لقد بات واضحا لكل من تعرف لأبجديات المعادلات السياسية,مدى هشاشة الكيان الاسرائلي بمؤسستيه السياسية والعسكرية,وقد شاءت الأقدار أن تنكشف عورات هذا الكيان,الذي صورة لنا عرابي الصهيونية على انه كيان عصي على الاختراق , ومحال على الانهيار,فنظرنا لقوته بمنظار ضعفنا ولتماسكه بمنظار تشتتنا,وقد مرت عقود عديدة على ذلك الوهم الأسطوري ,الذي أدى بأمتنا العربية والإسلامية إلى هزيمة تلو الأخرى ببركة ونصح وحكمة هؤلاء العرابين من القادة المغاوير الذين تساقطوا في حبائل المشروع الصهيوني الكبير.
وقد كشفت المقاومة الحقيقية كل نقاط ضعف وهشاشة ذلك الكيان,خاصة تلك المقاومة المتمثلة في فكي الكماشة الفلسطينية اللبنانية, والتي أصابت بشكل مباشر مقاتل الكيان الإسرائيلي, وكشفت عوراته بعد اهتراء ورقة التوت ,والتي شكلت على مدار عقود طويلة هيبة زائفة,فكان الشعار(مابعد سديروت وما بعد حيفا) فكان ذلك منعطفا تاريخيا في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بشكله الجديد.
فقد خصصت إسرائيل مئات المليارات من الدولارات لميزانيتها الحربية الإجرامية ,وذلك للحفاظ على سترة عوراتها ومقاتلها,التي تمثلت في الاستماتة لإبعاد الخصم عن المس بعمق جبهتها الداخلية, وكذلك عدم تمكين الخصم من إدارة حرب استنزاف طويلة المدى, والتي لايقوى عليها الجمهور الإسرائيلي ولا الجندي المرفه,وهذا ماتجاوزتة المقاومة الغير نظامية وإسقاط الأسطورة الأوسطية التي تفتقر إلى العمق الاستراتيجي, ولاتقوى على احتمال عبء حرب طويلة المدى.
لذا دأبت إسرائيل على انتهاج إستراتيجية الحرب الخاطفة بهدف المد الاحتلالي والاستيطاني للأراضي العربية, وبالتالي تقصي معطيات الخطر الميداني, فاحتلت خلال خمسة حروب رسمية مناطق واسعة من أراضي مايسمى بدول الطوق سابقا, مصر, الأردن, سوريا , لبنان, اعتمادا على التفوق النوعي لسلاح الجو والدروع المتطورة, فكان نصيبنا خمسة هزائم أراد البعض تسمية جزء من بعضها نصرا, رغم انكشاف الألاعيب التصفوية السياسية التي استهدفت تمزيق وحدة الهدف والعدو, وإنهاء الصراع القومي الجماعي ليصبح صراعا ثنائيا,فرفيق سلاح الأمس أصبح وسيط صراع اليوم, فلم تحرر الأرض العربية بالحرب كما تردده أبواق أنظمة الردة العربية.
لكن المقاومة الصلبة أسقطت كل مشاريع التصفية, وبات المشروع الصهيوني يحتضر,أمام إصرار تلك المقاومة المباركة على انتزاع النصر, والنيل من إستراتيجية العمق والمحرمات الإسرائيلية, فبالأمس القريب وتحت شعار(اسديروت وما بعد اسديروت) طالت صواريخ المقاومة ذلك العمق المتداعي, فهرب آلاف الإسرائيليين بالحافلات وما تبقى منهم هرب إلى الملاجئ كالجرذان.
وربما حرب تموز المباركة وبعد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على لبنان, وضعت النقاط على الحروف, فكان النصر تحت شعار حيفا وما بعد حيفا, لتدك صواريخ المقاومة اللبنانية أعماق أعماق الكيان الصهيوني, ويفر نصف الشعب الإسرائيلي إلى المقابر الجماعية أو مايسمى بالملاجيء الأرضية.
وما أردت الإشارة إلية ان المعركة الحقيقية انتقلت إلى قلب عمق الكيان الإسرائيلي , ولم تستطع كل منظومات الصواريخ المضادة لصواريخ المقاومة من حماية ذلك العمق الهش, فأخذت القيادة العسكرية والسياسية تتخبط وتستغيث بكل صهاينة العالم ومنهم العرابين والمستعربين , وهذا لم يمنع قادة الكيان من الاعتراف بالحقيقة المرة والهزيمة المؤلمة , والخطر الزاحف , فطالما انكشفت المقاتل سيعترفون بالهزيمة رغم أنوفهم.
وقد جاءت المناورات العسكرية الأخيرة لتثبت بما لايدع مجالا للشك, الرعب الإسرائيلي المستقبلي من المساس بالجبهة الداخلية المتهرئة, وللمرة الأولى في تاريخ الصراع تتحول الإستراتيجية الصهيونية من مد هجومي إلى جزر دفاعي, حيث كانت تفاصيل المناورات بتمثيل دور عدو مفترض يحتل المستشفيات ويقصف بدقة جميع المرافق الحيوية, فالمستقبل يحمل عبثية إستراتيجية الدفاع في وجه هاجس المقاومة الزاحف صوب ذلك العمق الصهيوني , رغم كل أوهام التسويات السياسية في ظل الثوابت الصهيونية, تلك المقاومة التي تشكل بحقيقتها خطرا غير خطر الجيوش العربية النظامية التقليدية سهلة الكسر, تلك المقاومة التي لم ولن ينفع معها الجريمة النازية الصهيونية من مجازر جماعية واغتيالات, ولن يهددها الخيار الاستراتيجي الأخير لأنه سيطال كيانهم البعيد بعض الأميال عم مناطق الإطلاق.
وسواء كانت تلك المناورات حسب رؤية المراقبين والمحللين استعدادا لعدوان محتمل على إيران أو عدوان وقائي على سوريا , فأنني انظر إلية من زاوية المناورات الدفاعية عن الجبهة الداخلية , والتي ستكون جزء من ارض المعركة القادمة, وبالتالي فهذا تحول على استراتيجيات الصراع في غير صالح العدو.
لذا فمن الكبائر التفكير في ابتلاع طعم التسويات السياسية الوهمية , والإقدام على طمس ثقافة المقاومة تحت أي مبرر من المبررات أو أي عذر أقبح من ذنب,فالمقاومة هي الضمانة الوحيدة للتحرير وما المشاريع السياسية التي لاتفرزها المقاومة إن هي إلا وهم وخداع.
وربما حان الوقت لكي يتم استثمار انجازات المقاومة التي خلقت تراجعا استراتيجيا صهيونيا, لكي تقبل الحلول السياسية بحدها الأدنى من الحقوق العربية بدل فرض حلول كانت تخضع لموازين قوى نظامية سابقا, فلم يشهد التاريخ الصهيوني انهيارا في مؤسسته السياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية بمثل ماهو علية الآن بفضل صمود المقاومة الفلسطينية الطليعة واللبنانية الباسلة, لتدفع العدو إلى التركيز على الجبهة الداخلية حاليا بعد أن كانت عقودا وفي ظل الحروب النظامية التقليدية المحسومة سابقا, حيث تدك العواصم العربية فوق رؤوس أهلها, وتباد الجيوش العربية المتكدسة بفعل انهزامية قادتها,فكانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية حينها يعلوا بها ضجيج الموسيقى واللهو دون أن تحرك انهار دماء أطفالنا أي اعتبار لدى الجمهور الإسرائيلي, الذي يحرم حاليا وفي ظل إستراتيجية الدفاع من تلك السكينة اللا أدمية.