استقرار تحت الشرع على وجود إيراني يسعى لجعل سوريا قاعدة إيرانية متقدمة على شواطئ البحر المتوسط.

سارت إسرائيل على خط ترامب الجديد، وهكذا تحول الشرع من عدو إلى محاور، وسرعان ما تبين أن لسوريا الجديدة وإسرائيل مصالح مشتركة، تتيح بل حتى تفترض التعاون. من ناحية السوريين، يدور الحديث عن ضمان الاستقرار في الدولة وتحريك مسيرة إعمار الاقتصاد الخرب، والأهم كبح جهود إيران للعودة للتموضع وتعظيم وجودها في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن تحقيق كل هذه الأهداف يمر بالقدس.

فهل غير الشرع، أبو محمد الجولاني، ناشط “القاعدة” و”داعش”، فكره وهجر إيمانه بالجهاد؟ يصعب معرفة ذلك. على إسرائيل أن تتابع ما يجري لدى جارتها من الشمال بسبع عيون. ومع ذلك، إلى جانب المخاطر احتمالات لمكاسب أمنية وسياسية ذات مغزى محظور التخلي عنها.

لقد فقد الشارع السوري الاهتمام بالنزاع مع إسرائيل، ولم تعد هذه تعتبر عدواً مكروهاً. مكان إسرائيل احتلته إيران الشيعية التي كانت مشاركة في ذبح مئات آلاف السوريين في الحرب الأهلية التي دارت في الدولة.

ثمة شك بقدرة الشرع على عقد مصالحة مع إسرائيل وحده، لكن ثمة سبب يجعله ينضم إلى خطوة عموم عربية تقودها السعودية لتحقيق سلام وتطبيع بين العالم العربي وإسرائيل.

أما بشأن هضبة الجولان، صحيح أن عائلة الشرع جاءت من الجولان ولهذا سمَى نفسه الجولاني، لكن ليس له ذاك الالتزام العميق بهضبة الجولان الذي ميز حافظ الأسد الذي تحمل مسؤولية شخصية عن ضياع الهضبة في حزيران 1967 حين كان يتولى منصب وزير الدفاع في دمشق. فضلاً عن ذلك، مرت أكثر من 60 سنة منذ فقد السوريون الجولان، بل إن ترامب نفسه منح اعترافاً بسيادة إسرائيلية عليها.

سوريا ليست دولة مستقرة، وحكم الشرع لا يزال عرضة للخطر. كما أن الطريق إلى مصالحة إسرائيلية – عربية لا تزال مليئة بالعوائق. يبدو، إذن، أنه سيمر وقت حتى نتمكن من لحس الحمص في دمشق، لكننا قريبون من السلام مع سوريا أكثر مما كنا قريبين ذات مرة.

أيال زيسر