المقدمة
في نهاية شهر ايار المنصرم, عقد معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ندوة خاصة لمناقشة "مستقبل سورية: التحديات والآفاق" شارك فيها البروفيسور باري روبين, رئيس تحرير مجلة ميدل ايست ريفيو ومؤلف كتاب "الحقيقة السورية" وثيودور كاتوف, السفير الامريكي السابق في كل من سورية ودولة الامارات العربية. وبالنظر لاهمية ما دار في الندوة, نشر موقع "معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى".
التلخيص التالي عن اهم ما جاء فيها.
على المرء, اذا اراد ان يتفهم السياسات السورية, ان لا يركز على ما يرد في تصريحات المسؤولين السوريين, انما ينبغي له, بدلا عن ذلك, ان يحلل بنية النظام ومصالحه وان يفسر تصرفاته تبعا لذلك. لقد نجحت القيادة السورية على مدى اكثر من ثلاثين عاما في اقامة دولة تتمتع بالاستقرار النسبي ولا تواجه اية تحديات داخلية جدية. لكن الحكومة السورية الراهنة لم تنجح على الصعيدين الاقتصادي والقومي. والسؤال الان هو كيف يمكن التوفيق بين الاستقرار الداخلي طويل الامد والاداء الاقتصادي والقومي الضعيف ان التناقض بين الهدفين يقود, عادة, الى التململ والعنف لكن دمشق نجحت في تجنب مثل هذه النتيجة.
يحتاج النظام الى شيء من النزاع والراديكالية كي يحافظ على سيطرته الداخلية, وانطلاقا من ذلك, فان المواقف التي تتخذها الحكومة السورية لا تصدر عن اهواء ونزعات شخصية انما هي مقصودة لخدمة مصالح بينة ومحددة. فدمشق تعتقد ان اي تعزيز للنفوذ الامريكي في المنطقة يتعارض مع المصالح السورية ولذا فان تحول النظام السوري الى اقوى معارض منهجي للامريكيين في العالم العربي ليس مجرد صدفة.
كما ان لدمشق مصلحة في قيام عراق موال لسورية ومنسجم مع نظرتها العامة للعالم. فاذا لم يكن بالامكان تحقيق ذلك, فان نظام دمشق مستعد لقبول الاختيار الاخر وهو عراق غير مستقر. لا تحمل الحرب الدائرة في العراق سورية اية كلفة تذكر. كما ان التحالف السوري مع ايران ليس نزوة عابرة, انما هو ضرورة تحتمها الحاجة الى دور ايران كسند اقتصادي وداعم قوي. وعلى ضوء المصالح التي يحددها النظام السوري فان التحالف مع ايران يشكل صفقة مفيدة.
ورغم ما يبدو من اندراج الاصلاح الاقتصادي ضمن الاجراءات التي تخدم مصالح الحكومة السورية, فانه ينطوي على بعض المخاطر. فالاقتصاد الاكثر حرية يعني المزيد من رأس المال وبالتالي المزيد من السلطة في يد الطبقة المتوسطة المستقلة. ولهذا فان من الاجدى للنظام ان يظل مسيطرا على الاقتصاد فهو يفضل ان تكون الكعكة اصغر حجما ما دامت حصة النظام منها تظل كبيرة, اذ يخشى النظام ان يصبح رجال الاعمال المستقلون اكبر المستفيدين من الانفتاح الاقتصادي وان يؤدي تجمع الاموال بأيديهم الى توظيفها في قضايا دعم الديمقراطية او التوجهات الدينية او كليهما.
واستنادا الى هذا التحليل فان الحكومة السورية تعتمد على تكتيكين رئيسيين في تعاملاتها مع العالم. اولهما الازدواجية فدمشق تظهر براعة في استغلال العملية الدبلوماسية الدولية البطيئة لكسب التنازلات وارغام الطرف المقابل على رفع العقوبات من دون اي مسعى من جانبها للتوصل الى اتفاقيات او تغيير سلوكها. اما التكتيك الثاني فهو المقاومة حيث تطرح سورية نفسها بصفة قائدة الكفاح ضد الغرب الامر الذي يجعلها اهلا لتلقي دعم الاخرين ممن يشاركها في هذا الهدف.
تظل السيطرة على لبنان الاولوية القصوى في الاهداف السورية ولعدة اسباب معظمها اقتصادي ومن هنا فان اعاقة اجراءات المحكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري تعتبر امرا بالغ الاهمية فالكشف عن اية علاقة لمسؤولين سوريين كبار بجريمة الاغتيال من شأنه ان يضعف قبضة سورية على مقاليد الامور في لبنان.
ولما كانت كل من دمشق وبيروت منشأ لدعاة القومية العربية الاوائل, فلا غرابة في ان يعتقد الكثير من السوريين بان على سورية ولبنان ان يكونا جزءا من كيان عربي اكبر.
وبدلا من التركيز على تصرفات النظام القائم في دمشق منذ حوالي اربعين عاما, ينبغي للمراقبين ان يحاولوا فهم الكيفية التي ينظر بها السوريون انفسهم الى بعض القضايا.
لقد اصبح الشعب السوري معزولا نسبيا تحت حكم البعث وقد ارغمت سرعة النمو السكاني وبطء التطور الاقتصادي الشعب السوري على التركيز على احتياجاته اليومية الداخلية. ولم يتمكن النظام من ايجاد فرص العمل الكافية للجيل الطالع من الشباب. وكما هي الحال في الكثير من الدول العربية, يشعر الشباب بالاحباط ازاء التهميش السياسي والامكانات الاقتصادية الفقيرة والمستقبل غير الواعد. ومع ذلك, فان الواقع يقتضي الاعتراف بكون السوريين مستسلمين للوضع القائم.
قلة قليلة فقط من السوريين تؤمن بحيادية النوايا الامريكية وقد عملت الحرب في العراق على تقوية النظام السوري داخليا وتشجيعه على المستوى الاقليمي. لكن سورية تواجه تحديات كبرى على الصعيدين الداخلي والخارجي. فقد يرغمها تدني انتاجها المحلي من النفط على التحول الى بلد مستورد لهذه السلعة الثمينة الامر الذي سيستنفد مصدرا مهما من مصادر دخلها القومي كما ان الحكومة السورية تفتقر الى داعم خارجي موثوق فعلى الرغم من اصلاح علاقاتها مع المملكة العربية السعودية, فان من غير المتوقع ان تحصل سورية على المزيد من الدعم السعودي ما لم تغير على نحو راديكالي موقفها من حزب الله والمعارضة اللبنانية. ولا يترك التذمر من الدعم الايراني المالي لحزب الله مجالا للتوقع بان تخف ايران لانقاذ سورية في حالة تدهور اقتصادها. ويمكن القول باختصار ان الغرب لن يتمكن من ابعاد سورية عن ايران.
في مجتمع مغلق كالمجتمع السوري, ليس من المرجح استبدال النظام القائم بنظام ليبرالي ديمقراطي من دون الاعتماد على اصلاحات جذرية تطال قطاعات مختلفة وعلى مستويات مختلفة وفي غياب مثل هذا الاصلاح فان الممكن الوحيد هو استبدال الحكومة الحالية بحكومة اسلامية سنية راديكالية او بدولة فاشلة يزدهر فيها الارهاب ليتجاوز حدود الدعم السوري الحالي لكل من حماس وحزب الله ولعل هذا هو السبب الذي جعل اسرائيل تمتنع عن مهاجمة سورية في حرب 2006 في لبنان اذ لا يوجد اي بديل ممكن قادر على تحقيق امن افضل لاسرائيل.
يمكن القول بشكل عام ان العقوبات الامريكية وحيدة الجانب لم تغير سلوك النظام السوري ولم تخفف قبضته على السلطة في دمشق وتغطي الاخطاء الامريكية الجسيمة على الحسابات الخاطئة التي وقع فيها النظام السوري, فقد كانت واشنطن متغطرسة على امتداد فترة تحاورها مع دمشق. وما من حكومة في العالم, ناهيك عن حكومة الاسد او حكومة البعث, كان لها ان تتقبل المطالب الامريكية. وهذه القضايا لن تجد لها حلا ما لم تحاول الولايات المتحدة واسرائيل اختبار مدى جدية الرئيس الاسد في موضوع تحقيق السلام.