عندما سجلت أسعار النفط رقما قياسيا جديدا الأسبوع الماضي كان ذلك امرا ملاحظا من الجميع إلا أن هناك حدثا آخر يمثل علامة بارزة مر دون أن ينتبه اليه كثيرون وهو الذكرى المائة لإكتشاف النفط في الشرق الأوسط.
والبريطانيان ويليام نوكس دارسي وجورج ريونولدز ليسا اسمان لأدوات منزلية في اميركا ولكن بفضل أموال دارسي وروح المجازفة والاصرار العجيب من رينولد كان أول تدفق لآبار النفط الكامن في جوف الأراضي الايرانية ، وهو الاكتشاف الذي غير وجه العالم. فخلال القرن التالي كان تدفق النفط الرخيص بغزارة هو الذي جلب الثروة والحرب وهو الذي غذى الإقتصاديات القوية وحدد مصائر أمم وصاغ الحياة اليومية لكل فرد تقريبا على سطح الكرة الأرضية.
وكانت البداية خلال حديث دار أثناء تناول وجبة غداء عندما اقتنع دارسي ـ الذي كون ثروته الأولى من استخراج الذهب في استراليا ـ أن هناك كنز أكبر مختفي تحت رمال بلاد ما بين النهرين. وقتها اتهمه الخبراء بالجنون. إلا أن دارسي وقع اتفاقا عام 1901 مع مظفر أحمد نظام الدين شاه حاكم فارس للحصول على الحق الحصري في التنقيب عن النفط.
ولحسن حظ دارسي فإن الرجل الذي وظفه ليدير عمليات التنقيب كان هو رينولدز الذي يتسم بقلة الكلام ورباطة الجأش.
ووفقا لما يذكره مؤرخ النفط دانيال يرجين فقد كان تصميم رينولدز والتزامه العنيد هو المحرك الذي أبقى على سير المشروع على الرغم من تضافر عوامل كثيرة ـ منها المرض وابتزاز رجال القبائل والاحباط بسبب المعدات الى ظروف الحرارة الحارقة والرياح التي لا ترحم وخيبة أمل لا نهائية ـ كلها عوامل تدفع باتجاه التراجع وانهاء المهمة.
وانقضت سبع سنوات لم يعثر خلالها رينولدز على النفط وأوشك دارسي على الإفلاس فيما كانت شركة " بورماه أويل كو " الاسكتلندية وهي الداعم المالي الرئيس للمشروع على وشك ان تذهب وتنقذ نفسها من الموقف العصيب. وفي 14 مايو 1908 ارسل مدير بورماه برقية الى رينولدز تحمل تعليمات بإنهاء العمل. وبعد الساعة الرابعة صباح يوم 26 مايو اي بعد حوالي اسبوعين من طلب وقف الحفر استيقظ رينولد على اضطراب كبير ورائحة كريهة حيث كان باطن الأرض يقذف بسخان النفط. وعرف العالم الخارجي الأخبار من خلال رسالة مشفرة بعث بهارجال رينولد تفيد ضمنا انه قد تم اكتشاف النفط هناك.
وكون دارسي وبورماه شركة انجليزية ـ ايرانية لإستغلال الموارد التي اكتشفوها. وأصبحت الشركة تعرف اليوم " بي بي البريطانية للنفط".
وقد غذت الطموحات الاستعمارية البريطانية واحتياجات البحرية الملكية البحث المبكر عن النفط الرخيص في الشرق الأوسط. وخلال فترة ما بين الحربين دخلت الولايات المتحدة الصورة ووجهت الدبلوماسية البريطانية تركيزها بشكل مثير للدهشة في محاولة لإضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح التزاحم على النفط الرخيص في منطقة الشرق الاوسط لعبة اميركية مدفوعة في المقام الأول بإزدهار الاقتصاد الاستهلاكي الأميركي.
وحملت الأهمية الاستراتيجية لتأمين امدادات وفيرة من النفط كلا من بريطانيا والولايات المتحدة على التدخل في العمق الجيوسياسي للمنطقة وإقامة تحالف دائم بينهما على أساس مفهوم " تدخل القوى العظمى في الشرق الأوسط".
ووضع النفط ايران والعراق والسعودية ومجموعة من دول الخليج على الخارطة وأصبحوا لاعبين مؤثرين على الصعيد العالمي لتوفر تلك الثروة الهائلة والقدرة على إدخال العالم الى مرحلة ركود اقتصادي ببساطة عن طريق اغلاق امدادات النفط.
وكان الحظر النفطي عام 1973 رسالة انذار. وبعد ان عاود النفط تدفقه استمر الأميركيون في استهلاك النفط بنهم يفوق باقي الدول الصناعية الاخرى. وحاول رؤساء اميركيون مثل جيمي كارتر وجورج دبليو بوش تشخيص اعتماد أميركا على النفط المستورد من الخارج بشكل صحيح على أنه إدمان غير انهم أخفقوا في حشد الارادة السياسية لكسر حدة هذا الإدمان. وتزايدت أحجام السيارات الاميركية فيما تناقصت كفاءتها في استهلاك الوقود وتزايد بعد الضواحي الأميركية عن بعضها البعض وأصبحت أكثر اعتمادا على السيارات. وتزايد ثراء الدول المنتجة للنفط وظهرت بها المدن الحديثة حيث الأبينة الضخمة المصنوعة من الصلب والزجاج والفنادق الفاخرة ومراكز التسوق الكبرى.
وكانت الثورة الايرانية عام 1979 التي فاجأت الحكومة الأميركية على الرغم من أن جذورها تعود الى الخمسينيات. كما ثار غضب مشابه ضد التواجد العسكري الأميركي في الخليج وتجسد في هجمات 11 سبتمبر. وكان عصر الفحم قد استمر في الولايات المتحدة حوالي قرن من الزمان. فإلى متى سيستمر عصر النفط ؟
هناك عدد متزايد من الخبراء يقبلون في هذه الأيام بنظرية الذروة النفطية من الناحية النظرية وأن الطلب سرعان ما سيفوق قدرة شركات النفط على اكتشاف مصادر جديدة مما سيؤدي الى استنزاف الاحتياطيات واستمرار ارتفاع الاسعار.
وفي الوقت نفسه تجد ادارة بوش نفسها تدفع بسياستين متناقضتين فمن ناحية تشجع السعودية المنتج الاول للنفط في أوبك على زيادة انتاجها من النفط وتأمل من وراء ذلك تهدئة الأسعار وفي الوقت نفسه تبذل كل ما في وسعها بما في ذلك التهديد بالحرب لإزالة النظام الحاكم في ايران المنتج الثاني للنفط في أوبك.
وعلى أية حال فإيران لديها خطة بديلة. ففي الذكرى المئوية لأول تدفق للنفط تعمل إيران جاهدة للإنتقال الى ما بعد عصر النفط. ومما يزيد من انزعاج الولايات المتحدة ومعظم باقي دول العالم انها تستخدم عوائدها التي ما تزال وفيرة من النفط لشراء طريق لها الى العصر النووي.
توم هندلي
صحفي بجريدة شيكاغو تربيون