تحياتي لأحلام ...
فأعود لهذا الموضوع لغايتين... لعن الله الثلاثة!
لن أشرحهما الآن...
لكن أقول:
كتبت، أنا، عمرو، كتبت سابقا:
ما أفاخر به، و هو ما يجعلني أعتقد أنني متميز عن العالمين هو أنني ربحت طابق شطرنج ضد راضي .
هذا مؤكد...
لكني أرغب أن أحدثك عن يوم آخر في حياتي، يوم أفخر به كل الفخر: إنه يوم ارتكبت مصادرة على المطلوب (و هي قحمذم)...
واش؟
مصادرة على المطلوب...
تعريفا، المصادرة على المطلوب هي أننا، حين نرغب أن نبرهن فكرة ما، فإننا، و بكل غباء، نستخدم الفكرة نفسها كمنطلق...
يعني مثلا، أن يقول أحدهم: بما أن الحليب أبيض... فنستنتج أن الحليب أبيض.
أو (و هو كلام مكافئ منطقيا) : بما أن الحليب اسود، فنستنتج بداهة أن الحليب أسود.
المحاكمتان، كلتاهما، فاسدتان... ذلك أنهما تعتمدان النتيجة (تصادران المطلوب) كي تبرهناها...
طبعا في الحالة العامة تكون المصادرة على المطلوب مخفية و صعبة الإكتشاف... كما حصل معي يومها... و غالبا ما يكون من يرتكبها جاهلا بخطئه الفظيع... كما كانت حالي يومها... و غالبا ما يلزم تدخل من إنسان ذي عقل راجح و منطق سليم لحلها... كما حصل حين أنقذني زميلي آصف ج. يومها...
أرجو هنا أن تسمحي لي بالحديث عن آصف، ذلك أنه كان المساهم الثالث في القصة إياها...
آصف، أيام مركز النكد (البحوث)، كان شريكي في السكن، و غالبا شريكي في شرب العرق و في التعتير... و قبل أيام المركز كان زميلي في الدراسة الثانوية. و هو كان، خصوصا، شريكي في عشق الرياضيات.
و كان أفضل رياضيي دفعتنا... و كنت، برأيي، ثاني أفضل الرياضيين...
الأرقام لا تكذب: حين كنا نتقدم للإمتحان -و الإمتحانات بتاع المعهد العالي هي امتحانات بنت كلب، فلا يفوز بها إلا كل طويل العمر- ، فكانت تظهر النتائج، عموما كانت نتيجتي هي 15 من 20، تليها نتيجة آصف: 12 من 20، ثم تأتي نتائج بقية الطلاب التي تقع جميعا -أو تقريبا جميعا- تحت معدل النجاح، يعني تحت 10 من 20...
طبعا تفوق علاماتي إياها على علامات آصف لا ينفي حقيقة أن آصف كان الأفضل، على الأقل هذه قناعتي: آصف كان يتمتع بالذكاء الحاد و بسعة الأفق و بالمنطق الرياضي الصارم، و بكل صراحة... يعني علاماتي كانت أفضل من علامات آصف، لكن آصف كان الرياضي الأفضل.
هنا أود أن أضيف جملة بسيطة: لو أن آصف درس في جامعة مماثلة للجامعات الإسرائيلية، و لا أقول الفرنسية، لكان الآن من أعظم الرياضيين على مستوى العالم... يعني من مستوى علماء الرياضيات الإسرائيليين على الأقل... لكن، في مركز التيوس، حيث يتم العمل جاهدا لتحطيم كل مواهب الشباب السوري، خصوصا حين يكونون نصيريين أو، و هو الأسوأ، قرويين، يعني سنيين قرويين، يعني مثل النصيرية و على أنشح؟
عندها النتيجة هي ما نعلم: تحطيم إمكانيات هؤلاء الشباب... و طبعا آصف ليس إلا مثالا من ألف...
فأصل الآن للمساهم الثاني في هذه القحمذم، أستاذي الكبير: المرحوم صلاح الأحمد(1).
صلاح الأحمد كان أحد أعظم الرياضيين بتاريخ سوريا. و برأيي المتواضع فهو أعظمهم. صلاح الأحمد كان أستاذي في منهاج الطبولوجيا، و بما أني كنت أصلا من عشاق الطبولوجيا...
فوافقت عبقرية أستاذ عظيم تلهف طالب جيد...
يقال أن صلاح الأحمد كان يهمل أمور الحياة اليومية لدرجة أنه كان يعجز عن تذكر ماذا تناول من طعام وقت الإفطار... أنا لا أعلم إن كان ذلك صحيحا لكن يمكن لي أن أؤكد أنه كان نادرا ما يلتفت لصغائر الحياة اليومية، و أن الرياضيات كانت عالمه الخاص...
و هي كانت العالم السحري الذي كان صلاح الأحمد قادرا، و بما يماثل السحر، أن يدخلني إليه: فتتحول الرياضيات المعقدة، الصارمة، الجافة فتصبح عالما مليئا بالجمال و تتحول نظريات الرياضيات من نظريات كي تصير لوحات فنية جميلة ...
و المساهم الرابع في هذه القصة هو... منهاج الطبولوجيا، و طلاب دفعتي في المعهد العالي إياه...
فما القصة؟
القصة، و هي قحمذم، تنتمي للذكريات،
فلي عودة....
بل عودات...
----------------------
(1) على هذا الرابط تحدثت عن عداوة حصلت بين آل الخيّر و آل الأحمد... و القصة رواها راوية ثقة من آل الخيّر، ابن عمي عقيل...
و حين سألته:
طيب إن كان آل الأحمد يكرهون آل الخيّر، فكيف تفسر أن أستاذي صلاح الأحمد كان يحبني، و أني كنت أحبه؟
فأجابني، بعد أن ضحك طويلا: أصلا صلاح الأحمد كافر و فوق ذلك متخل عن أسرته، متلو متلك!
لم يعلم ابن عمي مقدار المديح الذي يسديه إلي!
لو لم يكن لي من مفخرة إلا أن أكون مثل أستاذي العظيم، كافرا و متخليا عن أسرتي ، لكفاني ذلك...