ذهب يومياً لمدرستي تصطحبني اختي الاكبر مني بعامين وتمسك يدي لتعبر الطريق بي,فأعود لبيتي لأجد ابي مبتسماً يقبلني ويداعبني ويسألني ماذا فعلت اليوم بالمدرسة,وكجواب كل يوم امتدح نفسي لاخذ الثمن والهدية قبلة على خدي,وقطعة من الشوكولاته التي احبها جدا, مهرولة الى امي بالمطبخ صارخة اريد الطعام جوعانه فتنهرني انتظري لحظة,إذهب اداعب لعبتي وعروستي الصغيرة في غرفتي حتى يحين وقت الغداء,وما ان اسمع صوت امي حتى اقفز لان اشم رائحة الطعام,اجلس بينهم بجسدي الصغير,امي وابي واختي,واخرج بعدها للشارع لالعب مع اقراني حتى يأتي وقت الدراسة والمذاكرة فأعود لغرفتي محتضنه حقيبتي,ومن ثم انام مع ساعات المساء,لا اعرف ان هذا المساء سيكون مختلف عن اي مساء اخر عشته من قبل,ومختلف عن اي مساء سيأتي بعد,لم يسعفني صغر سني ان افهم ماذا حدث؟وجدت نفسي ممدة على سرير أبيض من حولي رجال يرتدون ملابس بيضاء بايديهم قطع حديدية منها المقص,ومنها السماعة التي اشاهدها مع الاطباء,أنظر من حولهم لااجد امي او ابي او اختي,لم اجد احداً,سوى وجوه لم اعرفها من قبل,فأمضيت انتظر لأعرف شيئاً ,كل من حولي اطفال يصرخون,تملء اجسادهم الدماء,منهم محروق,ومنهم من مات حسب مافهمت,,,والكل من حولي يداعبني ويبتسم في وجهي..
لكن,عندما اردت ان ارى والداي واختي,وسألت دون ان يجيبني احد بدأت بالبكاء,اريد أبي اريد امي اريد اختي,اريد ان اذهب لبيتي,استمريت بالصراخ والبكاء,حتى حضرت جارتنا اعرفها كانت تتردد على منزلنا وبدأت تلاعبني,واخذتني معها الى بيتنا,بحثت عن حارتي,لم اجد منها شيئاً سوى كومات من التراب, أين بيتنا اذاً؟أين ذهب؟ أين ابي,أين امي,اين اختي؟؟فقالت جارتنا:لقد استشهدوا,ماذا يعني استشهدوا ,لاافهمهما؟؟
ادركت انهم قتلوا من هذا الصاروخ الذي اغتال نومنا,لم يعد لي اباً او اماً او اختاً,لم يعد لي بيتاً,حتى عروستي لم اجدها,لم يعد لي سوى هذه الطرقات,لم تعد امي تصحيني لتساعدني بارتداء ملابس المدرسة وتسرح لي شعري,ولم يعد لي اباً يقبلني كأطفال العالم,او اختاً تصطحبني للمدرسة,او حتى بيتاً اكبر فيه..لم يعد لي سوى ملجأ الايتام....حتى بغزة لايوجد ملجأ ايتام....ماذا سأفعل؟؟
لست انت,بل انا طفل ولدت بأولى الصرخات مع اول صاروخ دك منطقة المنصور,هكذا حدثتني امي,ولدت وكبرت العب تحت اشجار النخيل,اصبو اليها والتقط مايسقط منها من ثمرات لأكلها,كانت امي دائماً تحتضنني بقوة لصدرها,وانا انظر حولي مايحدث,اصوات مرعبة وانفجارات كثيرة وكبيرة,لاااعرف ماهي,كان والدي يحملنا هارباً بنا مرة الى تكريت ومرة الى الفلوجة واخرى نعود الى بيتنا,لااعرف لماذا؟حتى تمر عدة ايام لاااخرج من بيتي,فيمنعني والداي,ابي كان دائماً خائفاً شارداً لاااسمع منه سوى الامريكان والعصابات,ولا اعرف ماهم؟! حتى سمعت والدي يحدث امي سنذهب الى سوريا ونخرج من العراق,انهم سيقتلونا,سنموت قتلاً او جوعاً,جهزي نفسك,سنغادر بعد يوم او يومان,حتى سمعت صراخ في باب منزلنا,وتدافع رجال ملثمين لاشئ واضح سوا بنادق بايديهم,أخذوا والدي وركلوا امي وهي تصرخ وذهبوا,أبكي واصرخ لبكاء امي,أسألها أين اخذوا والدي,لاترد علي,غاب أبي ثلاثة ايام,حتى اتى يوم أخذتني امي فيه,فوجدت نفسي في مكان لا اعرفه ولم اره في حياتي من قبل,اصطحبنا رجل يدعى دكتور هكذا نادت عليه امي,وكان مكاناً بارد جدا,ورجال كثر جميعهم كانوا ينامون على الارض وعليهم قماش ابيض,حتى اقترب الدكتور من احدهم ورفع القماش عن وجهه فصرخت امي,فنظرت الى الرجل,فإذا هو أبي,كان وجهه محروق وجسده ممزق,وقفت أسال من فعل بأبي هذا.فقال لي الدكتور انه استشهد!! ماذا يعني استشهد؟؟ لن ارى ابي بعد اليوم,هؤلاء الملثمون قتلوه,كما قتلوا بلدي واشجار النخيل,ودجلة والفرات,فأين سأهرب؟؟ماذا سأفعل..أين سأهرب؟؟ سؤلان من طفلان احداهما فلسطينية فقدت اسرتها ومنزلها في مذابح غزة,والاخر عراقي فقد والده ولم يعد له مكان بوطنه فأين يهرب؟؟ ماذا سأفعل ؟؟أين أهرب؟؟ تنعقد في المستقبل القريب القمة العربية في دمشق وسط حالة من الحالات العادية التي عهدناها منذ ان بدأت القمم العربية تعقد مؤتمراتها السنوية,فهي حالة ليست شاذة بل وليد طبيعي من الرحم العربي الرسمي,فالقادة والزعماء لايؤرق ضمائرهم سوى التباينات التي تحدث فيما بينهم,وسرعان مايتوافقوا على البيان الختامي الذي يعد قبل عقد القمة,ويذهبوا للتسامر الكلامي ويعودوا من حيثما اتوا...
هذه القمة الدمشقية لن ارجو منها خيراً,ولاااعول عليها كثيراً,حتى احاول مسحها من تفكيري ولكنني سأمني نفسي بنوع من الأمل,عسى ان يغير الله,وان كان فالمطلوب من هذه القمة الاجابة عن سؤالي الطفلين .."ماذا سأفعل,,وأين سأهرب؟؟" ليس المطلوب بيانات شجب واستنكار وتنديد,وليس المطلوب مكرمة اميرية او ملكية او رئاسية بإستضافة اطفال,المطلوب تحرك واجابات على الأرض,نعيد لطفولتنا حقها ولكرامتنا عزتها... اتمنى من سعادتهم اصحاب السمو والفخامة والعظمة,اولياء الامر فينا ان ينزعوا عن ظهورهم حمل الخوف والرعب الذي يقيد سماحتهم,ويجعلهم في الصفوف الخلفية من قضايا شعوبهم,ويتمردوا مرة واحدة لنستطيع ان نستقبلهم ونبتسم لهم ,مرة واحدة اتمنى ان امدحهم بها!! ورغم تشاؤمي الشديد,وعدم قناعاتي مطلقاً بان هنالك تغيير,الا ان هؤلاء الاطفال لهم علينا الحق ان نذكر هؤلاء القادة الميامين بان هناك اطفال تقتل وتذبح بقطرين,وخاصة اننا ندرك ان ذاكرتهم لاتسعفهم على تذكر كل شئ,فهمومهم اكبر من تذكر الطفولة,ومستوياتهم جسام فهم يمضون ليلهم ونهارهم لتدعيم اجهزة الاستخبارات والتجسس بكل ادوات القمع الللاانساني لتحمي عروشهم ويقضون جل وقتهم في استشارة جيش المستشارين حولهم في معرفة ارقام الحسابات الخاصة لهم في بنوك اوروبا,ومعرفة احوال استثماراتهم وتجارتهم الرابحة بأعناق هذه الشعوب,من هنا علينا واجب ان نذكرهم,بأن يكون لهذه الطفولة جزء من مكرمتهم الإنسانية العطوفة,وسماحة اخلاقهم,فكلنا فداء لهم,ونضحي من اجلهم ولانطالبهم سوى بالتضحية بجزء بسيط من وقتهم لإستذكار الاطفال... عاشت قمتنا العربية,وعاش زعماء امتنا العربية,ونموت نحن فداء لهم... ماذا سأفعل؟؟ أين سأهرب؟؟ هل من مجيب؟!!!!!