لو نظرنا الى سفر التكوين لوجدنا قصص الطوفان وآدم وحواء وقايين وهابيل وغيرها من القصص هي موجودة في تراث بين النهرين، ان لم يكن بالنص فبالتأكيد يوجد تسعين بالمئة منه مأخوذ ومدون بين صفحات "العهد القديم". فقصة الخلقة (التكوين)، الفصلان الاول والثاني من التكوين موجودان بالكامل في قصة إينوماايليش البابلية التي تحكي لنا خلقة العالم وتقسيمه، بحيث أخذها اليهود وغيروا بعضا من جوانبها وجعلوها سفرا في كتابهم. وقصة الطوفان مأخوذة بالنص والفكرة من قصة ملحمة قلقامش، فيتغير بقدرة قادر نوح الذي كان في التراث السومري إيتونابشتم وتتغير بعض الامور فتنزل في التكوين كأنها قصة يهودية موحاة من يهوه. ويهوه، كما تعلمون، هو إله بابلي قديم كانت عبادته متروكة حينما كان اليهود في "سبي بابل"، فاستلطفوا الاسم وجعلوه إلهًا لهم: يهوه. كان الإله إيا ، آنو ، انليل ، مردوخ في بابل ,آشور في نينوى. نقرأ في قصة آدم وحواء وهي موجودة في تراث العراق القديم، ولكثرة شيوع هذه القصة انها رسمت على الأختام الاسطوانية فهناك عدد كبير من الاختام الاسطوانية تصور لنا قصة آدم وحواء. واذا دخلنا الى قصور الملوك في بابل وفي نينوى وفي كالحو او كالح، نجد هذه الصورة في جداريات القصور: رجل جالس وامامه امرأة وبينهما شجرة ووراء الشجرة حية منتصبة ودون أي كلام نقول: هذه قصة آدم وحواء التي عزاها اليهود انها من تراثهم. ونتقدم في كتاب العهد القديم ونجد مثلا: في حكمة أحيقار. (وانا كتبت كتابا اسمه: "اثر حكمة أحيقار في الكتاب المقدس" وليس في المسيحية والكنيسة كما قالها الأخ العريف خطأ)، سفر الأمثال بكامله وسفر يشوع بن تراب وسفر الحكمة، الجامعة بنصوصها مأخوذة من حكمة احيقار. واحيقار وزير الملك الآشوري سرجون وسنحاريب ابنه، كتب حكمته باللغة الآرامية الآشورية. ومن حفائظ الدهر لنا انها اكتشفت وهي منسوخة في القرن الخامس قبل الميلاد في جزيرة الفيلة في مصر. وبعد ترجمتها تبين انها بالذات سفر الامثال. كان اليهود يتشدقون انه لم يكتب احد قبلهم الحكمة وحينما كشفنا حكمة احيقار ووجدنا ان الاشوريين والسومريين والبابليين كان لهم حكمة قبل مئات السنين قبل اليهود. وكان ان كتبت كتابا سنة 1983 اسميته "الحكمة في وادي الرافدين" جمعت فيه الحكمة الاشورية البابلية الاكادية السومرية وبينت فيه ان اسفار العهد القديم مأخوذة منه بالنص. اما اذا اتينا الى سفر نشيد الانشاد الذي ينسب الى سليمان. وفي واقع الحال، ان سليمان لم يكتب في عهده سطرا واحدا. وهذه القصيدة هي قصيدة الزواج المقدس في بابل كانت تقرأ في الزواج المقدس. ولو نعمل مقارنة فنضع النصين الواحد إزاء الآخر لنجد مدى ما اقتبسه او سرقه بالاحرى اليهود من هذه القصيدة، وللاسف، المفسرون الجدد وغيرهم من الذين لهم نعرات قد تكون دينية او عنصرية، يعطون رموزا لهذا السفر ولكنها في واقع الحال لاتدل الى أي رمز بل هي قصيدة كان يقرأها الكهنة في بابل : قصيدة الزواج المقدس. واذا اتينا الى قصة طوبيا نراها انها قصة أحيقار بالذات، حتى ان سفر طوبيا يقول ، طبعا هذا مزيف، ان احيقار هو ابن عم طوبيا. وفي واقع الحال ان احيقار اشوري عاش في بلاط سنحاريب واسرحدون وليس له اية صلة قربى مع طوبيا. ويحرف اسمه الى اسم "عقيقار" وهو أحيقار. وتنتقل هذه الحكمة بشهرتها ، وهذا ما خدم التاريخ، فيجعله اليونانيون أوسيب، والى ارمينيا والى العرب فيدخل في القرآن باسم لقمان. هذه كانت حكمة أحيقار. هذا الرجل الحكيم الذي يعطي لنا عصارة الفكر الانساني في مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية والعائلية والسياسية. وهناك الكثير من الامور التي اخذها اليهود من تراث بابل ونينوى وتراث الكنعانيين وغيرهم من شعوب او شعب المنطقة. انا لا ارغب في ان اسميها " شعوبا". الاكاديون والبابليون والسومريون والكنعانيون والفينيقيون شعب واحد وحضارة واحدة. فاليهود، حقدا منهم، الآن نأتي الى قصة: لماذا فعل اليهود هذا الامر ؟ كما نعلم من التاريخ وما حفظه لنا التاريخ من منحوتات مسمارية لا تقبل التحريف ولا الزيادة ولا النقصان، تحكي لنا قصة الحروب التي قام بها الاشوريون والكلدانيون لاخماد الفتن في فلسطين. كما يدّعي اليهود انه كان لهم دولتان: دولة يهودا في الشمال ودولة اسرائيل في الجنوب. في الحقيقة ليست دولا هذه. هذه دويلات عشائرية. وذاتا لم تكن من كل اليهود، فداود الذي الذي أسس دولته، اتباعه لم يكونوا يهودا. كان أغلبهم من الشعوب المجاورة له. على اية حال، حينما كانوا يشقوا عصا الطاعة على دولة اشور او على دولة الكلدان كان ملوك هذه الممالك يؤدبون مملكة يهودا واسرائيل تأديبا. وكما نعلم، هذا طبع في اليهود، فهم لا يعيشون الا وسط الفتن ولا يعيشون الا وسط النفاق والسرقة والنصب مما حدا ببين النهرين ان تكون لهم دوما بالمرصاد. وفي الاخير ضاق نبوخذنصر بهم ذرعا فأجلاهم من فلسطين الى بابل لكي يكونون تحت نظره. وهناك قصة تذكرها التوراة: حينما حاصر سنحاريب اورشاليم، خاطب قائدُه ربشاقا، ايليشعيا النبي باللغة الآرامية طبعا، فطلب ايليشعيا من ربشاقا ان لا يكلمه بالآرامية لكي لا يفهم الشعب ماذا يريد. فأصّر ربشاقا الاشوري ان يتكلم بالآرامية وقال له بمعنى: انا لا اكلمك انت، انما اكلم الشعب. وقال: على من اعتمدت ؟ اعلى مصر ، هذه القصبة المرضوضة التي تجرح من يتوكأ عليها ؟ ام على يهوه ؟ فاني سابيك. وفعلا ، الاشوريون سبوا اليهود مرتين ولكن لم تُذكر هاتان المرتان كالسبي البابلي لأنه لم تكن حولهما هالة كبيرة لأن الاشوريين لم يُسكنوا اليهود في العاصمة نينوى، خصوصا في منطقة زاكو وغيرها في شمال العراق. فالسبي الاول كان في سنة 718 قبل الميلاد والسبي الثاني على عهد اشور بانيبال سنة 668 قبل الميلاد اما السبي الكبير الذي سمي بالسبي البابلي فكان سنة 585 ق.م. على يد نبوخذنصر. من هنا تأتي المشكة: حينما قَدِم اليهود الى بابل ووجدوا هذه الحضارة وهذا الفكر وهذا التقدم والرقي خجلوا من انفسهم وهم البدو الحفاة العراة الذين لا يملكون من الحضارة شيئا. وكما نعلم ان من طبيعة اليهودي ان يحقد ويحسد. فتداولوا فيما بينهم : كيف نقضي على هذه الحضارة وكيف نطمس آثارها ؟ فتآمروا مع قورش (الفارسي) الذي سموه بالمخلّص لأنه اعادهم الى اورشليم مرة ثانية في ايام عزرا الكاهن الذي يعتبر ناقل التراث من بين النهرين الى بابل. فبدأ يكتب تراث بين النهرين بطريقة جديدة يعطي لها سمة اليهودية او التهويد ويعلمها للشعب. فلو قرأنا مثلا شريعة موسى على سبيل المثال. التوراة تسميها "تثنية الاشتراع" أي بمعنى الشريعة الثانية. اين هي الشريعة الاولى ؟ . انها شريعة حمورابي التي اخذ منها موسى ودرسها وحفظها واتى الى سيناء وقام بذات العملية التي قام بها حمورابي. حمورابي يستلم الشريعة من الإله شمش وموسى يستلم الشريعة من الإله يهوه. ويهوه كما قلت ليس إلها يهوديا، هو إله الميديين او الميديانيين الذين عاشوا خارج بابل في جنوب بلاد النهرين مجاورين لنجد. والكاهن يثرو الذي نقل عبادة هذا الاله يهوه الى قبيلته هو الذي اعطى اشارة لموسى ، اكيدا ان يثرو كان أحكم من موسى. كان حكيما اكثر من موسى. فحينما وجد في هذا الشخص زعامة او رغبة في القيادة، أسّر له ان: اذهب الى بابل وادرس. (انا اطرح هذا الرأي من زمان)، فقصد موسى بابل، وعلى الاقل عاش عشرين سنة، وتعلّم كل ما كان موجودا في بابل من شرائع ونظم وافكار ورجع الى سيناء. وعندئذ زوجّه يثرو من ابنته صفورة حينما وجد انه اصبح قائدا متمكنا. وموسى كما قلت ، قام بذات العملية التي قام بها حمورابي، فأخذ الشريعة من الإله يهوه والوصايا العشر. واصبح وكأن بداية التاريخ التشريعي، حسبما فهمونا ودرسونا الى حد هذا اليوم ان شريعة موسى هي التي اعطت المقاييس في حين ان شريعة حمورابي اتت بالوصايا العشر قبل موسى بثلاثمئة سنة على الاقل. وقبل موسى هناك شرائع عراقيةكثيرة ايضا: اوركاجينا ، اورنامو ، نتعشتار وغيرهم من المشرعين الذين جمع حمورابي شرائعهم ونظمها وقسمها بابواب. فكانت شريعة متكاملة ودخلت في القانون وما زالت كليات القانون تدّرس في السنوات الاولى شريعة حمورابي بأنها الاساس. فلماذا لا تدرس شريعة موسى ؟ فاذًا ، شريعة موسى نسخة كاربونية عن شريعة حمورابي. ونحن نشكر الأب شل الذي اكتشف مسلة حمورابي وترجمها، علما ان مسلة حمورابي لم يعثر عليها في العراق، يعني ان اليد اليهودية ارادت ان تلعب لعبة خبيثة ولكنها لم تستطع حيث حُولت هذه المسلة من مدينة بابل الى مدينة شوشا او السوس في ايران وحاول قورش وملوك الفرس الاخمينيين ان يغيروا بعض الاسماء فيها اما البنود فهي كاملة ..فنحن نفتخر بشريعة حمورابي. هذه الشريعة المتكاملة التي تبلغ 282 مادة مقسومة الى ابواب تتكلم في الطلاق والارث والزواج والتبني وحتى هناك قانون خاص باللواتي كان لهن حانات في العصر البابلي. يعني كم كان المرأة النهرانية متقدمة. كانت تملك حانة، بحيث كانت هناك مادتان تختص بالمرأة التي تملك حانة في مسلة حمورابي. وقد كانت اطروحتي عن المرأة في قانون حمورابي. 92 مادة يخصص حمورابي عن المرأة تشكل دراسة قانونية متكاملة. لم نجد لا في قانون اثينا ولا عند بركسيس ولا عند صولون ولا عند غيره من فلاسفة اليونان من يتكلم عن المرأة. الحضارة النهرانية تتكلم عن المرأة وتمنح لها حق المقاضاة وقد اصبح منهن قاضيات. تشير لنا بعض اللوحات ان هناك نساء تبوءن منصب القاضي في الدولة الاشورية او البابلية. ان كلمة الشيقل كلمة عراقية صرفة وردت في مسلة حمورابي اكثر من اربعين مرة. فاقتبسها اليهود وجعلوها اسما لعملتهم. اليوم هم يتعاملون بالشيقل وهي عملة عراقية قديمة. والعراق كما تعلمون هو كلمة سومرية قديمة: اوروك، اراك، اراكي، بمعنى مطلع الشمس او فجر الضياء. وليست كما يقولون كلمة عربية معناها من العروق او التعرق او ما شابه من ذلك. كلمة سومرية قديمة، واول مدينة أُنشئت هي: أراك. في الهرم الألوهي النهراني إله واحد هو :إيا، المأخوذ من كلمة ايلانا. أي الشجرة. التي بعد زمن صارت إله. فكانت عبادة إله : إيا. ثم اعطوا لِ إيا بعض الاسماء كأنهم آلهة صغارا: آنو ، انليل، مردوخ، سن، شمش. هؤلاء آلهة صغار برز بعض منهم ببروز المدينة، فمردوخ اشتهر في بابل وآشور اشتهر في نينوى. ولكن كانت عبادة اله ايا هي العليا بحيث عندما كانوا يحتفلون بعيد أكيتو أي رأس السنة في نيسان (يبتدئ في 1 نيسان ويمتد الى 12 نيسان) كان اله إيا يزور مدينة بابل وتأي الآلهة اليه لتقدم له الطاعة كان المرصد الفلكي في مدينة سوبار العراقية. اول مرصد فلكي في العالم كان في سوبار، وكان هؤلاء البابليون الذين يسمونهم مجوس بالاسم العربي، هي كلمة سريانية: موغوش، يعني الذي يشتغل بالتنجيم، وليس معناه انه فارسي. علموا ان المسيح سيولد في بيت لحم قبل ولادته وقصدوه. فيكون البابليون اول من رأوا يسوعَ وكرموه. فاذًا قَدِمَ الينا وليس اليهم، لأنهم ابتغوا قتله. 2- سؤال: هل موسى شخص حقيقي من زاوية التاريخ ام هو شخص اسطوري ؟ - جواب: كلمة اسطورة تعني ان هناك شيء من الحقيقة ولكن هذه الحقيقة تصبح اسطورة حيمنا يضاف اليها افكار ومبالغات. اما الخرافة فليس فيها شيء من الحقيقة. موسى في واقع الحال، نستطيع ان نقول انه شخصية قلقة في التاريخ. لا ننكرها ولكنها قلقة، يعني قضية ولادته في مصر وان امه وضعته في قفة ثم اخت فرعون اخذته وتربى في بلاط فرعون. هذه قد تكون اطار للصورة الذي هو موسى، ولكن في واقع الحال، قصة موسى موجودة ايضا في ولادة سرجون الاكادي. سرجون الاكادي ايضا يولد وتضعه امه في قفة وتجعله في نهر الفرات ويجده احد الصيادين من الآلهة ويأخذه ويربيه ويعلمه ثم يصبح ملكا. هناك تشابه كبير بين قصة موسى وقصة سرجون الاكادي ولكن لا ننفي ان هذه الشخصية موجودة في التاريخ، انما نكتفي بالقول انها قلقة في الصورة ولها اطار من الافكار.