ما هو مشروع الحاكم العربي
الفرق الكبير و الشاسع بين الأمة العربية و الإسلامية وبقيّة الأمم سواء في الجغرافيّا الغربية أو في غيرها هو أنّ الديكتاتوريات في واقع الآخرين كانت مرحلة أو حالة تلاشت بإنبلاج مبررات زوالها من ثورات أو خروج العسكر من الساحة السيّاسيّة أو تطور العقل السياسي في هذا الواقع أو ذاك .
أمّا في واقعنا العربي والإسلامي فالديكتاتوريات حالة سرمديّة و أبديّة رغم توالى الثورات والمقاومات في العالم العربي والإسلامي , ورغم نجاح الثورات الشعبيّة في طرد المستعمرين من خرائطنا إلاّ أنّ هذه الثورات لم تتمكن من إكمال مشروعها التحريري وتطهّر واقعنا المحلي من نجاسة الديكتاتوريات التي باتت السمة الأساس للمنظومة السياسيّة الرسميّة . وبعد إنقضاء أزيد من نصف قرن على ميلاد النظم العربية و الإسلامية المستقلّة , يحقّ لنا كباحثين وإعلاميين ومثقفين أن نتساءل ماذا حققت هذه النظم لثلاثة أجيال وماذا ستورّث الأجيال المقبلة ! أو بعبارة أوضح ما هو مشروع الحاكم العربي و الإسلامي وماذا تحققّ من هذا المشروع هذا إذا صحّ لنا تجاوزا أن نطلق عبارة مشروع على خزعبلات الحاكم العربي !
مبدئيّا يجب الإشارة إلى أنّ المشروع و الإستراتيجيا والرؤية و النهج النهضوي يضطلّع برسمه أشخاص ذوو قدرات فكرية خاصة ونبوغ متقدم يسمح لهم بإجراء مسح كامل وإستقراء كليّ على مجمل التجارب النهضوية ماضيا وراهنا في كل الخرائط , بالإضافة إلى ذلك قراءة كاملة لواقعهم لينسجوا نهجا إستراتيجيا لا يلغي العلاقة الطرديّة بين الواقع الإجتماعي وهذه الإستراتيجيا , لأنّه إذا كانت الرؤية الإستراتيجية على حساب الواقع قد يحدث التدهور ولا تسلم النتائج والعكس صحيح , و النتائج الصحيحة من سنخ المقدمات الصحيحة بتعبير المناطقة , وهذا العقل الخرّاق كما كان يسميه المعتزلة يفتقده جلّ حكامنا الذين لم يكلموا تعليمهم أو كانوا منخرطين في السلك العسكري دون غيره , و بسبب خلفيتهم العسكرية أجهزوا على مقومات المجتمع المدني بل على أي مشروع حضاري حواري لا تستسيغه عقليتهم المتعودة على الأمر والنهي دون ثالثها وهو الحوار وتبادل الآراء .
والمشروع الوحيد للحاكم العربي هو أن يبقى إلى اللحد رئيسا ولذلك سخّر كل مقدرات الدولة في سبيل تحقيق هذا الهدف الوحيد الأوحد , وصرف ميزانية الدولة على المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية - المقصود بالخارجية ليس مجابهة رجال الموساد ووكالة الإستخبارات الأمريكية و الأنتليجنس سرفيس الذين أستباحوا واقعنا حتى نخاعه بل المقصود ملاحقة المنفيين والمطرودين الذين قد يؤرقون هذا الحاكم برأي هنا ومقالة هناك وهلمّ جرّا - وإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين ما يصرف على البحث العلمي والأجهزة الأمنية في معظم الدول العربيّة وإستنادا إلى إحصاءات دقيقة نجد أنّ ما يصرف على البحث العلمي يتراوح بين إثنين وخمس بالمائة بينما الذي يصرف على الأجهزة الأمنية يفوق السبعين بالمائة , وقد أقيل رئيس وزراء دولة عربية عندما طالب بتقليص ميزانية وزارة الدفاع في بلاده .
و لأنّ الهدف المركزي للحاكم العربي هو أن يبقى , فقد محور تفاصيل مشاريع الدولة حول هذا المرتكز فالإعلام له والثقافة له والأمن له والإقتصاد له , و يتحوّل هذا الحاكم مع مرور الأيّام إلى أشبه بإله تتولى الشاشة العربية الصغيرة نقل كافة صوره الملونّة والعادية . وقد أفضت هذه الرؤية الوحيدة للحاكم العربي إلى وأد التعدديّة السياسية الحقيقيّة و التعدديّة الإعلاميّة و التعددية الثقافية .
والأحزاب السياسية مسموح لها أن تناقش وضع المواسير المسدودة أو المراحيض المتسخّة ولا يحق لها أن تناقش الإنسداد السياسي الذي تسببّ فيه هذا الحاكم رئيسا كان أو ملكا أو أميرا لا فرق فكلهمّ في الطغيان عرب !
ولأنّ مشروعه الوحيد هو أن يبقى فقد أحاط كيان الدولة وتفاصيلها بأبنائه وحاشيته من أبناء قريته وعشيرته و بزوجته وأقربائها . والعجيب أن حكامنا الذين أوهمونا أنّهم وصلوا بإنتخابات مزورّة إلى الحكم وسلم البعض جدلا بذلك , سحبوا هذا الإنتخاب على زوجاتهم أيضا , فهل العرف يقضي بأنّ هذا الرئيس إذا حصل على التزكيّة الوهميّة فزوجنه تكون رئيسة أيضا بالإستنتاج المنطقي !
ولأنّ أقرباء الرئيس يقووّن عضده ومركزيته فقد أجاز لهم هذا الحاكم أن يسرقوا وأن يستولوا على مقدرات الدولة وعلى نفط الدولة , و على العملة الصعبة المكنوزة في بنوك الدولة , وما دام هؤلاء يؤدون الغرض ويؤمن جانبهم من الإنقلاب على هذا الحاكم فلا ضير فيما يفعلون , وما يسرقونه هو من باب الجائزة التي يستحقونها لقاء ما يقومون به لحماية الدولة .
ومنذ خمسين سنة والنظم العربية تشتري السلاح تلو السلاح يتقادم قديمه فيتم إستيراد الجديد ولم تشارك جيوش هذه النظم في أي معركة خارجية , بل على العكس من ذلك رأينا هذه الجيوش تقمع المواطنين بدون رحمة , وقد غطيت إعلاميّا بعضا من نزول بعض هذه الجيوش العربية إلى الشوراع بل لقد رأيت أمخاخا تتطاير جرّاء إستعمال الرصاص الحيّ من قبل جنود الوطن !
فهذا جيش قمع ثورة الخبز هنا , وذاك جيش قمع ثورة الجوع هناك , وآخر قمع ثورة الزيت والفول , و العجيب أنّ هذه الجيوش التافهة التي عجنها وصاغها الحاكم العربي على عينه تنزل إلى الحضيض لتقحم نفسها في معارك تافهة لتقتل مواطنا جائعا هنا, أو مواطنا ينددّ بإسرائيل أمام سفارتها في هذه الدولة العربية وتلك .
و هذا المشروع الوحيد للحاكم العربي - الحكم من المهد وإلى اللحد شاء من شاء وأبى من أبى - هو الذي عطلّ بقيّة المشاريع السياسية والثقافية والإجتماعية والأمنية والعسكرية والنهضوية والحضارية
wahedsaker
london