آخر الأخبار

"لانست" بين الربح التجاري والموقف الإنساني

-----------------------------

يتفق كثير من الأطباء والعلماء والكتاب أن مجلة "لانست" The Lancet العلمية الطبية هي الأكثر انتشارا والأكثر إنجازا، وسجلها في النشر العلمي يحفل بمحطات بارزة حققت خلالها أكثر من سبق صحفي صحي أذكر منها: مبادئ ليستر للتعقيم عام 1867، متلازمة ما بعد الرض عام 1918، أهمية البنسلين عام 1940، إحداث عقار التاليدوميد thalidomide للتشوهات الولادية عام 1961، وصف مرض كرتزفلت جاكوب Creutzfeldt-Jakob disease عام 1996، أسباب مرض الالتهاب الرئوي الحاد اللا نمطي السارز SARS عام 2003.
ومنذ ظهور عددها الأول في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1823، وهي تسعى لنشر أفضل العلوم الطبية في العالم، وتغطية أهم أحداثها، وقد بقيت حتى الآن مستقلة لا تتبع أي مؤسسة طبية أو علمية، صوتها مسموع في عالم الصحة، وخلال العقود القليلة الماضية سبقت لانسيت أقرانها في تسليط الضوء على مواضيع وملفات جريئة في الصحة العامة تهم العالم منها: الحرب ووفيات الأطفال، الألغام المضادة للأفراد والصحة، التقرير العالمي حول العنف والصحة وغيرها مما يتعلق بالإنسان والمجتمع.
وفي هذه المرة قدمت "لانست" التي تصدر بالمملكة المتحدة، إضافة جديدة من نوع آخر نوجهها إلى هيئات تحرير الصحف والمجلات العلمية والاجتماعية والإنسانية وغيرها، نقدمها لأصحاب الأقلام من كتاب ومحررين، وغيرهم دون أي تعليق:
لقد جاء ذلك في افتتاحية تحرير عددها الصادر في 10-9-2005 إذ أعربت هيئة التحرير ومجلسها الاستشاري عن ذهولها لعلاقة الدار الناشرة لها وهي "ريد إلسفيير" Reed Elsevier ، وهي من أكبر دور النشر العالمية، في تنظيم أكبر معرض عالمي للأسلحة يقام في لندن، وأكد جين فيدر وزملاؤه في هيئة التحرير أن هذا يعني أن هذه المجلة أضحت متصلة بأرباح السوق العالمي للأسلحة، وهذا الارتباط مهما كان شكله، ودرجته، لا يتوافق مع المبادئ التي أرستها المجلة خلال مسيرتها الطويلة، وقد أكدت المجلة في افتتاحيتها أنها لا ترتبط بأي شكل من الأشكال مع هذا النوع من التجارة.
وفي معرض الحديث عن هذا المعرض العالمي لأحدث الأسلحة وتقنياتها، تذكر افتتاحية لانست: يضم نظم الدفاع والتجهيزات العالمي، وهو يقام بالتعاون مع وزارة الدفاع البريطانية، ويشارك فيه نحو ألف شركة عملاقة، تعرض أسلحتها الفتاكة من بينها قنابل عنقودية أُدين استخدامها على نطاق واسع من قبل منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. ومن التقنيات التي سمحت "ريد إلسفير" بمشاركتها في عام 2003 تقنيات متطورة تعود إلى شركات "انسيس" INSYS والصناعات العسكرية الإسرائيلية وشركة "رايثون" Raytheon ، وكلها تقوم بإنتاج وترويج القنابل العنقودية، ومن المتوقع أن يتكرر ذلك في معرض هذا العام 2005، ومن المعروف أن هذه الأسلحة تفتك بالمدنيين، وتبقى جاثمة على الأرض تبعث الموت والخوف بعد صمت طبول الحرب.
وتتابع هيئة تحرير لانست: سوف يكون صعبا أن يتقبل القراء دور ناشرنا الأساس في مثل هذه التجارة التي تتناقض وأبسط قواعد الصحة والسلامة العامة. إننا نتفهم أهمية الأمن والاستقرار في تطوير النظم الصحية والحاجة إلى الأسلحة أحيانا من أجل تحقيق ذلك، لكننا وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتغاضى عن خطورة الترويج للأسلحة ونشرها بكل ما يحمله ذلك من آثار ضارة للإنسان والمجتمع، خاصة إذا ما علمنا أن صناعة الأسلحة وأسواقها يستهلك الكثير والكثير من موارد البلاد النامية، ويكون ذلك دائما على حساب ما يمكن أن يخصص للخدمات الصحية والاجتماعية، ففي عام 2004، على سبيل المثال، كانت مبيعات الدول النامية نحو 59% من تجارة السلاح في العالم، الأمر الذي كبد اقتصادها نحو 22 مليار دولار.
وأوضح أحد محرري "لانسيت" قائلا: قد يكون هذا المعرض الدولي للأسلحة عملا قانونيا، لكن عرضه لأسلحة محرمة تلحق الأذى بالمدنيين الأبرياء، والصفقات السرية التي تجري من خلاله، والغموض الذي يحيط ببعض فعالياته يجعله عملا يضع الربح أولا وفوق القيم الإنسانية وهو أمر لا ينبغي أن يتورط به من يعمل بالنشر الطبي والعلمي مثل دار النشر التي يملك مجلتنا.
تختتم هيئة التحرير افتتاحيتها بالقول:
" إن دار النشر "ريد إلسفيير" قدمت دعما كبيرا لهيئة مجلتنا، خلال العقد الماضي، لا يمكننا إنكاره، أو تجاهله، لكننا وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نصدق أن دار النشر الكبيرة هذه تسعى للمخاطرة بالخدمات الكبيرة التي قدمتها لنا في مسيرتنا العلمية والطبية، من خلال وجودها وارتباطها بهذا العمل التجاري الذي ودون أدنى شك يسيء إلى سمعتها كدار كبرى لنشر العلوم الصحية. ونحن نيابة عنا ومجلسنا الاستشاري وقرائنا نناشد هذه الدار أن تنأى بنفسها عن أي عمل تجاري يحمل في طياته تهديدا للإنسان لا سيما المدنيين منهم ويعرض للخطر صحة المجتمع ورفاهه.

* رئيس الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية