آخر الأخبار

عراة من أبو غريب إلى... أريحا!

طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الأطراف المعنية ضبط النفس بعد عملية اقتحام سجن أريحا الذي احتوى المناضل أحمد سعدات . حيث تم اختطافه ونقله إلى داخل السجون الاسرائلية في الأراضي المحتلة ليصار لإحالته إلى محكمة اسرائيلية بتهمة التخطيط و التدبير لعملية اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي .
وما سبق هذه العملية من إخلاء للقوات الأمريكية و البريطانية عن سجن أريحا قبل دقائق معدودات وما واكب هذه العملية من نقل مرئي و صوتي لعملية عسكرية محضرة شاركت فيها جميع صنوف الأسلحة و العتاد العسكري في سبيل تدمير سجن أريحا واختطاف المناضل أحمد سعدات من معتقله وما تلى ذلك من مشاهد تصويرية لفلسطينيين تم إجبارهم على خلع ملابسهم في صورة لها دلالات و مؤشرات عميقه على حالة القهر النفسي عبر التصوير البصري لتعري الجسد العربي على امتداد أوطاننا من العراق إلى فلسطين !!!
بشكل معترض:( ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن السلطة الفلسطينية قامت باقتحام سجن عسقلان الاسرائيلي مثلاً . هل كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ستكتفي بالطلب بضبط النفس؟. أم أن جون بولتون سيظهر من على منبر الأمم المتحدة ليزبد و يتوعد الشعب الفلسطيني بالويل والعظائم و الكبائر و يعد اسرائيل بمزيد من الدعم اللا متناهي و المساندة الغير محدودة و للشعب الفلسطيني المزيد من الحصارو المعاناة و البؤس و الفقر !!!. وستركب كوندوليزا رايس الطائرة الأولى المتجهه إلى مطار بن غوريون لتقديم الطاعة و الولاء للفكرة . وماذا عن جورج بوش الذي أراه حينها في غرفته البيضاوية مع مساعده ديك تشيني يحاولان فتح الخطوط الهاتفية مع مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي ويستطيعان ذلك بعد جهد و تعب و وقت من الانتظار الطويل على سماعات الهاتف لتبليغ كل عبارات الامتنان والشكر والدعم و المساندة واللا مساومة على أمن اسرائيل ووجودها!!! )
ها هو أيهود أولمرت يحقق شعبية ملحوظة لحزبه الجديد(كاديما) في أوساط الناخب الاسرائيلي بعد عملية سجن أريحا التي خرقت فيها اسرائيل كل القوانين و الأعراف الدولية المعمول بها في إطار قرارات منظمة الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان و المنظمات الدولية .
وما أشبه منظر الأجساد العارية البارحة في فلسطين بأجساد سجناء سجن أبو غريب من العراقيين العراة الذين صورتهم عدسات بعض المجندين و المجندات الأمريكيات و بُثت صورهم على شاشات التلفزة الفضائية و نُشرت على الصفحات الأولى لوسائل الإعلام كافة .
إنه المشهد الواحد و الحقيقة الواحدة وإن تعددت الوسائل.
فالمشهد الواحد والحقيقة الواحدة هي تكريس حالة القهر النفسي في أعماق الفكر العربي الإنساني عبر وسائل وأدوات متعددة يمكن إدراجها تحت عنوان أوسع ( حرب الأفكار و المعتقدات و التقاليد).
فحالة التعري الجسدي واكبتها إدامة لحالة التعري الفكري و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي اشتغلت عليه الدوائر العالمية منذ بدايات القرن الماضي لسحق آخر ما تبقى من الموروث و التاريخ و الأصالة ..
فالتخلف و الجهل و التطرف و الاقتتال و الفساد وكم الأفواه و الحرمان و الفقر و التقسيم و التعتيم والتهميش , كلها نماذج لحالة التعري السائدة في منطقتنا على امتداد خرائطها التي غذت خلاعية الأطراف في أثواب التعري المفصلة في دارات حياكة الموضات العصرية للسياسة الأمريكية و الدولية في منطقتنا !!
فمن اعتقد منا أن صور أبو غريب الأمس لن تتكرر في فلسطين أو في مكان آخر من الوطن الكبير كان واهماً .
فالمحاكاة المستمرة ما بين النمط السياسي الأمريكي و النمط السياسي الاسرائيلي ما زال قائماً حتى اللحظة . ولن نجد له شكلاً آخر على الأقل في المدى المنظور .
إنها المحاكاة الدائمة و غزل الأداء الايديولوجي بين الطرفين ...
محاكاة القهر النفسي في عمق الفكر العربي من جهة , ومحاكاة بين الممارسات الانتخابية و الاستعمارية و القسرية للإدارة الأمريكية و حكومات اسرائيل المتتالية من جهة أخرى !
اعتقد أن ما جرى بالأمس القريب في العراق الأصالة و التاريخ و العمق العربي وما جرى البارحة في فلسطين الحلم المبتور في نفوس القهر , هو مقدمات موضوعية لمخططات رسمت ملامح الوجه الجديد و المرغوب من قبل الدوائر العالمية .
ولم تكن حالة التعري الجسدي في العراق و فلسطين أو أي مكان آخر محتمل في منطقتنا إلا حصيلة و نتيجة حتمية لحالة التعري الفكري و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي التي عاشتها وتعيشها منطقتنا حتى يومنا هذا !
ولم تكن الذاكرة البصرية الممسوحة لفكر الإنسان العربي لتتقبل بسهولة بشاعة الصورة في أبو غريب و في أريحا لو لم يتعر الفكر العربي في وقت سابق للآن!!
إن السؤال الدائم الذي يشغل الأوساط المطلعة و المختصة في العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى من جهة واسرائيل من جهة أخرى هو:
ما الذي يجبر هذه الدول للانصياع أمام رغبات و مخططات حكومات اسرائيل المتتالية دون إجراء أدنى محاكاة عقلانية وحكمة سياسية مقابل الممارسات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني المقهور ؟؟؟؟
اعتقد أن السبب هو الغزل الدولي و الاقليمي الخجل المُنساق خلف ايديولوجيا فكرة النشوء و التبعية و الوجود و النهاية !!!
وبذلك نرى يومياً تعري الفكر السياسي الجديد لحكومة الولايات الأمريكية وحكومات أخرى دولية و أقليمية أمام جبروت الفحولة الاسرائيلية القائمة على فكرة الفوقية والنوعية المركزية وإعطاء المثل و القدوة للآخرين حول كيفية الأداء وسلب الرغبات !!
وما التنامي و التكاثر النشط للفكر الصهيوني في تلك البلدان و عند تلك الحكومات , إلا انعاكساً جلياً للعري و الخزي الذي ألمَّ بالفكر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي لهذه البلدان !
وستبقى هذه المجتمعات حبيسة أفكار الغير و إرادات وإملاءات واشتراطات القبول في صفوف الصفوة و النخبة من البشر !!
وكما تمارس إدارة الولايات المتحدة الأمريكية سياسة التعري في العراق وتمارس اسرائيل سياسة التعري في فلسطين , فإن التعري المفضوح يتجلى يومياً في حياة شعوب هذه الدول وحكوماتها من جراء الممارسات القهرية و القسرية بحق الداخل كما بحق الخارج !!