آخر الأخبار

كتاب( سقوط الجولان) ,والبومرانج
تصنيف التدوينة: 

كتاب سقوط الجولان الذي أراده مؤلفه دراسة عن اسباب هزيمة 1967 والدروس المستفادة, ضل طريقه وابتعد عن أن يكون كذلك بشكل كبير ومسيء ,حيث وضح أنه مؤلف لغاية واحدة وهي القول أن الهزيمة كانت مؤامرة.

ولنغفل ونغمض أعيننا عن تناول الضابط في كتابه ,سقوط الجولان كحدث مفرد منعزل عما سواه وسبقه من سقوط سيناء والضفة وغزة , وعن حشره لأمور غير لازمة في الكتاب وعن إشاراته الطائفية المقيتة في تناوله لحدث وطني الذي لم ينس خلاله أن يخطب بنا بالسلام العالمي وبتاريخ سوريا وهو الذي(لا يتقن الكتابة)كما قال .
ولنتجاوز الأسباب الحقيقة والمتشعبة والتي لا يتسع المجال لذكرها لهزيمة 67 من تقصير وتخاذل العرب أجمعين وسلسلة الأخطاء التي ارتكبوها والتي أدت لهذه الهزيمة بدءا من إغلاق مضائق تيران إلى طلب انسحاب القوات الدولية إلى الشعارات (الثورية) والحرب الإذاعيةالتي جعلت الناس تعيش في الوهم وأن اسرائيل لم تنتصر لأنها لم تسقط الانظمة إلى الأحداث المهينة في سيناء والضفة وتدمير الطيران المصري بأكمله خلال ساعات فهذا لا يراه من كان بمستوى تفكير الضابط المتقاعد خليل فهذا ليس مكانه وسنأخذ الأمر على علاته ونناقش ما أتى به خليل فقط.

فالمؤلف هو ضابط مسرّح من الخدمة في عام1963 , وهو يكتب تحليلا عن أسباب الهزيمة وليس وثيقة كما تستخدم من قبل البعض وهذا هو أبعد وصف يمكن وصف كتابه .
والكتاب بإيجاز هو بمجمله معلومات منقوله عن الجولان جغرافيا واقتصاديا وسكانيا وعسكريا , ويذكرنا المؤلف في البداية انه (ليس ممن يتقنون الكتابة) ولكنه بعد أن رأى الفجيعة التي حلت في الأمة في حزيران (قررت التكلم) , ومتى بعد هذه الفجيعة بثلاثة عشر سنة ؟!

فيا لتلك الفجيعة التي جعلته يصمت 13 عام , ويقفز فوق حرب تشرين وتداعياتها وصولا لتوقيع الصلح المنفرد من قبل السادات .
ثم يقول: إن المعلومات الواردة كان اعتمادا على ما حفظته الذاكرة وحدها وما تيسر له من أصدقاء, وحين تجد ثبت المراجع نراه يورد أكثر من عشرين مرجعا لتكتشف أن جميع المعلومات الواردة فيه هي في 95 % منها من هذه المراجع وما احتفظ به حين كان يخدم في الجبهة من معلومات تفصيلية عنها وهو قد استبق اتهامه بالحنث بقسم المحافظة على هذه المعلومات العسكريةلأنها ليست ملكه وفي الأمور العسكرية يعتبر هذا جرما .

وما يهمنا هو أن إسهامه الوحيد هو محاولة إثبات (نظرية المؤامرة) فيما جرى ولكنه نسج خيوط تناقضه حول نفسه ووقع فيها بكل سهولة .
وهاكم أمثلة عن تناقضات الضابط خليل :
يبدأ خليل بسرد الأحداث كما يلي :
أ- منذ الساعات الأولى لم تحرك القوات السورية ساكن (ص96)
ثم ويفاجئك مباشرة بهذا التقرير : "منذ صباح 6 حزيران قامت المدفعية السورية بقصف مركّز منهك استمر 6,7,8 حزيران وأنزلت خلال القصف آلاف الأطنان من القذائف من كل نوع حتى بدا للناظرين أن شريط المستعمرات قد غطيت أرضه بالقنابل " -(ص96). ثم أعطي أمر اليوم للجيش وهو (احتلال مدينة صفد) .
ثم "عملت المدفعية المضادة للطائرات عملا رائعا "(ص97).
ثم" الطيران السوري لم يظهر في سماء المعركة كل ما قام به طلعات متفرقة كل طلعة بين4-6 طائرات ".
ثم "اضطرت طائرة سورية يقودها الملازم أول غسان اسماعيل للهبوط في صور بسبب نفاذ الوقود بعد ان اشتركت في قصف حيفا "(ص143)
"وفي يوم الجمعة شن الإسرائيليون هجوما شاملا على المواقع السورية ,ووجدت نفسها عرضة لنيران المدرعات السورية وقد ألحقت بالقوات الإسرائيلية خسائر جسيمة اضطرتها للإنحدار "
(ص116)
وفي "الساعة الأولى من بعد ظهر السبت طوفت القوات الإسرائيلية مدينة القنيطرة, وانسحب لوائين مدرعين إلى دمشق للدفاع عنها" (ص119)
بعد أن أنزلت آلاف الأطنان من القذائف على الإسرائيليين وعمل مضادات الطائرات ونيران المدرعات التي ألحقت بالعدو خسائر فادحة , يستنتج خليل ببساطة :"يتبين لنا مايلي :إن القوات السورية لم تقاتل " (ص 123) ّ !

ويستعرض خسائر العدو فيقول :" هي بحدود كتيبة دبابات -حوالي 20 دبابة-" (ص199) وخسائرنا بحدود كتيبتين (40-45) دبابة.

وبعد ذلك بقليل يقول : " في القلع وحده دمرت الوحدات السورية 36 دبابة " (ص203)
"وفي تل شيبان قام مجند واحد بتدمير سبع دبابات للعدو " ص(204)
ثم" تعطلت دبابة منسحبة وقام قائدها ب‘دارة مدفعها للوراء واستطاع أن يدمر ست دبابات قبل ان يدمر بالطيران) (ص 201)
وفي حرش الجويزة استطاع مقاتل واحد أن يسقط أربع طائرات لوحده .
اي في موقعين فقط دمرنا للعدو 49 دبابة ومقاتل واحد أسقط 4 طائرات ..اثبت على قول يا رجل ؟!
مثال آخر :
" القيادة كانت تعلم أن العدو متفوق عليها في جميع المجالات" (ص225)
ويعود للقول :
"كانت لدى جيش سوريا أنواع من الأسلحة لم تكن اسرائيل تحلم بامتلاكها " (ص254)


خليل والمؤامرة :
كما قلنا جهد الضابط المتقاعد خليل لكي يثبت ان سبب هزيمة سوريا في عام 1967 هو المؤامرة التي بدأت منذ استلم البعث السلطة في آذار 1963 وقام بتسريحه .
وقام باستعراض أسماء الضباط المسرحين بسبب خلفيات سياسية أو مؤامرات للإنقلاب على الحكم ولا ينسى أن يذكرنا بان من قام بهذا هم أنفسهم قد سرحوا سابقا لأسباب سياسية (انتماؤهم للبعث) ايضا وحولوا لوظائف مدنية .
والمفصل الذي يعتمد عليه الضابط هو صدور الأمر بالإنسحاب لخطوط دفاعية عن دمشق , وإعلان سقوط القنيطرة قبل سقوطها فعليا .
وهو يقول أنه لولا هذين الأمرين لكانت القوات السورية قد نجحت في دحر العدو , مناقضا ماقاله أن هذه القوات لم تكن تقاتل !
ويروي الوقائع :
" يقول الملازم السوري (....) عضو الوفد السوري إلى لجنة الهدنة:أنه استدعي لمكتب الدكتور يوسف زعين رئيس الحكومة بتاريخ 9 حزيران فوجد عددا من أعضاء لجنة الرقابة الدولية في مكتبه برفقة السفير(....) فكلف بالترجمة :
قال السفير: إذا لم تسحبوا قواتكم من الجولان فإن القوات الإسرائيلية لن ترضى ان تتوقف إلا عند دمشق .
وهنا سأل الزعين: ماهي الحدود التي تريد إسرائيل التوقف عندها ؟
فأحضروا خريطة واشار السفير للنقاط التي ستتوقف عندها إذا تم الإنسحاب من الجولان .
وافق الدكتور زعيّن , وغادر الجميع على هذا الأمل .
وفي الصباح صدر بلاغ سقوط القنيطرة."(ص261)


هذه الواقعة التي أوردها خليل تشير أن هناك قرارا حكوميا قد اتخذه رئيس حكومة باتفاق مع سفير (.....) تم تنفيذه في اليوم التالي لإيقاف الهجوم الإسرائيلي .
وليس الأمر منوطا بوزارة الدفاع كما كرر ويكرر الجميع , بل إن وزير الدفاع قد نفذ أمرا اتخذه رئيسه .

ثم وعلى نحو غير متوقع يسقط خليل كل جهده الذي بذله في إثبات (المؤامرة)وينفي نفسه ويعود بنا إلى اللاشيء فيقول:

" ولنفرض جدلا أن البلاغ (سقوط القنيطرة)كان صحيحا ,فلماذا تترك الوحدات الأخرى مواقعها ؟
إن نظرة واحدة على خريطة الجولان توضح أن سقوط القنيطرة لا تشكل تهديدا أو خطرا للقوات في القطاعين الأوسط والجنوبي وأن هذه القوات قد حضرت للقتال الدائري في جميع الإتجاهات وأن التعليمات لكل من يذهب للجولان هي القتال حتى الموت وأن لا انسحاب مهما كانت النتائج , فكيف استطاعت الشائعات التي راجت عن أوامر انسحاب أن تفعل فعل السحر في تلك النفوس المتخاذلة؟!
إذن فليس من عذر لباقي القوات بترك مواقعها بحجة أنها سمعت بلاغ سقوط القنيطرة "
(ص228)

ويخلص للقول :"إذن من كل ذلك نستطيع أن نؤكد أن أسباب الصمود كانت متوفرة ,فالأوامر الدائمة المسبقة بوجوب الدفاع حتى الموت , وإعداد المواقع للقتال في كل الإتحاهات وتوفر إمكانية المناورة وإمكانية نجدة القوات ومناعة التحصين ووفرة المواد التموينية من طعام وذخيرة وعلاج كل ذلك لم تستفد منه القوات.
فما أن سمعت البلاغ المشؤوم حتى بادرت إلى ترك مواقعها ثم أسلمت سيقانها للريح" (ص230).


لنا أن نشكر السيد الضابط المتقاعد خليل على تعبه , ومثله كأي مهمة يكلف بها فيجمع ما تيسر له من معلومات , وحين يسأل ما رأيك يقول :
قاتلوا ولم يقاتلوا ,أبطال ولكن متخاذلين, تآمروا وقصّروا ولكن كل شيء كان متاح للصمود .
ذكرني هذا بالبومرانج:
فهناك سلاح بدائي لدى الأوستراليين الأصليين يدعي (البومرانج) , هذا السلاح يحتاج لمهارة في استخدامه وهو على شكل حرف الدال العربي , وميزة السلاح انه يرتد لصاحبه بعد إطلاقه , وإذا لم يكن هذا منتبها وماهرا فإنه يصيبه وقد يقتله .

وبهذه المناسبة:لأبطال حرب حزيران المنسيين,لروح محمد سعيد يونس ,لمن قام بعد حزيران وكان له شرف إعادة الإعتبار للأمة ,للذين يرون تاريخهم بعيون وقلوب وطنية وعقول ناقدة واعية ..إجلالي ومحبتي.

إضافة تعليق جديد