بات التلوث ذلك الوحش الكاسر الذي ينهش كل شيء جميل في حياتنا ، وأمام ذلك الهجوم لهذا الوحش لا نرى هجوماً مضاداً على نفس المستوى لوقفه عند حده .
ويبقى الكلام والخطابات الرنانة للمسؤولين عن حماية البيئة ومحاربة التلوث دون مستوى الفعل الواجب اتخاذه ، وكذلك تصب جمعيات حماية البيئة ـ والتي باتت تنتشر كالفطر في الآونة الأخيرة ـ بشعاراتها الطنانة وأهدافها الملونة ووعودها وأحلامها الوردية إلى نفس مجرى الكلام مجرد الكلام. والمظلوم هو الفعل والضحية بالنهاية هي البيئة التي يزداد وضعها سوءاً بتناسب طردي مع زيادة الكلام عن ضرورة حمايتها . ومحافظة اللاذقية لا تغرد خارج السرب بل منخرطة حتى العظم في مسألة التلوث البيئي كما باقي أغلب المحافظات ، والأمثلة كثيرة بدءاً من مصبات الصرف الصحي على طول الشاطئ والتي تصب مباشرة بين صخوره وعلى رماله الذهبية تنشر الروائح الكريهة والمقززة وتشوه المنظر الجمالي الفريد إن كان في اللاذقية أو جبلة. وما زال الأمل معقوداً على محطات المعالجة الموعودة للتخلص من المناظر المشوهة على تلك المحطات التي أخذت نصيباً كبيراً من التسويف والتأخير والمماطلة قارب الثلاثة عقود فيما يخص محطة المعالجة في اللاذقية ، ولا نعلم كم من الزمن سننتظر حتى تنجز؟ وحينها ماذا سيكون قد حل بهذا الشط؟ وأعتقد أن من حق الأسماك أن تهجرنا لمعاملتنا السيئة لها بما نطرح في بيتها من ملوثات. من الأمثلة أيضاً ما تعانيه منطقة شاليهات النقابات قرب الميريديان من حفر الصرف الصحي المكشوف وأكوام القمامة التي تنتشر بين أزقتها والتي تهدد صحة نازليها ، فمنذ أيام سقط أحد الأطفال في حفرة مكشوفة للصرف الصحي كادت تودي بحياته. كذلك لا يمكننا المرور دون الحديث عن الأنهار والجداول التي كانت مصدراً للمياه العذبة ، والتي أصبحت نتيجة مصبات الصرف للقرى والتجمعات السكانية وبجهود المعامل والمصانع والمنشآت الصناعية الصغيرة والمطاعم بؤراً خطيرة للتلوث لما ترميه تلك المنشآت ، ودون رحمة ، من مخلفات لا يعلم إلا الله مدى آثارها المستقبلية على كل شيء حي . فتلك المنشآت لا تلتزم بأبسط القواعد البيئية كبناء وحدات خاصة لمعالجة المنصرفات ، وإن وجدت في البعض منها فهي شكلية وخلبية ، ورغم ذلك حتى الآن لم تتخذ أي إجراءات بحق هؤلاء الذين يصادرون حق غيرهم ببيئة سليمة وهواء نقي وطعام وماء نظيفين . نضيف إلى ذلك الانتشار العشوائي للقمامة بمختلف أنواعها على جوانب الطرقات الرئيسية وغير الرئيسية والتي باتت تشكل ظاهرة خطيرة لمدى الاستهتار واللامبالاة بصحة الناس والمجتمع في ظل غياب أو نوم الجهات المعنية عن تطبيق قانون النظافة ، ورغم هذا الواقع السّيء ينظر بعض المسؤولين في محافظة اللاذقية بعين الرضى والقبول لما هو عليه الوضع ولما تحقق في هذا المجال.
وأخيراً هنالك أمثلة كثيرة لكن لا تتسع الزاوية ولا وقتكم لذكرها ولذلك أكتفي بهذا القدر الآن لنعود لذكر المتبقي منها في جولات أخرى.