ـ مبارك رفض بشدة التماسا من كلينتون وعرفات لإطلاق الجاسوس عزام عزام ونتنياهو قال لمبارك إنه سيقايضه بمعتقل مصري فازداد الرئيس مبارك رفضا
سأل رئيس الوزراء الرئيس عن موعد اتصاله بمبارك بشأن عزّام عزّام وقال الرئيس إنّه سيفعل ذلك على الفور. ثم سألني بيبي إذا كان بوسعي إقناع الفلسطينيّين بقبول اللغة التي بحثناها بشأن لجنة المرحلة الثالثة. أبلغته أنّني حاولت وأنّ أبو علاء يحاربها. أريته ما يمكن أن يقبل به نبيل وصائب، وأشرت إلى أنّهما يحاولان المساعدة. لكنّه لم يستطع قبول لغتهما لذا اقترحت أن أحضر معي نبيلاً لمقابلة بيبي لمحاولة التوصّل إلى اللغة معاً. فوافق بيبي.
أخذنا استراحة لكي يتصل الرئيس بمبارك الذي رفض بالمطلق الالتماس بشأن عزّام عزّام. وأجرى عرفات مكالمته الخاصّة مع مبارك وكانت النتيجة هي نفسها. قبل حلّ لغة لجنة إعادة الانتشار الثالثة ـ وهو ما تطلّب أولاً عملي مع نبيل وبيبي، ثم نبيل وأنا لإقناع عرفات والوفد الفلسطينيّ، وأخيراً العودة إلى بيبي ونبيل باقتراح أخير ـ حاولنا آخر مناورة مع مبارك للحصول على عزّام عزّام. حاولنا إجراء مقايضة: حدّد بيبي أنّ إسرائيل تحتجز مصرياً للتجسّس وأنّها مستعدّة لمبادلته مقابل عزّام عزام. وفي حين كنّا نعتقد أنّ ذلك قد يحمل بعض الأمل لأنّه يوفّر لمبارك تفسيراً لإطلاق سراحه، خاب ظنّنا جميعاً عندما اتصل الرئيس بمبارك ثانية وأعلن مبارك أنّه غير مهتمّ بهذا السجين أو بأي مبادلة أخرى.
خاب رجاء بيبي، لكنّه شعر أنّ الرئيس وعرفات فعلا ما بوسعهما، بل إنّ بيبي أخذ عرفات جانباً وشكره على مسعاه مع مبارك. وعند هذه النقطة كان الشيء الوحيد الذي يمكننا عمله هو إنهاء النصّ.
كان مارتن يعمل مع جون وصائب ودانييل ريزنر لمراجعة كل شيء بخصوص النصّ والجدول الزمنيّ لتنفيذ المسؤوليّات التي يوضحها النصّ. استغرق ذلك نحو ساعتين، حتى الخامسة والنصف صباحاً، عندما جاء مارتن حاملاً الأنباء بأنّه لم يبق سوى بضع نقاط عالقة بشأن النصّ والجدول الزمنيّ. أوضح مارتن أنّ ما يثير المشاكل أنّ الإسرائيليّين يريدون أن تكون المراحل الثلاث لمصادرة الأسلحة واعتقال الثلاثين مذكورة بوضوح في الجدول الزمنيّ. وعلى عكس ذلك، لم يكن الفلسطينيون يريدون ذكر مراحل جمع الأسلحة أو قضيّة الثلاثين صراحة في الجدول الزمني. أحضرنا بيبي وعرفات وجماعتيهما الرئيسيّتين معاً في الغرفة الجانبيّة للرئيس.
* روس: كيف كهربت مناقشة موضوع غازي الجبالي الأجواء وأخرجت كلينتون وعرفات عن طوريهما
* خرجت لطباعة اللغة الخاصّة بالممر الآمن والميناء البحريّ. وعندما عدت، كان النقاش يتركّز ثانية على قضيّة المسجونين. كان عرفات يشدّد على أهميّة المسجونين بالنسبة للرأي العام الفلسطينيّ، والرئيس يسأل عما يلزم لهذه القضيّة. قال عرفات إنّه بحاجة إلى 1000. وردّ بيبي بقوله إنّه مستعدّ للوصول إلى 500 على ثلاث مراحل من فترة التنفيذ التي تمتدّ اثني عشر أسبوعاً.
عند هذه النقطة طلب بيبي لقاء الرئيس وعرفات على انفراد. اجتمع الثلاثة لمدّة عشر دقائق وكان جمال يقوم بالترجمة. ثمّ فجأة نهض عرفات وعاد إلى الطاولة غاضباً. وعندما نهضت لأستطلع ما حدث، برز الرئيس وهو يصيح «هذا غير معقول، هذا خسيس، إنّه شيء تافه، لست مستعدّاً لتحمّل هذا النوع من البذاءة». ونهض وخرج غاضباً تاركاً بيبي جالساً وحده.
أصيب جميع من في الغرفة بالذهول. اقترب جمال منّا وأبلغنا أنا وساندي ومادلين أنّ بيبي قال إنّه لا يمكنه إطلاق سراح 500 أسير إلا إذا حرص عرفات على «الاهتمام» بغازي الجبالي ـ قائد الشرطة في غزة الذي يتهمّه الإسرائيليّون بإصدار الأوامر بمهاجمة المستوطنين الإسرائيليّين في وقت ما ـ واعتُقل رجال الشرطة الثلاثة عشر الواردة أسماؤهم في قائمة الثلاثين في الأسبوعين الأوّلين من الجدول الزمنيّ. وردّ عرفات بالقول، ما الذي يفترض أن أفعله مع الجبالي، هل أعدمه؟ ووفقاً لجمال، ردّ بيبي بطيش قائلاً، لن أسأل ولن تعرف». عندئذٍ قال عرفات ليس هناك ما نناقشه ونهض وذهب إلى الطاولة. ثمّ انفجر الرئيس بعد ذلك.عاد الرئيس إلى الغرفة الخلفيّة، وغادر ساندي ومادلين للانضمام إليه. طلب مني مولخو التحدّث إلى بيبي. كان يجلس بمفرده والذهول بادٍ عليه وهو يشعر بأنّه الضحيّة، وسألني «لماذا تعامل إسرائيل بهذه الطريقة، ولماذا أعامل على هذا النحو؟ ما الذي فعلته لأستحقّ كل هذا؟» (صدمت لأنّه يعتبر أنّه وإسرائيل واحد وأنّه الضحيّة البريء لسوء المعاملة).
رددت بالقول «ما الذي تنتظره؟» التزمت بشيء بشأن غازي الجبالي كجزء من الاتفاق على الثلاثين (استثناؤه من الاعتقال) ثم اخترت أن تضيف شروطاً لاحقاً ـ بعد أن حصلت على التزامات منهم. لم تقل قطّ، طوال مدّة وجودنا هنا، أنّ رجال الشرطة الثلاثة عشر يجب أن يعتقلوا في الأسبوعين الأوّلين. بل على العكس من ذلك، أصررت على أنّ يتمّ ذلك في ثلاث دفعات، يتطابق كل منها مع كل مرحلة في الجدول الزمنيّ. لذا عندما تردّ أخيراً على شيء تعرف أنّه مهمّ جدّاً بالنسبة إليهم، تضع شروطاً على التزامك بعد أن قطعته».
كان بيبي يشعر أنّه في موقف الدفاع فسألني «ما الذي يجب أن نفعله»؟ قلت له إنّني سأقابل الرئيس، لكنّني أشعر «أنّ اجتماعاً مغلقاً بينك وبين الرئيس هو وحده الذي يمكن أن يصلح الأمور».
عندما قابلت كلينتون، كان حانقاً، يذرع الغرفة جيئة وذهابا قائلا «إنّ ابن(.... كلمة بذيئة والإضافة من الشرق الأوسط ) لا يريد الاتفاق. إنّه يحاول أن يذلّ عرفات ويذلّني في هذه العمليّة. ما الذي ينتظر أن يفعله عرفات في هذا الموقف؟». توقّف هنيهة ونظر إليّ، فأطلعته على محادثتي مع بيبي. في البداية لم يستطع الرئيس التصديق ـ كيف يمكن أن يشعر بيبي بأنّه الضحيّة. وعندما بدأت الحديث قائلاً «إنّه الآن في موقف دفاعيّ»، أمسك ساندي بذراعيّ وهمس لي «لا تهدّئ من غضبه، دعه يرى بيبي وهو يشعر الشعور نفسه». وفيما كان الرئيس ينظر إليّ منتظراً أن أكمل، دخلت نائبة رئيس أركان البيت البيض، ماريا إتشافست، وأبلغت الرئيس أنّ «رئيس الوزراء يريد رؤيتك على انفراد».
كاد ساندي أن يدفعنا خارج الغرفة، وأخبرني ثانية أنّه لا يريد أن يتبدّد غضب الرئيس.
اجتمعا بمفردهما خلف أبواب مغلقة لمدّة خمس وأربعين دقيقة، وقد سمعنا صوت الرئيس المرتفع في القسم المبكر من الاجتماع. وفيما كنّا ننتظر، تمشّيت في الغرفة الخارجيّة ورأيت عدداً كبيراً من الوفد الفلسطينيّ جالساً حول عرفات. وانضمّ إليهم دحلان ومحمّد رشيد. أومأت إلى أبي ردينة لينضمّ إليّ، وأبلغته أنّني آمل أن يعرف ما الذي يعنيه أن يتصرّف على ذلك النحو. وقال إنّهم يتحدّثون عن ذلك بالضبط وكيف أنّهم ذهلوا لاستعداد الرئيس لأن يثور على بيبي أمام الجميع في الغرفة. وفيما لم أكن أعرف ما الذي سينتج عن اجتماع الرئيس مع بيبي، أردت أن يدرك الفلسطينيّون أنّهم يدينون إلى الرئيس بشيء.
قبل أن يدخل بيبي ليرى الرئيس، اقترحت مادلين على الرئيس أن يضغط للإفراج عن 750 أسيراً، نقطة الوسط بين 500 بيبي و1000 عرفات. وعندما خرج الرئيس من الاجتماع المغلق، قال إنّ بيبي وافق على 750، وإنّه سيوافق على الإفراج عمن لم تتلطّخ أيديهم بدماء الإسرائيليّين، ما يعني الإفراج عن 340 من الأسرى الأمنيّين والبقيّة ستكون من المجرمين العاديّين، وإنّه لن يصرّ على إدراج غازي الجبالي بين المطلوب اعتقالهم. قال الرئيس هذه هي الأخبار السارّة: أما الأخبار السيّئة فهي أنّه يحتاج إلى تنفيذ «عطاءات» هارحوما (جبل أبو غنيم) ويحتاج إلى إطلاق المصريّين عزّام عزّام(?). شاهد الرئيس تعابير وجهي بشأن هارحوما فأضاف بسرعة، «لم أوافق على ذلك، ولا يزال يمكننا بحث الأمر معه. كما أنّني لم أعد بأن أقنع مبارك بإطلاقه، لكنّني قلت إنّني سأتصل بمبارك محاولاً تحقيق ذلك».بعد ذلك قال الرئيس «أعتقد أنّ عليّ رؤية عرفات الآن لأبلغه بما حصلت عليه من بيبي». طلبنا من عرفات أن يدخل، وأطلعه الرئيس على ما أطلعنا عليه بالضبط. وبحث قضيّة المساجين، بما في ذلك إجماليّ الـ 750 وفئات الأسرى الأمنيّين الذين يمكن إدخالهم في ذلك الإجماليّ. وأبلغه عن الجبالي، وقد فاجأني عندما أبلغه عن عزّام عزّام وهارحوما أيضاً. وذهب عرفات لإطلاع فريقه على ما سمع. وجاء إليّ أبو علاء فيما بعد وقال «كيف يمكنه أن يصرّ على تنفيذ هارحوما»؟ فأجبت «تحدّث إلى بيبي مباشرة بهذا الشأن». (? ) (تعني «عطاءات» هارحوما أنّ الإنشاء الفعليّ لوحدات سكنيّة سيبدأ في الموقع الآن بعد أن تمّ إخلاء الأرض وتسويتها. وقد اعتقل المصريّون عزّام عزّام للتجسّس لصالح إسرائيل. ) من المثير للاهتمام أنّ هاجسي الأول كان محاولة إقناع بيبي بالعدول عنها. فالإعلان عن اعتزام إنشاء هذا الحيّ في القدس الشرقيّة، بحيث تُعزل بيت لحم فعليّاً عن الضواحي العربيّة للقدس، أسفر عن حالة جمود استمرّت أكثر من ثمانية عشر شهراً. وكنّا نحاول كسر الجمود، وكان بوسعي أن أقول لا لبيبي بشأن هارحوما من دون أن أذكر ذلك للفلسطينيّين في هذه المرحلة. لكنّني عندما فكّرت في ما فعله الرئيس على الأقل فيما يتعلّق بإبلاغ عرفات عن هارحوما، خطر لي أنّ أحاسيسه صحيحة وأحاسيسي خاطئة. فقد فهم الرئيس وهو محقّ في ذلك أهميّة تكييف عرفات بشكل فعّال مع ما يتوقّعه. وبهذه الطريقة لن تحدث مفاجأة في وقت لاحق. كما أنّه كان يمنح عرفات فرصة لكي يوضح ما يمكنه القبول به وما لا يمكنه. فلو انفجر عرفات بشأن هارحوما وقال إنّها ستجعل الاتفاق مستحيلاً، كان بإمكاننا نقل ذلك إلى بيبي. وربما كان بوسع بيبي أن يعرض بعض المُحلّيات على عرفات ليجعلها مستساغة بالنسبة إليه، أو بدلاً من ذلك، ربما حدّد شيئاً آخر يهمّ أهدافه المحليّة وسعى إلى الحصول على إذعان عرفات.
وكانت إحساس الرئيس بإبلاغ عرفات مفيدا أكثر، لا أقل، في بناء ثقة عرفات بالرئيس. فقد صار يشعر أنّه لا يوجد شيء مخبّأ عنه. مرّة ثانية كانت تلك الأخبار السارّة، أما السيئ في هذا الموقف فهو أنّه عندما يكون عرفات بمفرده لم يكن دائماً ينتبه كثيراً للتفاصيل. وأصبحت تلك مشكلة لاحقاً فيما يتعلّق بقضيّة المساجين. كانت هارحوما شيئاً، لكنّ التفاصيل بشأن المساجين أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً.
* كيف خرجنا من ورطة اعتقال قائمة الثلاثين فلسطينيا
* كان لا يزال علينا حلّ مشكلة اللغة الخاصّة بلجنة إعادة الانتشار الثالثة. لكنّ بيبي أراد قبل التعامل معها الجلوس مع الرئيس ليعرف كيف سار البحث مع عرفات. طلب مني الرئيس أن أنضمّ إليه، والتقينا أنا وهو مع بيبي. أبلغه الرئيس أنّ عرفات يبدو متقبّلاً للترتيب الخاصّ بالمساجين. كما أبلغ بيبي أنّ عرفات قال إنّه سيرى ما بوسعه عمله مع مبارك للمساعدة بشأن عزّام عزّام. فوجئ بيبي كثيراً بذلك وقال إنّه سيبلغ رئيس السلطة الوطنيّة تقديره لأي شيء قد يكون قادراً على عمله.
تحاشى الرئيس قضيّة هارحوما، متجنّباً التعليق على عرفات وسؤاله عن رأيي بشأن العطاءات (كانت تلك حركة ذكيّة من جانبه، كان بوسعه البقاء بعيداً عن الشجار ومع ذلك يدع لي أمر التحاور ضدّها مع بيبي، وكان يعرف من دون شكّ أنّني سأفعل). التفتّ إلى بيبي قائلاً «هذا ما أعاقنا في المقام الأول يا حضرة رئيس الوزراء، وأخشى أنّك تقلّل ثانية من تأثير اتخاذ هذه الخطوة».
أجاب بيبي بالقول إنّه لن يبدأ، فهو لن يستعجل التنفيذ، لكن عليه القيام بذلك: «ليس أمامي خيار من الناحية السياسيّة». أطرق الرئيس رأسه ونظر إلي منتظراً ردّي على ما يبدو. كرّرت أنّني أعتقد أنّ ذلك خطأ كبير، لكنّني سألت إذا كان بوسعه الانتظار حتى أيار/مايو (اعتقدت أنّ ذلك سيمنحنا ثمانية أشهر من مفاوضات الوضع الدائم، فإما أن نكون قد حقّقنا تقدّماً يجعل ذلك ممكناً، وإما يكون على بيبي أن يقرّر ما إذا كان سيقدم على مثل هذه الخطوة ويطلق إعلان الفلسطينيّين عن الدولة ردّاً على ذلك. كان الإعلان من جانب واحد عن الدولة شأناً خطيراً. فأين ستكون الحدود؟ وهل ستعترف دول أخرى بالدولة الفلسطينيّة في حدودها المزعومة؟ وهل ستشعر إسرائيل بأنّ عليها الردّ بضمّ أراضٍ معيّنة لها تقدّرها تقديراً كبيراً؟ كنّا نعارض مثل هذه الخطوات الأحاديّة الجانب مشدّدين على أنّ الدولة لا يمكن أن تظهر إلا من خلال المفاوضات).
قال بيبي إنّه سيؤخّر قدر ما يستطيع لكنّه يتوقّع «أن يجبرني أولمرت على ذلك». ( كان يشير إلى إيهود أولمرت، رئيس بلديّة القدس الليكوديّ ) وهو سيبذل «قصارى جهده للقيام بذلك بعد إعادة الانتشار الأولى»، لكنّ ذلك هو حدود ما يستطيع. استمع الرئيس مرسلاً فعليّاً رسالة بأنّه يتفهّم احتياجات بيبي السياسيّة وأنّه لن يتقاتل معه على هارحوما إذا تمّت بهذه الطريقة.
مضت الأمور بشكل سيئ في البداية. كان بيبي يضغط بشأن اعتقال الثلاثين، مصرّاً على توقيفهم على أساس ثلث إثر ثلث وفقاً للجدول الزمنيّ أسبوعين وستّة أسابيع واثني عشر أسبوعاً.
ردّ دحلان بقوله إنّه قد لا يعتقلهم جميعاً. ردّ بيبي «هل لا يزال ذلك مسألة مفتوحة؟»، تنبّه الرئيس فجأة والتفت إليّ وقال «دنيس، إنّه (دحلان) يفتح القضيّة وسوف ينهار كل شيء». وفيما كان النقاش جاريا، كان الرئيس يواصل النظر إليّ للتدخّل، وكنت أرفع يدي نحوه مشيراً إلى أنّ الأوان لم يحن بعد. غير أنّني تدخّلت هنا قائلاً بشكل حاسم: «لا، محمّد يعرف أنّ رئيس السلطة الوطنيّة التزم بالثلاثين وسوف يعمل على ذلك». فردّ دحلان، «حسناً لكن عليّ أن أعرف ما هي اللائحة التي يفترض بي أن أعمل عليها، والإسرائيليّون يغيّرون اللوائح باستمرار». ثم أخرج اللائحة التي أعطيته إياها وقال إنّه سيعمل على هذه اللائحة إذا وقّعت عليها. قلت إنّي سأفعل وأبلغت بيبي أنها اللائحة التي أعطيتها من قبل جماعته، ووقّعت اللائحة فيما الجميع يراقبون ومن دون اعتراض من جانب الإسرائيليّين(?). (بعد كل الإصرار الإسرائيليّ على عدد الثلاثين، وبعد أن تقدّمت بعدّة طلبات لإعطائي الأسماء مع أعمال الإرهاب التي ارتكبها كل منهم، كانت اللائحة التي قدّمها الإسرائيليّون في النهاية تضمّ ثمانية وعشرين اسماً فقط، لا ثلاثين). بقيت قضيتا مصادرة الأسلحة و«الثلاثين»، وإذا ما كانتا ستظهران صراحة في النصّ، و/أو الجدول الزمنيّ من دون حلّ. لم يكن جوهر الجدال يدور حول موضوع ما إذا كان الفلسطينيون سيتخذون هذه الخطوات أم لا، بل على ما إذا كان سيعلن عنها بطريقة ما. وكما هي الحال طوال أعمال واي، لم يكن الفلسطينيّون يريدون كشف هذه الخطوات وكان الإسرائيليّون يريدون كشفها على أوسع نطاق، أي ذكرها صراحة في النصّ وفي الجدول الزمنيّ.
لذا وقفت الآن وقلت «هناك ثلاث قضايا فعليّة». والتفت إلى بيبي وقلت «أنت تريد ذكر مصادرة الأسلحة في النص وفي الجدول الزمنيّ، وتريد الإشارة إلى اعتقال الثلاثين وتوقيت الاعتقالات في النصّ، وتريد أيضاً تقسيم الاعتقالات ثلثاً ثلثاً بحيث تنعكس في الجدول الزمنيّ في الأسبوع الثاني والسادس والثاني عشر. ورئيس السلطة يريد العكس. إنّني أقترح تسوية شرق أوسطيّة نقسم فيها هذه المسائل الثلاث وأعطي كلاًّ منكما واحداً ونصف».
وفيما كان الجميع ينظرون إليّ نظرة متسائلة، مضيت لأقول: «السيّد رئيس الوزراء، يمكنك أن تحصل على مصادرة الأسلحة في النصّ والجدول الزمنيّ، وهذا واحد لك، والسيّد رئيس السلطة، تحصل على إبقاء اعتقال الثلاثين وتوقيت الاعتقالات ثلثاً ثلثاً خارج النصّ والجدول الزمنيّ (في ضمانة جانبيّة لخطّة العمل) بحيث لا تكون علنيّة، وذلك واحد لك. وسنقول في النصّ إنّ اعتقال كافّة المشبوهين سيتمّ في فترة الاثني عشر أسبوعاً، فيحصل كل منكما على نصف: تحصل حضرة رئيس الوزراء على إشارة إلى الإطار الزمنيّ للاعتقالات في النصّ، وتحصل سيّد رئيس السلطة على إشارة غير مباشرة إلى الثلاثين مرتبطة بفترة التنفيذ بأكملها. إنّها صفقة عادلة. هل اتفقنا»؟
كانت هذه الفكرة وليدة الساعة، لكن عرفات وقف وحيّاني قائلاً «موافق». وقال بيبي «حسناً». لم أكن أعرف ما إذا كان الجميع فهموا ما الذي فعلته، لكنّه بدا عادلاً وتمّ الاتفاق. وبدأ الجميع يتصافحون ويتقدّمون إليّ ليهنّئونني. كان دحلان مسروراً، لكنّه، فيما يبدو نذيراً لما سيحدث لاحقاً، قدّم تنبيهاً: «سأقوم بهذه الاعتقالات شريطة أن يكون السجناء الفلسطينيّون حقيقيّين. احرص على أن يكون السجناء السبعمائة والخمسون سياسيّين، لا تدعهم يكونون مجرمين. فهذا ما يمكّن من القيام بكل هذه الاعتقالات».
كان الجميع مسرورين، ولم يكن أحد، وأقلّهم أنا، يريد مزيداً من التفاوض. لكنّني كنت أعرف أنّ دحلان أثار نقطة لا يمكنني أن أدعها تمرّ من دون الردّ عليها. لذا قلت له «سنبذل قصارى ما نستطيع في موضوع السجناء، لكنّهم لن يكونوا جميعاً من الأسرى الأمنيّين أو السياسيّين». فقال ثانية لا يمكن أن يكونوا مجرمين، وكرّرت أنّنا سنفعل ما بوسعنا لكنّنا لن نخرج 750 من دون مجرمين. لم يطل النقاش لأنّ عرفات كان يستعدّ للمغادرة بعد مصافحة الرئيس وبيبي.