آخر الأخبار

وريثٌُ هناك.. و.. وريثٌ هنا

في طاغوتستان العرب - وكل بلاد العرب طاغوتستان -وفي هذا العصر .. عصر الانحطاط والإنبطاح والتدهور,الذي جثم بثقله فوق شعوبنا .إستطعم كل حاكم طاغية لحم أمته وإنتشى بمذاق دمائها , فكبر عليه - أن يقصيه ملك الموت عن جثة فريسته دون أن يمكن منها أنياب ورثته . فأخذ كل طاغية-قبل أن يواريه قبره- يسابق الزمن في السعي ليؤمن لوريثه ,مقاليد الحكم والسلطة لتظل أنياب ومخالب الأسرة ناهشة في بقايا جيفة ما كان يسمى الوطن. فهناك : في ليبيا حيث { الجماهيرية الديمقراطية الإمبراطورية العظمى } -إحدى الولايات العربية المنكوبة لثلث قرن أويزيد بطغيان القذافي؛ يأتي " الوريث" من رحم النظام الجماهيري- الشاب الأسمر, لامع الرأس والعينين,-سيف الإسلام القذافي - ليقدم نفسه للعالم ؛- ويرقب شعب ليبيا المشهد- ,يتحدث بصوت المعارضة ويطالب بمطالبها, ( تلك المطالب التي بمجرد التحدث بها من قِبل أي مواطن- سابقا أو لاحقا, كفيلة بقطع رقاب المعارضين وسحلهم ومحوهم في سجون وأنفاق النظام ) . يعلن الوريث ( في مشاهد ميلودراميه وكوميديه ) عن إدانته للإعتقالات ومطالبته بالإفراج عن المعتقلين , وبمحاكمات عادلة لهم ! يتهم اللجان الشعبية ! يتغنى بحقوق الإنسان ! ويفاجئ الجميع بمهاجمة الفساد ,وإتهام النظام بتدبير قضية الممرضات البلغاريات والأطفال مصابي الإيدز ، بل و إتهام الشرطة بالتعذيب ! يتحدث عن سيادة قانون واقتصاد حر مخطط وإصلاح اقتصادي ! * العصبة الحاكمة في ليبيا أدركوا سوء ما يقترفون فسعوا كي يواروا سوأة التوريث ,فدفعوا بالوريث الى ساحة العرض مؤديا ذلك المشهد الاعلامي ،الذي مازال عرضه متواصلا . وهنا : في مصر... تخبط النظام الطاغوتي سعيا للتوريث ,ومضى يضرب ذات اليمين وذات الشمال ,يحمل وريثه -( مشروع الإستنساخ )- فوق كتفيه ، ولم يكلف نفسه أن يواري سوأته أمام الشعب والعالم . فيتقدم الوريث ومن خلفة , قافلةً طولها ربع قرن، مثقلةً بالفسادِ ، متخمةً بالاستبدادِ ، إقتصاد مخرب ، مرافق منهارة ، معتقلات مكتظة ،تعليم مهترئ ، إنتهاكات لحرمات وحريات الناس ، وقبضة أمن تبطش وتعتصرأعناق الجميع ؛ ووضع دولي متهاوي ،ودور خارجي مخزي ومتراجع ،وتبعية غير مشروطة لأعداء الأمة ، وفساد إداري ومالي وإقتصادي ،ورشاوي ومحسوبيات وعمولات ونهب للمال العام ، وبطالة متفشية ، وجريمة لم تشهد البلاد مثيلا ًلها في حجمها أو نوعيتها ،وغلاء مستعر ، وتجميد وتحنيط للحياة السياسية ،وقتل لكل أحلام الناس في أي حرية ، تزوير إنتخابات ،وانتهاك لأحكام القضاء ، فتح قصور الحكم لتماسيح الفساد و شلل الرأسمالية المستغلة ، لتحتكر السلطة والثروة والوظائف وتختطف مصانع وشركات وبنوك وأراضي الدولة وتحكم قبضتها على كل خيرات الوطن. ويقدم الوريثُ نفسَهُ ويقدمونهُ بصب الأسمنت والخرسانة المسلحة في نهاية النفق ، ليعلم القاصي والداني أن المنفذ لأي إصلاح ممكن ,قد أغلق بإحكام ,فلا حلم بتغيير ولاأمل في تطوير ,والمستقبل أسوأ من الماضي , ويوم الوطن ليل بلا نهار. فبدلا من : التلويح بحلم الحريات والديمقراطية ؛ يبرز من قلب فريق التوريث زبانية الدساتير وترزية القوانين, يدججون الدستور بقنابل عنقودية قانونية- ويدبجونه بنصوص تحمي الإستبداد وتطيح بكرامة المواطن وخصوصيته وتبشر بأن عهد الوريث السعيد هو عهد لم تعهده الأمة-من فرعون إلى الحجاج. وبدلا من : الحديث عن الأمل في فتح المعتقلات وتحرير القابعين المدفونين في غياهبها الرهيبة منذ عقود دون أحكام قضائية أو أفعال جنائية (وحسب المراقبين فإن عددهم يتجاوز العشرين ألف معتقل) ؛ والمناداة بتحقيق العدالة وحق الإنسان في التقاضي أمام قاضيه الطبيعي ومنع الظلم والجور ؛ تزداد شراسة حملات الإعتقالات للمعارضين وتطال حتى أعضاء البرلمان ويضرب عرض الحائط باحكام القضاء ويحول المبرأون إلى محاكم عسكرية إستثنائية . وبدلا من : الادانة ولو بظاهر القول لإنتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بإحترامها وصونها -تجميلا لوجه النظام القبيح-تتصاعد للذروة إستهانة وتسلط وبطش الأمن بالناس في أقسام الشرطة والسجون، في المظاهرات والوقفات ،في التعيينات والوظائف، في الشوارع والجامعات ،ويهان الإنسان وينتهك كل شئ فيه. وبدلا من : الحديث عن ديمقراطية وانتخابات نزيهة ؛ تنتشر في الأفاق فضائح تزوير الإنتخابات والبلطجة المنظمة والجبروت الموجه لإغتصاب إرادة الناخبين ونحر إختيارهم ,ليحصلوا على برلمان صنعوا أغلبيته على اعينهم ليكون اداة تعمل للنظام وبتفويض مزور من الجماهير. وبدلا من : التلويح بالرخاء والنهضة الاقتصادية ؛ تشتعل الأسعار وتتأجج المحسوبيات والرشا والفساد وتباع املاك الشعب ومؤسساته وبنوكة بأثمان بخسة وعبر صفقات وعمولات مشبوهة. وريث هناك .... يرتدي قناع الفرسان ويدعي أنه يبرأ من سؤة النظام الذي أنجبه ,ويجمل قباحة وبشاعة الحكم الذي أفرزه ,برتوش صدقت أوكذبت ,فإنها تدل على أنه فهم أن عليه غسل يديه جزئيا أو كليا من أدران ذلك العهد الطويل. الذي يوشك على الإنبثاق من رحمه . ووريث هنا .... يجعلها ظلمات فوق ظلمات ,يزيد نظامه بشاعةً وطغياناً ويخرج الأضغان ويستل الأنياب والمخالب للمواطنين ,ويستنسخ القهر والفساد والاستبداد . " يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ "-وأن طغيانهُ سوف يمكٍّنُه , فلا يتطهر من جبروت العقود الطويلة الماضية ,بل يبشر بتحول الطاغوت من حالة هواية إلى طغيان شديد الإحتراف والمهنية . وكأن بهذا النظام يترقب نهوض (عرابي ) اَخر , شاهراً سيفه,ممتطياَ حصانه,مقتحما ساحة قصر ( العروبة ) صارخاَ بملء فيه : { أفندينا .. !!!! ... لقد خلقنا الله أحرارا ,ً و لم يخلقنا تراثاً أوعقاراً , فواللهِ الذي لاإله إلاهو ؛ إننا لن نورثَ بعد اليوم }.
د/محمود الحوت 17-9-2007