آخر الأخبار

حرب أمريكا على العراق

عام مضى على بداية الحرب الأمريكية على العراق، تلك الحرب التي بدأت قبيل فجر 19 آذار بما سمي "ضربة قطع رأس" ثم استمرت حتى دخول القوات الأمريكية لبغداد... و تستمر حتى اليوم.

وقتها، و قبل ذلك الوقت أيضا، اختلفت و بعض الزملاء ممن أحب و أحترم، أختلفنا بشدة في مواقفنا من تلك الحرب: كان الزملاء يعارضونها بشدة. من ناحيتي، كنت و ما زلت أراها نعمة و ضربة حظ نادرا ما يجود الزمان بمثلها... و سبق لي و حمدت الله(*) أن رئيس الولايات المتحدة جحش جدا... إذ لو قيض الله (*) للولايات المتحدة رئيسا لديه أصغر مقدار من الوعي لما حاول أبدا إسقاط النظام العراقي: فأفضل من خدم و استمر دائما بخدمة أمريكا كان صدام حسين!

صدام حسين كان أفضل من خدم أمريكا حين نفذ أوامرها بمهاجمة إيران...
و هو أفضل من خدمها حين حاول أن يعاديها ففتح لها أبواب الخليج على مصاريعها...

قبل أن أتابع، أرجوكم أيها الأحبة أن تتأملوا في الحقائق البسيطة التالية، و من دون أية آراء مسبقة، فقط أن تتأملوا...

- لعام مضى كان الداعر عدي صدام حسين يصول و يجول و يغتصب الفتيات العراقيات و يشرح على التلفزيون طريقته المفضلة لسحق رأس السجين بضغطه بين لوحي فولاذ حتى ينفجر كالبيضة (رأيته على التلفزيون)
- و كان علي الكيماوي -الوحيد في العالم الذي نعلم أنه استخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه- يصول و يجول و يزرع الرعب في البصرة حيث عين مسؤولا حربيا أعلى.
- و كان المجرم الأكبر صدام حسين، الذي سفك دماء مليوني عراقي و مليون إيراني و عشرات الألاف من السوريين و اللبنانيين و الكويتيين و الفلسطينيين و غيرهم، الذي شرد أربعة ملايين عراقي في مختلف أنحاء العالم، كان ما يزال يجعر و يعد الشعب العراقي بالمزيد من "البطولات"... يعني بالمزيد من المجازر!

-----------------------------
سين سؤال: هل كل هذا يبرر الإحتلال الأمريكي؟
جيم جواب: لا!
أنا كنت أفضل أن يتم إسقاط صدام حسين بواسطة ثورة عراقية، فإن لم يكن فبواسطة تدخل الجيش السوري...
فأما الثورة العراقية... فقد حصلت عام 1991، و تواطأت بلدان العربان مع عدوها المعلن صدام كي يسحقها بوحشية نادرة الحدوث...
و أما تدخل الجيش السوري، فمع ثقتي أن ذلك ممكن عسكريا: جيش صدام حسين كان عاجزا عن مواجهة الجيش السوري، لكن ذلك كان مستحيلا سياسيا..
لا خوفا من إسرائيل: إسرائيل تعلم الآن تمام العلم مدى خطورة احتلال أرض عربية: أولم يلقنها الشعب اللبناني درسا لن تنساه؟
لا! ليس خوفا من إسرائيل و لكن خوفا من إخوتنا العرب: فحين تدخل الجيش السوري لإيقاف الحرب الأهلية اللبنانية وضع إخوتنا العرب كل طاقتهم لمحاربة سوريا... مع ملاحظة أن أي إنسان منصف يعتبر تدخل سوريا في لبنان عملا مبررا بل و شريفا، و مع أن أي إنسان منصف يعترف أن العلاقة بين سوريا و لبنان لا تعني إلا السوريين و اللبنانيين...
و مع كل ذلك وضع إخوتنا العرب، من السادات للقذافي لآل سعود لصدام حسين لياسر عرفات... وضعوا كل طاقاتهم لمحاربة سوريا و خصوصا: لتناسي إسرائيل!
فما بالك لو غامرت سوريا بالتدخل في العراق؟
---------------------------
طيب...نظام ابن العوجة أقذر نظام في العالم و يستحيل إصلاحه... التدخل الأمريكي مرفوض... الثورة فشلت... و التدخل السوري مستحيل... فما الحل؟
دعوني أخبركم أيها الأحبة أني ممارس هاو للشطرنج. و ككل ممارس للشطرنج يحترم نفسه و يحترم هذه اللعبة الرائعة، فأنا لا أؤمن لا بالله و لا بالحظ و لا إلخ...
أنا أؤمن بالتحليل العقلاني البارد للوضع...
بالمقابل، و ككل لاعب شطرنج، فحين يرتكب الخصم خطأ واضحا، فأنا لا أمنع نفسي من الفرح بذلك و من استغلال كل الإمكانيات التي يتيحها لي خطؤه.

يعني:
التحليل العقلاني البارد للوضع العراقي في ظل نظام صدام كان يقتضي أن يعض الإنسان على الجرح و أن ينتظر أن تختمر شروط الثورة على النظام المجرم، حتى و لو اقتضى ذلك الإنتظار لقرون عديدة...

بالمقابل، فالخطأ الذي ارتكبه الأمريكان هو اعتقادهم أن كراهية العراقيين لابن العوجة -و هي كراهية حقيقية و عميقة و لا شك فيها، اعتقادهم بأن كراهية العراقيين للنجس صدام ستجعلهم يحبون الأمريكان، ستجعلهم يتناسون أن الأمريكان -تحديدا- هم الذين أنقذوا نظام صدام مرتين (الأولى في حربه ضد إيران و الثانية أثناء انتفاضة 1991).

أرجو أن تسمحوا لي بالمتابعة في المثال الشطرنجي...
حين يقوم لاعب الشطرنج بحركة ما، فإننا نستطيع أن نقيمها: فمثلا هي حركة جيدة (و نرمز لذلك بإشارة تعجب ! )، أو ممتازة (إشارتي تعجب !! )، أو أنها تجعله يربح الدور (ثلاث إشارات تعجب !!! )
أو هي حركة ضعيفة (إشارة استفهام ؟ )، أو حركة سيئة (إشارتي استفهام ؟؟ ) أو إنها انتحار (ثلاث إشارات ؟؟؟ )
لكن هناك من الحركات ما نرمز له بإشارتين: إشارة استفهام و إشارة تعجب ( ؟! أو !؟ )... فماهيه؟

إنها حركة مغامرة...
يعني هي حركة قد تكون جيدة و قد تكون سيئة: يعتمد ذلك على رد الخصم. لكنها في كافة الأحوال حركة غير متوقعة و لا تنسجم مع العقل و المنطق (و لا مع قواعد الشطرنج)...

هكذا هو بالضبط الإحتلال الأمريكي للعراق: إنه حركة مغامرة، لا تخضع لقواعد العقل و المنطق (و لا لقواعد الشطرنج)... و نتائجها تعتمد لحد كبير على رد الخصم...

يعني مثلا لو أن شيعة العراق قرروا أن وقت الإنتقام قد حان و بدؤوا بذبح السنة فأشعلوا حربا طائفية في العراق لكان الإنتصار الأمريكي كاملا...
لكن إن التزم شيعة العراق العقل و أدركوا أن نظام صدام لم يكن سنيا... بل و لا حتى بعثيا، و لا حتى تكريتيا: نظام صدام كان صداميا...
أقول: إن اعتصم الشيعة العراقيون بالعقل و بحب بالوطن و بمعارضة المحتل... فلن يمر زمن طويل حتى تتحول تلك الحرب وبالا على أمريكا...

و هذا هو ما كنت أعول عليه...
و بالمناسبة... فأظن أن هذا هو ما حصل...