لنتأمل القول :
"لتتقارب أي متتالية في نفس الفضاء الطبولوجي يجب أن يكون كاملاً
Complet ؟"
أظن أنه يوجد هنا التباس بين مفهومين مختلفين... و على عكس أولئك
الذين يجلطوننا بادعائهم أن لدينا التباس ثم يغادرون، فأنا سأوضح
أين أرى الإلتباس.
لكن قبل أن أمضي قدما هل لي بإيضاح نقطة هامة: أنا لم أعتبر
أبدا علم الطبولوجيا علما رياضيا! أنا كنت دائما أعتبر الطبولوجيا علم
"تقشير البرتقال": الكرة المغلقة هي برتقالة، الكرة المفتوحة هي
برتقالة مقشرة. طبعا هذا الكلام هو كفر بالنسبة لأي رياضي، لكن بالنسبة
لي فالتفكر بالطبولوجيا على صيغة برتقالات كان يسمح لي دائما أن أستخدم
"حاسة الشم" كي أجد الحل المطلوب، و طبعا بعد ذلك يأتي دور البرهان
الدقيق.
و منه ففي التأملات التالية سأعتمد بشكل أساسي على المبادئ البرتقالية
و على حاسة الشم، و لعلي أكتب فرضيات خاطئة لكني على الأقل سأتمكن من
أن أوضح أين أرى الإلتباس، و سأقدم مثالا معاكسا.
الإلتباس كما أراه هو بين مفهومين: لصاقة مجموعة ما (بالفرنساوية:
Adhérence)، و أن تكون مجموعة ما كاملة (Complet).
لاحظ لو سمحت أن المفهوم الأول يمكن استخدامه في أي فضاء طبولوجي، في
حين أن المفهوم الثاني لا يمكن استخدامه إلا في فضاء متري...
أولا: خارج الفضاء الطبولوجي لا يوجد شيء.
أقول هذا ردا على جملتك "لتتقارب أي متتالية في نفس الفضاء الطبولوجي".
هذه الجملة بهذه الصياغة لا معنى لها: ذلك أننا حين يكون لدينا "فضاء
طبولوجي" ما، فهو كل ما نمتلك، ليس هناك أي شيء خارجه! و منه
فالمتوالية إما أنها متقاربة -فهي حتما متقاربة ضمنه- أو هي متباعدة، و
الثالث مرفوع!
بالمقابل فجملتك تصبح استفهاما مفيدا إن كنت تتحدث عن "فضاء طبولوجي
جزئي مع الطبولوجيا المشتقة" (Topologie induite)، يعني أنت تتحدث عن
مجموعة جزئية من فضاء طبولوجي و قد عرّفنا عليها طبولوجيا نشتقها من
طبولوجيا الفضاء الكلي حيث تكون المفتوحات في الطبولوجيا المشتقة هي
تقاطع المفتوحات في الفضاء الكلي مع المجموعة الجزئية إياها...
قبل أن أمضي قدما سأقدم مثالا: المتوالية 1، 2، 3، 4، ... في فضاء
الأعداد الحقيقية مع الطبولوجيا المعتادة هي متوالية متباعدة. لكن إن
قمنا "بترصيص" هذا الفضاء الطبولوجي حيث نضيف له القيمتين "زائد
مالانهاية" و "ناقص مالانهاية" و نعرف عليه بعدا "مرصوصا" بحيث يكون
البعد بين هاتين النقطتين محدودا، يختلف الأمر.
يمكننا إنجاز ذلك عن طريق إنشاء تقابل بين مجال مفتوح و محدود من
المستقيم الحقيقي (مثلا: ]-1, +1[ ) و المستقيم الحقيقي و اعتبار البعد
بين أي نقطتين مساو للبعد بين مقابلتيهما في المجال المحدود إياه.
في هذه الحالة يمكننا أن نلاحظ أن هذا الفضاء هو فضاء متراص (Compacte)
-لن أبرهن صحة ذلك و لن أطالبك ببرهانه، فقط ألاحظ أنه فضاء صغير بما
فيه الكفاية كي أستخدم حاسة الشم فأقول أنه متراص-... و نلاحظ أن
متواليتنا إياها أصبحت متقاربة في هذا الفضاء...
فنحن نرى إذن أن المتوالية نفسها عينها بذاتها كانت متباعدة فصارت
متقاربة.. حين غيرنا الطبولوجيا.
لهذا أشدد على أن التقارب أو التباعد أو إلخ... لا يمكن مناقشته إلا في
نطاق فضاء طبولوجي محدد مع تعريف دقيق للطبولوجيا المعتمدة.
ثانيا,اللصاقة:
لصاقة مجموعة محتواة في فضاء طبولوجي لها تعريف دقيق... لكني لن
أستخدمه، سأكتفي بالقول أن لصاقة البرتقالة هي أن ننظر للبرتقالة فإن
كان ينقص قليلا من قشرها فإننا نعيد لصقه بها...
لصاقة مجموعة ما تتصف بصفات عديدة. أنا شخصيا أظن أنها ستكون حتما
مجموعة مغلقة -البرهان البرتقالي واضح، و البرهان الرياضي لا يهمني، و
أصلا قد يكون هذا الكلام خاطئا و هذا لا يهمني!
لكن يمكننا أن نثق أن لصاقة مجموعة ما تحقق طلباتك: أية متوالية تمتلك
حدودها ضمن المجموعة الجزئية و تتقارب في الفضاء الكلي، فنهايتها
موجودة في اللصاقة.
هذا هو ما كان يهمك. تعريف لصاقة مجموعة ما...
و منه نصل لحالة الأعداد المنطقة Q و الأعداد الحقيقية R ... فمجموعة
الأعداد الحقيقية تم إنشاؤها، بالتعريف، بصفتها Q مضافا إليها نهايات
المتواليات الكوشية (و ليس كل النهايات)، و منه يتضح بداهة أننا إن
اعتبرنا Q ضمن الفضاء الطبولوجي R، فما من شك أن R محتواة ضمن لصاقة
Q!... فنستنتج بداهة أنها تساويها...
و لهذا السبب قال لك أحد المدرسين أن Q كثيفة ضمن R، ذلك أن لصاقة
الأولى تساوي الثانية، تساوي الفضاء الكلي.
و هنا نصل للإلتباس... يعني نجد أن لصاقة Q هي فضاء كامل... لمه؟
لنتذكر أولا أن اللصاقة هي مجموعة مغلقة -و هذا لم نبرهنه و لن
نبرهنه-... و أنا شخصيا أضيف فرضية أخرى: ضمن أي فضاء كامل، أية مجموعة
مغلقة مزودة بالطبولوجيا المشتقة تمثل فضاء كاملا...
لن أبرهن ذلك، لكني سأدعوك لاعتماد الأسلوب البرتقالي: يعني هذه
برتقالة مغلقة، و نحن لم نزعجها إطلاقا لكننا استخدمنا البعد المعرف في
الفضاء الكلي، فمالها لا تكون كاملة؟
فهذا هو مصدر الإلتباس: لأن لصاقة مجموعة الأعداد المنطقة هي مجموعة
مغلقة، فهي و لا شك فضاء جزئي كامل....
طيب كيف يمكن لنا أن نخرج من هذا الإلتباس؟ يعني كيف يمكن لنا أن نجد
المثال المعاكس الذي ترغب به؟ و نحدد ما نعنيه:
أنت ترغب بمثال عن فضاء طبولوجي، نجد فيه مجموعة جزئية ما بحيث أن كل
المتواليات الموجودة فيها و المتقاربة ضمن الفضاء الكلي تتقارب فيها و
لكن مع ذلك هي ليست كاملة...
بصيغة أبسط: أنت ترغب بفضاء طبولوجي بحيث أن لصاقة مجموعة ما لا تكون
فضاء كاملا، مع أن كل المتواليات التي تهمك تتقارب ضمنها.
كي نجد المثال، أرغب بالتذكير بالفرضية -التي لم و لن أتعب نفسي
ببرهانها- و هي أن كل مجموعة مغلقة ضمن فضاء طبولوجي (متري، بداهة)
كامل هي فضاء جزئي كامل.
و بما أن اللصاقة هي -وفقا لفرضية أخرى لم و لن أبرهنها- هي مجموعة
مغلقة، فنستنتج أننا كي نجد المثال المعاكس الذي ترغب به فيجب علينا أن
نفر من الفضاءات الكاملة فرارنا من المجذوم (أو من الأسد)...
فوداعا يا مجموعة الأعداد الحقيقية، لقد وجدنا الحل!
أظن انك أدركت إلام أرمي: الحل المنشود نجده في مجموعة الأعداد
المنطقة!
لتكن مجموعة الأعداد المنطقة مع الطبولوجيا الإقليدية المعتادة... و
لنأخذ مجموعة جزئية منها... و لنأخذ لصاقة هذه المجموعة ضمن الفضاء
بتاعنا، يعني ضمن Q...
لنفترض الأن متوالية ضمن مجموعتنا الجزئية، و لنفترض أنها متقاربة ضمن
الفضاء الكلي -مجموعة الأعداد المنطقة- فنستنتج بداهة -وفقا لنظرية لم
و لن نبرهنها- أنها متقاربة ضمن اللصاقة...
و لكن، و كما لا يخفاك الأمر، فهذه اللصاقة ليست كاملة، ذلك أن الفضاء
الكلي، بأمه و أبيه، ليس كاملا!
فهاك إذن لصاقة لمجموعة ما، لكنها ليست فضاء كاملا، و هو المثال
المعاكس الذي كنت ترغب به...
هل يجيب هذا على سؤالك؟