آخر الأخبار

مقابلة مع إيلان بابي، الأكاديمي الإسرائيلي المنبوذ في بلده

تعرض الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابي إلي تهديدات القتل، وإضطر إلي الإستقالة كمحاضر رئيسي للعلوم السياسية بجامعة حيفا ومغادرة إسرائيل، بسبب دعوته لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، وتأكيداته بأن إسرائيل مارست التطهير العرقي ضد العرب، وتأييده لمقاومة "حماس" وإن لم يكن لتوجهها السياسي، وإدانته للأوساط الأكاديمية في بلاده لتبريرها إحتلال فلسطين، مما جعل منه شخصا منبوذا في إسرائيل.

وعلي الرغم من كل ذلك، لا يزال إيلان بابي ثابتا علي قناعته الراسخة بأن الوسيلة الوحيدة لتحسين هذا الواقع هي عبر الكشف عن أسؤا جوانبه. وحاليا، يعمل بابي كأستاذ تاريخ بجامعة "إكيستير" البريطانية.

تناول إيلان بابي في مقابلته مع "آي بي اس" الوضع في فلسطين والنزاع العربي الإسرائيلي بعد 60 عاما من قيامه. وفيما يلي أبرز ما ورد فيها.

سؤال: هل تعتقد أن يأتي فوز باراك أوباما بفارق ما؟.

جواب: أعتقد أن الأشخاص الذين يكافحون من أجل الجلوس علي مقعد آقوي شخص في العالم، لا يكترثون بالمسائل الأخلاقية ولا يتأثرون بالمعاناة والقهر. أوباما ليس مختلفا، ولن تؤثر فيه أخلاقية القضية آو معاناة الفلسطينيين.

(أوباما) سوف يتحرك في إتجاه مختلف لو شعر هو ومستشاريه، بأن إظهار قدرا أقل من التأييد لإسرائيل سوف يعزز سلطته. لكن الأمر ليس كذلك، فمن المفضل موالاة إسرائيل لكسب الإنتخابات وتجديد فترة الحكم لولاية ثانية.

وإذا كان هناك أملا ما، ففقد يظهر في الولاية الثانية، حين يسترد أصحاب النفوذ أبعادهم الإنسانية، وربما يبدأون في التفكير مثلك ومثلي عن الظلم والقهر والإحتلال.

سؤال: هل تعتقد أن النزاع العربي الإسرائيلي يجتاز الآن أسؤا مراحله؟.

جواب: لا أزال أعتقد أن أسؤا لحظة كانت 1948 وعمليات التطهير العرقي، ومع ذلك فإنها (المرحلة الراهنة) سيئة جدا. إنها المراحل الأخيرة لمساعي إسرائيل الأحادية لتقسيم الضفة الغربية إالي جزئين: واحد يلحق بإسرائيل، والأخر يصبح معسكر إعتقال كبير أو "باتتوستان" في أفضل الأحوال.

الوضع في غزه أسؤا، حيث "السجن" قائم بالفعل. وبسبب مقاومة الفلسطينيين لحالة السجن هذه، تشن إسرائيل سياسة قتل جماعي متصاعدة. يبدو أن العالم غير مبالي، والعالم العربي غير مكترث.

سؤال: في زيارته الأخيرة للمنطقة، وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش إسرائيل بأنها مثال للتقدم والديمقراطية في الشرق الأوسط. إلي أي حد كان موضوعيا؟.

جواب: مجتمع يبقي علي 40 عاما من إحتلال شعب آخر لا يمكن أن يكون مجتمعا ليبراليا. ومجتمع يمارس التمييز ضد 20 في المائة من سكانه لأنهم ليسوا يهودا، لا يمكن وصفه بأنه مجتمع تقدمي.

المشكلة في إسرائيل ليست الدين أو التقاليد، وإنما دور الصهيونية وهي بوضوح إيديولوجية الإستبعاد والعنصرية والطرد. هذه الإيديولوجية تتيح للجيش إن يلعب دورا كبيرا في غالبية السياسيات المحلية والخارجية، وربما يحق القول هنا أن إسرائيل ليست دولة ذات جيش، وإنما جيش ذو دولة.

سؤال: إلي أي حد تتبع الولايات المتحدة سياسة تعميق النزاعات في المنطقة فيما تنادي بإحياء مسار السلام؟ هل يحدث شيئا مشابها من جانب فلسطيني؟ هل العالم أمام نفاق منظم في الشرق الأوسط؟.

جواب: لست أدري ما إذا كان الجميع علي نفس درجة النفاق أو أسلوب النفاق. فالنخب السياسية عادة ما تتلاعب بمآسي الشعوب وأحلامهم، لكنها تفعل ذلك بأساليب مختلفة. الولايات المتحدة هي أسؤاها من حيث الفجوة بين الكلام والفعل، فالحرب تصحب حديث السلام، وتأييد التفاوض في فلسطين يعني في الواقع دعم الإحتلال الإسرائيلي، وهكذا دواليك.

الساسة الإسرائيليون أكثر شفافية، فتمييزهم العنصري ومخططاتهم القهرية واضحة جدا، لكن أحدا في الغرب وخاصة أوروبا، يريد أن يفعل شيئا. كما لا تعتبر السلطة الفلسطينية مثالا للنزاهة، ولذا فازت "حماس" في الإنتخابات. لكن حماس فريسة أوضاع غير طبيعية تحول دون التصرف بصورة مختلفة. لهذا لابد من تفكيك السلطة الفلسطينية.

سؤال: هل تشاطر القول بأن فلسطين سوف تشهد تقدما غير مسبوقا للإسلام المتشدد؟.

جواب: سوف يلعب الدين دورا طويل الأجل في حياة الفلسطينيين، سياسيا وإجتماعيا. لكن طبيعة هذا الدور، ما إذا كانت عدوانية أو بناءة، سوف تتوقف تماما علي واقع الإحتلال والقهر. فاذا زالا (الإحتلال والقهر)، ستكون هناك فرصة أفضل لتشييد بنية سياسية تشمل حركات إيدولوجية مختلفة عوضا عن إستبعادها.

تقدم حماس له أبعاد إقليمية ومحلية. من حيث البعد الإقليمي، فهو يمثل جزءا من الإستياء العام من النظم السياسية ومؤيديها الغربيين. وعلي الصعيد المحلي، فهو إيرتبط بصورة مباشرة بالإحتلال والفشل في تحرير فلسطين علي أيدي القوي الأكثر علمانية. يرجع جانب كبير من تأييد حماس إلي الفراغ السياسي والإحساس بالهزيمة.

سؤال: إلي أي حد أثر التلاعب بالتاريخ في النزاع العربي الإسرائيلي حتي يومنا هذا؟.

جواب: التاريخ أستغل بصورة خاصة في إسرائيل لتبرير جرائم سياسية في الماضي. كما يكمن سوء إستغلال التاريخ في طريقة إستخدام الوقائع لتربية الأجيال القادمة علي نهج ذو بعد واحد، قومي، بل وعنصري.

يكمن أسؤا إستغلال للتاريخ في إستخدام إسرائيل للمحرقة لإضفاء طابع النازية علي العرب والفلسطينيين وتبرير سياسات إجرامية ضدهم.

سؤال: إلي أين ستقود سياسة خنق الفلسطينيين هذه؟. وإذا تركنا النواحي الإنسانية جانبا، هل ستتسبب في تفجير جديد للنزاع العربي الإسرائيلي؟.

جواب: لن تتسبب في نزاع جديد، لأن العرب يبدو وأنهم لا يكترثون. لكنها يمكن أن تؤدي علي المدي القصير إلي إقتلاع جذور الفلسطينيين من القطاع (غزة)، والإفناء والتطهير العرقي.

وعلي المدي الطويل، سوف تزيد من صعوبة العفو والتصالح علي الأجيال الفلسطينية القادمة، وهو ما قد يهدد بقاء إسرائيل واليهود الذين يعيشون فيها، فقد يتغير العالم العربي والعالم الإسلامي يوما ويصبحان أكثر فعالية ووحدة، وقد تخسر إسرائيل حاميها الأكبر: الولايات المتحدة.

سؤال: هل توجد فرصة للسلام بعد 60 عاما من الحرب؟.

جواب: لا توجد فرصة للسلام في المستقبل القريب لأن ذلك يقتضي تغييرات جذرية في الواقع، مما سيستغرق وقتا. لابد أن تتخلص إسرائيل من الصهيونية قبل أن يكون السلام ممكنا، ولابد أن يشمل السلام عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإلا لضاع الجهد هباء.
آي بي إس / 2008