[img]http://www.jablah.com/modules/xcgal/albums/userpics/10144/345354.jpg[/img]في محافظة طرطوس الساحلية السورية وعلى مسافة حوالي 20 كلم من المدينة تقع قرية «الحورة» التي أخذت في السنوات الأخيرة شهرة كبيرة بين أبناء المحافظة والريف الساحلي السوري على الرغم من صغر مساحتها وعدد سكانها الذي لا يتجاوز 300 نسمة. سبب شهرة القرية يرجع الى شجرة بلوط عريقة ونادرة تحمل الكثير من القصص النادرة والتاريخ الميز حتى أنها دخلت في السيرة الشعبية لمنطقة الساحل وفي أحاديث وقصص الأجداد لأحفادهم. والشجرة تؤرخ لمرحلة مفصلية في حياة الريف السوري، كما ابن مالكها ومالك الأرض المجاورة لها الطبيب البيطري عماد محمود سلوم الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إنها شجرة عملاقة لا يوجد لها مثيل في كل الجبال الساحلية حيث يبلغ عمرها 400 سنة ـ حسب تقديرات المهندسين الزراعيين الذين عاينوها بدقة ـ وهذا أمر نادر أن تعمر شجرة بلوط لهذا العمر حيث من المعروف أن الأمراض تأكلها، في حين أن شجرتنا تقاوم الأمراض والعواصف الهوائية الشديدة التي تجتاح قريتنا ونسميها نحن بالتنين، وهذه العواصف تهدم بيوتاً وتقتلع أشجارا كبيرة ولكن لم تتمكن من شجرة البلوط».
الشجرة التي تجدد نفسها باستمرار يبلغ قطرها بين 35 و40 متراً وارتفاعها 15 متراًً وتغطي مساحة 1000 متراً مربعاً، وهنا تكمن أهميتها اجتماعيا حيث يجتمع أهالي القرية تحتها يتسامرون ويتفيأون بظلها.
ومن مفارقات القدر ـ يضيف عماد ـ أن الشجرة مع الأرض المجاورة كانت ملكاً لإقطاعي كان يقيم تحتها حفلات السمر والأعراس وكان يجتمع تحتها مع إقطاعيي المناطق الأخرى حيث كانت تشكل لهم مكان اصطياف في النصف الأول من القرن المنصرم، في حين كان ممنوعاً على الفلاحين الاقتراب منها أو الجلوس تحتها إلا إذا كان الإقطاعي يريد ضرب الفلاح فيربطه بالشجرة ويضربه عقوبة له. وكان الفلاحون يشاهدون جلسات وأفراح الإقطاعي عن بعد. وبعد صدور قانون الإصلاح الزراعي عام 1958 في بداية عهد الوحدة السورية المصرية آلت هذه الشجرة مع الأرض المجاورة ومساحتها حوالي 13 دونماً الى أحمد السلوم (جد) عماد الذي يضيف «كان جدي أفقر فلاح في القرية وتعرض للضرب والإهانة عدة مرات مع فلاحي القرية من الإقطاعي تحت شجرة البلوط والتي أصبحت من أملاكه حالياً، وتحولت قصة امتلاكه للشجرة الى مادة للسير الشعبية التي رأت فيها انتصار المظلوم على الظالم. ويروي عماد ان جده ووالده قررا ترك الشجرة كمشاع لمن يرغب بالجلوس تحتها من اهل القرية أو من زوارهم حيث تبلغ المساحات الخضراء تحتها حوالي الدونم. ومن الأحداث المهمة التي عرفتها هذه الشجرة النادرة ودخلت حكايا المجتمع الفلاحي أن المجاهد السوري وقائد ثورة الساحل إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، الشيخ صالح العلي، كان يستريح تحتها عندما كان يسافر مع رجاله إلى مدينة طرابلس اللبنانية ليشتري السلاح من هناك لمقاومة الفرنسيين. والغريب في أمر هذه الشجرة أنها تجدد أغصانها اليابسة باستمرار، ولضخامة أغصانها حتى أن كل غصن يعادل شجرة كاملة وجذعها الضخم حيث تشكل كوخا ضمنها كما أنها تشكل ثلاث طبقات فوق بعضها البعض، وهذا التجدد الدائم والعمر المذهل لها يدخل في باب المعجزات العلمية، ويبرر عماد ذلك معتمداً على آراء علمية لمهندسي الوحدة الإرشادية الزراعية في منطقة القرية هو طبيعة الأرض والتربة تساعده في التجدد وقد يكون مناخ القرية أيضاً عاملاً مساعداً على بقائها مئات السنين.
يذكر أن صاحب الشجرة محمود السلوم،67، عاماً وهو الفلاح الأفقر في القرية متمسك بهذه الشجرة النادرة وقام بتعليم أولاده الستة في الجامعات (ثلاثة ذكور وثلاث إناث) حيث الأكبر طبيب بيطري وأيمن الأصغر طبيب أسنان وأعطاهم الأرض المجاورة للشجرة ليبنوا عليها منازل لهم حتى لا تغيب الشجرة عنهم ولو لحظة واحدة، وليبقى الأولاد والأحفاد يتوارثونها ولا يفكرون ببيع الأرض والشجرة معها وترك القرية والهجرة إلى المدينة.
الشرق الأوسط
هشام عدرة