آخر الأخبار

أنطـون سعـاده بقلـم إسرائيلييـن

كتب الياهو ايلات في العام 1972 نصا تحليليا لشخصية انطون سعادة وفكره وايديولوجيته. نشر باللغة العبرية بعنوان «سيرة حياة ثوري عربي. نهج انطون سعادة»، في دورية «مولاد» الجزء الرابع، عدد 22 في الصفحات 369 ـ 378.

وايلات مؤرخ ودبلوماسي اسرائيلي، شغل مناصب مهمة: رئيس قسم الشرق الأوسط في الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في القدس، وكان أول سفير لاسرائيل في الولايات المتحدة الاميركية ثم في بريطانيا. واحتل منصب رئيس الجامعة العبرية في القدس من 1962 إلى 1968 وله العديد من المؤلفات أبرزها «الصراع من أجل الدولة».
وكتب باحث آخر، هو يوسف أولمرت، مستشرق وشقيق رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ايهود أولمرت، نصا عن سعادة في كتابه «سوريا المعاصرة».
تميز مقال الياهو ايلات بغزارة المعلومات التي قال انه استمدها من خلال معرفته لسعادة شخصيا... وبعد ان عرض دور الدكتور خليل سعادة والد انطون سعادة في احياء الفكر القومي في المهجر، ذكر انه يعرف سعادة الابن من خلال دراسته في الجامعة الاميركية في بيروت. واستهل ايلات مقاله قائلا: «انني اتكلم هنا عن احد ابطال المعسكر، انطون سعادة الذي عرفته معرفة شخصية. وقد كتب عنه القليل باللغة العبرية»، كما قال. واضاف ايلات «حتى الآن لم تحظ شخصيته ونشاطه، كأحد كبار محدثي التغييرات الفكرية والتنظيمية في المعسكر العربي، خلال السنوات العشرين الاخيرة، بتقدير لائق». وكتب ايلات «عرفت من سعادة نفسه شيئا ما عن تاريخ نشاطه واعماله قبل قدومه الى بيروت». واشار إلى ان سعادة درس لغات عديدة وهو في البرازيل. علاوة على اللغة العربية ألم بالانكليزية والبرتغالية والاسبانية والفرنسية والالمانية والايطالية والروسية «الأمر الذي ساعده في رحلاته واتصالاته المختلفة».
واعتبر ايلات ان «سنة 1935 فتحت صفحة جديدة في تاريخ الحزب السوري القومي. فسعادة معتمدا على انجازات الحزب، كحركة سرية وعلى القوة التنظيمية التي اقامها، قرر الشروع في نشاط جماهيري متنوع عبر عقد اجتماعات علنية ومهرجانات لاعضاء الحزب، ونشر مواد مدونة طبعت في مطبعة الحزب في بيروت..». وتحدث عن تغلغل تأثير نفوذ الحزب في الجهاز الحكومي، ليكشف النقاب بعد ذلك عن ان اسد الايوبي رئيس شرطة بيروت كان «عضوا نشيطا» في الحزب.
ويزعم ايلات ان «افكار سعادة الاجتماعية والسياسية انما هي أقرب الى الفاشية الايطالية منها الى مذهب هتلر... لكن هذا العربي الذي اكتسب ثقافته في البرازيل... وجد صعوبة في تقبل العنصرية النازية. وكانت مصادر وحيه كثيرة ومتنوعة».
ويتابع «بدأ انطون سعادة يعتبر نفسه زعيما قادرا على إحداث تغييرات ثورية في حياة المجتمع العربي. وكانت محاربة الانقسام والتمسك بوحدة الامة وسمو (مفهوم) الدولة اركان برنامجه الفكري».
وكشف ايلات النقاب عن واقعة اخرى: «سمعت من انطون سعادة نفسه ومن كبار مساعديه شرحا لحيثيات تمسكهم الفكري والعملي بمشروع سوريا الكبرى». وان هذا المشروع لن يتحقق الا على مراحل. وكتب «عرفت انطون سعادة بعد وقت قصير من قدومه إلى بيروت... كان يحرص على شحذ تهذيبه. وكل من التقى به للمرة الأولى يعجب بعينيه الثاقبتين واسلوب كلامه الحماسي والواثق. متعصب لآرائه وجازم في موقفه، وموهوب بقدرة على الاصغاء... ويعرف كيف يكشف نقاط الضعف لدى الخصم، وضليع بخبرته في القضايا الاجتماعية والسياسية المختلفة».
وقارن ايلات بين حملات موسوليني وهتلر الهجومية الثورية العلنية وبين نشاط سعادة السري الذي «أدى الى انشاء نواة من الانصار المخلصين له ولافكاره، كي يتغلب على معارضيه هيئات وقادة متنفذين». وتحدث ايلات عن مفهوم سعادة لفكرة «سوريا الكبرى» بكثير من التفاصيل.. ثم انتقل الى الحديث عن نظرته إلى «الوطن القومي اليهودي» والصهيونية، ووجدت انه قرأ كتبا وأدبيات صهيونية. واستمد افكاره عن اليهود من خلال اتصالاته مع يهود البرازيل والولايات المتحدة. «وفي احد احاديثه عن هذه المواضيع رفض سعادة الصهيونية كونها، كما كان يعتقد، لا تسعى الى هضم حقوق العرب في ارض اسرائيل (فلسطين) وحسب، وانما تتناقض مع روح اليهودية نفسها ومع مبادئها. وقال ان اليهود هم مزيج خاص من شعب ودين، وهذا يتعارض مع فلسفة الدولة. وليس من قبيل الصدفة انهم يشكلون معضلة في كل مجتمع ودولة يسعيان الى صهرهم. وعندما سألت سعادة ذات مرة: لماذا هو يغوص في الماضي السحيق بحثا عن اساس تاريخي لسوريا الطبيعية... ويحرّم على الشعب اليهودي ـ الشعب الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من بين جميع الشعوب القديمة في المنطقة ـ حقه في تجديد حياته في ارض وطنه، اجاب: ان ثقافة آرام كانت اونيفيرسالية (عالمية). وجديرة بأن تشكل نموذجا لدولة «سوريا الكبرى»، عندما تقوم».
وخلص ايلات الى القول في هذا الصدد «مهما كانت الصهيونية بالنسبة الى اليهود انفسهم، فان سعادة اعتبرها خطرا كبيرا جدا على فكرة «سوريا الكبرى». واشار إلى ان اليهود سيشكلون «حجر عثرة في الدولة السورية الموسعة التي طرحها سعادة في مشروعه».
لقد أسهب ايلات في الحديث عن القوى التي عارضت سعادة، على خلفية فصل الدين عن الدولة. لكنه جزم بان «هذه العقبات لم تردع سعادة وصحبه الذين تعززت حميتهم اكثر فأكثر، وكان ولاؤهم للحزب لا يعرف حدودا.
واختتم ايلات مقاله ببعض التقييمات الذاتية لمشروع سعادة فقال:
«جمع انطون سعادة بين صفات الثوري والقائد. لكن مصدر ضعفه كان يكمن في انفصاله عن الواقع، الذي نشط في ظل ظروفه منذ وصوله الى لبنان في سنة 1932. وكان تشوب استراتيجيته السياسية بعض العيوب، بسبب عجزه عن تقييم الحقائق، والتمحيص في تأثيرها على خططه. «ان سعيه الى الغاء الأطر الطائفية كان ضربا من المبالغة وعدم الواقعية. كما ان محاولته اقتلاع القومية السورية من ارضيتها العربية، أثارت غضب قطاعات واسعة من الجمهور العربي ـ الاسلامي، حتى انها لم توفر له الدعم من قبل الطوائف الاخرى. والصورة والأفكار التي اكتسبها من سوريل وغيره حملته على ركوب مغامرات لم يكن لها اساس، وتفتقر الى امكانات النجاح وأُعدم بجريرتها».
وهناك باحث آخر هو يوسف اولمرت، وهو مستشرق وشقيق رئيس حكومة اسرائيل السابق ايهود اولمرت، أدلى بدلوه بعرض تحليلي مهم مقتبس من كتابه «سوريا المعاصرة» اورد منه بعض المقاطع:
يقول أولمرت ان «الايديولوجيا التي أرسى ركائزها انطون سعادة في البرازيل، تقوم، بين أمور اخرى، على ايديولوجية الحزب الفاشيستي المحلي («الانغرالي»). لكن أولمرت يلاحظ ان «فلسفة سعادة قامت على المفهوم العلماني القومي الذي رفض الانقسام على اساس ديني». واقتبس اولمرت من كتاب سعادة «نشوء الأمم» الذي جزم فيه ان هناك «هوية سورية خصوصية، وان الجغرافيا والتاريخ اصبغا على سكان «سوريا الكبرى» هوية قومية تختلف عن هوية سائر العرب». واضاف اولمرت ان: سعادة جزم بأن في الشرق الاوسط، كما في مناطق اخرى في العالم، كانت الجيوبوليتيكا المفتاح لفهم مسارات تاريخية، وفهم الاختلاف بين المجتمعات والقوميات. وأكد ان ثمة اختلافا جوهريا بين سكان «سوريا الكبرى» وعرب شبه الجزيرة العربية او مصر. وبحسب مفهومه، فان الجغرافيا هي التي شكلت سوريا الكبرى وحولتها الى كيان جيوبوليتيكي متميز».
ويوضح المرت ان «هذا المفهوم وضع فكرة «سوريا الكبرى» في مركز الصدارة، رافضا الوضع الراهن الاقليمي، الذي نشأ في عهد الانتداب. لكن انطون سعادة طور نطاقا ايديولوجيا واسعا، شمل ايضا ماهية الدولة السورية. وكان اول من أرسى في العالم العربي (اذا لم يكن في الشرق الاوسط كله) ايديولوجيته على المفهوم العلماني. وبحسب قوله فان العلمانية تشكل سندانا مستقرا الذي يمكن الطوائف والديانات المختلفة في «سوريا الكبرى» من ايجاد عامل مشترك يتبلور بواسطته كيان سياسي واحد، وبهذا تأثر من دون شك بثورة كمال اتاتورك العلمانية في تركيا».
ويتابع اولمرت قراءته لمفهوم سعادة بقوله «ثمة اساس مهم آخر في عقيدة سعادة، هو الحاجة الى اصلاحات اجتماعية. واعتقد انه يمكن تطبيق هذه الاصلاحات بروح الانظمة التوتاليتارية الفاشية. ولا سيما وفق النموذج الايطالي... او على الاقل النموذج الالماني». لكن اولمرت استدرك قائلا: «ان فلسفته لم تكن عنصرية في اساس الامر»، مضيفا ان «ايديولوجيته جذبت الكثيرين من الشبان العرب، من جميع ابناء الطوائف والأديان في سوريا ولبنان وفي ارض اسرائيل ايضا (فلسطين)، لانه استشرف حلا شاملا، قوميا واجتماعيا، ووفر الحلول لمشكلات الهوية، التي برزت لدى قسم من السكان المحليين. وانخرط انصار سعادة في المجالات المختلفة للسياسة العربية خلال الاربعينيات والخمسينيات والسيتينبات، وحتى خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن».
وقبل الانتهاء من عرض قراءة اولمرت لفكر سعادة ومشروعه، لا بد من الاشارة الى ان اولمرت هذا ذكر ان الكثيرين من المثقفين العرب تأثروا بفكر سعادة مثل الشاعر سعيد عقل «واوائل المفكرين الذين كانوا ينتمون الى م.ت.ف. (مثل الاستاذين هشام شرابي وفايز الصايغ اللذين طورا «فكرة الدولة العلمانية الديموقراطية»). واشار الى ان الكثيرين من اصحاب المناصب الرفيعة في الاحزاب السورية المختلفة هم من تلامذة سعادة. وهكذا يقول اولمرت ان «اهمية انطون سعادة وحزبه الاساسية كانت تكمن في البنية التحتية الفكرية التي منحاها للكثيرين من الشباب، والاساس الايديولوجي الذي وفراه لحركات كثيرة في المنطقة».
السفير