آخر الأخبار

هيروشيما غزة واستنزاف المقاومة

لم تعد كلمة هيروشيما مجرد مصطلح لغوي , للدلالة على مدينة وموقع ديموغرافي على الخارطة الجغرافية, أو تسمية نسبة إلى رمز وطني خاص ,أو نسبة إلى جزيرة"هونشو" , بل أصبحت تلك المدينة اليابانية الشاهدة على عصر الإبادة, لتصبح معلما جيوسياسيا تاريخيا,منذ أكثر من ستون عاما 1945 بعمر النكبة وإجرام المجزرة في فلسطين, ومعلم انطلاق الإبادة والمجزرة"دير ياسين" ,1948 كوصمة عار تصبغ النظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية, خاصة وان تلك المدينة اليابانية تم اتخاذ قرار أمريكي بإبادتها, رغم أن اليابان أعلنت وبشكل واضح رغبتها في السلام واستسلامها وعرضها للحوار والتوقيع على صك الاستسلام, فتجاوز الاسم "هيروشيما", طبيعته الاسمية, ليتحول بفعل فاعل إجرامي إلى"فعل", ربما كان ذلك الفعل نواة لتجسيد مستقبل الهيمنة الغربية عامة والأمريكية خاصة, ورسم السياسات الخارجية بلغة نواة ذرة الإبادة, فباتت هيروشيما ذكرى وذاكرة وتذكير لكل من أراد وقف زحف الوريث الاستعماري الأمريكي الجديد للإمبراطورية البريطانية وكل الإمبراطوريات, فتم اتخاذ قرار هيروشيما, وناجازاكي, وحفرت تلك السياسة في ذاكرة الأرض والإنسان, بالإبادة لكل الكائنات الحية على تلك الرقعة الآمنة من الكرة الأرضية, وعليه تم انتزاع النفوذ والهيمنة بحجم هيروشيما , بحيث يكون مرتكب ذلك الفعل الإجرامي فوق كل اعتبارات الأخلاق والقانون البشري, فأصبحت أمريكيا مدرسة ونهج لتلك السياسة الابادية, ومركزا للهيمنة, توزع بركاتها وهباتها على كل من دار في فلكها, وتفرض لعناته وعقوباتها, على كل من خالف نهجها.

وكان الكيان الصهيوني من أوائل الخريجين من تلك المدرسة المميزة بمنهج التطهير العرقي والإبادة الجماعية, فحصلت بامتياز على إجازة العنصرية والمجزرة, وعلى مدار ستون عاما ونيف أصبح الكيان الإسرائيلي ربيب الغرب, والابن المدلل للمعلم الأمريكي الأول, يطبق المنهج الابادي العنصري بحذافيره, بل لم يكتفي هذا الكيان الصهيوني بالنهج" الهيروشيمي" وتفوق على معلمه وارث الإمبراطوريات بالنهج" النازي" فأصبح الكيان العنصري الصهيوني صاحب فعل"الهولوكست" و"الهوروشيمي" حتى بات يصدر معرفته وخبرته العملية لتلك المدرسة الأمريكية, وتوحد المعلم والتلميذ في المنهج الحصري "الاحتلال" رغم أن الاحتلال في اللغة العالمية يعني همجية وإرهاب, إلا أن للكل قاعدة استثناء, وأصحاب النهج"الهيروشيمي والهولوكستي" هم من الحائزين حصرا على ذلك الاستثناء, وما على العالم بمبادئه المبتذلة والمخطوطة في ميثاق أممي, إلا إيجاد المبررات وتجميل الدوافع ومباركة ذلك الاستثناء الدموي.

وهاهو تاريخ المجزرة ينتج نفسه, ويحافظ على تجدده وتطويره وتأكيد تقنينه برسم الصمت والمباركة العالمية, في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والجولان, ولعل غزة اليوم لها نصيب الأسد من تلك المجزرة التي يتقدمها الحصار الإجرامي المحرم دوليا باستثناء"محور الاستثناء" فالمحرمات تصبح مقننة بفعل السياسة "الهيروشيمية والهولوكستية" الإجرامية حصريا على الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني, فلسطين عامة تتعرض للمؤامرة الدولية وللأسف أحيانا بمشاركة بعض الدول العربية, والتي تدعي أنها تدعم التصدي لدول محور الهولوكست, فالضفة الغربية وغزة الآن في بؤرة الاستهداف, بقصد إبادة الإرادة الوطنية وتطهير نواة المقاومة لدى أهلها, ففي نفس الوقت حيث يتم اجتياح غزة يتم كذلك اجتياح الضفة الغربية, رتل من الدبابات النازية تداهم جنين ومثلها تداهم وسط غزة"البريج" زحف بربري واغتيالات واعتقالات في نابلس ومثلها في الشجاعية وبيت لاهيا, إرهاب وجرائم في رام الله والخليل ومثلها في جباليا ورفح ,,, وهكذا هو قانون المجزرة الشامل, رغم رغبة الجميع بالتهدئة والسلام, لكنه المنهج(الهيروشيمي), وما اغتيال رموز المقاومة والجهاد , الياسر والياسين والشقاقي والمصطفى وأبو جهاد وكل القادة على سبيل المثال لا الحصر, ليس تصفية لشخوص بل محاولة لتطبيق ثقافة الهولوكست, لإبادة نهج الصمود والمقاومة والقبول بالاملاءات والمساومة.

غزة التي تتعرض لأبشع حصار وعقوبات جماعية على مر التاريخ, تتعرض اليوم وسط صمت عربي إسلامي إقليمي دولي, إلى إبادة جماعية وتطهير عرقي, مجازر بشعة بأدوات إجرام لاتفرق بين لون سياسي وآخر, لاتفرق بين مدني وعسكري, لا تفرق بين ثكنة عسكرية ومنزل سكني, لا تفرق بين طفل يلهو ومقاوم يحارب, فالجميع في عرف الهولوكست والهيرشيمية إرهابي ومجرم حتى أثناء مد يده للتهدئة والسلام, لان المطلوب هو "ترانسفير" واستسلام, ربما كتبت منذ عام حول الاجتياحات الحدودية, وهذه هي السياسة العدوانية القادمة, اجتياحات حدودية لغزة وتدمير جوي لكل كائن وطني متحرك, ومحاولة حشر المقاومة وسط اكبر التجمعات السكانية كثافة, لكي تتم الضربات القاضية لانتزاع الاستسلام, وليست الإشكالية هنا, بل الإشكالية الحقيقية الأولى في عشوائية المقاومة والمواجهة, بحيث يقوم الآن الصهاينة بالاجتياحات الاختبارية "كر وفر" في محاولة لاستنزاف وسائل القوة للمقاومة خاصة" الصواريخ والهاون وقذائف الآر بي جي" في وضع تتنافس فيه فصائل المقاومة كل باسمها دون أي غرفة عمليات مشتركة لإدارة المعركة, والتركيز على الكمائن والاستدراج للعدو, أكثر من المواجهة التقليدية, وعدم التركيز في إطلاق مئات من تلك الوسائل القتالية بغزارة دون تركيز أو تصويب, وبالتالي في ظل إحكام الحصار سينفذ مخزون أو احتياطي المواد الخام لتلك الوسائل المؤثرة , ومن ثم يسهل توسيع العدوان وزحف الاجتياح.

بل الأكثر مرارة هو الصمت العربي أمام هذه المجزرة خاصة ممن يتغنون ليل نهار في دعم خط المقاومة في وجه الخط السياسي وبالتالي يدفعون باتجاه الحفاظ على وتيرة الانقسام الفلسطيني, في حين أن هؤلاء في حال التعامل السياسي الرسمي والتعامل مع الشرعية الفلسطينية, لايعيرون أي وزن لأجندة فصائل المقاومة السياسية, ولا يعنيهم عدم حضور ممثليها في المحافل العربية والإسلامية والدولية الرسمية, فلا عنوان لديهم علنا سوى الرئيس\ أبو مازن وحكومته برئاسة\ د. سلام فياض , وفي الاتجاه الغير رسمي نجدهم يبتعدون عن محاولة المساهمة في رأب الصدع الفلسطيني وإعادة الوحدة الوطنية والوفاق الوطني, فأين هم من هذه المجزرة التي تدور في غزة الآن, خاصة وان الجبهة الداخلية الفلسطينية منقسمة على نفسها, وبأمس الحاجة إلى توحيد شرعيتها, وتوحيد خندقتها السياسية والعسكرية في مواجهة ذلك العدوان البربري سياسيا وعسكريا.

غزة اليوم أكثر من أي وقت مضى تتعرض إلى عقوبات جماعية, وحصار طال الإنسان وما استثنى الحيوان, حصار إجرامي يحصد أرواح الأبرياء ولا يسلم من نازية ذلك الحصار مرضانا الذين يصارعون الموت جراء نقص الأدوية والإمكانيات الطبية, مجزرة شاملة بكل ماتحمله الكلمة من معاني لا أخلاقية ولا إنسانية, وعلى سمع وبصر العالم المتحضر والنامي والمتخلف, يقدم عليه الكيان الصهيوني بدم بارد مستثمرا حالة الانقسام الفلسطيني, الذي وجد بها بعض العرب ضالتهم للتهرب من واجباتهم القومية العربية والإسلامية, تلك المجزرة التي بدأت ولن تنتهي إلا بضرب البنية التحتية لخطي المقاومة والسياسة على حد سواء لفرض أملاءات إمبراطورية الهولوكست الهيروشيمي, غزة اليوم تحرق وتباد عن بكرة أبيها وقد سقط برقع الحياء العربي والإقليمي والدولي, بحيث لا نلمس أي تحرك بحجم المجزرة من شانه إيصال رسالة إلى الجزار الصهيوني الأمريكي بان ذلك الفعل الهولوكستي الهيروشيمي يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين, بل الصمت هو أبشع درجات المباركة والرضا عن هذه الجريمة, فحتى التهدئة التي يسعون إليها بمواصفاتهم الصهيونية, ونطاقها الزماني والمكاني الانتقائي , تحمل في طياتها الاستثناء بإعمال ثقافة المجزرة تحت مسميات التفرد ببعض المسميات, والالتفاف على كل مفاهيم التهدئة, وفي المحصلة فهم ليسوا بحاجة إلى تهدئة , إنما يقصدون منها التصفية, وجل المساعي الدائرة أثناء المجزرة وآخرها محاولة الخبير العالمي الشهير بالتسويات" جيمي كارتر" إنما تهدف أساسا وفي مقدمة الأولويات, إلى إنهاء عاجل لملف الأسير الصهيوني" جلعاد شاليط" قبل حلول موعد الاحتفال الستون لإقامة الكيان الهيروشيمي الصهيوني, وبعدها محرقة لا تهدئة.

وكما نرفع أصواتنا دائما ولن نكل أو نمل, بان نصف الحل لمواجهة هذه المجزرة بأيدينا, بعودة اللحمة الوطنية وتوحيد الشرعية وإنهاء الانقسام, بما يقوي ويصلب موقفنا الفلسطيني في تحريك العالم الميت سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي, فهل نتجه صوب إنهاء ذلك الانقسام؟ أم نستمر في توفير مادة خام من مبررات الصمت والمناكفات التي لن تصب إلا في خانة مصلحة البرابرة الصهاينة والصامتين العرب؟؟

greatpalestine@hotmail.com