آخر الأخبار

سبينوزا
تصنيف التدوينة: 

كتب سبينوزا يوما

" سأكتبُ عن الكائنات البشرية ، و كأنني أكتبُ عن الخطوط و السطوح و الأجسام الجامدة . وقد حرصتُ على أن لا اسخر أو العنَ أو أكرهَ الأعمال البشرية بل افهمها ، ولذلك نظرتُ إلى العواطف .. لا باعتبار كونها رذائل و شرور في الطبيعة البشرية و لكن بوصفها خواص لازمة لها كتلازم الحرارة و البرودة و العواصف و الرعد و مشابهها لطبيعة الجو . "
" على الرغم من أنني أجدُ أحياناً بطلان النتائج التي جمعتها بعقلي و تفكيري الطبيعي ، و لكن هذا لن يزيدني إلاّ اقتناعاً ، لأنّني سعيد في التفكير و جمع المعلومات و لا أضيّع أو قاتي في التحسّر و الحزن ، بل أنفقها في السلام و الصفاء والسرور . "

________________________________________

المادةُ والعقل

السرورُ و الألم هما إرضاء الغريزة أو تعطيلها ، وهما ليسا سببين لرغباتنا بل نتيجة لها ، إننا لا نرغبُ في الأشياء لأنها لا تسرنا ، و لكنها تسرنا لأننا نرغبٌ فيها و لا مناص لنا من ذلك.
ويترتّبُ على ذلك أن لا يكون للإنسان إرادة حرة ، لأن ضرورة البقاء تقرّر الغريزة ، و الغريزة تقرر الرغبة ، و الرغبة تقرّر الفكر و العمل . و قرارات العقل ليست سوى رغبات ، و ليس في العقل إرادة مطلقة أو حرة ، وهناك سبب يسيّر العقلَ في إرادة هذا الشيء أو ذاك ، وهذا السبب يسيّره سببٌ آخر ، و هذا يسيّره سبب آخر و هكذا إلى ما لانهاية ، يظنُّ الناس أنّهم
أحرا ر لأنّهم يدركون رغباتهم ومشيئاتهم ، و لكنهم يجهلون الأسباب التي تسوقهم إلى أن يرغبوا أو يشتهوا .
يمكنُ مقارنة الشعور بالإرادة الحرّة بحجر رُمي إلى الفضاء و إن هذا الحجر لو وهب شيئاً من الشعور لظن ّ أثناء رميه وسيره في الفضاء انّه يقرّر مسار قذفه ، و يختار المكان والوقت الذي يسقطُ به على الأرض .

________________________________________

العقلُ و الأخلاق

إن اللذة هي انتقال الإنسان من حالة كمال اقل إلى حالة أعظمُ كمالاً . و الألمُ هو انتقال الإنسان من حالة كمال أعظم إلى أخرى أقلّ كمالاً . و إنا أقولُ انتقال لأنّ اللذة ليست كمالاً في حد ذاته : فلو ولد إنسان كاملاً لما شعرَ بعاطفة اللذة ، و نقيضُ هذا يزيدُ الأمرَ وضوحاً .
أنا أفهمُ من العاطفة أوضاع الجسد التي تزيدُ فيه أو تنقصُ قوة العمل والتي تساعدُ أو تقيّد هذه القوة ، وأفهمُ منها في الوقت ذاته الأفكار التي ترافقُ هذه الأوضاع .
و أنا أقصد بالفضيلة و القوة نفس الشيء .
و كلما زادت مقدرة الإنسان في الاحتفاظ ببقائه و البحث عمّا ينفعه كلّما زادت فضيلته .
لا بهمل إنسان شيئاً نافعاً له إلا إذا كان يرجو خيراً أعظم منه . فإذا كان العقلُ لا يطلبُ شيئاً يتعارض مع الطبيعة ؛ لذلك يجبُ على كل إنسان أن يحبَّ نفسه ، و يبحثُ عمّا يفيده ، و يسعى إلى كلّ شيء يؤدّي به في الحقيقة إلى حالةٍ أعظمُ من الكمال . و إن كلّ إنسان يجبُ أن يحاول المحافظة على بقائه كلّما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
إن محاولةَ الفهم هي الأساس الأوّل و الأوحدُ للفضيلة . و إن العاطفة فكرةٌ ناقصة . بحيثُ أنّ الفكرة يجبُ ألا تنقصها حرارةُ الرغبة ، كما أنّ الرغبة يجبُ أن لا ينقصها ضوء الفكرة . لأنّ العاطفة لا تظلّ عاطفة إذا ما تكوّنت في الذهن عنها فكرةٌ
و اضحةٌ جليّة .
==========================================================
من كتابه : مُقتطفات ، " الأخلاق مؤيّدة بالدليل الهندسي"1665م -

إضافة تعليق جديد