آخر الأخبار

أسطورة الوهم

بالمقدمة ("الاستخبارات الامريكية و سقوط القناع")، يستهل المؤلف كتابه بالقول: " لقد أدت غزوة مانهاتن إلى تبدل جذري في مفهوم الأمن الأميركي. فبعد أن كان نصف القارة الشمالي معزولا عن بقية العالم وتهديداته بمحيطين، أصبح الآن في الداخل. وضربت المفاجأة رموز القوة الأميركية في بعديها الاقتصادي والامني، فغيرت المفاجأة معالم المركز المالي الأهم في العالم، وكشفت للعالم اسطورة الوهم المسماة ب ( نا سا- السي اي ايه - إف بي اي)".

لقد خسرت الاستخبارات الامريكية، يقول الكاتب، "الجولة امام استخبارات القاعدة، واضطر جورج تنيت رئيس الاستخبارات للاستقالة، حفظا لماء وجه رئيسه أمام أعضاء الكونجرس".

ينقسم هذا الكتاب إلى ثمانية فصول، حاول المؤلف من خلالها طرح "بعض الحقائق التي لم يتم الحديث عنها من قبل عن الاستخبارات الامريكية"، من خلال ما نشر من تقارير واخبار وابحاث أظهرت، في نظره، مدى الفشل الذي منيت به الاستخبارات الامريكية في الداخل والخارج":

+ بالفصل الأول ("الاستخبارات الامريكية: النشأة و الاقسام والأعمال")، يقدم الكاتب معطيات إحصائية تمهيدية عن المؤسسة ويقول: "يقع مركز الاستخبارات المركزية في ضاحية لانغلي، وتبعد 15 كلم عن واشنطن العاصمة. وهو مركز محصن تحصينا طبيعيا بوجود نهر بوتوماك، فضلا عن الحراسة المشددة عليه، والكاميرات التلفزيونية، والميكروفونات الالكترونية المسلطة على المنطقة المحيطة ليلا ونهارا.

وتبلغ مساحة هذا المركز حوالي 125 ألف متر مربع، بينما بلغت تكاليف الإنشاء عام 1966، 46 مليون دولار. ويحيط بالمبنى سور يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، تعلوه أسلاك شائكة... ويقدر عدد العاملين فيها بحوالي 250 ألف موظف وجاسوس، يقدمون خلاصة أعمالهم في تقرير يطلع عليه الرئيس الأمريكي صباح كل يوم. والنشاط التجسسي تضمه 100 مليون وثيقة كل عام، و40 طنا من الوثائق يتم التخلص منها كل يوم".

يوجد بالولايات المتحدة ثلاثة أجهزة للمخابرات تقوم بعملية التنصت داخل الولايات المتحدة وخارجها وهي:

°- وكالة الأمن القومي، وهي أكبر هذه الأجهزة في موضوع التنصت (الأذن الكبيرة يقول الكاتب) وأكثرها سرية. وتقوم بوظيفة التنصت على جميع المحادثات والمخابرات والاتصالات بين جميع الدول والمؤسسات. ويقدر عدد العاملين فيها (في العام 1975) بأكثر من 120000، أما الآن فلا أحد يعرف عددهم، وإن كان من المؤكد أن العدد قد تضاعف ربما أكثر من مرة. و تأخذ 80% من الميزانية التي تخصصها الولايات المتحدة الأمريكية لمختلف أنشطتها الاستخبارية والتي كانت تقدر بـ27 مليار من الدولارات في العام الواحد.

لقد قام الجهاز، في بداية الأمر، يقول الكاتب، "بالتنصت على المخابرات التي تتم بالشفرات بين الدبلوماسيين، وكذلك بين الضباط من الرتب العالية في جميع أنحاء العالم. ثم شمل نشاط التنصت جميع المخابرات والاتصالات الجارية في العالم (سواء أكانت بالهاتف العادي أم بالهاتف النقال أم بالفاكس)، ولاسيما للأشخاص المهمين من رؤساء الدول والحكومات، والوزراء، والضباط، ورؤساء الأحزاب، ورجال الأعمال المهمين... إلخ، وهو يستخدم في هذا السبيل محطات التنصت المبثوثة في جميع أنحاء العالم (في القواعد والمطارات العسكرية، وفي السفن الحربية، والغواصات، والطائرات العسكرية، والأقمار الصناعية)".

°- مكتب التحقيقات الفيدرالي (22 ألف موظف): ويعرف اختصارا ب "إف.ب.آي"، ويهتم بالأمن القومي الداخلي. ويعد معمله الجنائي من أفضل معامل الجريمة في العالم، حيث يقوم على 900 ألف قطعة من الأدلة في كل عام.

وقد قام ترومان بتوسيع صلاحية تنصت المكتب على أي شخص، فيما يتعلق بأمن البلد دون أخذ إذن من أحد أو من أي جهة، لكن الاستغلال السيء لذلك (سيما ضد العديد من المثقفين والكتاب، وضد معارضي حرب فيتنام) دفع المحكمة العليا الأمريكية في العام 1972 إلى إصدار قرار أبطلت بموجبه هذه الصلاحية، ومنعت التنصت دون إذن من المحكمة، على أي مواطن أمريكي ليست له علاقة مع القوى الخارجية.

°- وكالة المخابرات المركزية: وتقوم بمهمة التنصت المعتمدة على الأفراد، لكن أهم نشاط لها وأهم مصدر للمعلومات عندها هو التسلل إلى مخابرات الدول الأخرى، وتصيد عملاء لها من بين أفراد تلك المخابرات. كما تقوم بتبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول "الصديقـة".

وتملك الوكالة اقمار تجسس واجهزة حواسيب عملاقة في مدينة (فورت ميد - ماريلاند) تتنصت بها على جميع الاتصالات التي تجرى في العالم.

تبلغ ميزانية الأجهزة الأمنية كلها حوالي 30 مليار دولار، يذهب عشرها إلى السي.آي.أيه، أما البقية فتذهب بمعظمها إلى التكنولوجيا الحديثة، والمتعلقة بالتنصت والفضاء والتصوير الجوي.

وتتضمن أنشطة هذه الأجهزة، جمع المعلومات وإنتاجها وتحليلها وتوزيعها سيما تلك التي يحتاجها الرئيس ومجلس الأمن القومي وغيرهم من المسؤولين في السلطة التنفيذية، لتأدية مهماتهم، على الرغم من أن لكل هذه المستويات استخباراتها (الجيش والبحرية والطيران والدفاع والخارجية وغيرها).

ولقد قامت "التجمعات المالية والصناعية في تكساس وكاليفورنيا، وبينهم عمالقة صناعة الأسلحة، وفريق وزارة الدفاع، ومعهم المجتمع الاستخباراتي الذي تقف الوكالة على رأسه، بحكم تقديمها لمعظم الأموال، بنقل ملايين الدولارات وتحويلها إلى مراكز البحوث الملحقة بها، مثل مؤسسة راند في سانتا مونيكا (وهي التي أصدرت ما عرف بتقرير راند، الذي وضع السعودية من أهداف الولايات المتحدة في المرحلة القادمة)، ومعهد هوفر المتخصص بشؤون الحرب، ومركز الثورة والسلام في بالو ألتو، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة جورج تاون بواشنطن، ومعهد واشنطن للمشاريع التجارية، ومعهد التقنية في مساشوتس، وغيرها من المراكز البحثية، بهدف تطوير قاعدة فكرية تؤسس لسياسة قوة أميركية متجددة".

ويلاحظ المؤلف أن وكالة الاستخبارات الامريكية قدمت "إسهامات فكرية كبيرة صبت في إطار المساعي التي كانت تبذلها الجماعات اليمينية المحافظة بهدف تعبئة القوى السياسية والرأي العام، دعما لجنوح الولايات المتحدة في السبعينيات نحو ممارسة أقصى حد من سياسة القوة والتدخل بشؤون الدول في العالم"...فكان هاجسها الأوحد هو استخدام الصحافة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، بقصد التأثير والتوجيه والتلاعب بالرأي العام. فتحولت الوكالة إلى مركز إعلامي وأكاديمي هام للبحث والتحليل، وإلى راع للتوسيع في البحوث العلمية والتقنية.

ومنذ أوائل الخمسينيات، قامت وكالة الاستخبارات المركزية، وعبر حملات خاصة " بتجنيد مئات الصحفيين الذي حافظوا على مواقعهم الصحفية، ولكنهم أصبحوا عملاء مأجورين لها. في حين عمل ضباط الوكالة في الخارج، كمراسلين أو كمحررين من خارج الملاك في المؤسسات الصحفية التي تملكها الولايات المتحدة. ولم تتوقف وكالة الاستخبارات المركزية عن ممارسة هذه النشطات أبدا، بل هي على العكس قامت بتكثيفها".

لقد تمكنت الوكالة، يقول الكاتب، من أن تصبح عامل قوة أساسي في رسم السياسة الأمريكية، وذلك من خلال الصلات المتعددة التي تربطها بالسلطة التنفيذية، والاقتصاد الأميركي ومؤسسات البحث المختلفة، إضافة إلى صلاتها الوثيقة مع الإعلام".

عندما عين جورج بوش الاب (المنتمي إلى مجموعة أثرياء نفط تكساس) لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، كان معنى ذلك من الناحية العملية استيلاء سياسي جمهوري على الوكالة، وتوظيفها لدعم تطبيق سياسات يمينية محافظة (عزم إستخدام القوة) في الداخل والخارج.

+ بالفصل الثاني ("كيف يتم تجنيد الجواسيس في وكالة الاستخبارات الامريكية؟")، يقر الكاتب بأن "الاستخبارات الامريكية لايمكن لها ان تنجح في مهامها الا بواسطة أمرين اثنين: تجنيد الجواسيس لاختراق الدول والمؤسسات والجماعات، والتنصت على الهواتف و اجهزة الكومبيوتر".

ويعتقد الكاتب أن ثمة ست خطوات اساسية لعملية التجنيد والاختراق:

°- اكتشاف الجاسوس عبر تحديد الاجانب من غير الامركيين وغيرهم من الاشخاص، الذين يكونوا مستعدين للتجسس لحساب الوكالة.

"يقوم رجل الاستخبارات بالاختلاط مع السكان المحليين في البلد الذي يعمل فيه، أملا في اكتشاف عملاء محتملين. وهو يركز جهوده عادة على المسؤولين في الحكومة المحلية، وعلى افراد القوات المسلحة، وممثلي دوائرالاستخبارات في البلد المضيف. ذلك لأن الاشخاص الآخرين الذين يعملون في مهن اخرى حتى وان كانوا قابليين للتجنيد، لا يطلعون عادة على المعلومات الاستراتيجية العالية المستوى التي تسعى لها وكالةالاستخبارات المركزية. ويعمل معظم رجال الوكالة في السفارات الامريكية، لأن الستار الدبلوماسي يوفرلهم الفرصة المناسبة للوصول الى اهدفهم عن طريق اعداد لا تحصى من المسؤوليين".

°- تقييم الجاسوس عبر التدقيق في ماضيه، ووضعه الاجتماعي والمالي، ومعرفة عاداته وآرائه ونقط ضعفه.

°- تجربة الجاسوس عبر اختبار ولائه ومدى الاعتماد اليه. فيعهد اليه بمهمات معينة للتأكد من قدراته وولائه واخلاصه.

°- تدريب الجاسوس لصقل ما تتوفر عليه غرائزه وموهبته وكفاءته.

°- تشغيل الجاسوس عبر تلقينه سبل الاتصال بممثل الوكالة، وكيفية إيصال المعلومات أو الحصول على التوجيهات وما سوى ذلك. ويفضل كثير من العملاء " نقل معلوماتهم شفويا الى الضابط المسؤول، ذلك لأنهم يرون ان ذلك اكثر امنا وسهولة من تضمين هذه المعلومات اوراقا رسمية، او استخدام اجهزة تجسس قد تدينهم بالجريمة اذا اكتشفتهم السلطات المحلية، على الرغم مما وفرته ثورة الاتصالات خصوصا بعد انتشار الانترنت و البريد الالكتروني.

°- انهاء التعامل مع الجاسوس في حالة الموت أو السجن، أو عدم تمكنه من الحصول على المعلومات المطلوبة أو اكتشاف أنه عميل مزدوج.

بعد الحادي عشر من شتنبر، هناك توصية واضحة إلى الإدارة الأمريكية تقضى بأن تقوم وكالة الاستخبارات الأمريكية فى عهدها الجديد، وبعد تطهيرها من الدماء الفاسدة للشخصيات المخضرمة، " بمحاكاة دقيقة وحرفية لنظام عمل الجماعات الإسلامية الجهادية، كأن تقيم الوكالة جمعيات للبر والتقوى، ومنظمات لجمع التبرعات والهبات، ومؤسسات تربوية إسلامية، تتجمع فى داخلها وحدات وفرق من أعداد صغيرة من ضباط مخابرات يتحدث أعضاؤها اللغات المحلية، ويمارسون شعائر الدين الإسلامى، وتتوفر فى كل منهم حماسة وإيمان بالمهمة المكلف بها تماما كحماسة عضو الجماعة الإسلامية الجهادية".

وتعتبر الاعلانات المستمرة عن العروض السخية التي تقدر بالملايين، للبحث عن قيادات اسلامية احدى الوسائل الحديثة للتجنيد في وكالة الاستخبارات الامريكية.

+ بالفصل الثالث ("أسلحة الاستخبارات الامريكية: كيف تقوم الاستخبارات الامريكية بالتنصت على الاتصالات؟") يقر المؤلف أن الأقمار الصناعية باتت أهم طرق التجسس في الوقت الحالي، سيما وأن التواجد الأمريكي في الفضاء الخارجي يمثل حوالي 90% من المواصلات الفضائية.

وتعتبر الأقمار الصناعية ذات وظيفة الاستطلاع الإلكتروني (وأبرزها شبكة التجسس إيشلون) أقواها على الإطلاق، إذ هي قادرة على اعتراض ملايين الاتصالات التليفونية ورسائل الفاكس والبريد الإلكتروني، يوميا ومن العالم أجمع.

وقد قامت الدول المشاركة في الشبكة بإنشاء محطات أرضية للاعتراض الإلكتروني، وبإنشاء أقمار صناعية لالتقاط جميع الاتصالات للأقمار الصناعية، والموجات الصغرى والاتصالات الخليوية واتصالات الألياف الضوئية. وتقوم الشبكة بتفنيد الإشارات المعترضة في كمبيوترات ضخمة تسمى بالقواميس، والمبرمجة على البحث في كل اتصال عن كلمات أو عبارات أو عناوين أو حتى أصوات معينة ومستهدفة. وكل دولة من الدول المشاركة في الشبكة مسؤولة عن مراقبة جزء معين من الكرة الأرضية.

بالاضافة إلى الأقمار الصناعية ( وضمنها أيضا أقمار الإنذار المبكر التي تكتشف إطلاق الصواريخ من أراضي "العدو"، وأقمار اكتشاف الانفجارات النووية من أجل متابعة التجارب النووية للدول المختلفة) تتوفر للاستخبارات الأمريكية وسائل أخرى ومنها بالتحديد الطائرة الجاسوسية، تاج البحرية الأمريكية من حيث قدرتها على جمع المعلومات شديدة الحساسية. وهي محملة بأجهزة استقبال، وهوائيات قادرة على اعتراض وتحليل الاتصالات اللاسلكية العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى الأنواع الأخرى من الاتصالات الإلكترونية، من بريد إلكتروني وأجهزة فاكس واتصالات تليفونية. ويمكن للقوات الأمريكية من خلال تحليل هذه الاتصالات، التعرف على خطط وتحركات القوات "المعادية" في حالة السلم كما في حالة الحرب.

وقد قامت وزارة الدفاع الامريكية بتطوير هذة الطائرة وتحويلها الى مقاتلات، وتستخدم حاليا في الحرب الدائرة ضد المجاهدين في افغانستان وباكستان واليمن و العراق.

وفي حديثه عن طرق التجسس علی اتصالات الحركات الاسلامية يميز الكاتب ثلاث طرق :

°- الطريقة الاولى وتتمثل في التنصت على الهواتف السلكية و اللاسلكية بواسطة قاموس ضخم للكلمات التي يجب مراقبتها من قبيل: "الإسلام، الحركة الإسلامية، قرآن، محمد صلى الله عليه وسلم، جهاد، فقه، سيرة، حديث... إلخ"، وكذلك أسماء رجال الإسلام السابقين والمعاصرين، وأسماء الحركات الإسلامية وزعماؤها (ابن تيمية، حسن البنا، الإخوان المسلمون، جماعة الجهاد، الجماعة الإسلامية، اسامة... الشيخ.... الدكتور... القاعدة.... إلخ". فهناك اجهزة إلكترونية ضخمة تقوم بفرز المكالمات التي ترد فيها هذه الكلمات وتسجلها، ثم تسلمها إلى الكادر الفني المتخصص.

°- الطريقة الثانية، وتكمن "في وضع بصمات الصوت للمطلوبين من المجاهدين والمستهدفين بالمراقبة، وذلك من خلال عملية الفرز بواسطة كومبيوتر عملاق. وهذه البصمات تم رصدها وتخزينها مسبقا من خلال التجسس على الاتصالات، في مناطق غير عربية دارت فيها رحى الحروب، مثل افغانستان وباكستان والشيشان و البوسنة وغيرها.

°- اما الطريقة الثالثة للتنصت، فتتم عبر وضع برنامج لتحديد اللغة المطلوب مراقبتها، فيمكن مراقبة كل من يتكلم العربية في أي بلد لايتحدث أهلها اللغة العربية.

وقد استطاعت المخابرات الأمريكية اختراق المكالمات المقتنية للهواتف النقالة، وتوصلت لـمعرفة مكان المتحدثين أيضا، كما طورت جهازا إلكترونيا تستطيع بواسطته استخدام الميكروفون الموجود في الهاتف النقال لكي ينقل جميع الأصوات والمحادثات الجارية حوله.

وكان هذا التقدم التكنولوجي المذهل هو السبب في اغتيال عدد من القيادات المجاهدة، مثل يحي عياش و الرئيس الشيشاني دوداييف. ووقع أوجلان في الخطأ القاتل نفسه، عندما قام بالاتصال بمؤتمر البرلمانيين الأكراد في أوروبا، فتم تحديد مكانه. كما أن السبب الكامن وراء فشل جميع أجهزة المخابرات الأمريكية في معرفة مكان الجنرال الصومالي عيديد، هو أنه لم يستعمل أي جهاز إلكتروني مطلقا في أثناء الأزمة الصومالية.

+ بالفصل الرابع ("فضائح الاستخبارات الامريكية تاريخ العمليات القذرة") يتحدث الكاتب عن علاقة الاستخبارات الأمريكية بالمخدرات وبالصحافة، بناء على ما كشفه الصحفي جاري ويب بكتابه "التحالف الأسود" الصادر في العام 1996 والذي سردالقصة الكاملة للتحالف الأسود بين السي أي آيه وكارتل المخدرات المتنفذ حتى في الأسواق الأمريكية ... وانتحر بعد ذلك.

يذكر الكاتب بأن وكالة المخابرات الأمريكية هي التي قامت، في العام 1973، بتدبير الانقلاب العسكري في تشيلي ضد سلفادور أليندي حيث تم اغتيال هذا الأخير وتنصيب عميل الوكالة الجنرال أوغستو بينوشيه مكانه، وقد قتل خلال أحداث هذا الانقلاب ما يزيد على 2500 شخص.

كما كشفت التحقيقات، ان الانقلاب العسكري الذي حدث في بوليفيا في العام 1980 تم بتنسيق بين الوكالة والمدعو كلاوس باربي، الرئيس السابق للجستابو النازي في مدنية ليون فرنسا.

و في العام 1983 تولى مانويل نورييغا (وهو تاجر مخدرات وعميل للوكالة)، منصب قائد الحرس الوطني في بنما، ورقى نفسه إلى رتبة جنرال، واستولى على الحكم، وكان ذلك كله تحت نظر الوكالة الأمريكية. "غير أن أمورا حدثت بعد ذلك قطعت التيار بينه وين السي أي آيه، وكانت قصة الذئبة التي تأكل أبناءها. إذ تم اتهامه في العام 1986 بالابتزاز وتهريب المخدرات وغسيل أموال قذرة، وحكمت عليه إحدى المحاكم الأمريكية عام 1992 بالسجن، أربعين سنة".

وفي سنة 1986، تم الكشف عن تورط السي أي آيه في صفقات سرية لبيع أسلحة لإيران، بترتيب من إدارة رونالد ريغان، وتحويل أموال تلك الصفقة إلى عصابة الكونترا المتمردة ضد حكومة الساندينيستا في نيكاراغوا، والتي قال عنها (متمردو الكونترا أقصد) ريغان: "إنهم إخوتنا، هؤلاء المقاتلون من أجل الحرية، إنهم المعادل الأخلاقي لآبائنا المؤسسين، وللرجال والنساء الشجعان في المقاومة الفرنسية، ونحن لا نستطيع التخلي عنهم، لأن هذا الصراع ليس صراعا لليمين ضد اليسار، بل هو صراع للحق ضد الظلم".

كما يتحدث المؤلف عن المذابح التي ثوت الوكالة خلفها، سيما انفجار بئر العبد بلبنان في مارس 1985 وتورعها في اغتيال شخصيات ورموز لبنانية. وكذلك مذبحة مزار شريف بأفغانستان في العام 2001 في أعقاب قتل عميل لها هناك من لدن مساجين من طالبان.

كما يتحدث الكاتب عن دور المخابرات الاميركية في اختراق الاوساط الثقافية العالمية، وتجنيدها لخدمة هذه المخابرات بصورة مواربة وغير مباشرة، سيما في الدول الفقيرة التي لا تخصص ميزانيات كافية للثقافة وللبحوث العلمية والدراسات. الأمر الذي يسهل تغلغها في أوساط مثقفي وباحثي تلك الدول.

ويتحدث أيضا عما يسميهم جون بيركنز "السفاحين الاقتصاديين"، وهم "خبراء محترفون يتقاضون رواتب عالية جدا، ويمارسون خديعة الدول في أنحاء العالم وابتزاز تريليونات الدولارات منها. وهم يغدقون الاموال من البنك الدولي ووكالة التنمية الدولية الامريكية وغيرهما من منظمات العون الخارجي، على خزائن الشركات الضخمة، وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية في كوكب الارض. وتشتمل ادواتهم على التقارير المالية المضللة، والانتخابات المزورة، وتقديم الاموال، والابتزاز، والجنس، والقتل. وهم يمارسون لعبة قديمة قدم الامبراطورية، ولكنها اكتسبت أبعادا جديدة مخيفة خلال هذه الفترة من العولمة".

يشرح جون بيركنز طبيعة المهمة التي ينفذها هؤلاء السفاحون الاقتصاديون في العالم، فيقول: " لقد أنشأنا نحن السفاحين الاقتصاديين، على مدى 30-40 سنة مضت اضخم امبراطورية كونية في تاريخ العالم. وهنالك عدة طرق لفعل ذلك. ولكن الطريقة المثلى تتلخص في اننا نحدد احدى دول العالم الثالث، التي تتمتع بامتلاك مصادر طبيعية نشتهيها. وفي هذا الايام غالبا ما تكون هذه المصادر هي النفط، على كل حال، نذهب الى تلك الدولة من دول العالم الثالث، ونرتب لها قرضا ضخما من اوساط الإقراض الدولي، وفي العادة يتولى البنك الدولي قيادة هذه العملية... وأحد شروط اعطاء ذلك القرض، ان غالبيته، اي ما يقارب 90% منه يعود إلى الولايات المتحدة، إلى إحدى شركاتنا الكبرى، التي سمعنا بها جميعا مؤخرا، مثل بكتل وهاليبرتون.

تبني تلك الشركات في تلك الدولة من دول العالم الثالث محطات طاقة ضخمة، وطرقا عريضة سريعة، وموانيء، ومجمعات صناعية، ومشروعات بنية تحتية ضخمة تخدم في الاساس الأثرياء جدا في تلك الدول. ويعاني الفقراء ولا يستفيدون من تلك القروض، ولا يستفيدون من تلك المشاريع. وفي حقيقة الامر، غالبا ما يجري تقليص الخدمات الاجتماعية بشدة في عملية تسديد القرض، وما يحدث كذلك ان هذه الدولة من دول العالم الثالث تصبح رازحة تحت عبء دين ضخم لا يحتمل ان تقدر على تسديده...فنعود الى تلك الدول عندئذ ونقول للمسؤولين فيها: انظروا، لقد اقترضتم كل هذه الاموال منا، وانتم مدينون لنا بها، ولا تستطيعون تسديد ديونكم، ولذلك أعطوا نفطكم لشركات نفطنا بسعر رخيص جدا".

إن لدينا اليوم، يقول الكاتب، من بين مائة من اكبر الديمقراطيات في العالم، 52 منها عبارة عن شركات، و47 منها شركات امريكية وليست دولا.

إن 1% من سكان الولايات المتحدة يملكون من الثروة المادية اكثر مما يملكه 90% من السكان لدينا. وعلى ذلك فإن 1% من سكان الولايات المتحدة هم التحالف الثلاثي الحاكم (تحالف الشركات والمصارف والحكومة).

ويتحدث الكاتب عن فضائح المخابرات بالبيت الأبيض وفشلها في حماية الرؤساء الأمريكيين.

فقد نجا فرانكلين روزفلت الرئيس الثاني والثلاثون عام 1933 من محاولة لاغتياله، وتعرض هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثون، والذي تم تأسيس الوكالة بأمر منه، لمحاولة اغتيال عام 1950، واغتيل جون كندي الرئيس الخامس والثلاثون في العام 1963. وجرت محاولة لاغتيال رونالد ريغان الرئيس الأربعين عام 1981، ونجا من الموت بأعجوبة بعد إصابته برصاصة في صدره.

كما لم تستطع الوكالة التغطية على فضيحة ووترغيت. وهي الفضيحة المتمثلة في سرقة أشرطة مسموعة من مكتب ووترغيت، مقر الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطية (المعارض)، في العام 1972، وكذا التجسس على مكالمات الحزب، وقد انتهت تلك الفضيحة باستقالة نيكسون، من منصبه في 9 غشت سنة 1974.

ولم تستطيع أيضا احتواء الفضيحة التي أثارتها مونيكا لوينسكي إحدى موظفات البيت الأبيض، سنة 1988، ضد الرئيس الثاني والأربعين بيل كلينتون، متهمة إياه بالتحرش الجنسي ضدها، مع إنكار الرئيس لذلك وكذبه تحت القسم خلال المحاكمة المدنية، ثم اعترافه بعد ظهور أدلة الاتهام ووضوحها.

كما بين برنامج فينونا (كلمة السر التي أطلقتها الحكومة الامريكية على برنامج واسع النطاق لكشف وقراءة مفاتيح الاتصالات بين موسكو ومراكز جاسوسيتها) " مدى تغلغل المخابرات السوفييتية في حكومة الولايات المتحدة. كما اظهرت الرسائل ايضا ان الغالبية العظمى من الامريكيين الذين قاموا بالتجسس لصالح السوفييت، كانوا اعضاء في الحزب الشيوعي الامريكي".

وكم كانت صدمة محققي مكتب التحقيق الفدرالي كبرى عندما حللوا خمسا وعشرين وثيقة مسروقة وجدوها في حقيبة كانت آن بولارد (زوجة بولارد)، الموظف في قسم المخابرات بوزارة الدفاع، قد أخرجتها زوجته من شقتهما بناء على تعليماته لها، بعد أن قامت وزارة الدفاع بالتحقيق معه. وتبين أن عددا كبيرا منها من النوع السري للغاية، وكلها تقريبا تتعلق بالقدرات والأسلحة الأميركية، إذ كانت المعلومات التي أرسلها بولارد للإسرائيليين تشمل على

معلومات عن الأنظمة الفنية للمخابرات والأخبار التي جمعت بواسطتها، ودراسات تحليلية مفصلة تشتمل على حسابات ورسوم بيانية وصور للأقمار الصناعية وأسماء الذين قاموا بها.

+ بالفصل الخامس ("عمليات التجسس الدولية")، يتحدث الكاتب عن حالات خاصة:

°- عن حالة العراق حيث يستشهد بجون بيركنز، العميل السابق في وكالة الامن القومي، الذي يقول في مذكراته عن الرئيس صدام حسين: "لم يكن يهم الولايات المتحدة انه طاغية مستبد، وان يديه ملطختان بدم كثير من الابرياء. فقد تحملت واشنطن وجود مثل هؤلاء الاشخاص من قبل، بل كانت تدعمهم وتساندهم في أحيان كثيرة. وسوف نكون في غاية السعادة بأن نقدم له سندات الحكومة الامريكية مقابل دولارات النفط، ومقابل وعده لنا باستمرار تزويدنا بالنفط، ومقابل صفقة يتم بموجبها استغلال ارباح السندات في تأجير الشركات الامريكية لتحسين انظمة البنية التحتية في العراق، ولاستحداث مدن جديدة، وتحويل الصحراء الى واحات خضراء. وسنكون راغبين في بيعه دبابات وطائرات مقاتلة، وفي بناء مصانعه الكيماوية والنووية، مثلما فعلنا من قبل في عدد كبير جدا من الدول، حتى لو كانت مثل هذه التقنيات يمكن ان تستخدم في انتاج اسلحة متطورة".

وعن أهمية العراق بالنسبة الى الولايات المتحدة، يقول جون بيركنز: "كان العراق في غاية الأهمية لنا، بل اهم بكثير مما يبدو على السطح. وخلافا للرأي العام الشائع، لا يتعلق الأمر بالنفط فقط. بل يتعلق بالمياه وبالجغرافيا السياسية كذلك. ولأن نهري دجلة والفرات يجريان عبر العراق، فإن العراق، من بين كل دول ذلك الجزء من العالم، يسيطر على أهم موارد المياه ذات الأهمية المتزايدة الى درجة حرجة.

وخلال ثمانينات القرن الماضي، كانت اهمية المياه، السياسية والاقتصادية، تتضح شيئا فشيئا لمن يعملون منا في مجالي الطاقة والهندسة. وفي غمرة الاندفاع نحو الخصخصة، أصبح العديد من الشركات الرئيسية التي كانت من قبل تتطلع الى القيام بمهام شركات الطاقة المستقلة الصغرى، يمد بصره نحو خصخصة انظمة المياه في افريقيا، وامريكا اللاتينية، والشرق الأوسط".

بالاضافة الى النفط والماء، يحتل العراق موقعا استراتيجيا مهما، يقول الكاتب. "فهو يتاخم ايران والكويت والمملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وتركيا، وله ساحل على الخليج العربي. وهو على مسافة تسمح باطلاق الصواريخ على اسرائيل وعلى الاتحاد السوفييتي السابق. ومن الشائع اليوم ان من يسيطر على العراق يملك مفتاح السيطرة على الشرق الأوسط".

وفوق كل ذلك، يتابع الكاتب، ف"العراق يشكل سوقا ضخمة للتكنولوجيا والخبرة الهندسية الامريكية. وكونه يجلس فوق واحد من اعظم حقول النفط في العالم، يضمن انه في وضع يخوله تمويل برامج ضخمة تتعلق بالبنية التحتية والتصنيع. وكان كل اللاعبين الرئيسيين يمدون ابصارهم نحو العراق: شركات الهندسة والبناء، مزودو انظمة الحاسوب، اصحاب مصانع الطائرات والصواريخ والدبابات، وشركات تصنيع الادوية والكيماويات".

غير انه كان من الواضح، يقول المؤلف، ان صدام في أواخر ثمانينات القرن الماضي، لم يكن مقتنعا بسيناريو السفاحين الاقتصاديين. و" كان ذلك يسبب خيبة أمل وضيقا عظيمين لادارة بوش الأب. وبينما كان بوش يبحث عن مخرج لذلك، اوقع صدام نفسه بنفسه، حين غزا الكويت في غشت سنة 1990 ورد بوش بادانة صدام بخرق القانون الدولي".

وأثناء الغزو الأمريكي للعراق قال فيل برينان، من المجلة الإلكترونية نيوز ماكس ماي 2003: "لم يكن الانهيار غير المتوقع والسريع لنظام صدام وجيشه نتيجة للحظ الذي حالف واشنطن، أو للقوة العسكرية البشرية الضخمة التي عرضتها على ساحة المعركة، قدر ما كان معظم أسبابه نتيجة للدور الذي نفذته السي أي أيه واتصالاتها عبر أجهزة الهواتف الخليوية، مع عملاء قاموا بدورهم بإقناع وإغراء العديد من قادة الجيش العراقي بالإستسلام مقابل فوائد شخصية كثيرة لهم ولعائلاتهم.

ومنذ انطلاق قوات الغزو، كانت عناصر المخابرات العسكرية الأميركية تنسق مع السي أي أيه ورجالها في ترتيبات استسلام ولجوء الكثير من جنرالات الجيش العراقي، من أجل تقليل عدد الضحايا الأميركيين الذي قد يسقطون في هذه الحرب.

بعد احتلال العراق، افاد تقرير اللجنة المستقلة المكلفة بالتحقيق في فشل اجهزة الاستخبارات الامريكية حول اسلحة الدمار الشامل التي اتهم العراق بحيازتها.

وقد حدث الامر نفسه في ازمة الخليج التي كشفت عن فشل الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية في توقع الاجتياح العسكري العراقي للكويت وتوقيته. لذلك ينبه استراتيجيون كثيرون الآن في الغرب، الى " خطورة الاعتماد على الاستخبارات التقنية وحدها، ويحذرون من التخلي عن عنصر الاستخبارات البشرية، والبعض يضيف تكلفة الاستخبارات التقنية العالية بالمقارنة بتكلفة الاستخبارات البشرية، والبعض يشير الى خطورة حيادية الاستخبارات التقنية التي لا تستطيع فهم المعلومات".

°- حالة إيران، حيث ما يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس إمكانية أن تبرز إيران كقوة نووية ثانية في الشرق الأوسط فحسب، بل مدى إعاقتها لمنظور إعادة تشكيل الشرق الأوسط. فإيران تملك صواريخ بعيدة المدى، وقد تطور أسلحة نووية، ولها صلات قوية مع المليشيات الشيعية في العراق ... كل ذلك ليس في صالح إعادة التشكيل الاقتصادي والسياسي الذي خططت له إدارة بوش في العراق. علاوة على ذلك، اشتكت إسرائيل والمحافظون الجدد مراراً من الدعم الإيراني لميليشيا حزب الله في لبنان وكذلك اللوبي الشيعي في العراق.

لقد أعلنت واشنطن الحرب على إيران من الناحية العملية، من خلال تسمية الرئيس بوش لإيران كجزء من ثالوث "محور الشر" المستهدف بالحرب العالمية على الإرهاب والإستراتيجية الأمريكية الجديدة في الحرب الوقائية، الأمر الذي زاد من عصبية إيران.

ووسط انقسام كبير بين مسؤولي وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) حول مخاطر توجيه ضربة جوية لايران، شكك مسؤولون عسكريون أمركيون في فعالية غارات جوية، يقوم بها سلاح الجو الاميركي في تدمير البرنامج النووي الايراني، وذلك بسبب عدم توافر ما اسموه معلومات جديرة بالثقة...ناهيك عن أن ذلك قد يؤدي الى عواقب اقتصادية وسياسية وخيمة ضد أميركا.

ولا يشكك المسؤولون في البنتاغون في مخاوف الرئيس بوش، من ان ايران تسعى لامتلاك سلاح نووي، غير أنهم يعربون عن مخاوفهم من ان هناك فجوة كبيرة بين المعلومات الاستخباراتية وبين خطط وزارة الدفاع.

°- ناهيك عن حالة مصر، حيث تعمل المخابرات الأمريكية (والإسرائيلية أيضا) تحت غطاءات مختلفة، من خلال الجامعات والمراكز الثقافية والشركات الوهمية وشركات الطيران والشركات السياحية، ومكاتب الاستيراد والتصدير وغيرها... وتشمل أنشطتها مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدينية هناك.

+ بالفصل السادس ("استخبارات القاعدة و الس.أي.إي وجها لوجه: غزوة منهاتن 11 سبتمبر2001") يعاود الكاتب الإقرار بقوله بالمقدمة: " لقد أدت غزوة مانهاتن إلى تبدل جذري في مفهوم الأمن الأميركي. فبعد أن كان نصف القارة الشمالي معزولا عن بقية العالم وتهديداته بمحيطين، أصبح الآن في الداخل. وضربت المفاجأة رموز القوة الأميركية في بعديها الاقتصادي والعسكري. وغيرت المفاجأة معالم المركز المالي الأهم في العالم. وأظهرت الغزوتين للعالم حقيقة الوهم المسمى ب السي اي ايه والاف بي اي. لقد خسرت الاستخبارات الامريكية الجولة امام استخبارات القاعدة واضطر جورج تنيت رئيس الاستخبارات للاستقالة حفظا لماء وجه رئيسه أمام أعضاء الكونجرس".

وقد أصدرت الإدارة الأميركية في هذا المجال تشريعات عدة تتعلق كلها بالأمن القومي الداخلي، إضافة إلى القرارات التي أصدرها وزير العدل جون آشكروفت حول سمات الدخول وما شابه، وكذا طلب الرئيس بوش إنشاء وزارة للداخلية تبلغ ميزانيتها أكثر من 73 مليار دولار أميركي.

ويعزو البعض فشل وكالة المخابرات إلى تآكل دورها وعدم تجدده. ويعتبر البعض الآخر، أن سبب الفشل يعود إلى عدم التعاون بين الأجهزة الأمنية المتعددة، "إذ يقال إنه ومنذ 30 عاما خلت، لم يكن رئيس الإف.بي.آي. إدغار هوفر، على علاقة جيدة مع رئيس السي.آي.أي آنذاك ريتشارد هيلمز، حتى إنه لم يكن يكلمه".

وقد تتالت التقارير حول السبل الكفيلة بمواجهة الإرهاب. وتمت الإشارة إلى باكستان وأيضا إلى العربية السعودية، حيث تعتبرالمملكة حليفا يسبب إشكاليات. "إنها مجتمع متدين مغلق، لا يفصل بين الواجبات الدينية والواجبات المدنية، ويتسرب منه دعم مقصود أو غير مقصود لمدرسة فكرية خطيرة هي الوهابية، ولمنظمات إرهابية".

المطلوب إذن أن تتغير السعودية، "بحيث تصبح صديقا لا تخجل الولايات المتحدة من إشهار الصداقة معه. أما أميركا فليس عليها أن تغير شيئا. يفترض بالسعودية وحدها أن ترتقي إلى حيث تستحق علاقتها بالولايات المتحدة".

ويعتقد الكاتب أن التحول عن ملاحقة الشيخ أسامة بن لادن، المترتب عن قرار إغلاق الوحدة الخاصة بذات الملاحقة يبين أن الشخص لم يعد مصدر خطر. كما ان الحرب في العراق قد تسببت في تركيز موارد وكالات الاستخبارات الاميركية ووزارة الدفاع هناك، نتيجة بروز اولويات جديدة.

لكن الأمريكيين مدركونمع ذلك أن "أخطر ما في الأمر أن الفدائيين الإسلاميين الذين تعمل القاعدة من خلالهم اليوم، والذين يستخدمون في الغالب أسلحة تقليدية، وباتوا يسيطرون على أكثر من بؤرة في أرجاء العالم حاليا، سيتم استبدالهم بأجيال جديدة قد تكون لديها القدرة اللازمة لاكتساب الأسلحة البيولوجية أو الإمكانيات النووية''.

+ بالفصل السابع ("الصراع من الداخل") يلاحظ المؤلف أن العديد من الجواسيس بدأوا يتذمرون من طريقة أداء الوكالة لدرجة يقول بعضهم: "إن نوعية الاشخاص الذين يدخلون في مجال التجسس يجب ان تتغير تبعا لتغير الاهداف، فسوف نحتاج الى ضباط على اطلاع واسع في الاقتصاد وفي الشؤون التقنية، مثل الانتشار النووي، اكثر مما نحتاج الى أخصائيين في العلوم السياسية في جوانبها المتعددة، ممن كانوا تقليديا يمثلون العمود الفقري للادارة السرية".

ثم إن مدير المخابرات المركزية هو القائد الميداني الملزم بإدارة كل امكانيات البلد فيما يتعلق بجمع المعلومات، " لكن واقع الحال ان اهم جهازين يساعدانه في جمع المعلومات وهما وكالة الامن القومي ووكالة جمع المعلومات بالاقمار الصناعية كانا دائما تحت سيطرة القيادات العسكرية، وقد يكون من المناسب ان تقوم الوحدات العسكرية باطلاق اقمار صناعية، وان تضع أشخاصا مهمتهم التقاط الاشارات والرسائل على متن الطائرات والسفن وفي القواعد العسكرية. كما ان العسكريين يحتاجون بصورة ماسة الى ذلك النوع من المعلومات الذي يمكن للأنظمة التقنية لهاتين الوكالتين ان تجمعها، ولكننا اذا اردنا ان نتحول بالأولويات الى الاقتصاد والسياسة، فاننا نحتاج الى آلية تضمن الا تكون للأولويات العسكرية المكانة الاولى دائما".

ولعل أبلغ تلك الدوافع والأسباب كانت أحداث 11 أيلول 2001 والتداعيات والإسقاطات التي ترتبت عليها، "بدءا بحرب أفغانستان وإخفاق وكالة الإستخبارات المركزية في القبض على زعيمي تنظيم القاعدة وحكومة طالبان أسامة بن لادن والملا عمر، وانتهاء بسقوط وتهاوي المبررات التي ساقتها الوكالة لشن الحرب على العراق، وبالأخص زعم امتلاكه أسلحة دمار شامل، وادعاء وجود علاقة بين الرئيس العراقي الأسير صدام حسين وبن لادن".

وفيما نظر البعض إلى إستقالة مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية، على أنها جاءت في سياق صفقة بينه وبين جورج بوش، مستدلين على ذلك بميدالية الحرية الرئاسية التي منحها الثاني للأول بعد إستقالته، اعتبر بعضهم الآخر جورج تينيت كبش فداء للسقطة الأميركية في المستنقع العراقي.

لم يسلم تينيت من الملاحقة، بل كان مادة تحقيق أشير عليه من خلاله كونه ضلل الكونجرس. وعندما علم أن مدير الوكالة الجديد بورترغوس يتجه، تحت ضغط كبار قيادات الوكالة، إلى استدعائه لاستجوابه كخطوة تمهيدية لإدانته رسميا، ومن ثم توقيع عقوبات إدارية بحقه قد تؤدي إلى تحويله للمحاكمة بتهمة خداع الكونغرس، لجأ هذه المرة للهجوم كوسيلة فضلى للدفاع. ف"تعمد توجيه إنذار مبطن للرئيس جورج بوش على صفحات واحدة من أهم الصحف الأميركية هي الـ "واشنطن تايمز"، لحثه على التدخل لوقف غوس، ومنعه من عقد محاكمة علنية له، تحت طائلة التهديد المبطن أيضا بفتح جميع الملفات المغلقة الخاصة بأحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق"، لكن الرئيس الأميركي لم يحسم الموقف.

يقول المؤلف بهذه النقطة: "عندما تتموضع المعركة الصامتة الدائرة في وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية في مثلث أقطاب الحياة السياسية والإستخباراتية الأميركية، ويتواجه فيها الرئيس من جهة، ومراكز النفوذ في الوكالة من جهة ثانية، ومدير الوكالة السابق من جهة ثالثة، في غياب أي ثقل أو نفوذ يذكر لمدير الوكالة الحالي، فإن ذلك يؤشر إلى قرب انفجار صندوق المعلومات الأميركي الأسود الذي سينكشف مع انفجاره مستور 11 سبتمبر وجريمة غزو واحتلال العراق".

وقد قام جوس بتنفيذ مشروع ضخم للتنصت على الجالية العربية و الاسلامية في امريكا بعد غزوتي نيويورك وواشنطن، ونفذ المشروع من خلال وضع ميكروفونات حساسة في اعمدة الكهرباء وصناديق جمع القمامة في أماكن تجمع المسلمين.

+ بالفصل الثامن ("الخطط الجديدة في مواجهة الحركات الاسلامية") يلاحظ المؤلف أن الخطط الجديدة التى وضعها وزير الدفاع رامسفيلد تتمثل في تنشيط العمل الاستخباراتى البشرى، أى المعتمد على التخابر الإنسانى والذي بدوره سيساعد على التخابر الفضائى باستخدام الأقمار الاصطناعية. وهو ما اعتمدت عليه وكالة الاستخبارات الأمريكية وثبت فشله الذريع فى التعرف على أهداف الحركات الإسلامية وتكويناتها وخططها وممارساتها.

كما تخطط المخابرات الأمريكية لغزو واختراق وغسل أدمغة الشعوب العربية والإسلامية تارة باسم الدين، وتارة أخرى بالديمقراطية، وتارة ثالثة بدعوات الحرية، احتكاما إلى "قناعتها بأن تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي هو الطريق نحو إقامة ديمقراطيات مستقرة"... وأن يتم تركيز الجهود الأمريكية في هذا المجال علي ثلاث جهات هي: الجماعات الإسلامية المعتدلة، والمؤسسات المدنية، والجماعات الإصلاحية بهدف حثها على تبني قيم الديمقراطية وحقوق المرأة والتسامح مع الأقليات وما سوى ذلك.

من هنا تأتي عشرات الملايين من الدولارات التي تضخها واشنطن "لتمويل محطات إذاعية "إسلامية"، وبرامج تليفزيونية (إنشاء سوا والحرة) وإعداد مناهج، بحيث يتم تدريسها في مدارس العالم الإسلامي".

وعلى الرغم من التباين في السبل، فإن الإدارة الأمريكية باتت مدركة لأهمية استخدام المعلومات في التأثير على أصدقاء أمريكا وأعدائها في الخارج.

وعلي الرغم أيضا من ملايين النشرات التي تم توزيعها في العالم الإسلامي بداية من الكتب الكوميدية، وانتهاء بالمجلدات الكبري التي خصصت كلها لغسل الأدمغة، "فإن الولايات المتحدة الأمريكية انتهت إلي أن تأثير ذلك كله كان محدودا في مواجهة تنظيم القاعدة.. وكرد فعل لذلك، شكل القادة العسكريون الأمريكيون مكتبا جديدا للتأثير الاستراتيجي، تكون مسئوليته شن حرب إعلامية ضد الإرهاب الإسلامي، وضد الفكر الذي ينتهجه تنظيم القاعدة".

إن سلوك الولايات المتحدة هذا واستهدافها للعرب والمسلمين الفاضح هو الذي يجعل هؤلاء وغيرهم يكرهونها. من شبه المستحيل إذن أن تتحول هذه الكراهية إلى محبة، لدرجة جعلت أحد الأمريكيين يقول: إنه "حتى لو أتت أمريكا بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم لكي يدافع عنها، فلن تتمكن من تحسين صورتها أمام العالم الإسلامي".