بغض النظر عن أي كلام يتحدث عن ضرورات المرحلة وخطورتها، فإن الحوار الوطني واستمراره هو حاجة ملحّة ودائمة لا تتوقف في أي مجتمع حي. ويُقصد بالحوار الوطني التفاعل الفكري وتبادل الآراء ونقاشها بين كافة أطياف المجتمع وتركيباته الفكرية والبشرية بمختلف أنواعها حول مجمل أمور هذا المجتمع بما في ذلك كيف نراه وكيف نرغب أن تكون بنية قوانينه السياسية والاجتماعية والاقتصادية بغية التحديث المستمر لهذه القوانين وإعادة النظر في مواقع الخلل فيها إن وُجدت. ولا يُقصد بالتحديث التغيير بالضرورة إنما هو عملية صيانة مستمرة قد تحتمل التغيير وقد لا تحتمله، وهذا الشيء تحدده حاجة المجتمع وفق ما يتوصل إليه المتحاورون.
وأهم ضرورات الحوار قبول الآخر بما يعني القبول بأن هذا الآخر(وقد يكون أكثر من آخر واحد) لديه رؤية ومعطيات ثقافية فكرية ربما كانت مختلفة تماما عما أفكر به، لكننا متفقون جميعا على خير المجتمع ورغبتنا بأن يكون أقوى وأجمل. وهذا الكلام يحمل معنى ما نقوله في حواراتنا كجهات مختلفة الآراء:(الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).
وقد اعتبر الرسول العربي الكريم أن الذهاب في الاختلاف إلى الإساءة الشخصية للطرف الآخر هي نوعٌ من النفاق الذي لا يزول إلا بزوال السبب أي الإساءة بقوله:( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ) .
وضمن جو الحوار الوطني المستمر قامت جمعية المبادرة الاجتماعية بطرح استبيان على المواطنين حول مجموعة نقاط موجودة في التشريعات السورية تراها هذه الجمعية أنها بحاجة لنقاش، وهي ستة عشر نقطة تتناول مواضيع ضمن علاقة الرجل والمرأة الأسروية بالمجتمع من خلال أسئلة تطرح بصيغة(هل تؤيد، هل تعارض،...) بصيغة أسئلة لا تتعارض مع الشرع في شيء كونه من حق أيٍّ منّا أن يطرح حتى سؤال(هل أنت مؤمنٌ بالله) على من يشاء(مع قناعتي الفكرية بأن الدخول في مثل هذا السؤال مرفوض أخلاقيا لأنه ينصّب البشر ديّانين على بعضهم فيما يعتقدون).
إذاً ما الجرم والجناية في أن أسأل مواطناً سؤالاً من نوع (هل تؤيد تشارك الزوجين في الإشراف على ممتلكات الأبناء؟)؟!.
هل يعتبر طرح هكذا أسئلة على الناس يكفي لنتهم طارحيها بأنهم(صوت يسعى ليفكك الوحدة الوطنية، ويخلق شرخاً بين الدولة والشعب ويدمّر التلاحم الداخلي لسوريا الحبيبة)، وأنهم(ينادون بتدمير الأخلاق والدين،....وتحطيم آخر قلعة من قلاع المسلمين وهو القرآن) إلى ما هنالك من تهم من بينها أنهم متعاونون مع القوى المعادية لضرب الوطن؟؟؟!.
كاتب هذه الكلمات لا يدّعي أنه فقيهاً في الدين ولا يضع نفسه بأيّ شكلٍ من الأشكال في هذا الموقع، لكنه يجد أنه من حقه وحق المجتمع أن يناقش(هو وغيره) ما أورده فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز الخطيب الذي كبّد نفسه مشقة تسعة دروس ألقاها في جامع الدرويشية في دمشق بحجة الرد على استبيان جمعية المبادرة الاجتماعية بطريقة أقل ما يقال عنها أنها لا تتناسب مع نهج القرآن الكريم في الحوار(فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ)/آل عمران-159/ أو(ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)/النحل-125/.
ما أحوجنا إلى هذا النهج في الحوار.
حارضة مليئة بالتهم والشتائم من كل حدب وصوب أتحفنا بها الشيخ الجليل الذي كنا نربأ به أن يأتي ليلقي بها وسط جموع من المسلمين (أو أن يقرؤوها عنه) وهم على قناعة بحجة منطقه وقوة برهانه، وهي في الحقيقة ليست بحاجة إلا للتفكر(الذي أوصانا الله به) للانتباه إلى الانتقائية في النصوص والقراءة المغلوطة للاستبيان واللعب على الوطنية والأخطار الخارجية وضرب الإسلام، وكأن من اشتغل على الاستبيان هو من خارج المنظومة السورية التي يشكل الإسلام المكون الثقافي الأساسي فيها أو أنهم يقبضون من جهات خارجية لضرب الوحدة الوطنية(فتشوا عن حساباتهم المصرفية أو بالأحرى ابحثوا عن ديونهم)، وللعلم فقط فإن الأعضاء المؤسسين لجمعية المبادرة الاجتماعية قد تعرفوا على بعضهم من خلال الاعتصامات التي كانت تقوم في دمشق خلال قيام العدوان الصهيوني على شعبنا في فلسطين سنة 2001.
كنا نتمنى لو أن فضيلة الشيخ بحسه الوطني والإنساني وغيرته على الإسلام قام بنفس الجهد ليطلب من تجار الشام دعم الليرة السورية لتزيل سعر الدولار والكف عن اللعب بقوت المواطنين المساكين، أو التوجه لهم لعدم التهرب من الضرائب وتقديم دفاتر حسابات حقيقية لوزارة المالية، أو التوجه للمواطنين بالدعوة إلى عدم استخدام البضائع الاستهلاكية الأمريكية كون الولايات المتحدة دولة عدوة (وهنا أسأل الشيخ الجليل هل يوجد نص شرعي يحلل أو يحرم التعاون الاقتصادي مع الأعداء؟ أرجو المعرفة)، أو الطلب من المواطنين أيضا مقاطعة الفاسدين(وما أكثرهم).......
بعد أن يعيد الشيخ الجليل إلى أسماعنا منطوق القاعدة الشهيرة حول مفهوم الحرية والتي تقول (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين) وبعد أن يقف قليلا باكيا على أطلال الدولة العثمانية معتبراً سقوط تلك الدولة (وهي التي قدّمت اختراع الخازوق لمن يرغب من عتاة الظالمين) مؤامرة صهيونية غربية ضد الإسلام، يخرج علينا بنتيجة يقولها بالحرف الواحد في بداية الحلقة الثانية من ديوانه)أنصار المرأة اليوم يهدمون الأسرة بحجة أنهم أنصار المرأة لكنهم جهلة وحكموا بدافع العاطفة لأجل شخص واحد (وهو المرأة) وهنا الطامة في التشريع الأرضي، التشريع الأرضي أو القانون الوضعي لا ينظر للمصلحة العامة بل ينظر لمصلحة الشخص لذا نرى المشرعين يغيرون القوانين من فترة إلى فترة، لسد ثلمة الخطأ فيها لكن القوانين التي شرعت بناء على التشريع الإلهي يبقى التقنين فيها ثابتا لا يتغير لأن الأصل التشريعي المأخوذ عنه(وهو القرآن والسنة) تشريع ثابت)
وهنا نسأل فضيلة الشيخ: كيف اعتبر نصف المجتمع تقريبا أي النساء شخص واحد مقابل جموع الرجال، وعلى أي أساس اعتبر القوانين الوضعية تنظر لمصلحة الأفراد، وأن التشريع الإلهي ثابت، إذا لم الاجتهاد، وما معنى الناسخ والمنسوخ؟.
ثم يعتبر الشيخ أن الاستبيان يساهم بتشجيع الزنا عن طريق إلغاء قانون جرائم الشرف وشطب آيات عقوبة الزنا من القرآن، بالرغم من أن نص السؤال الوارد في الاستبيان لا يقترب نهائيا من حق المشرّع في القصاص من الزاني والزانية بل يبتدئ بمقدمة توضح أن قانون العقوبات السوري(وهو قانون وضعي) يسمح للرجل بالاستفادة من العذر المخفف في حال جرائم الشرف بعكس المرأة التي لا تستفيد منه، ثم يطرح سؤالا على المواطنين حول اعتبار جريمة الشرف جناية لا تسقط العقوبة عن فاعلها. فإن الشيخ يصر على أن الجمعية تشجّع على الزنا بإيعاز من أمريكا بغرض تشجيع الخيانة الزوجية ونشر الإباحية ليتم التسافد في الطرقات(وللعلم فإن التسافد كلمة تطلق على النكاح بين البهائم...للزيادة يرجى مراجعة مادة سفد في لسان العرب!)، ولا ينسى أن يزكزك على عواطفنا ومشاعرنا بالحديث عن أمريكا وأفعالها في العالم واعتبار المناداة بذلك هو جزء من الأجندة الأمريكية المعدة لنا. ويتدخل الشيخ بعد ذلك في إيمانات الناس معتبرا أعضاء الجمعية مسلمين بالهوية(هل شققت على قلوبهم؟).
ويستند في كلامه حول تحليل جريمة الشرف إلى حديث نبوي ينص على أن سعد بن عبادة(زعيم الخزرج وكبير الأنصار) قال :لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني). معتبرا هذا الحديث يسمح لمن يرى زوجته في موقف الريبة أن يقوم بقتلها وقتل من معها.... أين حقوق المجتمع في القصاص ممن ارتكبا الزنا؟...
مع الانتباه إلى أن نفس الصحابي المذكور في الحديث يذكر في آخر بشكل مختلف.
يقول الحديث:( أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله ! إن وجدت مع امرأتي رجلا، أأمهله حتى أتي بأربعة شهداء ؟ قال نعم .)
وفي رواية أخرى يقول الحديث:( قال سعد بن عبادة: يا رسول الله ! لو وجدت مع أهلي رجلا، لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال: كلا، والذي بعثك بالحقّ ! إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا إلى ما يقول سيدكم. إنه لغيور. وأنا أغير منه. والله أغير مني .)
وهنا نسأل على أي حديث منها نعتمد، الحديث الذي يسمح للرجل بقتل زوجته إن رآها في موقف الريبة أم الذي لا يسمح أم الذي يغيّر فيه رسول الله رأيه، لا بقوة منطق محدّثه، إنما فقط بإقرار هذا المتحدّث بأنه فعل عكس ما يأمره به الرسول و الشرع الذي كان واضحا جدّاً في النص القرآني عندما يقول:( وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)/النور-4/، ونسأل الشيخ هنا: إذا اختلف الحكم بين الحديث الشريف والقرآن الكريم فأيّهما نأخذ؟.
ومن الحري بنا هنا أن نسأل الشيخ هل يُسمح للمرأة التي ترى زوجها في حالة زنا مع امرأة متزوجة(حتى لا يقول لنا أحدٌ أنها من الممكن أن تكون زوجته) أن تقتله و تقتلها كما أراد سعد بن عبادة. وماذا لو لم يكن هناك حالة زنا والموضوع هو افتراء أو شك؟. كيف نسمح للإنسان أن يقتل لمجرّد الشك، ولماذا نصدقه ولا نسمح لأولي الأمر بأخذ حق المجتمع من المذنبين(المحتاجين أصلا لشهود إثبات لا يقل عددهم عن أربعة يرون الحادثة كما هي أي حالة العملية الجنسية كاملة)؟،وبأي حقٍّ يقوم أي شخص بحرمان شخص آخر من الحياة بلا بينة؟ ألا يقول الله خالق الذكر والأنثى على لسان هابيل الشهيد(إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ)/المائدة-29/. وهنا سؤال صغير يطرح نفسه: ألا يحق لأعضاء الجمعية ومن ساهم في نشر الاستبيان برفع دعوى قذف وافتراء على الشيخ كونه ادّعى أنهم يشجعون الزنا وهي لها عقاب شرعي وقانوني.
ويكمل الشيخ سلسلته بادعائه أن هناك دعوة(إلى إجبار الزوج على قبول ولد ليس من صلبه لأنه جاء من زنا زوجته) وذلك في إشارة إلى التساؤل الذي طرحه الاستبيان والذي يقول أن قانون الأحوال الشخصية يجيز للزوج التحلل من نسب ابنه بالرغم من مضي ستة أشهر للحمل في الزواج الشرعي وثبوت التلاقي بين الزوجين.
وهنا نخبر الشيخ الجليل أنه بإمكان أي شخصٍ منا اليوم مهما كان عمره أن يتأكد من حقيقة من هو أباه وجده وجد جده إن رغب وذلك عن طريق تحليل الحمض النووي(D.N.A) الخاص به، فبأي منطق نبقى نعتمد على طرق تبدو بدائية جدا أمام الطريقة العلمية الدقيقة، وبأي حق نسمح لضعاف نفوس عديمي مسؤولية قد يلعبوا على هذا النص القانوني ويتبرؤوا من أبنائهم لغايات لا نعرفها.
وبالنسبة لمواضيع المواريث والشهادة وتعدد الزوجات وحضانة الأبناء نخبر الشيخ الدكتور أن هناك العديد من رجال الدين يتكلمون بمنطق تغييرها، فلماذا يحمل على واضعي الاستبيان(والذين كل ما فعلوه أن سألوا المواطنين عن رأيهم فيها وهو شيء لا يحملهم تبعة أي رأي مع أن الرأي حتماً ليس جريمة).
وبمقاربة منطقية أسأل الشيخ: إذا كانت المرأة قد أصبحت وزيرة وقاضية ونائبة ومدرسة في الجامعة وعالمة نووية وطبيبة ترسم له ماذا يأكل وماذا يشرب وكيف يتصرّف صحيّاً فهل من داعٍ بعد ذلك أن نعتبر شهادتها بنصف شهادة رجل، وأسأله أيضاً من سيعتني بالأطفال أكثر زوجة أبيهم أو عمهم أو جدهم أم أمهم التي كرمها الإسلام وقال بها ما لم يقله بأي رجل.
وقد جرت حادثة تقول أن سيّدة سورية تدرّس هي وزوجها في الجامعات السعودية، وعندما أرادت الولادة أتت إلى بلدها، ثم بعد فترة كان يجب أن تعود إلى عملها في الجامعة السعودية ومعها وليدها. لقد احتاجت إلى موافقة خطية من حماها(والد زوجها) حتى تتمكن من اصطحاب وليدها معها، ولنتخيل لو رفض العم وشقيق الزوج إعطائها الموافقة لأي سببٍ كان ما الذي كان سيحصل؟! كان ذلك سيدفع بزوجها للقدوم من مغتربه وتعطيل عمله وتكبد مشقات ومصاريف السفر فقط ليصطحبها ووليدهما.
ولنتخيل أيضا لو مات زوج إحداهن وكان حماها سكيرا وأخو زوجها مجرما، وأرادت أن تتزوج برجل صالح، فبأي حقٍّ نقبل أن تكون الولاية لأقارب الأب العصاة، وكيف سيربى الأطفال؟
هل هذا صواب؟!
هل من العدل معاملة هذه المرأة كما كانت تُعامَل قريناتها قبل ألف عام حيث لم يكن لديهن عمل سوى أعمال المنزل والحلب والصر بظروف حياة البداوة ومثيلاتها؟
أم يكون لدينا الشجاعة لنقول أن نساء القرون الوسطى كنّ معرضات للسهو والنسيان وعدم صواب الرأي نتيجة ظروف حياتهن وظروف المجتمع القروسطي، وهو أمر لا ينطبق على نساء عصر التقانة والانترنت وثورة المعلومات التي لم تترك إنسانا في موقف ضعف تجاه عقله. مع الانتباه إلى أن العديد من نساء تلك العصور لم يكن ناقصات عقلٍ ودين إنما أدت رجاحة عقل إحداهن (أم سلمة زوجة الرسول) ليكون نقاشها مع رسول الله حول عدم ذكر النساء في القرآن كما يُذكر الرجال سببا في نزول آية كريمة وهي التي تقول(إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)/الأحزاب-35/ . وبالتأكيد لم تكن أم سلمة كغيرها من نساء المسلمين.
آخر نقطة يثيرها الشيخ هي ما يدعيه أن الاستبيان يحوي(دعوة لأكل أموال الناس بالباطل والعزوف عن الزواج بإعطاء الرجل زوجته المطلقة نصف ما يملك إذا طلّقها)
ولا أعرف من أين أتى الشيخ بهذه النتيجة، إذ أن نص السؤال في الاستبيان يقول:(هل تؤيد حق المطلقة في تعويض يتناسب مع ما أنتجه الزوجان خلال سنوات الزواج؟) وهذا الكلام لا يحمل بأي شكل معنى أخذ المطلقة نصف أملاك زوجها ولا ربعها، كما انه من الغريب اعتبار هذا الكلام دعوة للعزوف عن الزواج. لكن مع ذلك وللتوضيح نسأله وهو العالم بتركيبة مجتمعنا أن ما ينتجه الرجل والمرأة بعد الزواج يكون مشتركاً، إذ من غير المنطق أن نسجّل دستة الصحون باسم المرأة وطقم القيشاني باسم الرجل أو أن يتحاسب الزوجان من الذي اشترى علبة الحليب و فوط الأطفال لابنهما، أو من وضع في المطمورة المعدّة للتوفير أكثر.
أضف إلى ذلك ضعف إنتاجية المرأة بعد الولادة بسبب اعتنائها المباشر بالطفل. ألا تعتبر تربية الطفل شيئاً مشتركاً؟ وبالتالي ألا يحق للزوجة جزء من إنتاج زوجها المالي كونها تتكبد أعباء الإشراف المباشر على أمور الأسرة اليومية في مجتمعنا في الوقت الذي ينصرف فيه الرجل لتنمية قدراته بكافة أنواعها ومنها المالية؟ إذا هل من العدل ألا يحصل تقاسم عادل لنتاج ما بعد الزواج بالنسبة للزوجين سواء حصل الطلاق أم لم يحصل؟
يبدو أن فضيلته قد قرأ الاستبيان كما يقرأ الواحد منا خبراً في صحيفة عن ارتفاع أسعار الخبز في جزر الباهاما. وبعد ذلك أتى ليخبرنا أنه العالم الخبير بخفاياه بخلط عجيب وباتهامات يربأ الفرد منا عن أن يصف بها أي مواطن مهما اختلف معه . لكن نأمل أن يتفضل علينا بالرد بعد إعادة قراءة الاستبيان بطريقة علمية وبشكل يقع ضمن نهجٍ حواري يقبل الاختلاف ولا يسمح بالإسفاف.
وأذكر أخيراً أن أحدهم أتى الخليفة المأمون واعظاً بعبارات قاسية وشتائم نابية فقال له المأمون: (على رسلك فإن الله قد أرسل من هو أنقى وأزكى منك إلى من هو أسوأ مني، لقد بعث موسى إلى فرعون وقال له:( اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذهبا إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ )).
فهل نقبل نهج المأمون في الحوار.