ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني أن زياد الرحباني كان شاعراً
وملحناً ومغنياً وممثلاً ومؤلف مسرحيات ملأى بالنقد الساخر والهجاء
المرّ ,حظي
إبان حياته باختلاف مواقف الناس منه فبعضهم أحبه واحترمه وأغرم به,وعلق
صوره على جدران غرف النوم ,وبعضهم الآخر ذمه واعتبره طائشاً يبدد
مواهبه
وطاقاته فيما لا يجدي...ويضيع أوقاته في النقيق المتذمر...
وزعم أبو حيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة أن زياد الرحباني
كان يحب يده اليسرى أكثر من اليمنى وكان يعاني بؤساً عقيماً مقيماً لا
سبب
له إلا أنه كان يحلم بتغيير أوضاع الناس, وتحويل الأرض جنة ,فإذا الناس
يتغيرون فعلاً ويصبح الصقر غراباً دائم النعيب, وإذا الأرض قبر كبير
يتسع
للأموات والأحياء, وإذا زياد الرحباني كالبردان الذي ينشد بعض
الدفء,فتطوقه نيران الحرائق...
وكان زياد الرحباني كغيره من الناس ينام كل ليلة,ولكنه كان يرى في
أثناء
نومه غيفارا يوبخه ويقول له متسائلاً بسخرية: أهذا هو النضال يا رفيق؟
ويرى رامبو يشهر عليه عصا غليظة ويقول: أنت مطرود من مافيا الشعر
والشعراء ويرى لينين يطارده ويطرح عليه سؤالاً لا يمل تكراره : ما
العمل؟
ما العمل؟ .. ويرى ابن بطوطة يقول له: إذا مللت وطناً .. فأرض الله
واسعة
تزخر بمئات الأوطان ويرى فرويد يقول : إذا ظللت تحلم فأنت النائم في
الليل والنهار فيستيقظ زياد من نومه قانطاً غاضباً...ولا يدري ماذا
يفعل,
فإذا بقي في بلده التهمه الغيظ ببطء وتشفٍ ,
وإذا انتحر سيقال إنه جبان رعديد فرّ من المعركة,وإذا تكلم حاصرته شتى
أنواع المتاعب, وإذا سكت تحول حطباً يابساً يحترق بغير نار....
وكان زياد الرحباني رجلاً أريباً لا يخدع بسهولة,ولم يصدق المزاعم
الأميركية
والروسية القائلة بعدم وجود أحياء على سطح القمر,وقرر الهجرة إلى القمر
وتقديم طلب اللجوء السياسي إلى الجهات المختصة في القمر .. ومن الغريب
أن كتب المؤرخين الذين اهتموا باحديث عن أهم الرحلات العربية لم يذكروا
الوسائل التي استخدمها زياد للوصول إلى القمر..ولم يعرف إن كان قد
استخدم قدميه أم أم السيارة أم الطائرة أم المركبات الفضائية.. فكأن ما
هو مهم فعلاً هو الرحلة فقط وما جرى فيها...
وعندما وطئت قدما زياد سطح القمر استقبلته سلسلة من المفاجآت ,فدولة
القمر تعج باأحياءالذين لا يتكلمون إلا اللغة العربية الفصحى ,
ويعتبرون
التكلم باللغة الانكليزية ذات اللكنة الأميركية رجساً من عمل
الشيطان ..وتنتشر بينهم أغاني راغب علامة انتشار النار في
الهشيم...ويستخدمونها أحياناً بدل النشبد الوطني الرسمي ,ولكنهم لا
يطيقون
الشعر حتى أن الشاعر يستأجر جمهوره بأغلى الأسعار ليستمعوا لشعره , أما
الأجهزة التلفزيونية فمحظورة لأسباب صحية , وتعامل على أنها أشد خطراً
من
الإيدز....
وترحيباً بزياد الرحباني كونه ابن خير أمة أخرجت للناس ,أقيم له مهرجان
تكريمي حضرته الجماهير الغفيرة التي ما أن رأت زياد حتى صفقت له بحماسة
وتعالت الهتافات المدوية التي تشيد بالوحدة العربية الفوريةوالخلافات
العربية الأبدية..
ودعي زياد إلى إلقاء كلمة على تلك الجماهير, فرحب بالدعوة مبتهجاً بأن
تسنح له الفرصة بأن يقول بصوتٍ عالٍ بعض ما يعذبه .. فابتدأ كلمته
بتوجيه
تحية إلى سكان القمر فلكزه الشرطي الواقف لصقه وقال له بصوت خفيض:
لا تنسَ سيادة فخامة الرئيس
فوجه زياد تحيته إلى الرئيس المفدى فقال له الشرطي: لا تنسَ رئيس
الوزراء
وأصحاب المعالي الوزراء والسادة النواب والمحافظين ومديري مخافر الشرطة
العيون الساهرة
فوجه زياد تحيته إلى كل الذين ذكرهم الشرطي مضيفاً إليهم الحراس
الليليين, ثم قال للجماهير بصوت مملوء بالأسى والأسف : جئت إليكم
هارباً من
الظلم....
قال الشرطي لزياد: الكلام في السياسة ممنوع
قال زياد للجماهير: جئت إليكم طالباً بعض الحرية..
قال الشرطي لزياد بصوت غاضب صارم: غيّر الموضوع..
قال زياد للجماهير: جئت إليكم هارباً من الفساد والجوع..
قال الشرطي: لا داعي لإحزان الناس ...تكلم عمّا يفرح ويضحك..
قال زياد للجماهير: جئت إليكم هارباً من دلو كبرى ظالمة معتدية
فقاطعه الشرطي قائلاً: هذا الكلام يسيء إلى علاقاتنا الخارجية.؟.
قال زياد للجماهير: جئت إليكم هارباً من الأ فلام العربية والأغاني
الحديثة
والمسلسلات التلفزيونية.
فربت الشرطي بيده على كتف زياد قائلاً : تكلم..تكلم ما تشاء فحرية
التعبير
عن الأفكار والآراء مصونة في دولة القمر ..
وروى ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان أن زياد
الرحباني عاد بسرعة إلى البلد الذي ولد فيه...وانضم لقائلين أنه لا
وجود
لأحياء على سطح القمر...