نعم أيها الأحبة! لقد حبب إلي من دنياكم النساء و الطيب، و جعلت قرة
عيني دراسة الرياضيات...
فبعد أن كتبت مقالي (تأملات في الطبولوجيا)عدت لمراجعة دفاتري العتيقة بهدف التحقق من
صحة النظريات و الفرضيات التي كتبتها "باعتماد المبادئ البرتقالية"، و
إذ اتضح لي أنها جميعا صحيحة، فهذا يقودني للسبب الثاني الذي جعلني
أعود لهذا الموضوع: بهدف التأكيد على صحة تلك النظريات و من ثم التوجيه
لكيفية برهان البعض منها...
-فيما يخص المستقيم الحقيقي و قد "رصصناه" وفقا للبعد المعرف أعلاه:
نعم هو حقا و صدقا فضاء طبولوجي متراص:
فأولا، هو فضاء منفصل (بداهة! هو أكثر من ذلك: هو فضاء متري).
ثانيا: خذ تغطية من المفتوحات له، اعتبر المفتوحتين اللتين تغطيان
المالانهايتين، و لا حظ أن ما يتبقى من المستقيم الحقيقي هو مجال
محدود، و برهن أن تغطيته تتم بعدد منته من المفتوحات... و منه
استنتاجنا: أي تغطية من المفتوحات لهذا الفضاء تتضمن تغطية منتهية له،
فهو إذن فضاء متراص...
-فيما يخص لصاقة مجموعة ما في فضاء طبولوجي: هي بالتعريف "أصغر مغلقة
تتضمن المجموعة إياها". فهي مغلقة بالتعريف. و في فضاء منفصل فهي تتضمن
كافة نهايات المتواليات المتقاربة التي تنتمي للمجموعة إياها. و لبرهان
ذلك فسنقوم ببرهان نظرية وسيطة و هي كما يلي:
اعتبر لصاقة مجموعة ما ضمن فضاء منفصل، و اعتبر نقطة ما تحقق الشرط
التالي: أي جوار لهذه النقطة يقطع اللصاقة بمجموعة غير خالية، برهن أن
هذه النقطة تنتمي للصاقة.
ثم، و بعد إنجاز البرهان أعلاه، استنتج بداهة أن لصاقة مجموعة ما ضمن
فضاء منفصل تتضمن كل نهايات المتواليات المتقاربة التي توجد ضمنها.
-فيما يخص المجموعات المغلقة ضمن فضاء كامل و باستخدام الطبولوجيا
المشتقة: نعم الشرط اللازم و الكافي كي تكون الفضاء الجزئي كاملا هو أن
يكون مغلقا (و البرهان بسيط)
الفضاء فوق المتري
حين درسنا في الصف الأول الإعدادي (السابع) المثلثات في الهندسة
الإقليدية (يعني في الفضاء الطبولوجي المتري الإقليدي، يعني في
الطبولوجيا الإقليدية)، علمنا أن إحدى خصائص المثلث ب جـ د هو أن الضلع
(ب جـ) أصغر أو يساوي مجموع الضلعين (ب د) و (جـ د)...
(لاحظ أن التساوي يحصل حين تكون د واقعة بين ب و جـ).
الفضاء فوق المتري هو بالتعريف فضاء متري (فضاء طبولوجي متري) يحقق
الخاصة التالية:
في المثلث ب جـ د، الضلع (ب جـ) أصغر أو يساوي أكبر الضلعين (ب د) و
(جـ د)...
إذن هو فضاء متري، و فوق ذلك هو متري جدا!
و لكن هنا تبدأ الغرابة... فبما أن الضلع الأول هو أصغر من أكبر
الضلعين الآخرين، تخيل إذن أن تكون النقطة د واقعة بين ب و جـ...
نستنتج وفق التعريف أن الضلع (ب جـ) إما أن يكون أصغر من (ب د) أو أنه
أصغر من (جـ د)...
واش؟
إي، تماما!
في الفضاء فوق المتري ضلع المثلث أصغر (أو يساوي) أي "جزء" منه...
يعني القطعة المستقيمة هي أصغر أو تساوي أي "جزء" منها...
سأعود لشرح كل هذا اللقش لاحقا، لكن قبل أن أتابع سأروي لك قصة حقيقية
ممتعة و ذات مغزى (قحمذم)...
يوم أعطانا د. صلاح الأحمد محاضرة الفضاء فوق المتري، وصل صديقي آصف ج.
لقاعة الصف متأخرا بما لا يتجاوز عشر دقائق (من أصل مدة المحاضرة و هي
ساعة و أربعون دقيقة)، يعني كان د. صلاح الأحمد قد أنجز مسح السبورة
الأولى التي تتضمن التعريف... فحين راح يشرح لنا الخصائص العجيبة و
الغريبة للفضاء فوق المتري كان آصف عاجزا عن فهم أسباب ذلك، فكان لا
ينفك ينظر إلي مستغربا... و لكني كنت عاجزا عن مساعدته...
و لكن حلت المسألة ببساطة حين خرجنا من قاعة المحاضرة و أعطيت دفتر
ملاحظاتي لآصف كي يقرأ السطور القليلة الأولى، ...
في الفضاء فوق المتري، و باعتبار تعريفه أعلاه و متراجحتي المثلث
الصحيحتين في أي فضاء متري (و بالتالي فهما صحيحتان في الفضاء فوق
المتري) و القائلتين بأن أي ضلع في المثلث أصغر أو يساوي مجموع الضلعين
الآخرين و أكبر من (القيمة المطلقة لـ ) فرقهما، يمكننا و ببساطة أن
نبرهن النظرية التالية:
في الفضاء فوق المتري، البعد (ب جـ) يساوي أكبر البعدين (ب د)، (جـ د)
و ذلك أيا كانت النقطة د.
(أو... يعني فيكون البعدان (ب د) (ج د) متساويان).
و منه:
في الفضاء فوق المتري أي مثلث هو مثلث متساوي الساقين...
و منه أيضا:
حين نحدد النقطتين ب، جـ فعندها لا يعود للنقطة د من إمكانية للوجود
إلا على سطح كرة نصف قطرها هو المسافة (ب جـ)، و مركزها إحدى النقطتين،
لعن الله الثلاثة! (أو أن د تقع على المستوي المتعامد مع القطعة
المستقيمة إياها في منتصفها و خارج تلك الكرة)، (و منه أن رسمنا أعلاه
ليس دقيقا).
لكن عجائب و غرائب الفضاء فوق المتري لا تتوقف عند ذلك...
هاكم خبط لزق كوشة نظريات تتعلق بالفضاء فوق المتري...
- كل كرة مفتوحة هي مجموعة مغلقة (كل برتقالة مقشرة هي عبارة عن كومة
برتقالات بقشورها)...
- و العكس بالعكس: كل كرة مغلقة هي مجموعة مفتوحة (كل برتقالة بقشورها
هي عبارة عن كومة برتقالات مقشرة)...
- إن تقاطعت كرتان فإحداهما محتواة في الأخرى...
- و النظرية الأفظع: كل نقاط الكرة المفتوحة تقع في مركزها....
- و أفظع من ذلك: لنأخذ كرتين مفتوحتين و منفصلتين و تمتلكان نفس نصف
القطر، و لندحشهما في كرة مغلقة لها نفس نصف القطر، فالمسافة بين
مركزيهما تساوي... نصف القطر إياه...
- و نختم بأفظع ما لدينا: حين نعرف بعدا فوق متري على مجموعة الأعداد
الحقيقية (فهي تصبح فضاء فوق متري)، فالشرط اللازم و الكافي كي تتقارب
متسلسلة عددية هو أن يكون حدها (المتوالية العددية التي تنشئها) يتناهى
للصفر...
***
طيب كل هذا اللقش جميل... لكن هل توجد فضاءات فوق مترية؟
و الجواب نعم، و سأكتفي بتقديم مثالين، لعن الله الثلاثة...
أحدهما هو الفضاء المتقطع الذي لمح إليه ظريف في شريط آخر، و تعريفه هو
أن البعد بين النقطة و نفسها هو الصفر (شرط أساسي لتعريف البعد)، و أن
البعد بين أي نقطتين مختلفتين ثابت (مثلا هو يساوي 1)...
لكن الفضاء المتقطع هو فضاء غني لدرجة تجعل دراسته قليلة الأهمية: هذا
الفضاء هو فضاء منفصل متري و فوق متري، و هو فضاء متراص إن كان عدد
نقاطه منته ماذا و إلا فهو غير متراص، و هو متصل إن كان عدد نقاطه
يساوي الواحد ماذا و إلا فهو غير متصل، و المتواليات الثابتة (إعتبارا
من حد معين) تتقارب و ما عداها يتباعد...
يعني كافة الخصائص الطبولوجية و كافة الخصائص المعاكسة يمكن تحقيقها في
الفضاء المتقطع... و منه قلة الفائدة من هذا المثال، و منه اهتمامنا
بمثال أجمل، سنسميه "الفضاء البيعاديك" (من منطلق: لعن الله اللي
بيعاديك)، حيث سنعرف عليه بعدا بيعاديكيا ينتج طبولوجيا بيعاديكية تتصف
بأنها طبولوجيا فوق مترية...
فلي عودة...