عمر العيساوي:
وُلد لبنان كما يعرفه العالم اليوم إثر تقاسم الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية، وقام الحلفاء عام 1920م بوضع لبنان تحت الوصاية الفرنسية، وتوسعة رقعته الجغرافية باقتطاع أجزاء من سوريا.
جمع لبنان عدة طوائف في بوتقة واحدة منها المسيحيون الموارنة والأرثوذكس والأرمن، والمسلمون السُّنة والشيعة والدروز، والعديد من الطوائف الأخرى.
أُجبرت باريس عام 1943م على منح لبنان استقلاله نتيجة نزعة اللبنانيين الاستقلالية تدعمها حكومة ونستون تشرشل في لندن.
باسم الجسر (كاتب وصحفي لبناني):
كاترو وديجول عملوا تصريح إنه حتماً بس تنتهي الحرب، نحن نتنازل عن الانتداب يعني وبتاخدوا استقلالكم، يظهر إنه رياض الصلح والشيخ بشارة شافوا فرصة مناسبة لوليه، فأقدموا على تعديل الدستور اللي ألغى الانتداب من الدستور، هنا لسوء الحظ يعني سلطات الانتداب أساءت التصرف طبعاً مش كانت.. يعني سوء التصرف أفاد اللبنانيين، فاعتقلوا الشيخ بشارة ورياض الصلح، والحكومة سجنوهم برشايا، وهنا، وهايدي يعني أنا برأيي الانتفاضة الشعبية اللبنانية اللي اجتمعوا فيها المسلمين والمسيحيين.
يعني النجاد والكتائب اتوحدوا، والنساء المسلمات والمسيحيات صاروا يعملوا تظاهرات، يعني بالفعل أنا ممكن عمري 12 سنة يطلع أظن.. ما رأيت بالبلاد 15 يوم جو وطني على أعلى ما يمكن، فهايدا طبعاً جَسَّم برأيي أنا يعني صحة.. صحة التقاء المسلمين والمسيحيين، طبعاً برموزهم يومتها بالحكومة، لأن بشارة الخوري ورياض الصلح بالحكومة اللي معه يعني.
عمر العيساوي:
اتفق رئيس الجمهورية المنتخب بشارة الخوري مع رئيس حكومته رياض الصلح على صيغة تراعي الحساسيات الطائفية في البلاد، وعلى أن تكون رئاسة الجمهورية للمسيحيين الموارنة، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة، ورئاسة الوزراء للمسلمين السُّنة، وطالت التعيينات الموزعة طائفياً معظم الوظائف الحكومة الرئيسية في البلاد.
عُرف اتفاق الخوري والصلح بالميثاق الوطني، وكان اتفاقاً لم يُدون على ورق، وهكذا تأسس لبنان كما نعرفه اليوم بصيغة تسوية طائفية شفهية مؤقتة، فتقرر بموجبها أن يكون لبنان بلداً عربي الوجه ومستقلاً في سياساته الخارجية، أما الترجمة العملية لهذه الصيغة فتمثلت بتخلي المسلمين عن مطلبهم الدائم بالوحدة مع سوريا مقابل تخلي المسيحيين عن رغبتهم في الحماية الأجنبية.
منح الصلح (باحث ومؤرخ لبناني):
كيف يمكن أن يتلخص روح في نص؟ روح هو نوع من تعاقد ضميري على ألا يترك الواحد الآخر، أهم ما في الميثاق أنه حرص على أن يكون روحاً، ولم يضع بالتفصيلات، اكتفى بخطوط عامة هي أن يكون لبنان بلد مستقل بحدوده الحالية ومتفق مع البلاد العربية، ومتجه لما فيه خيره وخيرهم.
عمر العيساوي:
اعتبر كثيرون الميثاق الوطني ركن الزاوية الذي يستمد منه لبنان قدرته على البقاء، ولكن من الضروري تدعيمه وإلا فستواجه البلاد مشاكل مستقبلية.
فؤاد بطرس (سياسي لبناني):
الميثاق الوطني ما أنه كافي بحد ذاته حتى يؤمن الغاية المتوخاة من وراء إنشاء دولة، والحقيقة أهداف مختلفة، وهكذا وهكذا، ولكن بأعتقد أنا إنه بالمرحلة اللي حصلت فيها العملية كان أكثر شيء ممكن الوصول إليه هو الميثاق الوطني، وبأعتقد إنه السياسيين اللي تصوروا الوفاق الوطني كانوا عندهم رؤية وكان عندهم بُعد نظر، واتوفقوا بهاي الصيغة، لأنه ما بأعتقد إنه كيف غيرها ممكن تُضمن في ذلك الوقت التماسك والوحدة نحو أهداف، ولكن بشرط بيبقى عقد بيناتنا إن الميثاق الوطني هو نقطة الانطلاق ومحطة، بحد ذاته ما ممكن يكون المبتغى.
منح الصلح:
لقد وُلد الميثاق في حضن الديمقراطية، هو والديمقراطية هما الحصانان اللذان يجران عربة التقدم في لبنان، إذا كان لبنان رغم كل ما هو فيه من مشاكل يُعتبر قطعة متألقة من البلاد العربية فهذا التألق ناتج عن أن للبنان حصانين: واحد اسمه الديمقراطية، والثاني اسمه الميثاق الوطني. وجدلية دائمة بين هذين الأمرين.
عمر العيساوي:
عام 1952م أطاحت ثورة وُصفت بالبيضاء بالرئيس الخوري عندما بلغت موجة الاحتجاجات ضده أوجها بعدما كثرت الاتهامات له بالفساد ومحاباة الأقرباء، فخلفه كميل شمعون في رئاسة البلاد.
وفي هذا العام أيضاً أطل ضابط شاب على العالم العربي، فأصبح خلال العقدين المقبلين، بل وأكثر من ذلك بقليل القائد الرمز لملايين العرب.
لم يكن لبنان بمعزل عن هذه الأحداث، فكان بسقف حرياته المرتفع إقليمياً، والتي أملتها عليه صيغته التوافقية أرضاً خصبة للتأثيرات الإقليمية والدولية، وكان العالم في هذه السنوات يشهد احتدام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وانقسم العالم العربي إزاءها، فبرز تياران في المنطقة: أحدهما ثوري رفع شعار الوحدة العربية، والآخر ألقى بثقله مع الغرب معتبراً إياه الطرف القوي الذي يستطيع حماية الأنظمة التقليدية من نار الثورة وخطر المد الشيوعي.
وفي محاولة لاحتواء الشيوعية راعت واشنطن في ربيع عام 1954م معاهدة صداقة وتعاون بين تركيا وباكستان شكلت الحجر الأساس لما عُرف لاحقاً بحلف بغداد بعدما انضم العراق إليه.
جاء أول رد فعل عربي على قيام حلف بغداد من مصر، التي أعلنت معارضتها لأي تحالف خارج إطار جامعة الدول العربية، بينما كان الرئيس اللبناني شمعون يميل ضمناً إلى المعسكر الغربي، وقام عام 55 بزيارة أنقرة، وأعلن البيان الختامي لزيارته أن سياسة لبنان وتركيا متطابقة على الصعيد الخارجي، إلا أنه رفض دعوة وجهتها تركيا للبنان لدخول حلف بغداد، وكذلك فقد رفضت بيروت الانخراط في حلف الدفاع العربي الذي رعته مصر، وانضمت إليه المملكة العربية السعودية وسوريا كبديل لحلف بغداد.
اندلعت الحرب عام 1956م عندما أمَّم جمال عبد الناصر قناة السويس، فصفق له مؤيدوه كثيراً، وثارت ثائرة بريطانيا وفرنسا وما لبثتا أن أعلنتا الحرب عليه تشاركهما إسرائيل، حاول الرئيس شمعون لعب دور وفاقي، فدعا إلى اجتماع طارئ للدول العربية في بيروت عقب انسحاب القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية من الأراضي المصرية، إذ أجبر التهديد السوفيتي باستخدام الأسلحة الذرية ضد المعتدين والغضب الأمريكي أجبرا القوات الغازية على الانسحاب.
منح الصلح:
كميل شمعون طبعاً ككل شخص يعرف الوضع في لبنان ويعرف الوضع في الدول العربية، يعرف أن لبنان لا يمكن أن يبقى ساكتاً بينما الدول الأجنبية تعلن الحرب على مصر، وما أدراك ما مصر بالنسبة للإنسان العربي؟! مصر اللي هي قطب الرحى [الروح] في الأمة العربية، مصر هذه تتعرض لحرب لأنها أمَّمت قناة تملكها هي بالأصل.
عمر العيساوي:
ولكن ما فُسر بمهارة شمعون على التعامل مع الأزمة قُوبل بمعارضة المسلمين الذين لم يرق لهم رفضه قطع العلاقات مع لندن وباريس، خرج عبد الناصر من هذه الأزمة منتصراً، ووجدت بعض الدول العربية شعبيته المتزايدة تهديداً لأنظمة لا تشاطره المسلك الوحدوي الذي بدأ يدعو إليه ويلتزم به أكثر فأكثر، وتسارعت وتيرة الأحداث، فعام 1957م أبصر مبدأ أيزنهاور النور عندما قدم الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور مقترحات إلى الكونجرس كانت في الواقع سلسلة إجراءات تسمح لأميركا بالتدخل عسكرياً إلى جانب أي دولة تطلب منها ذلك لمواجهة النفوذ السوفيتي.
وبينما وقفت المعارضة في لبنان ضد مبدأ أيزنهاور صدر بلاغ لبناني أمريكي مشترك أعلن لبنان من خلاله قبول مشروع أيزنهاور، فقد اعتبر الرئيس شمعون الذي أخذت طروحات الرئيس المصري تثير قلقه أن هذا الميثاق أعطى ضمانات لاستقلال لبنان لا يمكن أن توفرها الأمم المتحدة، ولكن المعارضة اللبنانية للرئيس شمعون لم ترتكز على الوقوف في وجه سياسته الخارجية فقط، فقد كانت هناك مطالب داخلية منها زيادة عدد مقاعد مجلس النواب، لكن مجلس النواب كان موالياً للرئيس شمعون فأقر قانون الانتخاب الذي تقدمت به الحكومة.
فؤاد بطرس:
هايدي هي اللي (...) لو توقفت المسألة عند نظرية أيزنهاور، مبدأ أيزنهاور وكذا وزيارته لأنقرة كان ممكن الواحد يلاقي لها عدة مخارج، وإنما هو اقترنت ها التصرفات بانتخابات الـ 57 ومحاربة تيارات معلومة بتنتمي كلها.. كلها إلى التيار الناصري، وشخصيات معروفة بلبنان، هذا بطبيعة الحال أزَّم الأمور، لولا ها الشيء هذا بأعتقد كنا تحاشينا، وفرنا على حالنا أحداث سنة 1958م.
عمر العيساوي:
تنامت المعارضة للرئيس شمعون، وحصلت مظاهرات مناوئة للحكومة اتسمت في أحيان كثيرة بالعنف.
محمد المشنوق (إعلامي):
هذه المعارضة بدأت وقد شعرت أن الانتخابات أدت إلى إبعادها كلياً، ووسط الحديث عن حلف بغداد آنذاك وانخراط الرئيس شمعون في هذا الحلف وهو محور أميركي بريطاني في منطقة الشرق الأوسط آنذاك وجدت من الضرورة الانتقال من المعارضة البرلمانية، لأنها لن تصل إلى هذا البرلمان إلى المعارضة الشعبية، فبدأت حملة من التظاهرات، وحملة من الاحتجاجات توجت آنذاك بتظاهرة كبرى وصلت إلى منطقة الحرش في بيروت، أو ما يُسمى الآن بمستشفى البربير أمام مدارس المقاصد، وهناك جرى الصدام ما بين قوى الأمن وبين المتظاهرين، وأذكر أن أحد الضباط كان برتبة ملازم انهال على الرئيس صائب سلام بالضرب فأدماه.. أدمى رأسه.
عمر العيساوي:
أجريت الانتخابات النيابية في ذلك العام وسط أجواء مشحونة يشوبها الكثير من التوتر، وكانت نتيجتها حاسمة لصالح الرئيس شمعون، ورغم شعبيتهم الواسعة خسر معظم أقطاب المعارضة ومن بينهم كمال جنبلاط وعبد الله اليافي وصائب سلام وأحمد الأسعد مقاعدهم، فتعالت الأصوات التي اتهمت الحكومة بالغش والتزوير.
باسم الجسر:
سواء زوروا أو ما زوروا المهم إنه سقطت رموز المعارضة، وطبعاً تتهم الرئيس شمعون يومتها إنه عمل هذا المجلس لكي يجدد الرئاسة، فهنا نشأت المعركة مفتوحة صارت.
منح الصلح:
ها القوانين فُصِّلت بشكل يعني معين يخدم مصالح الدولة، ولكن ما كان هذا وحده كافياً لأن يسقط كل هؤلاء لولا أن هناك تدخلاً من قِبل الدولة حصل أثناء الانتخابات، فالانتخابات كانت غير موفقة في نتائجها، لأن هناك كثيرين من الأشخاص المحبوبين، وأصحاب الشعبية الواسعة بقوا خارج مجلس..
عمر العيساوي:
كمنت أهمية مجلس النواب الجديد في أنه كان سينتخب الرئيس العتيد إثر انتهاء ولاية شمعون في العام المقبل 1958، واتهمت المعارضة الرئيس بأنه يسعى إلى تعديل الدستور ليتمكن من الترشح لولاية رئاسية جديدة.
منح الصلح:
لم يقل أبداً أنه يريد أن يجدد، وكان حريصاً دائماً على أن تبقى هذه النية موجودة في نفسه، وليس على لسانه، ولذلك يعني من الصعب يعني إدانته به بكلمة خرجت منه، ولكن كل ما يمكن إدانته هو أنه أثناء الانتخابات ضغط باتجاه نجاح فريق وسقوط فريق آخر.
[فاصل إعلاني]
عمر العيساوي:
تسارعت وتيرة الأحداث إقليمياً، فاتهمت سوريا الحكومة اللبنانية بالتآمر عليها من خلال حلف بغداد، وحشدت تركيا قواتٍ على حدود سوريا، وأرسلت مصر قوة عسكرية لمساندة دمشق، وكانت النتيجة اتحاد مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة التي أُعلن عن قيامها في (شباط) فبراير من عام 1958، تباينت ردود الفعل اللبنانية إزاء الوحدة، فقد اتخذت المعارضة موقفاً مؤيداً لها بينما رأي فيها الرئيس شمعون ومؤيدوه خطراً قد يجرف لبنان معه في الإطار الوحدي، وأعلن البطريرك الماروني بطرس المعوشي الذي كان معارضاً لشمعون ويطلق عليه بعض مؤيدي الرئيس اسم محمد المعوشي أعلن أنه تلقى رسالة من الرئيس عبد الناصر يؤكد له فيها أن استقلال لبنان لن يُمس.
وصلت العلاقات بين الحكومة والمعارضة إلى طريق مسدود، وكانت صحف المعارضة المنبر الذي استخدمه خصوم شمعون لمهاجمته، وكان من أبرز الصحفيين المعارضين نسيب المتني وهو مسيحي ماروني كان يرأس تحرير صحيفة "التلغراف".
انفجر غصب المعارضة صباح الثامن من (أيار) مايو عندما أطلق مجهول النار على المتني فأرداه، وكان آخر مقال كتبه يتضمن دعوة صريحة لشمعون للاستقالة، وأياً كانت الجهة التي دبرت عملية الاغتيال فقد نجحت في تفجير وضع كان ملتهباً لتدخل البلاد حالة حرب استمرت عدة أشهر.
باسم الجسر:
عملوا بعد مقتل نسيب المتني اجتمعوا في بيت صائب سلام -بأتذكر- كمال جنبلاط، وصبري حمادي يعني والجبهة، وأخذوا قرار بالعصيان، ما أخذوا قرار بإعلان الثورة، لأ، وأنا بأتذكر طلع وقال إنه كل واحد يروح على منطقته وبيتمترس هناك يعني، يعني عصيان بليتو مدني.
هلا، كمان نرجع (...) بعد مِنَّا بيومين كنت أنا ببيت صائب، يعني نروح كل يوم طبعاً ونيجي المركز، لأنه ما عاد فيها ننزل لتحت على الجبهة، جبهة.. الاتحاد كانت آخذه بوز القصر الجمهوري، ما عاد فيها ننزل لتحت، فهنا تطلع مذكرة توقيف وشيء أيه.. بوليس كمثال ينفذ مذكرة التوقيف بصائب سلام، أو يبلغه أو شيء.
فطبعاً الزَّلم الواقفين حاملين بس خلاف أننا مش مستعدين، ما كان فيه سلاح بالمعنى المظبوط يعني، ما إنه عم.. كان فيه تهيئة لحركة تمرد وعصيان ومعارضة ومظاهرات يمكن كان هيك في التايشي يرمون، لأنه بأتذكر المسلحين حول بيت صائب سلام (فيه معه جيفت) فيه واحد كان عنده بارود من سنة الـ 14 يعني ماشي، حتى بطرابلس فيه محل بيبيع سلاح، شمعون بس ما بيقرب لكميل شمعون، كسروا المحل وأخدوا السلاح، ما كان بعد المعارضة مسلحة، بس يوم الترشيح شافوه جاي هذا قوسوا وقتلوه أو صابوه برأسه ما بأعرف.
يعني بأتذكر جايبين هيك كاتبين، فبدأت بحوادث إنه تظاهرة بطرابلس كسروا محل، وأخذوا البارود، فهنا يعني انتقلت من.. وبدأت تحفر، يحفروا حفر قدام بيت صائب، خنادق، ويحطوا يعني أكياس رمل، يعني حتى نمنع هذا، فهيك بدأت صارت تتصاعد.
عمر العيساوي:
وقف الجيش اللبناني ضد المحاولات للإطاحة بالرئيس شمعون، ولكنه امتنع أيضاً عن إلحاق الهزيمة بالمعارضة، كان قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب يخشى من انقسام هذا الجيش إذا تدخل في المعركة لصالح طرف ضد آخر، إلا أنه كان يضرب بيد من حديد أياً من الأطراف التي حاولت تخطي الحدود التي رسمها الجيش.
باسم الجسر:
طبعاً هنا موقف الجيش هو اللي أثر كثير يعني، فؤاد الشايب يعني، إنه أنا بأمنعكم تهاجموا المرافق العامة والقصر الجمهوري والسرايا، وتستولوا على الحكم بالقوة حتى لو فيهن، ولكن بأمنع هؤلاء كمان يفوتوا، لأنه طلب أمين شمعون من فؤاد الشايب يفوت يفتح المتاريس وكذا، قال له: أنا مبعوث على.. ما بأخلي الجيش، الجيش فيه إسلام وفيه مسيحية ما بيخليني أقوسوا يعني بدأت يجب يصير مثلما صار سن الـ 75 يعني، فموقف الجيش احتل مثلاً المحاور الأساسية، يعني حتى يخلوا صائب بك، مصباح بك إنه ينرفز أحياناً اللي اتقال في.. ما هو يا جنرال بدنا نمرر البازوكا..
من هون إلى هون، خليه ضدهم أصلاً، يعني كان فيه حياد من الجيش ممنوع، بيجربوا يهجموا مرة على القصر الجمهوري منعوا، جرب جنبلاط ينزل على المطار كمان تقوسوا به، يعني الجيش أخد ها الموقف اللي خلى الثورة تصير عنيفة، ولكن عنف محدود يعني، ممنوع الهجوم على المرافق العامة، الـPort ، المطار، السرايا، وممنوع الجيش يفوت على الأحياء الإسلامية يضرب الهذا.
عمر العيساوي:
كانت إجابات الرئيس شمعون تتسم باللباقة عندما كان يُسأل عن إحجام الجيش عن التدخل في المعركة لمصلحته.
كميل شمعون (الرئيس اللبناني الأسبق):
الجنرال شهاب هو قائد جيد وحكيم، ولديَّ كامل الثقة في قيادته للجيش، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن جيشنا صغير ومنتشر في سائر أرجاء البلاد، ولذا فالأمر يتطلب قدراً من الحكمة يوازي الشجاعة وروح المبادرة.
وفي هذه الأثناء انقسمت البلاد بين مؤيد ومعارض، فكانت الكتائب اللبنانية التي أسسها بيير الجميل في الثلاثينيات تقف إلى جانب الحكومة، إلا أن بعض المحسوبين في صفوف المعارضة لم يكن يقبل بفكرة الحسم العسكري.
منح الصلح:
كنا يومًا في منزل رئيس الحكومة السابق والأسبق دولة الرئيس حسين العويني، بينما نحن جالسين مع الرئيس حسين العويني أتذكر أن هناك مسلحاً آتيا من المعركة -كما هو ظاهر- دخل على بيت الرئيس الحسيني قال: أبشرك.. أبشرك يا دولة الرئيس.
فقال له: تبشرني بماذا؟
قال له: أبشرك بأن المناضلين قد تجمعوا حول بيت الرئيس كميل شمعون، ودخلوا إليه، وهم في طريقهم لأن يعلنوا الانتصار الكامل على الرئيس كميل شمعون وإنهاء رئاسته، بينما بعض المعارضين ظهرت عليهم علامات الفرح إذا بي ألاحظ أن الرئيس حسين العويني الذي كان إلى جانبي يقول: النصر الكامل! أعوذ بالله من النصر الكامل، أعوذ بالله من النصر الكامل.
عمر العيساوي:
واتهم الرئيس شمعون نظيره المصري بالسعي لتدمير لبنان.
كميل شمعون:
إن بقاء لبنان كبلد حر في الشرق الأوسط يعيش فيه المسلمون والمسيحيون بسلام ووئام، كبلد قادر على تقرير اتجاهه المستقل وحريته بات على المحك.
عمر العيساوي:
واعتبر بعض السياسيين اللبنانيين المقربين من قائد الجيش أن الرئيس شمعون أساء التصرف إزاء عبد الناصر والمعارضة المحلية.
فؤاد بطرس:
الرئيس شمعون تصور عن حق أو عن خطأ بأنه سياسة عبد الناصر بتهدد لبنان وكيانه، وتصرف على أساس إنه لازم يواجه ها الخطر ويحد منه، ما أخد بالاعتبار بما فيه الكفاية تكوين لبنان، وتأثير عبد الناصر وسياسته بالرأي العام عند فئات كبيرة من المواطنين المسلمين بصورة خاصة، أكثريتهم من الطائفة الإسلامية.
عبد الناصر بذلك الوقت بدا وكأنه زعيمهم، والوعي إلى حد ما فيه شيء مش صحيح، زعيم تاريخي، ولا يمكن إلا الاستجابة لنداءاته ولسياسته.
باسم الجسر:
رحنا على مصر يومتها، المعارضة وجبهة الاتحاد، وأذكر جيداً قاعدين رشيد كرامة كان الله يرحمه يعني ما انضم لجبهة الاتحاد الوطني، وكان يعني عامل معارض بطرابلس بس ما انضم، هي قبل 58، بـ 57 أو 58 ها اللي بأشوفها، فحاول أحد الحاضرين، ما بأعرف مين يومتها هيك يلطش كلام، وقام الرئيس كرامة بَلَّش يشرح إنه نحن بلبنان.. نحنا عروبتنا وكذا، ولكن لنا أوضاع خاصة، بأتذكر يومها عبد الناصر قال له، عمل له على ركبته وقعد جنبه كده، قال له: رشيد بيك، ما فيه داعي تحكيم، يا إخوان الوحدة الوطنية عندكم بلبنان قبل الوحدة العربية -حرفياً- لأنه إذا اتخربت الوحدة الوطنية عندكم في لبنان بتضروا حالكم وبتضروا العروبة، فده عبد الناصر حرفياً يعني.
عمر العيساوي:
واصلت المعارضة انتقاد السياسات الخارجية للحكومة واتهام الرئيس بالسعي إلى فترة رئاسية جديدة.
صائب سلام (سياسي معارض):
إننا نعتبر أن الرئيس كميل شمعون ووزير خارجيته بشارة المالك يتبعان سياسة غير لبنانية منذ سنة أو سنتين، ونحن نطالب بعدم قيامه بالعبث بدستور البلاد كسبيل لتأمين إعادة انتخابه.
المذيع:
ما هو هدفكم السياسي؟
صائب سلام:
إننا نطالب بألا يعبث بالدستور، وألا يسعى إلى الترشيح مجدداً، ولذا أعلنا إضراباً عاماً سلمياً، ولكنه بادر إلى استخدام العنف، فقمع الشعب بقوة السلاح، ولديه رجال عصابات تحت تصرفه، وقوة شرطة حوَّلها إلى عصابة.
عمر العيساوي:
كان الرئيس شمعون محقاً عندما اتهم عبد الناصر بدعم خصومه، إلا أن التحالفات في لبنان لم تكن مقسمة على أساس طائفي واضح.
باسم الجسر:
فتيجي مساعدات من عبد الناصر ومن سوريا، ما كانت دولة واحدة، طبعاً كلها عن طريق سوريا يعني، هلا كانت المساعدات طبعاً برضا عبد الناصر، ما فيها نقول: إنه.. إن المعارضة ينكروا إنه سوريا عم تبعت سلاح يعني، شمعون قدَّم.. الرئيس شمعون قدم شكوى للأمم المتحدة إنه عم يجي سلاح من سوريا، ما فيه شك إنه صار يجي سلاح، يعني المعارضة لحتى تصمد خمسة أشهر مش.. طبعاً الرأي العام كان معها، يعني الإسلام 80% والأحياء الشعبية فيهم ناس كانوا لأ مع شمعون بس إليه، بينما بالأوساط المسيحية لأ.. كان فيه كثير، يعني زعماء مسيحيين ما ماشيين مع شمعون، على رأسهم البطرك.
محمد المشنوق:
كان فيه حوالي ستين أو سبعين مقاتل من المقاومة الوطنية، الأسلحة التي كانت بين أيديهم كانت عبارة عن أسلحة صيد ورشاشات من الحرب العالمية الثانية، وبعضها أذكر كان يُسمى "المعدلة 36" أي أنها تعود إلى البنادق التي كانت صُنعت عام 36، ولم تكن أوتوماتيكية في حينه، فكانت كل هذه الوسائل بدائية فعلا، في فترة لاحقة بدأ يرد سلاح أكثر من خلال الجبل، وكان يأتي عن طريق سوريا.
عمر العيساوي:
تقدم لبنان بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي اتهم فيها الجمهورية العربية المتحدة بالتدخل في الشؤون
الداخلية للبلاد وإثارة أعمال العنف، فزار الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشولد لبنان واجتمع مع شمعون، وأبلغه أن مشاكل لبنان يحلها اللبنانيون، وأرسلت المنظمة الدولية فريقاً من المراقبين للتثبت من حقائق الوضع، وأعلنت في تقريرها إلى مجلس الأمن أنها لم تجد أي دليل على تدخل ذو شأن يُذكر من قِبل الجمهورية العربية المتحدة، ولم يرض تقرير البعثة الرئيس شمعون.
غالو بلاسييه (رئيس بعثة المراقبين الدوليين إلى لبنان):
على القول إننا لم نجد أثراً لتدخل كبير من قِبل الجمهورية العربية المتحدة، لابدَّ من وجود تدخل، إننا نشم رائحته، ولكنني أجزم بأنه ليس كبيراً، لبنان بلد يعتمد وجوده على سلسلة من التوازنات، وإذا أَثَّر أي شيء على هذا التوازن فسيؤثر على توازن البلاد، بل وعلى وجودها ككل، وأضف إلى ما يحدث الآن مشكلة الرئاسة، أُلَخِّص كلامي بالقول: إن هذه أساساً هي مشكلة داخلية تعتريها بعض الملامح الدولية.
عمر العيساوي:
ومع دخول الأزمة شهرها الثاني، واستمرار المعركة كثر الحديث عن إمكانية حصول تدخل أمريكي في لبنان ألمح الرئيس شمعون إلى إمكانية طلبه في لقاء أُجري معه في أواخر (حزيران) يونيه.
كميل شمعون:
هناك بند في مبدأ أيزنهاور حول إمكانية تدخل الولايات المتحدة في مناطق تعتبرها حيوية بالنسبة لمصالحها.
المذيع:
وهل تعتقد أن المصالح الأمريكية حيوية هنا؟
كميل شمعون:
إنني أعتقد أن هذه ليست معركة لبنان وحده، إنها معركة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولذا فعلى العالم الحر بأسره أن يهتم بها.
عمر العيساوي:
بعد ذلك بثلاثة أسابيع أطاح انقلاب في العراق بالملك فيصل ونوري السعيد، وكان وقع هذا الحدث كالصاعقة على الشرق الأوسط والعالم، فأرسلت بريطانيا مظليين إلى العاصمة الأردنية عمَّان، بينما اجتمع شمعون مع سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وطلب منهم إبلاغ حكوماتهم بضرورة التدخل العسكري.
في واشنطن عقد البيت الأبيض اجتماعين طارئين ليعلن الرئيس دوايت أيزنهاور بعدهما قراره بإرسال المارينز إلى لبنان.
دوايت أيزنهاور (الرئيس الأميركي):
إنني أدرك تماماً أنه قد تنجم عواقب خطرة من جراء إنزال جنود أمريكيين في لبنان، ولذا فقد اتُّخذت هذه الخطوة بعد دراسة مستفيضة ومشاورات طويلة، لقد توصلت إلى قرار واضح ومسؤول بحتميَّة هذا التدخل للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة، كان من الضروري اتخاذه لدعم مبادئ العدل والقانون الدولي التي يعتمد عليها السلام واستقرار النظام الدولي، وسيسأل البعض عما إذا كان تواجد قوات أمريكية في لبنان هو تدخلاً في شؤونه الداخلية.
الجواب الواضح هو "لا".
أولاً وآخراً تدخلنا إثر طلب عاجل من حكومة لبنان، وهي حكومة انتُخبت بحرية وبملء إرادة الشعب قبل أكثر من عام بقليل، يحق لهذه الحكومة كما يحق لنا أن نتحد لاتخاذ إجراءات جماعية ترمي إلى حماية النفس، ويعتقد بعض مَنْ عاصر تلك الفترة أن طلب شمعون من واشنطن التدخل كان أمراً ثانوياً.
باسم الجسر:
وأنا من رأيي لو طلب أو ما طلب كان الأمريكيين جايين، لأنه كثير الثورة العراقية خربطت كل المعادلات للدفاع بالشرق الأوسط يعني، الدفاع كان ممتد من تركيا إلى باكستان يعني، فتروح العراق من نُصِّه يعني، فالأمريكان دخلوا يومتها، طبعاً هم كانوا متذرعين بطلب رسميًّا إنه فيه رئيس جمهورية، السلطات الشرعية طلبت مِنَّا.
عمر العيساوي:
نزل المارينز بهدوء على شواطئ لبنان، واعتبر الأمريكيون أن قائد الجيش اللبناني لعب دوراً أساسياً في إرساء جوٍ من الانضباط في لبنان أثناء انتشار قواتهم.
ديك دريغر (جندي في المارينز):
كنا هناك لأيام عديدة، وفي الواقع لم تكن هناك حوادث تُذكر، عُقدت العديد من الاجتماعات على مستوى القادة العسكريين مع قائد الجيش اللبناني الجنرال شهاب، وأعتقد أنه كان سبباً في عدم وجود قتال حقيقي.
عمر العيساوي:
نجح فؤاد شهاب في المحافظة على موقعه الوسطي بين فرقاء النزاع اللبناني، وكذلك في المحافظة على علاقاته الودية مع واشنطن وسمعته الطيبة في القاهرة، وكان الموفد الأمريكي إلى لبنان (روبرت ميرفي) يقوم بجولات مكوكية بين بيروت والقاهرة في محاولة لإيجاد خلف للرئيس شمعون الذي أخذت ولايته تدنو من نهايتها.
وفي الحادي والثلاثين من (تموز) يوليو انتخب مجلس النواب اللبناني اللواء فؤاد شهاب رئيساً للبلاد خلفاً لكميل شمعون. هدأت ثائرة البلاد تدريجياً مع انتخاب الرئيس الجديد، ورفع العهد الشهابي الجديد شعار "لا غالب ولا مغلوب"، ولكن سرعان ما نشبت في البلاد أحداث عُرفت بالثورة المضادة شنها حزب الكتائب والموالون لعهد شمعون أخذت الرئيس الجديد على حين غرة.
باسم الجسر:
بيقولوا: حصل غلطة إنه على أساس إنه خلصت الثورة بلا غالب ولا مغلوب، يبدو.. مش يبدو يعني حصل إنه تصريح لرشيد كرامة: الآن جاء وقت قطف ثمار الثورة. يمكن هفوة أو كلمة هذا ما بيقصدها، بس تمسكوا فيها إنه آه ثمار الثورة يعني فيه غالب وفيه مغلوب، فهنا حصلت الانتفاضة، يعني الكتائب يومتها والعموميين عملوا متاريس وسكروها، طبعاً فؤاد شهاب قرب يقتنص، وجرب يسكروا في إنه الشباك فتحه بالقوة مثلاً، بس بقية المحلات تركها مثلما ترك هيديك.
عمر العيساوي:
تم التوصل إلى حل يقضي بترأس كرامي حكومة رباعية متوازنة فانتهت الثورة المضادة، وكان الحدث الأبرز في عهد الرئيس شهاب لقاء جمعه في خيمة على الحدود اللبنانية السورية مع الرئيس عبد الناصر، تعهد خلاله شهاب بعدم السماح بانطلاق أي نشاط معادٍ للجمهورية العربية المتحدة من لبنان، بينما شدّد عبد الناصر على دعمه المطلق للوحدة الوطنية اللبنانية.
داخلياً تمت الدعوة إلى انتخاب مجلس نواب جديد يكون أكثر تعبيراً عن حجم القوى السياسية وأكثر تمثيلاً لها، وعاد زعماء المعارضة إلى مجلس النواب إثر انتخابات عام 1960م. فاجأ الرئيس شهاب الجميع فأعلن استقالته من منصبه قائلاً: إنه جاء إلى الحكم لإنقاذ لبنان من محنته ففعل، ولذا لم تعد هناك ضرورة لبقائه، فاتهمه خصومه بالقيام بمناورة سياسية بارعة.
فؤاد بطرس:
أرغب بالاستقالة وكتب استقالته الشهيرة، وقتها اللي شعر بردة الفعل، اللي كانت عفوية ومن جميع الأطراف، لا سيما من الأطراف المعارضة كانت. أدرك بأنه بعد لبنان بحاجة إليه.
منح الصلح:
هناك فئة تضررت من مجيء فؤاد شهاب، كان جرعة قويَّة من التجرد ومن التعالي عن السفاسف والفضيلة -إذا شئت- كان جرعة كبيرة أكبر من أن تُستساغ من قِبل الفئات اللبنانية العاملة بالحياة السياسية.
عمر العيساوي:
عاد الرئيس عن استقالته، وأرسى قواعد البلد الحديث الذي يعتمد عليه لبنان إلى يومنا هذا، فأنشأ العديد من المؤسسات كمصرف لبنان ومجلس الخدمة المدنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واهتم بإيصال الخدمات كالكهرباء والطبابة إلى مناطق نائية كانت مهملة، فكبرت مكانته وازدادت قوته السياسية إلى درجة قلما حظي بها رئيس لبناني، فتأسس بذلك ما وُصف لاحقاً بالنهج الشهابي.