آخر الأخبار

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثالثة عشرة)

استمرارا في نشر تقرير لجنة التحقيق الاسرائيلية الرسمية في إخفاقات حرب أكتوبر(تشرين الأول) 1973، المعروفة باسم «لجنة أغرنات»، تخصص هذه الحلقة بالكامل لشهادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، اللواء ايلي زعيرا. اللجنة من جهتها تحشره في الزاوية وتضيق عليه الخناق بالأسئلة الملحة والمحرجة، وهو يحاول الدفاع عن نفسه وصد الاتهامات له بالاهمال.
وفي غضون ذلك يعترف زعيرا بصراحة بأن مصر أدارت حملة تطمين وتضليل ناجحة أدت باسرائيل الى القناعة بأنها لن تقدم على حرب ضدها قبل العام 1975. ويعدد زعيرا في هذه الشهادة السبل التي اتبعتها مصر في هذا التضليل، لدرجة التشكيك في صدق أهم عميل لاسرائيل، وهو المسؤول الأمني المصري المقرب من الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات. فاعتبره عميلا مزدوجا كانت مهمته زرع الثقة به لدى الاسرائيليين، وفي الوقت نفسه تمرير عدد من المبادئ والأفكار التي تجعلها تائهة ومطمئنة.

لكن اللجنة لا تقبل توجهه، كما نلاحظ لاحقا، وستدينه بتهمة الاهمال وتدفعه الى الاستقالة من منصبه في رئاسة الاستخبارات. وتتركه يتلوى ألما وغضبا، ولكن من دون أي كلام أو تصريح. فقد التزم الصمت وامتنع عن محادثة الصحافيين طيلة عشرين سنة، رغم أن اغراءات عديدة قدمت له ليكسر حاجز الصمت. وفي سنة 1993، يخرج زعيرا بكتاب من تأليفه بعنوان «اسطورة في مواجهة الواقع ـ حرب يوم الغفران: فشل وعبر»، يروي فيه قصته، فيتهم اللجنة بجعله كبش فداء، دفاعا عن القيادة السياسية. ويقول ان رئيسة الحكومة أخفت عن لجنة التحقيق حقيقة أن زعيما عربيا جاء الى تل أبيب قبل عشرة أيام من الحرب خصيصا لكي يحذر من الحرب القادمة وحدد موعدها بشكل قريب من الواقع. لكن اللجنة لم تحاسبها. وزعيرا، في الثامنة والسبعين من العمر اليوم، هو محارب قديم في اسرائيل إذ بدأ نشاطه الصهيوني في صفوف التنظيمات العسكرية المسلحة قبل قيام الدولة العبرية، وكان من أوائل الضباط الاسرائيليين الذين تدربوا في صفوف الجيش الأميركي، وتولى في حياته العسكرية عدة مناصب مهمة مثل رئيس مكتب رئيس الأركان وقائد وحدة المظليين ورئيس دائرة العمليات التنفيذية. وعرف عنه انه كان وبعض قادة جهاز المخابرات يستقلون طائرة فحصل فيها عطب فوق سيناء المصرية (1972) وكان لا بد من الهبوط بالمظلة. لكنه اكتشف خلال الطيران بأن المظلات قد اختفت من طائرة سلاح الجو، فاخترع مظلات خلال لحظات وهبط وأنقذ نفسه ورفاقه على متن الطائرة. لكن كل هذا لم يشفع له في أن يتحول لدى اللجنة كبش فداء.

واليكم حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات:

الجزء الثالث: المعلومة وتقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية بشأنها 44. قبل أن نتجه لتفسير انتقاداتنا حول تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية وغيرها من العناصر، نود أن نعود للتأكيد على ما قيل في البند 9 من التقرير الجزئي: لقد اتبعنا الحذر بأن لا نقع في حالة «الحكمة بعد انتهاء العمل»، وحاولنا أن نرى الأمور بمرآة الواقع كما كان في حينه، بوقت الاستعدادات التي جرت والقرارات التي اتخذت. ومن واجبنا أن نلاحظ بأننا انطلقنا من منطلق أساسي، مفاده انه في الوضعية الخاصة لدولة اسرائيل، توجب نظرية الأمن فيها استيفاء ثلاثة شروط، هي: (1) قوة «جيش» نظامي صغيرة نسبيا (تشمل جنودا في الخدمة الاحتياطية الفاعلة). (2) أنظمة تجنيد سريعة وفعالة لجيش الاحتياط (أشخاصا وتجهيزات) الذي يشكل أساس القوة العسكرية للدولة. (3) فترة استعدادات كافية تعد سلفا لتجنيد الاحتياط بشكل منظم وفق خطة وتبعا للوضع السياسي. اعطاء انذار كاف عن نوايا العدو بشن حرب قريبة هو جزء من هذه «الاستعدادات»، وهو ضمن المشاغل الخاصة للاستخبارات العسكرية.

ومع ذلك، تجدر الاشارة الى ان الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه، لا تعفي من ضرورة وجود خطة للاستعداد أيضا لهجوم حربي مفاجئ وشامل من العدو، من دون انذار.

الفصل الأول أ: «الكونتسبتسيا» (فرضية) شعبة الاستخبارات العسكرية «لو أننا عرفنا دائما نوايا العدو، لكانت لنا الغلبة دائما عليه، حتى لو كان عدد قواتنا أقل» (فريدريك الكبير 1753) 45. كما اشرنا في البند 11 من التقرير الجزئي، فإن أحد الأسباب الأساسية لفشل العناصر المسؤولة عن اعطاء التقديرات، كمنت في تمسك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش ورئيس دائرة الأبحاث في الشعبة، بعناد، فيما سسموه «الفرضية» (تعرف بالعبرية منذ ذلك الوقت كمصطلح عبري «كونتسبتسيا»، وقد تم اشتقاقه من الانجليزية). وبموجبها: (أ) مصر لن تخرج الى حرب ضد اسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها قدرات جوية للإغارة على العمق الاسرائيلي، وبشكل خاص على المطارات الأساسية في اسرائيل، لكي تشل حركة سلاح الجو الاسرائيلي. (ب) سورية لن تخرج الى هجوم شامل على اسرائيل، إلا في وقت واحد مع مصر.

وفيما يلي بعض المقاطع من شهادة الجنرال زعيرا حول هذا الموضوع:

«أحد حجارة الأساس في تقديراتنا للوضع ـ وقد شرحت ذلك على أساس المعطيات ـ كان أن مصر لن تهاجم طالما أن وضعها الجوي (يقصد سلاحها الجوي)، لا يتيح لها مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي.. ومعطى آخر كان من حجارة الأساس لتقدير الوضع هو ان سورية لن تخرج لوحدها الى حرب شاملة ضد اسرائيل (صفحة 81 من بروتوكول اللجنة).

«كنت أقول ان هذه هي الفرضية لدى الاستخبارات، وهي الفرضية لدى دائرة الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) (صفحة 82).

«الشرط الثاني كان الطائرات المقاتلة ـ تفجير العمق بواسطة الطائرات المقاتلة. انه (السادات) لم يحصل على التفجير (يقصد انه لم يحصل على طائرات مقاتلة كهذه من السوفيات).. المشكلة هي الفرضية (صفحة 74).

«نحن نقدر ان ما يحتاجه المصريون، منطقيا، لكي يشعروا بانهم قادرون على شل سلاح الجو في قواعدنا هو خمسة أسراب.. سألنا أنفسنا متى نقدر بأنه (ستكون لمصر) 5 أسراب جوية (مقاتلة)... فقدرنا بأن (هذا الأمر لن يحصل) قبل عام 1975 (صفحة 939).

«لطائرات الميراج يوجد تأثيران على دولة اسرائيل؛ ا): مجرد القدرة على الدخول الى العمق أي إلقاء قذائف على تل أبيب.

ب) امكانية مهاجمة مطارات.. فرضيتنا قالت ان المصريين يرون، في الأساس، ان شل سلاحنا الجوي هو شرط أساسي، فالمشكلة ليس أن تلقي ثلاث قذائف على تل أبيب بل أن تشل سلاح الجو. لذلك قدرنا بأن هناك حاجة في 5 أسراب طيران» (المصدر نفسه).

«تقديراتنا اعتمدت على وثائق وتقديرات، بأنه من ناحية لا توجد لمصر القوة، وبالأساس القوة الجوية للهجوم، طالما لا توجد لها قوة جوية بحجم خمسة أسراب مقاتلة لتفجير العمق البعيد، بغية مهاجمة مطاراتنا.. وطالما لا توجد عناصر أخرى تدفع بمصر الى الحرب ـ فإنها لن تتجه نحو الحرب» (1006).

توضيح الفرضية 46. لن يكون توضيح الفرضية متكاملا، من دون أن نضيف الأمور التالية: أولا، من البارز هو انه من بين الفرضيتين الأساسيتين المذكورتين أعلاه، فإن الأساس «المصري» يختلف عن الأساس «السوري»، فهو أكثر فاعلية وفيه المفتاح لمعرفة أهداف «دولتي المواجهة» بالمبادرة الى حرب شاملة ضد اسرائيل معا وعلى الجبهتين. فسورية لن تخرج الى حرب شاملة (حسب القسم الثاني من تلك الفرضية)، إلا إذا خرجت (معها) مصر. فيما سيتبع لاحقا، سوف تكون فرضيتنا الأساسية بأن الفرضية بشأن سورية صحيحة ولذلك سنضعها حاليا جانبا ونتركز في الأساس المصري. حسبما رأينا أعلاه، فإن جوهر هذه الفرضية يقول ان مصر لن تشن حربا شاملة من دون أن يكون لها خمسة أسراب طيران مقاتلة قادرة على الطيران لمدى بعيد، بحيث تستطيع مهاجمة مطارات اسرائيل بغية شل سلاح الجو عندنا ومنعه من تنفيذ غارات جوية في العمق المصري أو الرد على غارات كهذه بقصف مراكز السكن الاسرائيلية. وبما ان مصر لم تحصل عليها (حصلت من ليبيا فقط على سرب واحد من طائرات الميراج وعلى سرب احتياطي من العراق)، فإن السادات لم يكن مستعدا للخروج الى الحرب. وإذن، فإن ما يمكن توضيحه هنا هو أن الفرضية بجزئها المصري تغذت من الخيار الذي تبناه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ما بين القدرة العسكرية (capabiluty) للعدو على تنفيذ هجوم شامل وبين نيته (intention) تنفيذ ذلك (الهجوم). وهذا ليس مثل ذاك. وهو يعني بأنه كانت لدى القوات المصرية قدرة تقنية لعبور القناة (السويس)، ولكن هدف شن حرب شاملة بدءاً بالعبور كان بعيدا عن السادات، بسبب التفوق الجوي الاسرائيلي وبسبب عدم الحصول على طائرات مقاتلة بعدد كاف للتغلب عليها (على التفوق الجوي الاسرائيلي). هذه هي نقطة الانطلاق بالنسبة لأصحاب الفرضية (المذكورة أعلاه)، وهذا ما يبدو في شهادة الجنرال زعيرا:

«إذا كان عليّ، بوصفي ضابط الاستخبارات لدى رئيس أركان الجيش، أن أفحص الامكانات المفتوحة لدى العدو، في ضوء «الكابابيليتي» (قدراته) وليس في ضوء «الإنتنشينز» (نواياه)، كان عليّ أن آتي وأقول: من الناحية التقنية المجردة كان لديها (يقصد مصر) دائما القدرة. ولكن هذا جزء من نظرية الحياة لدينا. هكذا نحن نعيش منذ العام 1948. ويعني هذا الأمر بأن منطلقي الأساسي يجب أن يكون ليس القدرة بل النوايا، حيث ان موضوع القدرة وتوازن القوى، كان موجودا كل الوقت، على الأقل على صعيد القوات البرية.. لذلك انشغلت دائرة الأبحاث في سلاح المخابرات بالأساس في موضوع النوايا، وهذا أمر التأكيد عليه مهم جدا. وعندما جئت الى سلاح الاستخبارات وقبلت على نفسي الوظيفة وفحصت الأمور، قيل لي ان لدينا البراهين على انه من ناحية النوايا، فإن مصر توصلت الى النتيجة بأنها تعدم القدرة والجاهزية لمهاجمة اسرائيل، ليس بسبب توازن القوى البرية بل بسبب توازن القوات الجوية. وكان السائد لدى المصريين انه طالما لا يوجد توازن قوى كاف في سلاح الجو وطالما لا تتوفر لدى مصر القدرة على مهاجمة العمق الاسرائيلي، وبالأساس مطارات سلاح الجو الاسرائيلي، فإنها لن تخرج الى الهجوم..» (صفحة 51).

«بما ان هناك توازن قوى لدى القوات المرابطة بشكل ثابت على طول الحدود، فإننا لدى تحليل الحرب من باب القدرات وليس النوايا.. فإن القدرات قائمة (لدى المصريين) طول الوقت ولذلك فلا مفر أمامنا من التوجه نحو النوايا. فقد كان أحد حجارة الأساس في تقدير الوضع.. هو ان مصر لن تهاجم طالما ان وضعها الجوي لا يتيح لها مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي... ويقول ذلك العنصر البحثي نفسه إن مصر لن تخرج الى الحرب قبل أن تتوفر لديها القدرات الجوية وطالما أنه يرى أن هذه القدرات الجوية لم تصل بعد، فإنه يتصور بأنه من ناحية النوايا لا توجد نية للحرب ولعبور القناة» (صفحة 81).

«لقد كان توازن القوى البرية الثابتة على طول القناة وفي هضبة الجولان، كل الوقت، بمستوى يتيح مهاجمة اسرائيل بالقوات البرية وتحقيق النجاح. وهكذا، لم يكن ممكنا تحليل الوضع في المسار البري على الأقل، في ضوء القدرات» (صفحة 1038). «بسبب توازن القوى الثابتة، فإن الوضع على طول الجبهتين، لم يمكن من اجراء تقويم استخباري، وهذا بحد ذاته يشكل صعوبة جدية للاستخبارات. وقد بنينا تقويمنا على أساس الفرضية المتعلقة بالنوايا، بنوايا العدو، وقلنا: نوايا العدو لخوض الحرب قائمة فقط بعد أن ترتقي قواته الجوية الى مستوى معين» (صفحة 1040 ـ 1041). «.. لقوات اليابسة توجد (القدرة لعبور القناة) ولكنهم يخشون من تفعيل هذه القدرات لأنهم يعرفون بأننا سنهاجمهم في العمق، وهم لا يملكون ما يهاجموننا به، لذلك فإن النوايا لا تتحول الى فعل» (صفحة 1041). ثانيا: حسب طريقة رئيس الاستخبارات العسكرية، فإنه يجب الالتزام بالفرضية، والتقديرات حول نوايا العدو بشن الحرب يجب أن تستند اليها، طالما لم تطرح أمامه اثباتات واضحة تضعضعها. وهذه أقواله:

«لكي تأتي دائرة الأبحاث وتقول إن حربا ماثلة للنشوب، يجب أن تكون قد وصلت اليها معلومات تزعزع البنيان الذي قام على حجري الأساس (المذكورين أعلاه)» (صفحة 82).

«عندما اقتربنا من 6 أكتوبر، كان السؤال المطروح هو: هل توجد قوات كافية لتفجير ذلك المبنى؟ لأن هناك بناء منطقيا معينا... بني بأيدي رجال (دائرة) الأبحاث منذ سنة 1971 وصمد في امتحانات كثيرة. وبطبيعة الحال، فإن كل بنيان يصمد في الامتحانات، يزيده كل امتحان قوة» (صفحة 82-83).

«إذا وجدت فرضية ـ فإن ما يهدمها هو الأخبار. ما أحاول تفسيره هنا هو أنه لم تكن هناك أخبار تجعلنا نقدر بأن بإمكانها أن تهدم الفرضية» (صفحة 1010).

«... إذا كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية يريد أن يكون شديد الدقة ومخلصا فقط للأخبار التي في حوزته وللتقديرات التي يطرحها، ولكي يستطيع أن يأتي الى رئيس الأركان ووزير الدفاع قائلا: هناك حرب ستنشب، فإنه يجب أن يعرض دليلا قاطعا، وأنا لم أكن أملك أي خبر بشأن هذه الحرب القادمة أستطيع عرضه كدليل قاطع» (صفحة 1051 وانظر أيضا شهادته بهذه الروح نفسها في صفحة 5748).

ثالثا: حسب قوله، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لم يبن فرضية وحسب، بل انه آمن وتوقع بأنه في حالة قرار حاكم مصر أن يشن حربا شاملة من دون أن يتوفر الشرط الذي وضعه مسبقا لهذه المهمة (امتلاك 5 أسراب طيران للطائرات المقاتلة)، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية ستتلقى معلومات وبراهين موثوقة تتضمن إشارات حول هذا القرار غير قابلة للتأويل، وذلك بالأساس من مصادر معلومات محددة موثوقة وضليعة تعمل في خدمة شعبة الاستخبارات العسكرية. وفي هذا الشأن، رأى الجنرال زعيرا ما اعتبره نوعا من التأمين الثانوي. ففي حالة عدم ثبوت الفرضية وعدم عبورها الاختبار، ستكون لديه القدرة على اعطاء الانذار للجيش في وقت يكفي لتجنيد جيش الاحتياط بشكل سليم قبل أن تنشب الحرب:

«جاءني رجال (دائرة) الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية) وبنوا لي الفرضية، التي رأيتها منطقية. والسؤال الذي اسأله لنفسي هو: ما الضمان عندي في حالة وقوع رجال الأبحاث في خطأ؟ الضمان كان عندي (وهو وجود مصادر معينة ذات ضلوع وثقة عاليتين). فقلت في نفسي: لنفترض انهم مخطئون، إذن يجب علي أن أحصل على اشارات مؤكدة من تلك المصادر بأنهم مخطئون. هذه هي النظرية بجملة واحدة سريعة. توجد فرضية. فيجب أن تصل وقائع تزعزعها. عندي هنا (مصادر ممتازة) لكي أحصل على الاشارة بواسطتها. فهل هذه الفرضية قائمة أو مضعضعة، هذا هو باختصار شديد كل مبدأ تفكيري» (شهادة زعيرا صفحة 686).

«لقد نظرت اليها (المصادر المذكورة أعلاه) كضمان في حالة الوقوع في خطأ بالفرضية.. وتأملت (من المصادر) أن أحصل على الحقيقة البسيطة» (صفحة 1032).

«وأنا قدرت بأن أحصل (من تلك المصادر) على انذار.. وليس فقط منهم، بل من آخرين. لكن اساس ثقتي يكمن في هذه المصادر. وخلال فترة الأسبوع الأول في شهر أكتوبر، لم أجد خبرا واحدا يشير ولا حتى بالتلميح الى الحرب، انما تحدثوا عن التدريبات. واليوم أقول، بمراجعة للماضي، أعتقد أنه لو ان مصر اتجهت الى الحرب من دون غطاء التدريبات ومن دون مؤامرة التمويه الناجحة جدا، فإن (تلك المصادر كانت ستعطي) الاشارة» (صفحة 1044).

تاريخ الفرضية وتفسيرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول تبنيها 47. هنا، ينبغي التذكير بأن الفرضية المذكورة أعلاه كانت منتشرة بين صفوف شعبة الاستخبارات العسكرية (دائرة الأبحاث) منذ سنة 1971 وعندما عين الجنرال زعيرا رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية في أكتوبر 1972 وطرحت عليه الفرضية، تبناها لنفسه وبعدما اكتشف بأنها تستند الى أخبار موثوقة جدا (وثيقة البيانات رقم 3 و4 وانظر شهادته صفحة 5 فصاعدا والمقطع في صفحة 81 الذي نقتبسه لاحقا وصفحة 125). وتم ذكر الفرضية في تقرير الاستخبارات الخاص من شتاء 1972 (وثيقة البيانات رقم 170). ففي الجزء الأبيض من هذا التقرير كتب (17ـ16 و19). «11. حرب الأيام الستة (سنة 1967) وبعدها حرب الاستنزاف، جعلتا من تفوق سلاح الجو الاسرائيلي كابوسا يرعب المصريين. ويمكننا تلخيص موقفهم (المصريين) بأنه لا يمكن تحقيق انتصار للجيش المصري من إحداث توازن مع تفوق سلاح الجو الاسرائيلي، إن لم يكن القضاء عليه (على هذا التفوق)».

«12. من أجل تحقيق التوازن مع التفوق الجوي الاسرائيلي، ترى قيادة الجيش المصري توفر شرطين اساسيين: أ. الحصول على طائرة تفجير مقاتلة سريعة وذات مدى بعيد يمكن به... (التقرير قطع الجملة في الأصل) ب. الحصول على قوة ردع، في حالة حرب شاملة، تلزم اسرائيل بإبقاء جل طائراتها التفجيرية المقاتلة (من طراز ميراج وفانتوم) للمهمات الدفاعية. اضافة الى ذلك، لا تكتفي القيادة المصرية بتحقيق قوة الردع، بل تطلب تزويدها بطائرات تفجير قتالية لكي تستطيع مهاجمة سلاح الجو الاسرائيلي وهو في قواعده في العمق الاسرائيلي بأقل ما يمكن من الخسائر. القدرة على تنفيذ هذه المهمة حيوية، حسب رأي القيادة المصرية، أيضا لضمان التفوق الجوي المحلي، حتى تستطيع توفير الغطاء والدعم الكاملين لقوات اليابسة وهي تعبر (القناة) الى سيناء».

«16. الخلاصة ـ في مركز فرضية المطلب المصري لامتلاك الأسلحة، يقف اليوم احراز السلاح والوسائل الكفيلة بتحقيق التوازن مع التفوق الجوي الاسرائيلي. وترى القيادة المصرية أن تحقيق هذا التوازن هو شرط لا تنازل عنه من أجل التوجه للخيار العسكري..». كذلك، أنظر الى الوثيقة التي تحتويها وثيقة البينات رقم 210 وفيها تقديرات الاستخبارات السنوية لشعبة الاستخبارات العسكرية ـ صيف 1972. فقد كتب هناك (صفحة 9 ـ س، 12أ (1)، أن الجهد المصري الأساسي ينصب على امتلاك طائرة تفجير قتالية متطورة، يؤدي ظهورها في الساحة ـ حتى ولو بكميات محدودة ـ الى إبطال دونيتها (مصر) الجوية.

وليس هذا وحسب، بل إن رأي الجنرال زعيرا حول صحة الفرضية قد تعزز، عندما انتبه الى حقيقة انه في ثلاث فترات سابقة وصلت أخبار من مصادر متعددة عن نية مصر شن حرب شاملة وذلك في نهاية سنة 1971 التي اعتبرها المصريون «سنة الحسم» وفي ديسمبر (كانون الأول) 1972 وفي أبريل (نيسان) ـ مايو (أيار) 1973. وجاءت هذه الأنباء بناء على عدة اشارات تدل على استعداداتها العسكرية في ساحة القنال (مثل زحزحة قوات، نقل وحدات المدفعية والتجهيزات الى هناك، ورفع مستوى التأهب لقوات اليابسة والجو، اضافة الى اجراء التدريبات الكبيرة). وعلى الرغم من ذلك، فإن مصر لم يخرج الى الحرب في أية حقبة (من الحقب الثلاث المذكورة أعلاه)، مما يعني، كما اعتقد (زعيرا)، أن «الفرضية» دخلت الامتحان ثلاث مرات وأثبت نفسها. ويقول الجنرال زعيرا في شهادته، من نفس المقطع الذي اقتبسناه سابقا:

«هذا البنيان أنشئ بأيدي رجال (دائرة) الأبحاث ابتداء من سنة 1971 وصمد في امتحانات كثيرة. كل عبور في امتحان واحد يؤدي فقط الى تقوية البنيان» (صفحة 62-83).

«الامتحان الأول للفرضية كان في نوفمبر (تشرين الثاني) ـ ديسمبر (كانون الأول) 1971.. ففي ذلك الوقت تلقينا أخبارا من مصادر جيدة.. (تقول) إن مصر قررت الخروج الى الحرب في نهاية سنة 1971. وأنا أذكرّ بأن تلك كانت سنة الحسم التي قال السادات علنا.. إن مصر ستخرج الى الحرب في ديسمبر 1971. وقد فحص رجال الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) هذا الموضوع وأجروا له عملية تشريح وتوصلوا الى الاستنتاج بأنه لن يخرج الى الحرب» (صفحة 83).

«لقد تكررت هذه القضية في ديسمبر 1972، ثانية بالتمام والكمال بعد (القصة) الأولى، حيث تلقينا مرة أخرى الأخبار من مصادر ممتازة بأن مصر تنوي الخروج الى حرب في ديسمبر 1972... وقام رجال الأبحاث بتشريح هذه المعلومات، وفقا للبنيان الذي شرحته، وتوصلوا الى الاستنتاج بأن السادات سيرتدع في اللحظة الأخيرة ولن يخرج الى الحرب. وهو (بالفعل) لم يخرج الى الحرب» (صفحة 83 ـ 84).

«لقد تكرر هذا المسار في أبريل ومايو 1973.. ومرة أخرى، قام رجال الأبحاث بتحليل الوضع وتوصلوا الى الاستنتاج بأن مصر هذه المرة أيضا لن تخرج الى الحرب بسبب تلك الفرضية التي كانت سائدة» (نفس المصدر).

في استمرار شهادته، اشار الجنرال زعيرا الى الأخبار المفصلة التي تلقتها شعبة الاستخبارات العسكرية بخصوص الاستعدادات المصرية في منطقة القنال في الفترات الزمنية المذكورة أعلاه وقدم للجنة ثلاث لوائح تم فيها تركيز الأدلة حول تلك الاستعدادات (وثائق البيانات رقم 22، 23، 24). كما قدم للمقارنة، لائحة تم فيها تركيز الاشارات التي تدل على الاستعدادات المصرية في المنطقة لشن حرب أكتوبر 1973 (وثيقة البيانات رقم 25). في ضوء هذه الأقوال لخص قائلا:

«حقيقة هي أن كل هذه الدلائل التي ذكرتها هنا تكررت بالصورة نفسها وبشكل بارز جدا سنة 1971 وكذلك سنة 1972 وأيضا سنة 1973، وفي سنة 1973 بالذات كان (التركيز عليها بدرجة) أقل» (صفحة 317).

«وأمر آخر يجب على الاشارة اليه هو أن كل الأمور التي عددتها هنا، كانت جزءا من تدريبات، في حين أن مثل هذه التقديرات وردت في كل خريف وكل سنة مع التدريبات التي جرت. وهذا يعني ان التدريبات التي جرت في أكتوبر شملت الدلائل نفسها بالكامل، كما جرت في التدريبات السابقة وفي أوضاع توتر سابقة، بحيث لم يكن هناك مجال لإعطائها تفسيرا حازما آخر.. فهذا ما جرى عامي 1971 و1972 وفي خريف 1973 وفي أكتوبر 1973» (المصدر نفسه).