آخر الأخبار

لبحيرة رام أن تعيد ضيوفها إلى بيوتهم


               فوق البحيرة يترنح المغيب كل يوم , مثل نشوان مل الحانات كلها, مرددا "هي المرة الأخيرة التي أقصد الركوب

بزورق لا يعرف  البوصلة"
والشمس ذاتها كما بالأمس.
تزركش وتنمق المغيب بلون أحمر ممتد على وجه الأفق فيه خيوط متشعبة
من الأزرق الغامق . لكن مساء البحيرة هذا اليوم يختلف, فهو يستضيف
فتى ويجلسه على ضفاف البحيرة .ثم يقدم له مائدة من العيدان اليابسة.  ربما
كانت لأشار تفاح أو كرز ماتت  لأن البحيرة لا تقدم مائها إلا بإذن
شركة المياه الإسرائيلية  التي تضخ ماء البحيرة بعيدا إلى المستوطنات
في الجنوب وتترك أشجار الشمال في رحمة ماء المطر.

وثمة نسر يطوف في الهواء فالشا جناحيه فوق البحيرة , وعلي ارتفاع قليل
يسمر نظراته الحادة في عيني الفتى, غير أن ضيف البحيرة, لا يعير النسر اهتماما  ولا يرى
في المغيب المترنح إلا لون الأسود القادم.
الفتى يحاول  أن ينفخ من روحه في العيدان اليابسة ,لكن تأبى النار عليه أن تتقد,
ليس لأن ضباب شفافا انحدر من حضن الجبل وليس لأن ذئب يجوب التلال
ويعو وإنما لأن الفتى خاطب الريح التي تدور فوق البحيرة.
" أبلغي النسر أن جسدي بارد وروحي مثقلة بالأفكار وإني أكره كل ما يدب
  على وجه الأرض وما يرفرف في السماء حتى لو كانت ملائكته .
فجناحيه لن يستطيعا حمل روحي المكدسة , فلن أطير معه مهما حلق قريبا"

أستمر الفتي في نفخ العيدان اليابسة بروحه , واستمر الضباب بالانحدار
نحو البحيرة لكن ليس من شرار نار يشتعل. فعوى ذئب التلال ورقص.

البحيرة دائرية , صغيرة, قليلة العمق محاصرة بتلال لا أعرف أسمائها
ربما لأني لم أفهم حصص الجغرافيا وربما لأن المدرسين لم يعلموني
أن في الجولان تلال تحمل مثلنا الأسماء.
هي بحيرة رام أو البحيرة السعيدة ,ويقال, أنه الله بعد قوله كون فيكون أدرك بعد خلقه للعالم
أن تلك اللوحة  من بدع الجبال والغابات والكائنات فيها خلل ما, ولأنه أي الله, لا يقول إلا كلمة واحده .شمر عن ذراعيه وبصمت طفل أخطئ
جبل من النار والطين حفرة كبيرة, وحفن الثلوج  من جبل حرمون في راحتيه, وأذابها في الحفرة
فصارت بركة من ماء . اسمها رام, أو رامة , ابن أم ابنة,لإلهه قديمةِ
أنجبت بحيرتان في الجولان بحيرة طبريا وبحيرة قرية مسعدة
والبحيرتان مملوكتان ليس لماء المطر أو للأنهر ,وإنما لشركة الماء الإسرائيلية.
                      ............................................
تاه المغيب وجاء السواد الحالك ولم يطل القمر, والنسر لملم جناحيه وابتعد.
حتى الذئب أخذ قيلولة من الراحة ,فهو يعو حين تكون نار أو يكون قمر.
فزعق الفتى وهو المتدثر بفرو الخراف والماعز " أيها البرد نخرت
عظامي فمن يأتيني بشرارة نار".
ثم أخذ يصفر بشفتيه كما الريح يصفر في رماد موقدة. فيخرج صوتا فيه
من الألم والوجع , فسمع في سكون الليل وقع أقدام وشاهد صبية حافية
القدمين,أقلق نومها  صدى الصفير. فجاءت, ومن شدة نعاسها تركت على عجل
ثيابها في خزانة مهملة ,ولما رأت الفتى خجلت, فدارت عريها بأن غطست
في ماء البحيرة ولما بردت لفت ريح البحيرة, وما تبقى من ماء فوق جسدها
ثوبا. واقتربت من الفتى وهي تمشي على أناملها فوق أوراق شجر, بدأ يتفتح.
وقالت له في خطفة من زمن قلما يمر " قم معي أيها الفتى , فسأكون لك كما تشتهي الوديان والتلال ولكن
                                                انفخ بشدة في هذا الجسد اليابس, وسأكون لك حتى لو عوى ذئب
                                              ولكن خفف من حزنك البائس, "

قام الفتى وقد أحس بوهج من نور يلمع في عينيه وبأن دفئ حل في جسده, وأخذ يرقص ووجهه إلى السماء
حتي تلاشى جسده, وصار مثل ندى الورود الربيعية ,ولم يسمع سوى حفيف جناحي طير, أقلاه بعيدا فوق
التلال, ورأى أقمارا ونجوم, ونسر يشاطر في طعامه ذئب, ورأي أشجار يانعة ومياه عذبة تجري في قنوات.
ورأي كل من يدب علي الأرض من حيوان وبشر , فأحس بحب جارف وبفرح يغمر الوجود
فنزل من فوق جناحي الطير واستعاد جسده ومضى إلي بيته.