حتى لا نمضي إلى الهاوية...
فراس طلاس: السفير 11/5/2005
لأننا أبناء هذا الوطن، ولأنه يعنينا بكل ما فيه... لأنه لنا بكل حبة رمل وكل شجرة،
لأنه شهادة ميلادنا، وصورة كل ملامحنا، ولأننا نحب كل زهرة وطفل وحجر على أرضه... لأننا اصحاب القيم والثوابت فيه، مدينون فيها لانسانه فوق هذه الارض حصرا، الذي مد يده لصداقة الانسانية قبل ان يكشف التاريخ الجغرافيا، ادرك الانسان السوري كيف تتشكل اسمى قوانين العيش يوم ابتدع الحوار، فابتدع اداته الارقى.. الحرف... فنقشها فوق حجارة ارضه امانة لأجيال البشرية دون استثناء... لأننا اكثر من كل ذلك، واكبر من مساحة واوسع من ارض، وأبعد من حدود، وأقدم من تاريخ ونحن صناعه على المدى، نرفض بكل عنوان للرفض ان نمضي به الى الهاوية، ونحن متفرجون، <<وعليه نوقع>>.
لأننا نعلم تماما كيف تغير العالم بعد 11 سبتمبر ولسنا غافلين عن كل ما يجري حولنا، بل لأننا ندرك تماما حجم ما يمارس علينا، ونعي بدقة ما يدور وما يدبر لنا، لسوريا...
<<فمن اجل سوريا>> نرفع اليوم الصوت في هذه القراءة العلنية المحبة، لاصحاب الضمائر الحرة التي تجذرت حياة ومسلكا، لتنسحب على كامل تراب هذا الوطن، في خروج على كل المتعارف عليه من التقسيمات الحدودية، سيان وإن عمل بها الآخرون...
تنفتح كل المعابر المباشرة الى القلب والعقل والدعوة للجميع... ليس من بند يستثني منا احدا اليوم، ولا مكان لصم الآذان، ولنكتب على جدران الحياة اليومية بدءا من الارصفة وانتهاء بأسوار الفيلات... ومن لا يرَ الشمس من الغربال فهو اعمى بالضرورة... ووحده الاعمى هو من لا يعي ان ثمة برنامجا اميركيا صهيونيا او بالعكس لتفتيت المنطقة... وهو وحده من لا يدرك ان العالم اليوم خاصة العربي منه يشهد متفرجا كل هذا الضغط على سوريا.
ومع كل ادراكنا لما يجري كما اسلفنا، نزداد ايمانا بوطننا، بحريته وبدوره وبمكانته وبعظمة الانسان على ارضه، وبمقدرات هذا الانسان السوري، للرهان الحضاري البشري الاكبر.
مدعوون جميعا الى هذه القراءة منتقية الذاكرة اولا. وللنهوض برغم كل الفراق، بدور حقيقي لكل منا صغر او كبُر لبناء المشروع الاكبر، <<سوريا الغد>>، الامانة التي علينا ان نبذل من اجلها كل شيء... ومن اجلها بداية فلنتوقف عند المنعطف الاكبر الذي يثيره غطاء من ضجيج اعلامي مبرمج، لم يشهده العالم من قبل الا فيما ندر... ولنبدأ من الموقف الاكثر الحاحا، والنقطة الاشد سخونة، والمنعطف الاكثر اثارة للشجن والأسف، وهي العلاقات السورية اللبنانية في قراءاتها الجديدة منذ منتصف شباط 2005 حتى الساعة، ولنتوقف عن الدهشة، فهل نحن قادرون على القراءة بعيدا عنها، وقد تملكتنا وما تزال؟ اذ من السهل جدا تقطيع الاواصر، ولكن كل الصعوبة في مد اللحمة وبناء النسيج...
من السهل جدا نسف كل الجسور، ومن الصعب جدا احكام مد الاوردة لعبور المودة... من السهل جدا نزع الثقة، ولكن من الصعب جدا غرس اليقين... من السهل جدا تمزيق سجل قيد النفوس، ولكن كيف نغير اخوة الدم؟
يوم دخلت سوريا لبنان باتفاق لبناني سوري ومباركة عربية ودولية دخلت لايقاف حمامات الدم الاخوي في سيله المجاني على تراب لبنان. فعبر كل التضحيات التي قدمت وألوف الشهداء الذين فقدت، كانت ترمي الى اعادة اعمار لبنان الارض وحماية لبنان الانسان.
ولئن افلحت النوايا بصفائها والرغبة بصدقها والمحبة بنقائها في اعادة لبنان الى الواجهة ومساعدة ابنائه الاوفياء الى جانبهم في مسيرة اعماره فقد اخطأت ارادة وتصرف بعض رجال السلطة المقيمين على ارضه في آلية اداء تلك السلطة وشكل التطبيق واسلوب التنفيذ وطريقة التعاطي مما حمل الاذية الى الآخرين حتى تراكمت تلك الاخطاء.
كل هذا جاء مترافقا مع تسارع الاحداث التي تفجرت على حافة انفجار منطقة <<عين المريسة>> الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري، كبير لبنان، ورفاقه الشهداء، واستغله كل من يعين نفسه في صف ما يختاره بنفسه من بين المواقع السياسية ذات الشكل الخاص بلبنان لا يهم من اي موقع كان... فأمام كل ما وجدنا انفسنا فجأة في مواجهته، ونحن خالي الذهن تماما من كل ما يمكن ان يصل اليه مهما اجتهد عقل مخرب، الا وقد ابتعدت فيما بيننا جهتا الرصيف، وامام هذا العارض الجنوني وغياب القرار، والمفردات التي راحت تنحت لغة خارجة على اعراف العربية وآدابها... صمتنا ليس عن كلام مباح حتى لا يتوقف امام سيله فيض الحب، لكن حتى لا يفسد الملح نضمد به جراح الارض، وحتى لا يتذكر الاشقاء ظلم ذوي القربى، وحتى لا نتساءل: هل ستنتهي صلاحية اغاني فيروز؛ تلك الشاميات الرائعة الخالدة من الاذاعة، وتسحب من التداول؟
ولأننا نظل نعلن الحب والحوار والاخوة، روابط لا تنقطع الا بتوقف النبض... نعلن للعالم انه اذا ما كان لبنان هو العين من هذا الشرق، فسوريا هي يمينه... والمرء دائما لا يدرأ الخطر عن عينه الا بيمينه... هكذا هي سوريا... هكذا نحن ابناءها... وان اخطأ بعض الاخوة بحق بعض الاخوة...
لذلك، و<<من أجل سوريا>> وبوعي كبير للضغط المضاعف علينا، نمد اليد في صحوة للمسؤولية على كل المواقع بلا استثناء، لننطلق في تجديد حقيقي وعملي لآلية الاداء على مختلف الصعد، <<في ورشة بناء البلد>> بقطع النظر عن كل ما يخطط ضدنا، وعدم الاستسلام لكل ما يهدد أمننا ومستقبلنا، في ممارسات مفضوحة وعبر كل اشكال الاعلام، لنعمر الوطن على الصورة والشكل والطريقة التي نحلم، بل نريد ان نتركه فيها لابنائنا وهو الابهى والاقوى والاجمل والاشرف لنوقع فوق اية زاوية على ارضه اسماءنا بفخر، لاننا نعي تماما مقدار الثروات التي نمتلك من مقومات على اساسها تبنى اوطان وتنهض بلاد وحضارات. بيدنا كل المقومات ونمتلك كل الطاقات، ولدينا كل القدرات وننطوي على صدق الارادة ويدفعنا نفس التوق لنكون من اعظم البلدان الراقية التي تؤسس على القيم الحضارية الاسس والثوابت الفكرية ورهاننا هو الانسان السوري، في اختلاط تفرد ليعطي النموذج الارقى لوطن لو عرفه العالم عن قرب، لقدم له اعتذارا علنيا...
وهذه دعوة لكل من يحب ان يعمل من اجل سوريا ولبنان.