آخر الأخبار

دعوى ضد الكاتب زياد خداش بسبب مقال

المقال سبب الدعوى:
زياد خداش

مقهى زرياب

في مقهى زرياب، غالبا ما يبدأ الحب من نظرة، هو مقهى النظرات الأولى ويا ليتها تبقى نظرات ، فالاذكياء وذوي العمق يبقونها كذلك ويستمتعون بالانتظار والتخيل والتوهم ، أما المتلهفون السطحيون العاديون فلا يصبرون، ويطلبون ما بعد النظرات، فيفاجئون بما ينتظرهم من العادي والمتعب.
امراة ضجرة تجلس وحيدة في اقصى اليسار، الشمس الشتوية تكسر ملابسها وتغسل قلبها، الافق أمامها ينتظر عينيها لتنتهكه باحزانها واوهامها ومتاعبها، الافق يتحمل كل متاعب الاخرين ، يا له من تل صبور مسالم، لا يحرم احدا من ان يسقط عليه كل الامه واحلامه ، انه يعطينا الفرصة الشاسعة لان نتكيء على كتفه نبكي او نموت او نحلم او نسافر ، نتخيل غيومه مستقبلنا ، وشمسه الغائبة حزننا ، وشجيراته محطاتنا ، وهكذا الخ ، الرجل ينتظر صديقه ، لكن صديقه لا يأتي ، فقد انشغل بحادث بسيط لسيارته الرخيصة ، وتلتقي العيون ، ويتحرك الرجل كعادته ، وتبتسم المرأة

-يا له من طقس رائع
-نعم نعم
-هل ممكن ان اقاسمك بضع قطرات من شمسك

-طبعا تفضل

وتبدأ رحلة الكذب ،ويا لها من رحلة مخيفة.
هو يعرف انها تكذب وهي تعرف انه يكذب ، لكنهما يصدقان كذبات بعضهما ، فالفراغ مخيف، مخيف. يأخذ رقم جوالها ، يتصل بها بعد منتصف الليل ، يتنهد ويقول كاذبا : ما زلت اقرا في رواية الحمامة، بينما هو في الحقيقة يتحسس جسده وينظر متعرقا الى فضائية اباحية .
تقول له : ما زلت افكر في كلامك ، كلامك له رائحة عشب مريح تحت القدم العارية .
يهتز السرير بعد لحظات ويسيل الليل.
بعد عام واحد يصبحان عدوين ، حين تمر عنه في الشارع تتقيأ، وحين يمر عنها هو يضحك ويخبر اصدقاءه عن غبية سقطت في هوته ذات زرياب بعيد .

مقهى اوروبا

انه مقهى المرايا

انه ينبهني الى فوضى وجهي وضياع ملامحي ، ويسلمني الى ضراوة جوعي
النساء هنا مرهقات وحزينات وقليلات الكلام، فهن موظفات عائدات من مهنهن
جالسات لفترة قليلة في طريق العودة الى البيت، يلتقطن انفاسهن، وان وجدت امراة مع رجل فاعرف فورا انهما متعبان من علاقتهما وانهما على حافة الفراق ..
المرايا تصطف بانتظام على يمينك حين تدخل كأنها جنود معادون محتلون يتأهبون لتفتيشك و التحقق من هويتك وانسانيتك. تصفعك المرايا وتصطادك بلا رحمة، تشتت هويتك، فلا تعود تعرف، ايهما انت : الذي في المرايا ؟ ام الذي في المقهى؟
اضطر في أحيان كثيرة إلى العودة إلى المقهى لاسحبني من المرايا، أجرجرني أمام المارة، وأعود الى البيت لاجمعني وانام.

مقهى موكارينا

هناك يأتيني قويا وغادرا وهم الجمال والحصانة الداخلية. أحس أني خارج للتو من اجتماع مع ذهن العالم، الذهن الذي يخطط مسيرنا ويقترح نهاياتنا وبداياتنا.
هنا استغني عن كل الأصدقاء، لا أعود أعرفهم، أحب القراءة في هذا المقهى، محمد النادل الوسيم يعرف كم انا بحاجة الى الموسيقى لأقرأ وأحيانا اكتب ، فيشعل المكان انغاما خافتة، أحسها أحيانا شموعا لا انغام ، يعطيني ابتسامات صغيرة محبة تفحص مدى انسجامي، فيسعد هو حين يراني ذائبا في الجدار او طائرا في الفضاء الصغير، حين تاتي امراة لتجلس على طاولة بجانبي مع صديقها او صديقتها، ويصخب المكان بالثرثرات تتعالى داخلي صيحات الكبرياء و النشوة، فيشتد حنيني الى هناك ويتوهج رنين العالم البدائي داخلي ، كأني في سباق معهم، ايهما سيصل اولا الى الجبل، الجبل السحري ، جبل توماس مان ، انا واحلامي ونسور صمتي ووحشتي ؟ ام هم بكلاب اكتظاظهم وجثث افكارهم و كلامهم ؟ ، ومضغهم السريع للهمبرغر؟؟ لا احتاج الحب هنا ، لا احتاج النساء ، النساء هنا فائضات عن حاجاتي بل ومزعجات ولاهيات عن قفزات ذهني، ومملات وساحبات لطاقة الحياة والابداع ، وفكرة الحب تبدو هنا اكلة ساندويش فلافل ساخن ، بعد أكلة مسخن دسمة.

مقهى الانشراح

هنا يحلو لي البكاء الصامت، هنا أتلقى عادة خبر رحيل الاصدقاء، وهنا ابكيهم واتذكرهم، هنا تلقيت خبر رحيل مروان برزق، وهنا بكيت رحيل حسين البرغوثي وجمال يونس وعزت الغزاوي، هنا يحلو لي البكاء الصامت.
هنا أحب الاصدقاء ، حبا مخلوطا بطعم الزعتر .

مقهى ركب

أحب من هنا أن أرقب تفاصيل حركات المارة، نساء ورجالا، التفاصيل التي لا ينتبه لها احد، صوت ضحكة مكبوتة لامراة محجبة ، عرج صغير في قدم مدير عام يمشي مع ابنه ، حزن سيدة فقيرة تقف امام محل ملابس فاخرة، تنهيدة شهوة حارقة في وجه مراهق. اراقب المطروهو يمارس الحب مع قبعات النساء وحقائبهن الصغيرة ، طفل صغير يقع فتنحني أمه أو أخته والمطر يشوش نظام رموشها، وهي ما بين السعادة والضيق ، تحث صغيرها على النهوض والسرعة ..
ليس هناك اجمل من امراة تركض هاربة من مطر تعرف هي انه يحبها وتحبه ، تركض لتستمتع بمطاردته لها، ويستمتع هو بهربها منه. هنا في ( ركب) يختلط النظر السياحي بقهوة غاية في العذوبة ، تخرج من يد عبد علوي النادل المبتسم دائما ، هنا امارس الحب الفموي من وراء زجاج ، مع امراة تدعى مطر رام الله ، انه الانثى التي تجرب ان تكون ذكرا، انه الذكر الذي يحب ان يتقنع بقناع انثى ويتحول الى ريح ، لمطر رام الله رائحة الدهشة لفكرة جديدة تخطر على بال شاعر مضطرب، عانى من عسر الكتابة منذ سنين . الحب في (ركب ) لا غيرة فيه على احد ، لا توتر ، مثل قهوة علوي ، هادئة ترتشف شفاهي وتمتص قلبي .. وصامتة.. وموشكة على النهاية تقعد في روحي ولا تغادر.

مقهى سنغريا

المصدومات من نهاية علاقة طويلة و محمومة يهرعن الى هنا لاجئات الى دفء المكان وزجاجه المعتم قليلا ، واحترام النادلين الفقراء للخصوصيات، في هذا المقهى الحميم المطل الموازي لشارع الموّار بحركة السيارات ، غالبا ما تجد نساء جميلات غير مبتسمات يجلسن مع بعضهن البعض ، يفضفضن عن احزانهن ، يتوعدن الخائنين الرجال بحرب لا تحدث ابدا ، لان سنة الحياة الغريبة غير العادلة تقرر دائما انتصار الرجال ، انه مقهى المتروكات ، المجتمعات الحائرات ، المقتربات من بعضهم اقترابا يشبه رغبة في كسر قانون الغريزة وحرفها عن مسارها الممل الكريه .

مقهى كتكات

بعد جولة الجنس الدموي الاولى يحلو القدوم الى هنا ، انه مقهى الاستراحات ما بين جولة جنس واخرى، يا له من مقهى فاخر وزجاجي في كل شيء حتى في نظرات نادليه، وفي ابتسامات الشخصيات المرسومة في اللوحات المعلقة ، هيا نخرج قليلا نشرب القهوة ونتشمس، يقول المتوحش للمتوحش ، ولا يصلح لذلك سوى كتكات ؛ حيث شمس رائعة تخرمش وجوه الجالسين واجسادهم، بعد قليل ستشب نار جديدة ، في الجسدين المستريحين، سينز دخان خفيف من المسامات ، دخان الرغبة الماكر ، ستقول المتوحشة الجميلة والام لطفلين و القادمة من الشمال البعيد : هيا نعود الى غياب الشمس، اشتقت الى رائحة بطنك ، يبتسم المتوحش البدوي الذي ترجع اصولة القريبة الى خربة في الجنوب ، والذي يعمل مديرا عاما في احد المؤسسات الكبرى ، والحاصل على علامة خمسين في امتحان الثانوية ، الذي لم يزر مؤسسته منذ شهرين ، ينهض الشمال والجنوب ، يذهبان الى جولة جنس اخرى ، يعودان بعدها الى الشمس الجاهزة ، يهمس الجنوني لصاحب المقهى : هل تقنعون الشمس بالمبيت هنا ؟ ام انتم تستأجرونها ؟ يضحك صاحب المقهى ، ويقول مجاملا للجنوبي : كل شخص يأتي هنا يحضر معه شمسه ، انها شمسك يا سيدي ، وشمس متوحشتك .

مقهى ستونز

اذا اردت ان تتعرف على صديقات اصحابك فتعال هنا ، فالاصحاب هنا طيبون ، حين تهاتف صديقا لك : يقول لك فورا دون ان يعي مخاطر دعوته : تعال انا مع فلانة وفلانة وفلانة . اركض فورا الى هناك ، فصديقك المسكين ينسى هنا انك خطير جدا على صديقاته ، ليس لانه يثق بك، بل لان المقهى نفسه يسبب للجالسين فيه فقدان ذاكرة خفيف، ودوار صوفي حلو، وان كنت انت من اصحاب النوايا الشهوية، فاعتقد فورا ان من السهولة الخروج برقم جوال احداهن، وسط ذهول الصديق الذي سيندم على دعوتك، لن يتعلم الصديق الذي خدعته انت، وسلبت منه امراة او اثنتين كما تسلب له قميصه الصيفي المكوي جيدا.
ياه هل النساء قمصان ؟ هذا موضوع اخر، ان كل رجل يدخل هذا المقهى مع سرب نساء يقع دائما في فخ دعوة الاصدقاء الخبثاء ، انها طيبة المكان التي تنقل عدواها اليك فتصبح طيبا جدا ونورانيا لا تعترف بالشر او اللصوصية .

قاص وكاتب فلسطيني : رام الله

ZKHADASH@YAHOO.CM