حملت الذكرى الثانية والسبعين لقصف مدينة "هيروشيما" بالقنبلة الذرية هذا العام أخباراً سارة "للهيباكوشا" أو (الناجين من القنابل الذرية في "هيروشيما" و"ناجازاكي")، بسبب اعتماد الأمم المتحدة "معاهدة حظر الأسلحة النووية" المقرر طرحها للتوقيع في العشرين من أيلول/ سبتمبر 2017، ولم يتحقق حلم "الهيباكوشا" هذا إلا بعد محطات عديدة شاقة، فلطالما كان نزع السلاح النووي من أقدم أهداف الأمم المتحدة، فقد كان أول قرارات جمعيتها العمومية عام 1946، كما أنه لم يغب عن جدول أعمالها الدوري منذ عام 1959، وكذلك في جلستها الخاصة بنزع السلاح عام 1978 حيث وضعته على رأس أولويات نزع السلاح في العالم.
نعم لم يتحقق هذا الانجاز الكبير إلا بعد جهود كبيرة بذلتها الأمم المتحدة والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومنظمات المجتمع المدني العالمية والعربية، ومنظمة "أطباء ضد الحرب النووية"، والزعماء الدينيون، والبرلمانيون، والأكاديميون، وضحايا القنبلة الذرية (الهيباكوشا)، من أجل بلوغ هذه الغاية، وبدء خطوات طويلة نحو تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية.
في أيار/مايو 2010 أجمعت 189 دولة عضو في "اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية" على ضرورة تحقيق السلام والأمن في العالم دون أسلحة نووية، ولما لم يتحقق شيئاً ملموساً على هذا الطريق، قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة اعتماد 26 أيلول/سبتمبر من كل عام يوماً عالمياً للتخلص الكامل من الأسلحة النووية، يوماً يسلط فيه الضوء على أهمية التخلص نهائياً من هذا السلاح الذي يبلغ نحو 19 ألف رأس نووي، وتبلغ كلفة عمليات صيانته وتحديثه ما يزيد عن 105 مليار دولار سنوياً تنفق من موازنات الصحة والتعليم والعمل ومكافحة الفقر.
كانت "المكسيك" قد شهدت خلال الفترة 13-14 شباط/فبراير 2014 انعقاد مؤتمر “نايريت” الدولي الذي هدف إلى دراسة العواقب الكارثية للأسلحة النووية، والوسائل المقترحة من دول العالم للقضاء عليها، وقد جاء المؤتمر الذي حضرته 147 دولة لمتابعة مؤتمر أوسلو خلال آذار/مارس 2013 لبحث آثار الاسلحة النووية الكارثية على الإنسان والبيئة، وقد أجمعت الدول المشاركة في المؤتمر الذي غابت عنه الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة وفرنسا والصين بالإضافة إلى اسرائيل على ضرورة مواصلة المفاوضات، والسعي بعزم، وبدون إبطاء من أجل حظر استخدام الأسلحة النووية، والقضاء عليها, بشكل تام, من خلال اعتماد صك دولي ملزم قانوناً، لأنه في التخلص منها، يكمن الأمن الحقيقي للبشرية جمعاء، في الحاضر والمستقبل، وهكذا، في عام 2015 تم تجديد الالتزام بذلك من خلال اعتماد "عهد فيينا" الذي تبنته معظم دول العالم.
في تلك المحطات شارك المجتمع المدني بفعالية كبيرة، ونادى بضرورة إزالة الأسلحة النووية من العالم، وذكّر العالم بالعواقب الإنسانية الكارثية للأسلحة النووية، ودعا دول العالم إلى استكمال خطوات بناء اتفاقية ملزمة لحظر الأسلحة النووية ووضع برنامج زمني محدد، داعيا المجتمع الدولي أن يحقق ذلك مع حلول الذكرى السبعين لإطلاق القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، ولازلت أذكر موقف منظمات المجتمع المدني التي أكدت لوفود حكومات العالم المشاركة أن هناك بينات هائلة للتداعيات الكارثية المباشرة والبعيدة المدى لاستخدام السلاح النووي التي تصيب الصحة والبيئة والمناخ وعمليات إنتاج الغذاء، أي كل ما تعتمد عليه حياة البشر، لذلك لابد من العمل على حظرها والتخلص منها.
نعم، أخيراً تكللت هذه الجهود خلال اجتماعات اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27-10-2016، حيث اعتمدت القرار ل-41 الذي يقضي بالشروع في المفاوضات خلال العام 2017 من أجل التوصل إلى اتفاقية ملزمة قانوناَ لحظر الأسلحة النووية تمهيداً للقضاء التام عليها، وكانت نتيجة التصويت 123 لصالح القرار بينما صوت 38 وفد ضده بينها اسرائيل وألمانيا واليابان والنرويج، وروسيا والمملكة المتحدة في حين امتنعت 16 دولة عن التصويت، وقد دعمت كل الدول العربية هذا القرار التاريخي الذي طالما تطلع إليه محبو السلام في العالم.
إن دعم إخلاء العالم من الأسلحة النووية يعني الالتزام الحقيقي بالسلام العالمي وسلامة وصحة الإنسان في كل مكان، فدعم حظر وإزالة الأسلحة النووية مطلب إنساني لايتحقق إلا من خلال إرساء اتفاقية دولية ملزمة، تعمل على حظر استخدامها، وصناعتها، وتخزينها، ونقلها، والاتجار بها، أو الاستثمار فيها، بالإضافة إلى تفكيك الموجود منها، ووضع المنشآت النووية تحت الإشراف الدولي الكامل من أجل سلامة وأمن ورفاه المجتمع الإنساني في كل مكان، وهذا يتطلب شراكة حقيقية مع المجتمع المدني من أجل تحقيق عالمية وشمول هذه الاتفاقية، وتنفيذ كامل بنودها بعد دخولها حيز التنفيذ استمراراً للدور الذي لعبه المجتمع المدني بنجاح في "اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد" و"اتفاقية الذخائر العنقودية".
إضافة تعليق جديد