آخر الأخبار

رد على ردود على أباطيل......

بل يمكن القول أن الخطب تلك لم تتضمن من الرد إلا ما قل ودل. بينما حفلت بتخطيئ وإقصاء كل من تجرأ على قول أو فعل ما رأى الشيخ أنه الحق ! بل إن الدرود تلك حفلت بتحوير وجر المسائل التي طرحت من الجهات العاملة في قضايا المجتمع إلى أمكنة وجمل وأفكار لم تطرح أبداً. أي أن الردود عملت على تعويم أفكار الآخرين وسلوكهم حتى تصير في المكان المنسب ليصب الشيخ غضبه الشديد عليها. بدلا من تناولها كما هي وتفنيدها ودحضها الحجة بالحجة.
وبمناسبة الحديث عن الحجة، مرة أخرى نتساءل لماذا لم يتطرق الدكتور إلى أي من الآراء التي قالها رجال دين مشهود لهم بتدينهم حول نفس القضايا التي رد عليها، ولهم فيها آراء مختلفة قليلا أو كثيرا عن رأيه؟! ليقل لنا بصراحة لماذا؟ هل لأنهم رجال دين مثلهم مثله ولا يمكنه أبداً أن يذهب إلى ربطهم بالشيطان وبأمريكا وبالمؤامرة الخارجية؟ أم لعلهم لا يستحقون رداً من أي نوع كان؟ أم، وهو ما يبدو لنا السبب الحقيقي، أن الدكتور الخطيب يعرف معرفة تامة أن لا حقيقة مطلقة بين أيدي رجل أو امرأة على وجه الأرض، ولذلك فإن تناول من لا يلبسون العمامات أسهل بألف مرة من الرد على الحجة بالحجة على من لا يمكنه أن يتهمهم بتلك الاتهامات؟
وإذا كان هذا الأسلوب لم يعد مفاجئا، دون أن يعني ذلك أنه صار مقبولاً، فإنه لا بد من القول أن الأسلوب هذا يستند مباشرة إلى خطاب يقوم أولا وأخيرا على أن الحقيقة المطلقة هي فيما يقوله قائله، وأن الآخرون أيا كانوا، هم في دائما عملاء ومخربين! ويستند هذا الخطاب دائما إلى تفسيرات لم يعد يقبلها إلا قلة قليلة من الناس بعد أن فشا العلم بينهم وتعددت مصادر المعلومات حتى لا يمكن لأحد أن يحتكر المعرفة. وهو، أي الأسلوب، دائما يغيب العقل والتفكير والبرهان، وهي من أهم مقومات العقائد السامية جميعا وعلى رأسها الإسلام، ويعتمد تشويه الآخر ورميه بمختلف الاتهامات، ولا بأس في سياق ذلك من تفسيرات لمسائل وحوادث لم تعد مقبولة بحال من الأحوال.
والعقل والتفكير والبرهان، والحرية والإرداة.. هي التي مكنت المسلمون الأوائل من بناء دولة مترامية الأطراف نهضت بحضارة أعطت الكثير للإنسانية. والبدء بحملة التطهير للفكر والمفكرين وللحرية الإرادة بالقتل والسجن والنفي و.. هي التي هدمت أولى حجارة تلك الحضارة قبل أن يتآكلها الغزاة.
الردود تلك لا تتضمن برأينا نقاشا ولا حججاً ولا براهين على ما نفكر به ونطرحه ونقوله ونسعى إليه علناً. ولذلك يصعب كثيرا الرد عليها. إلا أننا سنلط الضوء فقط على بعض من عناصرها.
1- أول ما يثير الانتباه هو القدرة المدهشة على ربط أي مخالف أو مختلف بالمؤامرة الخارجية الأمريكية على الوطن؟ بما يعني أن من معنا فهو مع أمريكا ؟ ولعلنا نذكر أن بوش هو أول من عمم هذه الصيغة عالمياً! وبوش هو المتهم الأول في الردود بأنه زعيمـ نا ؟ فنحن لسنا إلا أدوات بيده يحركها كما يشاء ليخرب وطننا فيه. ولسنا بوارد الرد على هذه المقولة أبداً. لكن من المفيد القول أن هذه النظرية لم تعد تلقى رواجاً. والأهم أنها لم تعد تخيف.
2- أما عن الشتائم في الردود فهي غربية فعلاً: أعداء الإسلام والعروبة- اليهودي إيتاتورك- تجرأ رئيس تونس أن وجه الأمر إلى المفتي ابن عاشور وطلب منه أن يفتي للناس بأن يفطروا في رمضان- مسلسل الخيانة- ومع صوت الغرب الكفار الخارجي ارتفع صوت جديد من داخل سورية الحبيبة مواكب لصوت الغرب الكافر- يطرحون أمثال هذا العلاك- أعداء البلاد وأعداء الإسلام- هؤلاء الخبثاء- جمعية أنصار المرأة، وبدأت باسم الشيطان وأتباعه، وباسم بوش وأذنابه، باسم أوروبا والغرب الكافر- الجمعية الخبيثة تريدها إباحية- يريدون من شعبنا أن يتسافدوا في الطرقات- وجمعية أعداء المرأة- أقول للحقير بوش- يا أعداء الأسرة- يا أعداء المرأة: يا أعداء الإسلام يا أعداء الوطن المقدس يا أعداء الشرف- هذا من أصداء توجيهات الحقير بوش- هؤلاء عملاء بوش الحقير- أيها الزناة- وهذا كله من الخطب الثلاث الأول فقط! وهي بعض من الشتائم. فهل يمكن الرد!
3- لكن ذلك لا يكفي.. بل إنه لا بد من تحويل القضايا التي نطرحها علانية وعلى رؤوس الأشهاد، وإضافة ما يمكن إضافته إليها لتصير صالحة لتحريض الناس على هذا العمل. لتحريضهم وليس لإقناعهم بخطأ هذا العمل! فالإقناع عين العقل، والعقل يعني التفكير. والتفكير هو شر الشرور وهو الشيطان متلبساً في الإنسان! كأن المطلوب هو نترك التفكير جانبا ونقبل ما يقوله أولي الأمر!
في هذا الإطار. لا ينفع أن يكون الاستبيان الذي طرحته جمعية المبادرة الاجتماعية يهدف بوضوح لمعرفة رأي الناسب بأي القضايا هي التي يعدونها مشكلة في حياتهم؟ إذ لا يمكن الرد أبدا على هذا الهدف! لذلك لا بد من تحويل هذا الاستبيان إلى جهات أخرى. بالضبط إلى هجوم على القرآن! بل إلى مطالبة بإلغاء عقوبة الزنا وإلغاء آيات الميراث و إلغاء الحجاب وطلب التسافد في الشوارع . وغير ذلك الكثير! هكذا يصير الاستبيان ليس إلا تحريضاً من الحقير بوش لتدمير القرآن الكريم وتخريبه!
وأما في الدعوة إلى إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، وهي ما سماها الشيخ قانون جرائم الشرف فلم يتمكن الشيخ، وهذا طبيعي، من إثبات كلمة واحدة ضد هذه المطالبة. فما الحل؟ بسيط للغاية: جملة إضافية تقول: وشطب الآية من القرآن التي تدعوا إلى عقوبة الزاني والزانية !! من أين جاءت هذه الجملة الإضافية؟ لا نعرف. لكن ما نعرفه أن أحداً لا يستطيع أن يثبت بأي شكل من الأشكال، حتى القياسية منها، أننا طالبنا بشطب هذه الآية أو أية أية أخرى في القرآن أو الإنجيل! وإذا كنا نفعل ذلك نحن أعداء المرأة والأسرة والإسلام و... بنوايانا الخبيثة، فهل يفعل ذلك كل ذلك العدد من رجال الدين المنشورة أسماءهم على هذا الموقع والذين إما أيدوا صراحة إلغاء المادة المذكورة، أو برؤوا الدين الإسلامي من انتمائها إليه وأعادوها إلى العادات والتقاليد التي ليست من الإسلام بشيء؟ وهل يستطيع الشيخ الجليل أن يقول ذلك؟ فهل من ضرورة لنذكره بأسمائهم؟ لا بأس: د. أحمد حسون مفتي الجمهورية، د. محمد حبش رئيس مركز الدراسات الإسلامية وعضو مجلس الشعب، د. محمود عكام خطيب جامع التوحيد، الشيخ بشير غلاونجي مفتي جبلة واللاذقية، الأستاذ العلامة محمد علي أسبر رئيس جمعية الإمام علي الرضا الخيرية، الأستاذ محمد أديب ياسرجي مدير دار فصلت، الأستاذ عدنان العبود رئيس الجمعية الجعفرية بطرطوس، الشيخ أحمد سليمان الهجري شيخ العقل الأول لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الأستاذ زياد الدين الأيوبي وزير الأوقاف السوري، السيدة أسماء كفتارو رئيسة لجنة المرأة في مركز الدراسات الإسلامية، د. رفيدة حبش دكتوراه في الشريعة، د. محمد نجدت الخطيب دكتوراه في الشريعة.. وغيرهم الكثيرون.. هذا غير رجال الدين المسيحي الذين أكدوا أيضا براءة الدين المسيحي من قبول وتشريع مثل هذه المادة.
جملة إضافية واحدة كانت كافية لإخفاء حقيقة أن هؤلاء جميعا هم رجال دين أيضا. ولا يمكن للشيخ الخطيب ولا لغيره أن يشكك في إسلامهم ولا في وطنيتهم. ولا يمكنه أن يرميهم بالعمالة لبوش ولا بشطب آيات من القرآن الكريم، ولا بالترويج للتسافد في الشوارع ! ولم يختلف الأمر كثيرا في المواضيع الأخرى كالميراث والشهادة وتعدد الزوجات وتعويض الطلاق التعسفي...
4- ومما يثير أيضا الفكر والتأمل هذا التأكيد المتكرر في التحريض على هذا العمل. تحريض الناس بالاتهامات التي يطلقها بين كل جملة وأخرى، وكان الأجدى أن يطرح فعلا ما قلناه ويناقشه ويفنده، وتحريض السلطة على إيقاف عملنا ومعاقبتنا! ولعمري هذه مطالبة غريبة. ففي الوقت الذي أكدنا فيه أن الحوار مع الناس هو هدفنا الأول، وهذا ما برهناه بأننا لم نتقدم بطلب إلى مجلس الشعب أو السلطة التنفيذية منذ اللحظات الاولى، ولم نسعى إلى تجميع الآراء من تحت الطاولة بل عمدنا إلى حلقات وندوات نقاش علنية مفتوحة، ويعرف القاصي والداني أننا أول من دعا المتدينون المعارضون لهذا العمل إلى ندواتنا، وبكل احترام وتقدير لمشاركتهم بآرائهم كما هي. ولو أردنا أن نسلك السلوك الذي يدعو إليه الشيخ الخطيب، لما تكلفنا عناء هذا الأمر. ولكنه إيماننا المطلق أنه الحوار أولا والحوار أخيراً. واحترامنا التام والمبرهن عليه عمليا لجميع الآراء أيا كانت، احتراماً عمليا عبر دعوته إلى مشاركتنا الحوار وإنصاتنا لرأيه بهدوء وروية وعقل وقلب مفتوحين. وليس بإقصائهم واتهامهم اتهامات شتى. ويعرف الجميع أن اتهامهم الآن هو الأسهل هذه الأيام، فهي موضة عالمية في الاتهام بالتطرف و.... بل أكدنا على الدوام رفضنا، شكلا ومضمونا، لهذه الاتهامات الموجهة للمختلفين معنا في الرأي.
وكنا نأمل حقا أن يكون رجلا بمقام ومكانة واحترام الدكتور الخطيب شريكا لنا في هذا الحوار. ويعرف الجميع أن له وجهة نظره المبنية على معرفة وعلم. وكان يمكن له لو أراد أن يقدم بمشاركته فائدة جلى لنا جميعا مسلمين وغير مسلمين، مسيحيين وغير مسيحيين، ومهما كانت عقائدنا وانتماءاتنا وأفكارنا. فالحوار الذي سعينا له هو مفتاحنا وبوابتنا إلى حلول مناسبة لمجتمعنا. ويشهد كل من تابع نشاطنا أننا أكدنا مرات ومرات على جملة أساسية: هذا بلدنا جميعاً، وهدفنا الأساس أن نتعلم معا كيف نسمع بعضنا لبعض .

هذه بعض من إضاءات بسيطة على بعض مما ورد في ردود على أباطيل . ومع ذلك، نعيد مرة أخرى تأكيد ما قلناه دائما: لم يعد يمكن لأحد أن ينفي أحداً. هذا زمن مضى إلى غير رجعة. ولم يعد يمكن لأحد أن يقوّل أحداً ما لم يقله دون أن يتظهر الحقيقة بألف وسيلة ووسيلة. والأهم: هذا مجتمعنا جميعاً، لن تنفع الاتهامات أبداً في زحزحة حبة رمل من مكانها! ولن يمكن لتغييب العقل والحوار أن يحمي بلداً أو أمة أو دينا أيا كان. إن أمامنا طريق واحد هو الحوار. ونحن من جهتنا لن نتنازل أبداً عن هذا الطريق. فهو خيارنا النهائي.