آخر الأخبار

علبة المشروبات المصنوعة من الألمنيوم

ينتج صانعو علب المشروبات في الولايات المتحدة الأمريكية 300 مليون علبة مصنوعة من الألمنيوم كل يوم، أي نحو 100 بليون علبة كل عام. وكمية الإنتاج هذه، التي تكافئ علبة واحدة لكل أمريكي كل يوم، تبزّ حتى إنتاج المسامير ومشابك الأوراق. وإذا ما طُرح السؤال عما إذا كانت علبة المشروبات تتطلب في تصنيعها اهتماما خاصا أكثر مما تحتاج إليه الأدوات المنزلية الأخرى، فإنه يُحتمل أن تكون إجابة معظمنا بالنفي. وفي الحقيقة، فإن صانعي علب الألمنيوم يولون اهتماما ودقة في عملهم لا يقلان عما يوليه مصممو المعدن (الفلز) الذي تصنع منه أجنحة الطائرات. فالمهندسون الذين يسعون إلى بلوغ الكمال في تصميم علبهم يطبقون الطرائق التحليلية نفسها المستعملة في المركبات الفضائية.

ونتيجة لهذه الجهود فإن العلبة في هذه الأيام تزن قرابة 0.48 آونس(1) ounce، بعد أن كان وزنها 0.66 آونس في الستينات حين صنعت هذه العلب أول مرة. إن العلبة القياسية الأمريكية المصنوعة من الألمنيوم، والتي تحوي 12 آونس من السائل، ليست خفيفة الوزن ومتينة فحسب، بل إن لها تقريبا القطر نفسه لكأس الماء التقليدية وارتفاعها أيضا. ومثل هذه العلبة، التي سطوح جدرانها أرق من صفحتين من هذه المجلة، تتحمل أكثر من 90 باوند(2) pound من الضغط على الإنش(3) inch المربع ـ وهذا يعادل ثلاثة أمثال ضغط الهواء في إطارات السيارات.

ومع ذلك فإن صناعة العلب لم تتوقف عند هذه الإنجازات التي أحرزتها، إذ إن هناك حوافز اقتصادية قوية تدفعها نحو إجراء المزيد من التحسينات. فالمهندسون ما انفكوا يبحثون عن السبل الكفيلة بتخفيض كمية المادة اللازمة لصناعة العلبة، مع احتفاظها بأدائها المميز. فتخفيض وزن العلبة بمقدار 1% من شأنه توفير ما يقرب من 20 مليون دولار سنويا من سعر الألمنيوم (ويجعل من السهل أيضا هَصْر العلبة الفارغة باليد).

وفضلا عن الوفر الذي يترتب على عملية التصنيع الحديثة، فإن هذه العملية تمنح السطح الخارجي للعلبة عاكسية عالية تجعل منه قاعدة مثالية لطباعة الزخارف عليه مما يزيد من الحماسة إلى طلب علب الألمنيوم بين أولئك الذين يسوِّقون المشروبات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصناعة تستهلك نحو خمس الألمنيوم المستعمل في الولايات المتحدة. ومن ثم فقد برزت صناعة علب المشروبات كأهم سوق منفرد للألمنيوم. وحتى عام 1985، كانت معظم العلب تحوي جعة، أما الآن فإن ثلثيها يحويان مشروبات غير كحولية.

إن علبة المشروبات المصنوعة من الألمنيوم هي سليل مباشر للعلبة المصنوعة من الفولاذ التي ظهرت أول مرة عام 1935، والتي سوقتها حينذاك شركة كروگر برووينگ التي كان مركزها في ريتشموند بولاية فرجينيا. وكما هي الحال في علب الطعام، فإن علبة المشروبات القديمة هذه كانت مؤلفة من ثلاث قطع من الفولاذ: أسطوانة ملفوفة وملحومة، وقطعتين في طرفيها. وكان لبعض العلب الفولاذية أغطية مخروطية مغلقة بسدادات شبيهة بتلك التي تستخدم في سد القناني. وخلال الحرب العالمية الثانية، قامت الحكومة الأمريكية بشحن كميات ضخمة من الجعة ضمن علب فولاذية إلى جنودها في الخارج. وبعد الحرب عاد معظم الإنتاج إلى استخدام القناني، لكن المحاربين القدماء حافظوا على حبهم للجعة المعلبة مما دفع الصناعيين إلى عدم التخلي تماما عن تقانة العلب على الرغم من أن تكلفة صنع العلب ذات القطع الثلاث كانت أعلى من تكلفة صنع القناني.

وتُسمى العملية التي ابتكرتها شركة رينولدز سحب القطعتين وَكَيِّ(4) ironing السطح. ويبدأ المنتجون بخليطة (أُشابة) مصهورة مكونة في المقام الأول من الألمنيوم، لكنها تحوي أيضا مقادير صغيرة من المغنيزيوم والمنغنيز والحديد والسليكون والنحاس. وهذه الخليطة تصب في مصبوبات ingots، ثم تقوم مدلفنات rolling mills بتحويلها إلى صفائح رقيقة.

إن أول خطوة في صنع العلبة هي اقتطاع أجزاء دائرية من الصفيحة قطرها 5.5 إنش. ومن الواضح أن اقتطاع هذه الأقراص يخلف خردة تشكل نظريا خسارة من الصفيحة قدرها 9%، لكن الخسارة الفعلية تصل إلى 12% أو 14%. ولتخفيض هذا الهدر فإن الصفائح تُصنع بمساحات كبيرة تكفي لدمج 14 كوبا (قدحا) منسقة في صفين غير مستقيمين. ويسحب من كل قطعة كوب قطره 3.5 إنش.

ويمكن إجراء عمليات التشكيل الثلاث التالية لجسم العلبة بكبسة مستمرة واحدة للسنبك punch بوساطة آلة (مكنة) ثانية ـ في نحو خُمْس الثانية. أولا، يعاد سحب الكوب إلى قطر داخلي نهائي مقداره نحو 2.6 إنش مما يزيد ارتفاع الكوب من 1.3 إلى 2.25 إنش، بعد ذلك تتابع ثلاث عمليات كي ترقق الجدران وتمددها بحيث يصل طول الجسم إلى قرابة خمسة إنش. وفي المرحلة الأخيرة يضغط السنبك قاعدة جسم العلبة على قبة معدنية لإعطاء قعر العلبة انتفاخا نحو الداخل. وهذا الانحناء يؤدي دور قوس جسر، بمعنى أنه يساعد على منع القعر من الانتفاخ نحو الخارج تحت تأثير الضغط. ولتوفير أمان إضافي، فقد جُعلت قاعدة العلبة وأسفل جدرانها الجانبية أثخن من أي جزء آخر من جسم العلبة.

إن تشريح علبة المشروبات الحديثة المصنوعة من الألمنيوم يبين الخطوات التي يتعين على التصميم والهندسة إنجازها على نحو متواصل. إن هدف صانعي العلب هو تخفيض كمية الألمنيوم اللازمة من دون التضحية بكمال بنية العلبة. ومع أن وزن العلبة حاليا 0.48 آونس تقريبا، فإن الصناعيين يأملون بتخفيض وزنها بنحو 20%.

وقد يكون الكيّ أصعب العمليات لدى صنع جسم العلبة. فالسنبك ذو الأبعاد الدقيقة يدفع الكوب خلال حلقتين أو ثلاث حلقات كيِّ كَرْبيدِيّة. ولترقيق العلبة وإطالتها، فإن السنبك يجب أن يتحرك على نحو أسرع من حركة المعدن في منطقة الكي. والخلوص clearance بين السنبك وكل من الحلقات أقل من ثخانة المعدن. ويساعد الاحتكاك الذي يتولد عند سطح السنبك على دفع المعدن خلال حلقات الكي. ولزيادة هذا الاحتكاك، فإنه يمكن تخشين السنبك قليلا بخدش متصالب (يمكن رؤيته مطبوعا على القسم الداخلي من العلبة). إن انزلاق السطح على حلقتي الكي يعطي للقسم الخارجي من العلبة اللمعان المنشود.

تبتدئ خطوات تصنيع العلبة بصفيحة من خليطة الألمنيوم. تقطع من هذه الصفيحة قطعة قطرها 5.5 إنش، ثم يقوم السنبك بسحب الدائرة لتكون كوبا قطره 3.5 إنش، بعد ذلك تقوم آلة أخرى بسحب القطعة ثانية وكي جدرانها وإعطاء قاعدتها قبتها ـ كل ذلك في نحو خُمْس الثانية. وتعطي هذه الإجراءات جدار العلبة أبعاده النهائية. وبعد تشذيب "تغضفات" أعلى الجدران تنظف العلبة وتزخرف ومن ثم يضيّق أعلاها لإيواء الغطاء الأصغر قطرا. ويتم تشكيل شفة في أعلى الجدار لتثبيت الغطاء. وبعد ملء العلبة تدرز وتغلق لتصبح معدة للبيع.

يمكن ترقيق الجدران الجانبية للعلبة من دون المساس بمتانتها لأن العلبة هي، بنيويا، "وعاء ضغط" pressure vessel. وهذا يعني أنها تعتمد في جزء من مقاومتها على القوة الداخلية لثنائي أكسيد الكربون الموجود في الجعة والمشروبات الخفيفة أو من النيتروجين الذي يضاف الآن إلى بعض السوائل غير المُكَرْبَنَة كعصير الفواكه. وفي الحقيقة فإن معظم أنواع الجعة تُبَسْتر في العلبة، وهذه العملية تُولِّد ضغطا قدره نحو 90 باوند على كل إنش مربع من المادة. كما أن المشروبات المكربنة قد تولد في الطقس الحار ضغطا مماثلا.

وتُولِّد عملية تعبئة العلبة نوعا مختلفا من الإجهاد عليها. وخلال هذه المرحلة تُضغط العلبة (من دون غطائها) بإحكام نحو قاعدة في آلة التعبئة. ويجب ألا تتجعد العلبة خلال تعبئتها وختمها، أو حين تتكدس العلب المعبأة واحدة فوق الأخرى. ومن ثم فإن صانعي العلب يحددون حدا أدنى "للمقاومة العمودية" تساوي نحو 250 پاوند لجسم علبة فارغة. ولا تلبي الهياكل ذات الجدران الرقيقة مثل هذه المتطلبات بسهولة، ذلك أن أدنى لاتمركز (شذوذ) في الحمل ـ وحتى وجود حز (انبعاج) في جدار العلبة ـ يسبب انهيارا كارثيا. ويمكن رؤية هذا الانسحاق بالوقوف (بحذر) على علبة فارغة عموديا. ويتجنب صانعو العلب هذا الانهيار باستعمال آلات تمسك بالعلب على نحو دقيق.

تمثل عمليتا السحب والكي الأسلوب الحديث في تصنيع علب المشروبات. فالسحب الابتدائي يحول قطعة الألمنيوم إلى كوب صغير (1). بعد ذلك ينقل الكوب إلى سنبك ثان يعيد سحب العلبة. ويقوم الكم بمسك العلبة في الوضع الصحيح للحيلولة دون تجعدها (2). ويدفع السنبك العلبة عبر حلقات كيّ وذلك لترقيق جدرانها (3). وأخيرا يشكل القعر على قبة معدنية (4).

يجب أن تكون القطعة الثانية من العلبة ـ وهي الغطاء ـ أقوى من جسمها، ويعود هذا إلى أن الشكل المسطح أضعف كثيرا من الشكل المقوس (وعلى سبيل المثال، فإن السدود تتقوس نحو الداخل مشكلة سطحا محدبا بالنسبة إلى المياه التي تحويها). لذا فإن صانعي العلب يقوّون الغطاء بصنعه من خليطة تحتوي على قدر أقل من المنغنيز وكمية أكبر من المغنيزيوم مما يحتوي عليه معدن الجسم، كما أنهم يجعلون هذا الغطاء أثخن من الجدران. وفي الحقيقة فإن وزن الغطاء يعادل ربع الوزن الكلي للعلبة. ولتخفيض الوزن يصغِّر صانعو العلب قطر الغطاء ليصبح أقل من قطر الأسطوانة، ثم يُضيِّقون القسم العلوي من الجدار الأسطواني إلى أن يصير قطره 2.1 إنش بدلا من 2.6 إنش لاحتواء الغطاء. وتصل برشامةٌ بسيطةٌ اللسانَ بالغطاء. ويُثلَّم الغطاء كي يمكن فتح العلبة بسهولة، لكن قطعة المعدن التي تُدفع تبقى موصولة بالغطاء.

فضلا عن التصميم المبتكر، فإن إنتاج بلايين العلب في السنة يتطلب آلات إنتاج موثوقة. وقد قيل إنه كي يُثبت صانع ساعات سويسري مقدرته فإنه غير مطالب بصنع ساعة وإنما بصنع الأدوات اللازمة لفعل ذلك. وهذه الفكرة تسري على تصنيع العلب. ويقول مدير للإنتاج "إنه إذا وُجد عجز مقداره نصف مليون علبة في نهاية يوم سيئ، فمن المؤكد أن يلاحظ ذلك شخص ما." ويمكن لمجموعة جديدة من قوالب الكيّ أن تنتج 250000 علبة قبل أن تتطلب إعادة جلخها. وهذه الكمية مكافئة لأكثر من 20 ميلا من الألمنيوم المسحوب بتفاوت tolerance قدره 0.0001 إنش. وتجدر الإشارة إلى أن حلقات قالب الصوغ تُستبدل حالما تنقص أبعادها عن المواصفات، الأمر الذي يحدث، أحيانا، أكثر من مرة في اليوم.

إن من أهم أسباب النجاح في الإنتاج المتسق الدقيق يعود إلى صفائح الخلائط القابلة للتشكيل formability. ولم تكن الخصائص الفلزية المسؤولة عن أداء صفائح العلبة الحديثة معروفة جيدا لأنها كانت مسجلة باسم مكتشفيها، ولم يتغير هذا الوضع إلا في العقد الماضي نتيجة الجهود التي بذلها (من شركة گُولْد إلكترونيكس في إيست ليك بولاية أوهايو) و (من جامعة كِنْتَاكِي) وآخرون، والتي أثمرت عن نشر البحوث العلمية، على نطاق واسع، عن الخواص الفلزية لصفائح العلب.

ونعرف الآن أن ثمة ثلاثة عوامل أساسية تزيد من متانة الألمنيوم، سبق وأوردنا واحدا منها، ألا وهو المنغنيز والمغنيزيوم المذابان في المادة واللذان تزيح دارتهما بعض ذرات الألمنيوم في المادة وتحل محلها. ولكونهما مختلفين قليلا في الحجم فإن ذرات المنغنيز والمغنيزيوم تشوه الشبكة البلورية، ولأن هذه التشوهات تقاوم تشوه الشكل deformation فإن الصفيحة تصبح متينة.

في السنين القليلة الماضية، ازداد الإنتاج السنوي لعلب المشروبات في الولايات المتحدة بعدة بلايين. وتهيمن علبة الألمنيوم المكونة من قطعتين على السوق بشكل ساحق، في حين تمثل العلب الفولاذية أقل من 1% من العلب المتداولة. أما العلب الفولاذية المكونة من ثلاث قطع فنادرا ما تصنع الآن، وقد وصل إنتاجها ذروته في منتصف السبعينات.

أما العامل الثاني فهو وجود ما يسمى بالجسيمات بين المعدنية intermetallic. وهذه الجسيمات، التي تتكون خلال صنع الصفيحة، مكونة من اتحاد المعادن المختلفة في الخليطة (معظمها حديد ومنغنيز). وهي تميل إلى أن تكون أقسى من الخليطة نفسها مما يزيد من متانتها.
وقد يكون أهم العوامل التي تسهم في متانة الصفيحة هو تقسيتها التي تحدث عند دلفنتها على البارد cold-rolled (بسطها بدرجة حرارة الغرفة). وخلال عملية التشكيل هذه تبرز انفصامات dislocations وعيوب في الشبكة. وعند تشوه المعدن تتحرك الانفصامات ويزداد عددها. وفي نهاية المطاف فإنها تصبح متشابكة بعضها مع البعض الآخر مما يجعل حدوث مزيد من التشوه في الشكل أكثر صعوبة.

ولسوء الحظ فإن هذه التقسية تخفض على نحو كبير قدرة المادة على المطّ stretch. وتشير اختبارات الشد tensile إلى أن القدرة على الاستطالة elongation تهبط من 30% إلى نحو 2% أو 3%. وكان الاعتقاد التقليدي هو أن الصفائح لا يمكن تشكيلها إلا إذا كان للمادة استطالة عالية لدى شدها. وبالطبع، فإن أجزاء الهيكل في صناعة السيارات تشكل من الصفائح المَلدَّنة جيدا والتي يمكن مطها أكثر من 40%. وقد قادت هذه الفلسفة المحاولات المبكرة لتصنيع علب الألمنيوم المؤلفة من قطعتين. وقد ركز الباحثون على صفائح ملدنة أو مقساة جزيءيا بالتشكيل حيث يُضحى بالمقاومة للمطيلية ductility.

وقد تلقّى فهم التشكلية(5) formability دعما قويا نتيجة للدراسات التي قام بها في الستينات كل من

و (من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT) و (من الجامعة التقنية في وارسو) وغيرهم. فلدى فحصهم سلوك صفائح معدنية مختلفة لم يكتفوا بمجرد دراسة سلوكها عند تعريضها للشد في اتجاه واحد (كما يجري عادة في اختبار الشد)، ولكنهم أمعنوا النظر فيما يحدث لدى تعريضها للشد آنيا في اتجاهين. وقد بينوا وجود نافذة صغيرة من الانفعالات strains التي تسمح بالتشكيل من دون حدوث انهيار. وعلى الرغم من أن التقسية تقلل كثيرا من حجم هذه النافذة، فإن كوة صغيرة تظل مع ذلك مفتوحة، مما يسمح بتشكيل القبة في قعر العلبة وإجراء السَّحب ثم إعادة السَّحب للجدران الجانبية.

بيْد أن الخطوة الحاسمة، التي جعلت من علب الألمنيوم اقتصادية، قام بها من شركة رينولدز. فقد أدرك أنه يمكن صناعة العلب من صفائح مقساة تماما باستخدام عملية مصممة بعناية تحدد وضع حلقات الكي وشكل السنبك والقوالب وكثيرا من العوامل الأخرى. وهذه الصفائح القوية المقساة تماما جعلت من الممكن استخدام صفائح أقل ثخانة، مما وفر قدرا كافيا من الوزن لجعل العلب قادرة على المنافسة اقتصاديا.

ولا تتجلى تقنية تشكيل الصفائح المقساة في أي موضع مثلما تظهر في البرشامة المصممة ببراعة والتي تثبِّت لسان العروة بغطاء العلبة. وهذه البرشامة هي قطعة متكاملة من جسم الغطاء. ولصنعها، فإن مركز الغطاء يجب أن يشد إلى أن يصبح منتفخا قليلا (يبرز) نحو الأعلى. وهذه المادة "الإضافية" تُسحب لتُشكِّل برشامة ثم تُبسط لتثبيت اللسان (الذي هو قطعة منفصلة من المعدن).

استخدمت أغطية سهلة الفتح لأول مرة في العلب الفولاذية المكونة من ثلاث قطع عام 1961. وقد كان التعليق الأصلي على هذه الصورة هو: "تقوم ربَّتا بيت من اليونان القديمة ومن عصر الفضاء بمقارنة وعاءَيهما اللذين تستعملانهما في المطبخ لدى أول عرض على الجمهور لابتكار العلبة الجديدة من قبل الشركة Can-Top Machinery Corp. في بنسلفانيا."

وفضلا عن سعي صانعي العلب لجعل صفيحة العلبة أقوى، فإنهم مهتمون أيضا بتخفيض كمية الألمنيوم اللازمة وذلك بالتحكم في التموج أو التغضف(6) earing الذي رأينا أنه يحدث في أعلى العلبة بعد عملية الكي. وهذه الظاهرة تنجم عن النسيج البلوري لصفيحة الألمنيوم، أي من توجّه orientation بنيتها البلورية. ومن ثم فإن التغضف أمر لا يمكن تجنبه إلى حد ما. وقد قام (من الجامعة التقنية في كلوستال بألمانيا) و (من شركة دوپونت) وآخرون بتطوير تقنيات انعراجات للأشعة السينية كي يحددوا، نوعيا، النسج التي تحدث التغضف. ويحضر تقنيو المخابر (المختبرات) عينات وذلك بتجليخ وإزالة طبقات من الصفيحة لكشف المادة على أعماق مختلفة ودراستها. إن انعراجات الأشعة السينية مقرونة بتقنيات تحليلية تنتج آليا مخططات ثلاثية البعد تبين التوجه المفضل للبلورات كدالّة function للعمق في الصفيحة.

لقد مكّنت مثل هذه الاقترابات (المعالجات) التشخيصية شركات الألمنيوم من إنتاج صفيحة تحدث تغضفات أصغر كثيرا. ويقوم علماء التعدين بالموازنة بين النسيجين البلوريين السائدين في الألمنيوم. وينشأ أحد النسيجين أثناء تلدين الخليطة بعد أن تكون الخليطة قد دُلْفِنَت على الساخن hot-rolled من المصبوبات. وهي تسبب أربعة تغضفات تظهر كل 90 درجة (في الدرجات 0 و 90 و 180 و 270) حول محيط العلبة. وينتج النسيج الثاني من الدلفنة على البارد للصفيحة الذي يحدث تغضفا عند الدرجات 45 و 135 و 225 و315. والتحكم الدقيق في التلدين والدلفنة يؤديان إلى دمج للنسيجين بحيث تملأ التغضفاتُ الناجمة عن أحد النوعين، المنخفضاتِ الناجمة عن النوع الآخر. والنتيجة هي ثمانية تغضفات شديدة الانخفاض. والارتفاع الأقصى للتغضف غالبا ما يكون أقل من واحد في المئة من ارتفاع الكوب.

إن المعالجة الدؤوبة للمعدن والتصميم الدقيق جعلا، الآن، مقاومة كل جزء من العلبة معادلا تقريبا لمقاومة أي جزء آخر منها. وليس من غير العادي العثور على علب يكون انهيار فتحة غطائها وانبعاج قبة قعرها وانتفاخ غطائها عند ضغط واحد تقريبا، ما بين 100 و 115 باوند على الإنش المربع.

وعلى الرغم من النجاح الحالي للتصميم والتصنيع، فإن صانعي العلب ما انفكوا يسعون إلى مزيد من التحسينات. وثمة قدر كبير من البحوث تركز على طرق جديدة لاستعمال الألمنيوم بكفاءة عالية لأن سعر المعدن يمثل نصف تكلفة العلبة. وتتمثل إحدى طرق التوفير في صب الخليطة المصهورة في ألواح (شرائح) رقيقة بدلا من مصبوبات (سبائك) سميكة كما يحدث حاليا. وقد تكون ثخانة المصبوبة النموذجية 30 إنش يمكن دلفنتها وتخفيض سمكها بعامل قدره 2500 إلى 0.011 أو 0.012 إنش. ولكن هذه الدلفنة تتطلب تجهيزات رأسمالية ضخمة ـ أفران ومدلفنات ـ وتستهلك قدرا كبيرا من الطاقة.

من الممكن صب الألمنيوم باستمرار في ألواح ثخانتها إنش أو أقل. وهذه الألواح الرقيقة تتطلب دلفنة أقل بكثير لبلوغ الثخانة المطلوبة للصفيحة. ويُستعمل الصب المستمر لبعض خلائط الألمنيوم اللينة ـ وعلى سبيل المثال، فإن بعض رقائق foils الألمنيوم تصنع من مادة تصب بثخانة 0.1 إنش.

ولسوء الحظ فإن إنتاج علب مُرضية من ألواح رقيقة يؤدي إلى شعور علماء التعدين بالإحباط، لأن التبريد السريع والدلفنة القليلة الملازمين للصب المستمر لا يعطيان البنية الفلزية (المعدنية) المطلوبة. وهنا تبرز مشكلتان: إحداهما هي أن النسيج البلوري لا يمكن التحكم فيه بدقة لمنع التغضفات الكبيرة، والأخرى أن التبريد السريع يخلف صعوبات كبيرة في كي جدران العلبة.

وتنشأ مشكلات الكي هذه بسبب طبيعة الجسيمات بين الفلزية التي تتكون عندما تتجمد الخليطة المصهورة، وهذه الجسيمات التي تنشأ خلال التجمد هي أكبر كثيرا من تلك التي تنشأ خلال صنع الصفيحة (التي هي كما رأينا تضفي متانة على الصفيحة). ونظرا لحجمها الكبير، فإنها تؤدي دورا رئيسيا في عملية الكي. وخلال هذا الإجراء فإن الألمنيوم يميل إلى الالتصاق بحلقات الكي. وفي الأحوال العادية، فإن الجسيمات بين الفلزية، التي يبلغ قطرها نحو خمسة مِكْرون، تعمل مثل ورق السنفرة الناعم جدا وتقوم بصقل حلقات الكيّ. أما التبريد السريع للصب المستمر، فإنه يخلف جسيمات بين فلزية أصغر كثيرا (قرابة مكرون واحد). ولا تكون الجسيمات من هذا الحجم كبيرة الفعالية في إزالة الألمنيوم الذي يلتصق على حلقات الكي. وينجم عن ذلك تراكم الألمنيوم على الحلقات، وهذا يؤدي في النهاية إلى حدوث خدوش قبيحة على جدران العلبة. ومع ذلك، فإن معضلة الحصول على ألواح رقيقة ذات جسيمات بين فلزية مرغوب فيها يمكن حلها، وربما كان ذلك بتغيير تركيب الخليطة أو بتغيير معدل التجمد من الحالة المصهورة للمادة.

إن التحكم في الصب هو صورة مصغرة عن سمة كثيرة الحدوث في عملية التصنيع الكاملة للعلبة: ويعمل أحد العوامل ضد الآخر، فمن التحكم في التغضف وقابلية الكي إلى الإنتاج الاقتصادي للصفائح ومن وزن العلبة إلى متانتها الهيكلية. لكن أحد عناصر التكلفة يمنع من إيجاد توازن بين العوامل المختلفة: الطاقة اللازمة لصنع العلب. فمعظم الإنفاق يذهب إلى الألمنيوم نفسه. وإذا أدخلنا في اعتبارنا عدم الفعالية في توزيع الكهرباء والصهر، فإن خبراء صناعة العلب يقدرون أن 2.3 ميگاجول من الطاقة ضرورية لإنتاج الألمنيوم اللازم لعلبة واحدة. وهذا القدر من الطاقة يساوي تقريبا ما يُنْفق لإبقاء مصباح كهربائي استطاعته 100 واط مضيئا لمدة 6 ساعات، وهذا ما يعادل 1.7% من طاقة غالون من البنزين. وعلى الرغم من أن هذا ليس بالقدر الكبير، فإنه يمثل الجزء الأكبر من التكلفة في تصنيع العلبة.

إن إحدى الطرق لتخفيض هذه التكلفة تتمثل في الاستعادة (إعادة التدوير) recycling التي يمكن أن توفر قدرا يصل إلى 95 في المئة من تكلفة الطاقة. وفعلا، فإن أكثر من 63% من علب الألمنيوم تعاد الآن لإعادة صهرها. وتشغل الاستعادة الآن دورا مهما في مصنع الألمنيوم. فمقابل كل طن يصنع من العلب، هناك طن من خردة الألمنيوم. وهذه الخردة يعاد صهرها وإدخالها ثانية في دورة التصنيع. إن تطوير طرق أبسط لإنتاج صفائح العلب وإيجاد مواد أقوى يمكن أن يصنع منها علب أخف وزنا يوفران الكثير من المال والطاقة.

إن تلبية هذه المتطلبات تمثل تحديا كبيرا. فالعلب الحالية تتطلب صفائح عالية المقاومة وسهلة التحكم، كما أن شكلها صُمِّم ببراعة كي تتمتع بمتانة البنية وخفة الوزن. وبقليل من اهتراء العُدَد، فإن آلات الإنتاج في مصنع واحد قادرة على صنع عدة ملايين من العلب في اليوم بالقليل من العيوب. ومع ذلك، فإن الفوائد التي تجنى ولو من إجراء تحسينات طفيفة هي أمر جوهري تماما. إن الطلب على علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم في ازدياد مستمر في جميع أرجاء المعمورة، وإنتاجها يتزايد بعدة بلايين سنويا. ونجاح العلبة هو درس صناعي حول ما يمكن إنجازه حين تتضافر المهارات العلمية والهندسية مع مثابرة الإنسان ودأبه.

--------------------------------------------------------------------------------

المؤلف

William F. Hosford - John L. Duucan

يتركز اهتمامهما على الأبحاث المتعلقة بتشكيل الصفائح المعدنية منذ أكثر من 30 سنة ويعملان مستشاريْن لمنتجي الألمنيوم. يعمل هوسفورد أستاذًا لعلم المواد والهندسة في جامعة متشيغان. حصل على الدكتوراه في هندسة التعدين من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT، وألف عدة كتب في تشكل المعادن ولدونة المواد. أما دنكان، الذي حصل على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة مانشستر في إنكلترا، فهو أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة أوكلاند بنيوزيلاندا. وكما فعل هوسفورد، فقد أصدر دنكان كتابا في تشكيل صفائح المعادن.

--------------------------------------------------------------------------------

مراجع للاستزادة

A GOLDEN RESOURCE. Harold Sohn and Karen Kreig Clark. Ball Corporation, 1987.

FROM MONOPOLY TO COMPETITION: THE TRANSFORMATIONS OF ALCOA, 1888-1986. George David Smith. Cambridge University Press, 1988.

THE MECHANICS OF SHEET METAL FORMING. Z. Marciniak and J. L. Duncan. Edward Arnold, 1992.

ALUMINUM ALLOYS FOR PACKAGING. Edited by J. G. Morris, H. D. Merchant, E. J. Westerman and P. L. Moms. Minerals, Metals and Materials Society, Warrendale, Pa., 1993.

METAL FORMING: MECHANICS AND METALLURGY. William F. Hosford and Robert M. Caddell. Prenrice Hall, 1993.

Scientific American, September 1994

--------------------------------------------------------------------------------

(1) وحدة وزن تساوي نحو 29.72 غرام.

(2) أو الرطل الإنكليزي، وهو وحدة وزن تساوي نحو 453 غرام.

(3) أو البوصة، وهو وحدة قياس تساوي نحو 2.5 سنتيمتر.

(4) إنقاص ثخانة جدارِ شئ مسحوب سحبا عميقا عن طريق إنقاص المادة بين السنبك (الذكر) والقالب (الأنثى). (التحرير)

(5) هي قابلية المادة للتشكل بالتشوه اللدن.

(6) هو تكون أنماط تشبه المحارات المروحية حول الحافة العلوية لمنتج بالسحب العميق، وذلك بسبب الفروق في الخواص الاتجاهية لصفيحة معدنية. (التحرير)