لعل من البديهي القول بسيطرة الدراما المصرية على الإعلام العربي طيلة قرن كامل بكافة فروعها و ذلك لامتلاك الشاشة المصرية من التقنيات السينمائية و الركحية الاستعراضية و لاعتمادها طيلة القرن الفارط على أكبر أدبائها في صياغة مشروع الهوية الذي تخطى بكثير رقعة القطر المصري و لأن امتلاكها للخطاب الثقافي و الإعلامي لمدة قرن كامل خوّلها تقديم منتوجها على أنه الأفضل و الأوحد إلى غير ذلك من الألقاب التي يروجها المشتغلون بالقطاع ذات الطابع الكلياني الشمولي الذي لا يترك مناصا من القول بنسبيّته أو خطئه من قبيل: العمالقة و العظماء و ألقاب السلاطين و الملوك و الأمراء التي تطلق على الغث و السمين و تروّج على أنها حقائق مطلقة لا تقبل التشكيك و إذا كان هذا الالتفاف الكلي حول هذا النوع من الثقافة يطرح ألف سؤال فربّما وجدنا العذر لشعوبنا في إقبالهم هذا باستغلال مصطلح القومية العربية الذي قام به هذا الجهاز الإعلامي الضخم ليواصل لفّ شباكه على العقول العربية و تغييبها بأسماء كأم كلثوم و شخصية السيد عبد الجواد التي اخترعها خيال الراحل نجيب محفوظ و جعلت منها السينما المصرية نموذجا للرجل الشرقي إلى أن أوهمت كل من ينتمي إلى اللغة العربية بأنه شرقي و هذا لا يخرج عن نطاق الاستعمار العربي-العربي الذي يمارسه البعض على البعض الأخر بدعوى امتلاكه الحقيقة المطلقة و قدرته دون غيره على صياغة مفاهيمها و الترويج لها.
و إذا كان الالتفاف في السنوات الخمس الماضية قد بدأ يتجه نحو الدراما السورية و الإنتاج الثقافي السوري فربّما اعتبرنا ذلك علامة صحة لأننا تفطنا إلى الصراع الطبقي الذي تدور حوله أغلب المنتوجات المصرية و الذي ينتهي دائما بحلول توفيقية يتزوج فيها الخادم الفقير أو الطالب الفقير أو الفنان الفقير بامرأة غنية و السؤال الذي يطرح: هل ما يقدمه الاعلام المصري عن المصريين هو حقيقة ذلك الشعب الذي بنى الأهرامات و طرد إسرائيل من "طابا" أم هو يقدم لنا الحلم و الأوهام لأن ذلك ما يحتاجه باقي الشعوب العربية؟
إن ما يقال عن الدراما المصرية هو ما سيقال عن الدراما السورية -التي اتخذت منحى ثقافيا أخر هو الاهتمام بمشاكل الشباب و التحول العالمي في منزلة المرأة و وظائفها الجديدة- حين تقع هذه الأخيرة في شرك الاحتراف و المقاولة و ما يقال عن التفافنا حول الدراما المصرية هو ما سيقال عن التفافنا حول غيرها من المنتوجات السورية و المكسيكية و التركية لأن ثقافة العالم الثالث تروّج في كل مرّة بأسلوب مختلف لئلا يملّ السيد المشاهد العربي الذي لا بدّ له من إدمان أي شيء لئلا يفكّر و يقرر ويغيّر...هذا المشاهد العربي الذي صنع وضعه الدرامي بنفسه و لم يجن عليه أحد. و إذا كنا لا نرى من هذه البلدان إلا قشورها كما لا نرى من الغرب إلا قشرته فمتى سنصل إلى اللب و نعرف أن الصورة التي تطل علينا ليست الوحيدة و ننتبه إلى التلف الذي أصاب أسماعنا حتى صرنا مجرد مستهلكين لصورة يتحكم فيها عقل خارجي كبير وهبناه عقولنا و انتصبنا أمام العالم مجرد حواس جائعة ترى فلا تشبع و تسمع فتزداد جوعا و تلتهم فلا تقنع...أ لِأنّ الروح و الفكر حقيقة و أن كل حقيقة يجب أن تكون من انتاج أهلها لتحقق الشبع و تفرز هوية و موقفا من كل ما يحيط بنا؟