لم يعد هناك معلم من معالم الحرب إلا وقد اتخذ, سواء على المستوى السياسي , أو على المستوى العسكري, حشود حدودية, وأرصاد أقمار صناعية, ومخططات يشرف عليها ميدانيا جنرالات الحرب الصهيونية, وإيهام الطرف الآخر تكتيكيا بان الأجواء لاتعيش نُذر حرب, من اجل الأهمية الإستراتيجية للضربة الأولى, وضرورتها لتحديد مسار السقف الزمني لحسم المعركة, وعلى المستوى الإعلامي السياسي والمعنوي, تم تجهيز الجبهة الداخلية الصهيونية على الاستعداد للحرب الموشكة, والاهم تعبئة دول العالم المؤازر للكيان الصهيوني, على ضرورة الحرب ومبرراتها, لاجتثاث شأفة الإرهاب من الجنوب اللبناني والعمق السوري, بل إعلان الحرب حسب العرف القانوني الدولي قد تم فعلا, وبات تهديد القيادة الإسرائيلية للقيادة السورية واضحا, في حال إقدام حزب الله على أي عمل ردا على اغتيال"عماد مغنية" سوف يتم ضرب"دمشق".
ولعل توقعات اقتراب المواجهة لدى القيادة السورية باتت جدية للغاية, وبعد المعلومات المتسارعة صوب إعلان دمشق عن استدعاء الاحتياطي والاستنفار, وكذلك الخطاب السياسي السوري لايخلو من التهديد للكيان الإسرائيلي وللإسناد الأمريكي, وهذا مالمسناه عندما سال احد الصحفيين وزير خارجية الجمهورية السورية\ المعلم , أثناء انعقاد المؤتمر الصحفي بعد انقضاء طقوس القمة العشرين التي عقدت في دمشق , حول عدوان أمريكي محتمل على سوريا, فرد عليه دون تردد" تلك الدولة التي تضرب ولا تعرف كيف تخرج في إشارة إلى المستنقع العراقي, نحن ننتهج معها أسلوب الحوار, لتجنيب المنطقة مزيدا من الدمار, وتجنيب الأمريكان مزيدا من القتلى".
وكثيرا مايطل جنرالات الحرب الصهيوني على وسائل الإعلام, بتصريحات شبه تضليلية مفادها أن الحرب ليست موشكة, وهذا ما صرح به مؤخرا نائب رئيس أركان الحرب الصهيوني الميجر جنرال"دان هرئيل" قائلا((انه لايرى سببا لتكون حالة من التوتر الاستثنائي على الحدود الشمالية, معربا عن اعتقاده!! بان أي من الأطراف ليس معنيا بالمواجهة العسكرية)) وإذا ما قورن هذا التطمين الخبيث بتطمينات صهيونية, سبقت "ضربة سبتمبر 2007 في العمق السوري", حيث أعلنوا حينها بان الحرب على سوريا غير واردة, لان الجيش السوري كان قد قلل استعداده للحرب, ومن ثم حدث العدوان وضرب أهداف سورية أو منشآت أحيطت تلك الضربة من الجانبين بالتعتيم الإعلامي المطلق, نجد أن نائب رئيس الأركان يكشف مكنونات النوايا العدوانية موشكة الوقوع, فإذا كانت تقليل الاستعدادات السورية تلك باعثا على الضربة الصهيونية التي وقعت في العمق السوري, فما بالكم عندما تكتمل الاستعدادات السورية ويستدعى الاحتياط, فأي سبب سيسوقه قادة الكيان إذن للتظليل بان الحرب على سوريا غير واردة؟؟!!!
وربما تحدث سابقا وزير الحرب الصهيوني, أثناء التوتر الذي تلا اغتيال القائد في حزب الله" عماد مغنية" وكذلك التصعيد الصاروخي من غزة, وتوقع عملية هجومية من حزب اله, حيث طالبت بعض أقطاب القيادة الصهيونية, انعقاد المجلس الوزاري المصغر, فرد عليهم غاضبا"براك" أثناء زيارته لتركيا, أن ذلك المجلس لاينعقد إلا لإعلان حالة الحرب وعند الضرورات القصوى, وطالب بتقليص التصريحات خاصة فيما يتعلق بتوقع الإقدام على اغتيال القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية, أو الاستعداد لحرب مع حزب الله.
وهاهو المجلس الوزاري المصغر ينعقد, في ظل مناخ قرع طبول الحرب , خاصة على الجبهة الشمالية مع سوريا وحزب الله, وربما ترديد مصطلح" الكيان الإسرائيلي أقوى دولة في المنطقة" حيث أعلنها وزير الحرب ونائب أركان وزارة الحرب الصهيونية, ومجرد التصريح المشروط في حال المساس بالكيان الإسرائيلي, سيكون ردهم قاسيا ومؤلما, ليس بالضرورة أن يتم تفسيره على أن قرار اندلاع الحرب متروك كزمام مبادرة في يد حزب الله أو سوريا في ضربة استباقية, بل اعتقد أن المقصود به في حال اندلاع الحرب سيكون الرد قاسيا, إذا ماتم المساس بالجبهة الداخلية المدنية الصهيونية, بعيدا عن الميدان الحربي, أي إذا تعرض مواطني الكيان الإسرائيلي للهجوم بالصواريخ, عندها يكون الرد قاسيا على التجمعات المدنية في سوريا وقرى جنوب لبنان.
وحيث أن الكيان الإسرائيلي أعلن التعبئة العامة, وحالة الطوارئ, في اكبر مناورة طوارئ في تاريخ الكيان الصهيوني منذ قيامها, فان صبيحة الثلاثاء الموافق 7\ 4 ستعيش دولة الكيان أجواء حرب حقيقية, حيث ذكرت الإذاعات العبرية, وفي إطار التمرين, ستنطلق صفارات الإنذار في الساعة العاشرة من صبيحة الثلاثاء القادم, وفي مختلف أنحاء الدولة العبرية, وسيشمل ما يقال انه تمرين "223 سلطة محلية" إضافة إلى استنفار خدمات الإنقاذ والطوارئ والشرطة, وتوزيع الكمامات تدريبا على إمكانية الهجمات الصاروخية, المحتمل أنها تحمل رؤوسا كيماوية يشنها حزب الله أو سوريا.
يتزامن مع تلك الاستعدادات والاستنفار الاستراتيجي للجبهة الداخلية, بعد اكتمال الاستعدادات العسكرية, بعض تصريحات القيادة الصهيونية, تحمل بين طياتها مزيدا من معالم الذهاب لساحات القتال, حيث حمل تهديد وزير الحرب"أيهود براك" لكل من سوريا وحزب الله, ما من شانه أن يكون حربا نفسية تسبق الحرب الفعلية, قائلا(( عليهم أن يدركوا أن بلادة أقوى دولة في المنطقة, ولا ينصح باستفزازها, وأشار إلى إدراك بلاده جيدا, أن العاصفة تختمر تحت السطح, في إشارة منه لاستعدادات حزب الله لحرب)) ولم يعتبر المراقبين أن القصد من العاصفة التي صعدت من العمق للسطح, هي اكتمال لاستعدادات الكيان الإسرائيلي, وحاجته الملحة سياسيا وعسكريا, لتلك العاصفة من اجل تصويب الخلل السياسي والعسكري, جراء ماترتب من آثار معنوية وسياسية وعسكرية سلبية كنتائج لحرب تموز, هذا إلى جانب ماذكرته في مقالتي السابقة"انتفاضة ثالثة وسيناريوهات أخرى؟؟؟" حيث يتم إقران تصريح الأمين العام لحزب الله بحتمية والعمل على زوال الكيان الإسرائيلي, بالإعلان عن امتلاك حزب الله لصواريخ قادرة على ضرب المفاعل النووي الصهيوني " ديمونا.
فكيف يدعي هؤلاء بان لا احد من الأطراف معني باندلاع الحرب الآن, فان كان ذلك ينطبق على كل من سوريا وحزب الله, فلا ينطبق هذا القول مقارنة بألاعيب الصهاينة على دولتهم العدوانية, ولعل القيادة الصهيونية, صرحت بما لايحمل أي لبس أن جيشهم على كامل الاستعداد والرغبة!!! في شن الحرب, لاختبار "نظرية استخلاص العبر من حرب تموز في الجنوب اللبناني" إن حالة الإرباك وتصاعد وتيرة الاستعدادات إلى المواجهة, قد تدفع الكيان الصهيوني, إلى استثمار الحالة المحلية والعربية والدولية بالانقضاض على حزب الله أولا في الجنوب اللبناني, أو حتى القتال النوعي على الجبهتين اللبنانية والسورية, بإسناد أمريكي غربي, وصمت أو ربما تشجيع من بعض القوى و الدول القريبة.
.
يحاول قادة الكيان الإسرائيلي, إيهام الخصم بأنهم لن يكونوا المبادرين بالهجوم, مما سيكسبهم امتلاك قرار الانقضاض والمباغتة, بضربات أولى مدمرة لأهداف إستراتيجية عسكرية ومدنية ولوجيستية حيوية, تحدد مسار المعركة من حيث إرباك مخططات العدو, ومن حيث إمكانية الاستنزاف, بما يسمح للقوى السياسية الدولية من التدخل وإجبار المتقاتلين على وقف الأعمال الحربية, ويكون حسب المخطط الصهيوني الغربي الأمريكي, قد تم ضرب البنية التحتية العسكرية لحزب الله, وتوجيه ضربات مدمرة إلى الجيش والإعدادات العسكرية النظامية على الجبهة السورية.
ولا ادري إن كان هناك علاقة بما يتم التخطيط له صهيونيا وغربيا, بما أعلنه قائد القوات الدولية العاملة في لبنان" اليونفيل" ((كلاوديو غرانسيانو)) حيث الاجتماع الذي عقد يوم 2\ 4 في "الناقورة" بين ضباط كبار من لبنان, واليونفيل, والكيان الإسرائيلي, وتأكيد هؤلاء لتطبيق قرار مجلس الأمن" 1701" واحترام الخط الأزرق, فربما تم بحث حالة التعامل مع الجيش اللبناني النظامي في حال اندلاع المواجهة مع حزب اله؟؟؟
والذي بات معروفا, وأكدته الصحافة الصهيونية"هآرتس" وعلى لسان وزير صهيوني رفيع لم يذكر اسمه, بان القيادة الصهيونية, وعلى رأسها" اولمرت " أرسلت "20" رسالة إلى الرئيس السوري, نقلها رئيس الوزراء التركي((رجب طيب اردوغان)) إلى جانب شخصيات من الكونجرس الأمريكي, ومسئولين أوروبيين, بهدف التعرف على النوايا السورية تجاه العملية السلمية, وجاءت الردود السورية غير مناسبة لتوقعات القيادة الصهيونية, بل أيضا غير مريحة, وبناء عليه كما ورد في تلك الصحيفة, إن"اولمرت" يرى أن هذا الوقت لم يعد مناسبا لبدء المفاوضات مع سوريا, واحد تلك الرسائل خلال العام الماضي كانت قبل الإعلان عن"ضربة سبتمبر" لأهداف تم التعتيم على تفاصيلها في العمق السوري, وقد انتقد المسئولين السوريين بعنف تلك العملية العدوانية, واعتبروها خدعة صهيونية, واحتفظوا لنفسهم بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.
وعليه فصبيحة الثلاثاء القادم, تعيش دولة الكيان الصهيوني, أجواء حرب حقيقية, تشل فيها المؤسسات الحيوية, وتعطل المدارس, ويهرع ملايين من المواطنين مرتدين الكمامات إلى الملاجئ فور سماع صفارات الإنذار, وضمان التعامل مع تمرين الطوارئ بجدية, فماذا يضمن أن يكون ذلك اليوم مجرد تمرين على حالة طوارئ بهذا الوصف , وعدم اعتباره الإشارة الفعلية لشن عدوان على الجبهة السورية أو اللبنانية أو الاثنتين معا؟؟؟؟؟
كل شيء في ظل اعتبار الحرب خدعة ومباغتة وارد, على اعتبار إيهام الآخر بان يرصدوا تلك المناورة للجبهة الداخلية, والتعامل بالاستعدادات على أنها مجرد مناورة, فحتى إن كان هذا الاحتمال يعتبره البعض هرطقة وغير وارد , فمن المستحسن التعامل مع تلك المناورة التكتيكية, على أنها خدعة يصاحبها عدوان شرس وواسع, فكما القاعدة العسكرية والأمنية تشدد على التعامل مع السلاح مهما كان فارغا على انه معمرا, ومتطلبات الحيطة والحذر, والأهمية الإستراتيجية للدقائق الأولى من الحرب , وتحديدها لمسار المعركة, فلن يضير شيئا لأخذ تلك المناورة المزمع إجرائها يوم الثلاثاء القادم, على أنها إجراءات فعلية وليست تمرينا, مما يسهل على القيادة الصهيونية تخفيف أثار الهجوم على الجبهة الداخلية, والقيام بالعدوان فعلا؟؟؟ فكل الاستعدادات السياسية والعسكرية والأمنية, وإمكانية الإسناد الغربي شبه جاهزة, فهل تكون مناورة أم موعد رسمي لاندلاع الحرب؟؟؟