كتب الدكتور في الفيزياء والرياضيات بيتر شيبالين، سكرتير علمي في المعهد الأكاديمي لنظرية التنبؤ بالزلازل وفيزياء الأرض الرياضية تنتسب الزلازل التي وقعت في 26 ديسمبر عام 2004 و28 مارس عام 2005 بالقرب من جزيرة سومطرة الإندونيسية الى الزلازل العشرة الأشد قوة خلال الـ100 عام الأخيرة. وتعادل الطاقة الناجمة عن زلزال 26 ديسمبر 2004 طاقة كامل مخزون السلاح النووي العالمي أو حجم الاستهلاك العالمي للطاقة خلال سنة واحدة. وعاش العالم عصر ازدياد النشاط الزلزالي السابق على تخوم القرنين الـ19 والـ20 (يتعذر التقدير الدقيق لطاقة ذلك النشاط الزلزالي بسبب غياب الأرصاد الزلزالية على النطاق العالمي). وخلال الفترة الممتدة من عام 1965 الى عام 2004 لم يسجل ولا زلزال واحد مماثل لما وقع في إندونيسيا. فهل نحن مقدمون في الوقت الراهن على عصر زيادة الزلازل على الصعيد العالمي؟ أجل، يتبنى العديد من العلماء الروسي هذا الرأي بالذات. وأين يمكن أن تحدث الزلازل؟ تتركز المناطق الأكثر احتمالا لوقوع الزلازل البالغة القوة في حزام المحيط الهادي الممتد على طول شاطئ المحيط الآسيوي. وصحيح أن احتمال مثل هذه الزلازل القوية أقل عدة مرات في حزام البحر الأبيض المتوسط الممتد من جزر الرأس الأخضر عبر البرتغال والبحرين المتوسط والأسود باتجاه آسيا الصغرى وجبال همالايا وإندونيسيا فيما تمتد شعبته باتجاه الصين الوسطى. ولكن هنا بالذات وبسبب الكثافة السكانية الكبيرة تسفر الزلازل عن نتائج وخيمة. وخير المثال على ذلك زلزالا تيان شان عام 1976 وسومطرة عام 2004 حيث أودى أولهما بحياة 50 ألف شخص وثانيهما - بحوالي 1 مليون شخص. ولا يعرف حزام المحيط الهادئ سوى كارثة مماثلة واحدة هي زلزال طوكيو عام 1 1923 الذي أودى بحياة 150 ألف شخص. والمنطقة الأكثر عرضة للزلازل في روسيا هي منطقة جزر كوريل وكامتشاتكا حيث يمكن احتمال وقوع زلازل تعادل قوتها زلزال سومطرة عام 2004. فمثلا، يدخل زلزال عام 1952 في جنوب كامتشاتكا ضمن الزلازل الأشد قوة الخمسة خلال الـ100 سنة الأخيرة. ومن المناطق الروسية الأخرى المتعرضة للزلازل شمال القوقاز وبحيرة بايكال وجبال آلتاي وسايان ولكنه من المستبعد أن تضربها زلازل قوية تزيد مقدارها على 5ر6 درجة حسب مقياس ريختر. وجدير بالذكر أن مدى خطورة الزلزال من حيث أثاره المهلكة لا يتحدد بقوته، وإن بلغت مقدارها 5ر8 درجة أو أكثر، بقدر ما يتحدد بموضع مركزه فإذا كان مركز الزلزال يقع على مقربة من المدن الكبيرة فقد تسفر عن عواقب رهيبة. لم يزد مقدار زلزال تيان شان في الصين على 6ر7 درجة ولكنه يعد أكبر كارثة في القرن العشرين بحيث بلغ عدد ضحاياها حسب المصادر الرسمية 225 ألف شخص وأكثر من ضعفي هذا العدد على أقل تقدير طبقا للحسابات غير الرسمية. ومن جهة أخرى فإن أقوى الزلازل المعروفة حتى الآن وهو زلزال شيلي عام 1960 الذي بلغت قوته مقدار 5ر9 درجة حسب مقياس ريختر والذي أثار موجة تسونامي ضخمة مماثلة لتلك التي اجتاحت الشواطئ في 26 ديسمبر 2004 ، لا يدخل حتى ضمن ترتيب الثلاثين من أكثر الكوارث ضراوة. هل يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل؟ لم تكف روسيا عن مواصلة البحوث المكثفة في مجال التنبؤ بالزلازل الى جانب قيامها بإجراءات الوقاية من آثارها. ويعتبر المعهد الأكاديمي لنظرية التنبؤ بالزلازل وفيزياء الأرض الرياضية الذي أسسه وترأسه فترة طويلة من الزمن الأكاديمي فلاديمير كيلس- بوروك واحدا من المراكز الرائدة في هذا المجال. وتمكن الباحثون في هذا المعهد من إثبات الإمكانية المبدئية للتنبؤ بحدوث الزلازل. وأجرى المعهد هذه البحوث، بالمناسبة، بالتعاون مع العلماء الأمريكان. وخلال السنوات الأخيرة وضع فريق يضم علماء هذا المعهد وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بقيادة الأكاديمي كيلس- بوروك منهجا جديدا يتيح زيادة دقة التنبؤات بقدر ملموس. كما تم وبدرجة ملموسة أيضا تقليص عدد الإنذارات الكاذبة. وزادت دقة التنبؤ باحتمال زلزال قوي. وقد تأكد بدقة التنبؤ بزلزالين هما زلزال 25 سبتمبر عام 2003 بالقرب من جزيرة هوكايدو (اليابان) وزلزال كاليفورنيا الوسطى في 22 ديسمبر 2003. فقد تم التنبؤ بهما بفترة ستة شهور قبل وقوعهما. ونجحت أيضا - مع بعض التحفظات البسيطة - التنبؤات بوقوع الزلزال على حدود سلوفينيا ونمسا (12 يوليو عام 2004) وسلسلة من الزلازل في اليابان في سبتمبر وأكتوبر عام 2004. ومن السابق لأوانه الخلوص الى استنتاجات نهائية بشأن هذا المنهاج الذي لا يزال يحتاج الى تأكيد إضافي. ولكننا نستطيع مع ذلك أن نستخلص من الآن الاستنتاج التالي: أننا نقترب بجلاء من اختراق هام وهو حسم مسألة التنبؤ بالزلازل (!!).