لم تكن "مكة المُكرمة" عاصمة سياسية لأي من الدول الإسلامية المُتعاقبة عبر التاريخ منذ عهد الدولة الإسلامية الأولى وإلى يومنا هذا، بل ولم يذكر التاريخ أي مناهج سياسية حققت مآربها انطلقت من الأماكن المُقدسة. وتلك الحكمة الإلهية الضابطة والمُنظمة لأصول السياسة ومراجعها، فالسياسة مرهونة بالضوابط الدينية والمؤشرات الدنيوية. كما أن الأماكن المُقدسة غير مرهونة بالأنظمة السياسية وتقلباتها الدنيوية، إسلامية كانت أو على غير دين الإسلام. ونستدل على ذلك بما فعله شيعة القرامطة "الفاطميون" بالمسجد الحرام وسرقتهم للحجر الأسود، وكذلك مسيحيو "أوروبا" الذين جعلوا من ساحة الأقصى حظيرةً ومكباً للنفايات؛ وعلى الرغم من ذلك لم يتحدث التاريخ عن فتاوى بتحريم الصلاة فيها أو تخوين من يشّد الرحال لتلك المقدسات آنذاك. إن الأمر يدعونا للتفكر والتأمل بجدية بحقيقة المانع الذي يمنعنا من الصلاة في المسجد الأقصى، فهو ليس إلا رفضاً إجتماعياً تقليدياً تم غرسه في عقولنا بحجة الإحتلال الإسرائيلي، علماً أن هذه الفتاوى لم تصدر في عهد الإنتداب البريطاني لمنطقة نهر الأردن. إنها ظاهرة إجتماعية تدرّجت عبر مراحل مُمنهجة لدعم تطلعات الفلسطينيين القومية من خلال كسب التعاطف الديني لغاية سياسية أمام القانون الدولي؛ وهو أشبه بفرض شرط سياسي لصحة الصلاة في المسجد الأقصى؛ وهو شرط وجود دولة فلسطينية وعاصمتها القدس. ولقولي هذا خلاصة؛ أن القدس لم تكن في تاريخها عاصمة لعرق أو دين كما هو مُستفاد من التاريخ المشهود لمكة المُكرمة ودورها الديني لا السياسي. وليس للمُتنفعين من الفلسطينيين الأهلية الشرعية لربط صحة الصلاة في الأقصى بقيام دولتهم السياسية. وما هو حقاً مُثير للغرابة أن هذه الظاهرة تجذرت عقائدياً ورسخّت إنطباعاً باطنياً غريباً من نوعه؛ وهو ترحيب المُتنفعين الفلسطينيين بمن يحملون وثائق السفر "الجوازات" الأجنبية لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، بينما تخوين وصهينة من يحملون وثائق السفر العربية بُمجرد التفكير بزيارة الأقصى. فما عليك إلا الوضوء بالوثيقة الأمريكية أو الاوروبية وربما الإسرائيلية أيضاً ليقبل المُتنفعون الفلسطينيون صلاتك في المسجد الأقصى، واحذر من السفر بالهوية العربية، فهي من أشد النواقض لطهارتك العربية على أبواب عاصمتهم المُقدسة.
إضافة تعليق جديد