آخر الأخبار

عدّادات تحت الألسنة

عندما تبتلى أمة من الأمم بالجهل والتقاعس, لا يكون الأمر مقتصرا على ناحية واحدة بل يتعداها إلى مختلف مناحي الحياة..
تسود بلادة الحس والتفكير ,وانعدام المواهب والإبداعا ت ,ويتم تقديس الماضي ,والتغني به ليل نهارونبش الأوراق الصفراء, واحتقار ومحاربة الجديد أيا يكن والتشكيك به واعتباره من البدع .
ومن مظاهر تلك الحالة تلك الهجمة المجنونة باتجاه الفلك والأبراج والتبصير وقراءة البخت ..وتنامي محطات فضائية مثل الفطر تقذف يوميا التفاهات بالاتجاهين .
الاتجاه الأول نحو تسطيح الفن ,والثقافة ,والعلوم..
والثاني نحو الغيبيات والمجهول ..وعوالم الفلك والبللورات السحرية..
أصبح لديك خليط عجيب من ذاك الذي يقرأ المستقبل ويحلل شخصيتك على الهواء مباشرة ,ويكتشف لديك أشياء لم تخطر ببالك إلى ذاك الذي يدعي المشيخة ويحلل ويحرم..إلى ذاك الذي يتنبأ بالمصائب والكوارث ..
والمشاهد المسكين يحار إلى أين يهرب ..ليكتشف أخيرا أن مهربه الوحيد هو أفلام الكرتون أو إغلاق التلفزيون.

وقع بين يدي منذ مدة برشّور إعلاني ,أراد واضعه ,إضافة للترويج والدعاية لبضاعته ودكانه, أن يخطب في الناس ويعظهم -كما هي العاده- المتأصلة فينا والموروثة من خطب الجمعة ووعظ الآحاد ومما جاء فيه أنقل:
بعنوان الدقيقة من عمرك:
- تستطيع أن تقرأ سورة الفاتحة 7 مرات سردا وسرا,وأحصى بعضهم حسنات القراءة فإذا هي أكثر من 1400 حسنة ..!؟
- تستطيع قراءة سورة الإخلاص 20 مرة سردا وسرا, وقراءتها مرة واحدة تعادل ثلث القرآن فإذا قرأتها 20 مرة فإنها تعادل كل القرآن 7 مرات ؟!
- تستطيع أن تقول (سبحان اللة وبحمده) 100 مرة ,ومن قال ذلك في يوم غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر!!
انتهى النقل.
هكذا إذن...المشكلة والقصة قصة قول...وتغفر لك ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر.
فتعالوا إذن نترك أعمالنا ودراستنا ومشاغلنا ولنتبارى في الترداد والتمتمة...وطوبى لمن يعد ويكرر أكثر ..فلقد نال الحظوة الكبرى .
لماذا نتعب أنفسنا في الأعمال الصالحة.إذن ,وهناك طريقة بسيطة تمسح كل ذنوبنا وآثامنا ولو كانت مثل زبد البحر... بدقيقة واحدة.
وتصوروا لو أن المسؤولين والفاسدين والناهبين قوت الناس,يستطيعون التطهر من كل ذلك ..على طريقة صاحبنا..
نسي هذا الجاهل أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره,ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ..وتناسى أن هذا الكتاب (لا يترك صغيرة ولا كبيرة) ..وأن كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ..

بل ولقد سمعت أيضا ,أنه قد انتشرت مؤخرا في بعض المدن السورية موضة جديدة ,وهي نوع من العداد يربط في الرقبة ويتدلى على الصدر ..وتجد أحيانا شبانا وفتيات في مقتبل العمر,وهم يتمتمون بكلمات ..ويضغطون على زر ذلك العداد ..ليظهر رقم على شاشة العداد يبين لهم عدد المرات التي تمتموا بها..
ويبدو أن طريقة صاحبنا في محو الذنوب قد وصلت إليهم.
وفي المستقبل ومع التطور السريع للعلوم التكنولوجية, لن نفاجىء أن يسمع اليابانيون ببدعنا تلك..ويخترعون لنا عدادات توضع تحت الألسنة ..عوضا عن الضغط اليدوي والذي يرهق أناملنا الرقيقة, ويقلدها الصينيون والآسيون بتاع النمور وتنزل بأسعار زهيدة في أسواقنا المبتلاة بارتفاع الأسعار..
وما علينا إلا أن (نبروت) ونتمتم ..وكفى اللة المؤمنين شر القتال.