الحكيم شنكرا قد توفي وهو في عمر الثانية والثلاثين .
عندما كان شنكرا في مدينة بنارس المقدسة التقى ذات مرة في أحد شوارعها بشيخ كان يردد بصوت عال القواعد السنسكريتية وهو يباهي بنفسه .. اندهش شنكرا وأشفق عليه لاسيما وقد أدرك أنه مع كبر سنه لم يترك حتى آخر لحظة من حياته رغباته الدنيوية .. انطلق هذا النشيد تلقائياً من شفتي شنكرا وبطريقة شعرية موزونة جميلة .. وراح يعلم العجوز :
تعبد للرب .. تعبد للرب
للرب تعبد أيها الأبله
لدى اقتراب ساعة الموت لن تخلصك
دراسة القواعد اللغوية على الإطلاق
أيها الأحمق اقلع جشعك للتعلم والثروة
واعقل وأطفئ عطش فكرك الدائم
وأرضِ فكرك بما تنال من مدد
نتيجة لأعمالك السابقة
تعبد للرب تعبد للرب ...
لاتغرنّك مفاتن امرأة
ولا تذوبن أمام محاسنها
فما هي إلا أشكال متحولة من الشحم واللحم
فكّر ملياً بعقلك مراراً وتكراراً
تعبد للرب تعبد للرب ...
كما قطرة الندى تنزلق على زهرة اللوتس
كذلك الحياة تتقلب على كف زوال
افهم .. هذه الدنيا التي يتآكلها الغرور والمرض
وتفسدها الشجون والأحزان
تعبد للرب تعبد للرب ...
مادام المرء قادراً على كسب المال
تتولّع به عائلته
أما عندما يترهل جسده ويعجز
فما من أحدٍ في داره يستخبر عن حاله
تعبد للرب تعبد للرب ...
مادام النفَس يجول في جسمك
قد يسأل أحد عن حالك
أما عندما تلفظ أنفاسك ويتعفن جسمك
حتى امرأتك تجزع من هذا الجسد عينه
تعبد للرب تعبد للرب ...
في سن الطفولة يتعلق المرء باللعب
وفي سن الفتوة يغرم المرء بفتاته
وفي الهرم يغرق المرء بالهموم
ولكن لاأحد على الإطلاق يعشق فؤاده برهمن العظيم
تعبد للرب تعبد للرب ...
من هي محبوبتك ؟ من هو ابنك ؟
من أنت ؟ من أين أتيت ؟ ابن من أنت ؟
لعجيبة حقاً هذه النيا
ياأخي فكر بذاك الحق هنا والآن
تعبد للرب تعبد للرب ...
من رفقة الصالحين ينتج التجرد وعدم التعلق
ومن التجرد النجاة من الضلال
ومن النجاة تتجلى الحقيقة الثابتة
ومن تجلي الحقيقة تكون حرية النفس
تعبد للرب تعبد للرب ...
أين هي الشهوات وملذاتها حين يذوي الشباب ؟
وأين هي البحيرة حين تتبخر المياه ؟
وأين هي العائلة حين تنفد الثروة ؟
وأين هي الدنيا عندما تنكشف الحقيقة ؟
تعبد للرب .. تعبد للرب ...
لاتباهِ بالثراء ولا بالحسب والنسب ولا بفتوّتك
فالزمن يخطفها كلها بومضة عين
وقد فهمت أنها كلها وهم بوهم وتعقلت
ادخل في مقام برهمن
تعبد للرب .. تعبد للرب ...
يلعب الزمن ويتوالى الليل والنهار
الفجر والعصر .. الشتاء والربيع
مرة بعد مرة يمر العمر
ولا يرتدع المرء عن هبوب الأمنيات
تعبد للرب .. تعبد للرب ...
أيها الأخرق .. لمَ تقلق على الثروة والزوجة
أليس لك رب مدبّر ؟
التجئ إلى رفقة الصالحين لأنها قارب النجاة الوحيد
في العوالم الثلاثة لعبور بحر الدنيا الزائلة
تعبد للرب .. تعبد للرب ...
حمقى هم ذوو الشعر المكعك أو المحلوق
أو ذوو ثوب الزهد البرتقالي أو غيره
فهم ينظرون ولا يبصرون وقد تنكروا بالزي لملء البطون فقط
تعبد للرب .. تعبد للرب ...
مع أنه يمضي متعكزاً على العصا وقد وهن الجسد
وشاب الشعر وتساقطت الأسنان
لايتخلى الشيخ أبداً
عن جعبة أمانيه
تعبد للرب تعبد للرب ...
مع أنه يعيش لاجئاً تحت شجرة
ويتقشف جاعلاً النار في الأمام والشمس في الخلف
ويجلس في الليل مسنداً ذقنه على ركبتيه
ويتقبل الصدقة بكف يده .. لايتحرر من رباط رغباته
تعبد للرب تعبد للرب ...
وإن أدى فريضة الحج حيث يلتقي نهر الغانج بالبحر
وحفظ النذور ووزع الحسنات وتعلم كل الفلسفات
عديم العرفان لن يحظى بالخلاص
حتى بعد مئة حياة
تعبد للرب تعبد للرب ...
متجرداً من الملكية والملذات
ماكثاً في المعبد أو تحت شجرة
مفترشاً الأرض العارية
فلمن لايجلب الفرح زهد مثل هذا
تعبد للرب تعبد للرب ...
من فرح فكره في برهمن
يفرح ويفرح ويفرح حقاً
سواءاً مارس اليوغا أو تنعم بالملذات
أو سعد بمجالسة الآخرين أو اعتزل وحيداً
تعبد للرب تعبد للرب ...
عبادة الرب ولو مرة واحدة
أودرس القليل من نشيد المولى
أورشف حتى قطرة من ماء الغانج المقدس
يقطع صلة الوصل بإله الموت
تعبد للرب تعبد للرب ...
ولادة من جديد وموت من جديد
وسبات في رحم أم من جديد
حقاً لصعب عبور الولادات والميتات الواسع
فخلصني برحمتك يارب
تعبد للرب تعبد للرب ...
اليوغي الذي تخطى طرق الفضيلة والرذيلة
وتوطد فكره في التوحيد
يمرح وكأنه طفل أو مجنون
وقد لبس الخرق البالية
تعبد للرب تعبد للرب ...
من أنت ؟ من أنا ؟
من أين أتيت ؟ من أمي ومن أبي ؟
هكذا تمعن وازهد في هذه الدنيا عديمة الجوهر
فما هي إلا مدينة أحلام
تعبد للرب تعبد للرب ...
فيك وفيّ وفي كل مكان يتجلى الحق كلي الوجود
فمالك تتخاصم معي بفراغ صبرك
كن سوياً في كل حال إن أردت
أن تسمو قريباً إلى مقام الرب
تعبد للرب تعبد للرب ...
عدواً كان أو صديقاً .. ابناً كان أو غريباً
لاتجتهد لربط علاقات مودة أو عداء
انظر إلى تساوي الذات الواحد في كل شيء
وأقلع عن جهل التمايز
تعبد للرب .. تعبد للرب
وقد زهدت في الشهوة والغضب .. الطمع والضلال
أدرك الذات واعرف أنك هو
فاقدو معرفة الذات الضالون
هم أسرى عذاب جحيم اليوم
تعبد للرب .. تعبد للرب
رتل نشيد المولى وأسماء الله الحسنى
تأمل دوماً في جلال الرب
تمسك برفقة الأتقياء الصالحين
وتصدق برزقك على المعوزين
تعبد للرب .. تعبد للرب
يتمتعون بالملذات من أجل سعادتهم
فيداهم المرض أجسادهم فيما بعد ويحزنون
ومع أن نهاية كل الناس هو الموت المحتم
فإنهم لايتركون أطوارهم الخاطئة
تعبد للرب .. تعبد للرب
المال بلاء .. هكذا فكر دوماً
حقاً لاأثر للنزر القليل من السعادة فيه
فالثري يخاف عليه حتى من ابنه
هكذا هو حال الثراء أينما كان
تعبد للرب .. تعبد للرب
مارس بعناية فائقة وانتباه
ضبط النفس وسحب الحواس إلى الداخل
وميّز بالتفكر بين الزائل والدائم
واسكن بالذكر في الاستغراق التام
تعبد للرب .. تعبد للرب
أيها المتكرس .. عاشق قدمي المعلّم اللوتسيتين
فلتتحرر قريباً من تكرار الميتات والولادات
فعبر ضبط الفكر والحواس
سوف تشاهد الرب قاطناً في قلبك حتماً
تعبد للرب .. تعبد للرب
انتهى النشيد .