آخر الأخبار

العائدون من الموت

\

اعتاد الناس ترديد عبارات من مثل "من له عمر لا تقتله الشدة"، "أعطني عمراً وارمني في البحر"، "عمر الشقي بقي" وغيرها عند الحديث عن أشخاص مروا بتجارب غريبة كادت أن تضع حداً لحياتهم وتكتب الفصل الأخير فيها.

ويحفل المجتمع السوري بالكثير من القصص والوقائع الغريبة لأشخاص واجهوا الموت وخاضوا لحظاته الصعبة لكنهم نجوا منه بأعجوبة وعاشوا ليؤكدوا أن "الأعمار بيد الله".

حول هذه الظاهرة وبعض القصص الواقعية الأقرب إلى الخيال نطرح هذا التحقيق الذي يتضمن تجارب على ألسنة أبطالها:

"ملهم الصحن" شاب سوري في العقد الثالث من عمره عاش منذ سنوات تجربة غير عادية أوشكت أن تودي بحياته لولا إرادة الله لينجو بمعجزة إلهية من موت محتم بعد أن سقط من الطابق الثالث عشر وأنقذه غطاء قماشي لسيارة شاحنة كانت تقف بالمصادفة إلى جانب إحدى العمارات الضخمة وسط مدينة حماة السورية وقال شهود عيان كانوا في المكان آنذاك لحظة وقوع الحادث إنهم شاهدوا شاباً يسبح في الهواء بعد سقوطه من سطح بناية يبلغ ارتفاعها نحو 55 متراً ثم يصطدم بالقماش الذي يغطي صندوق سيارة "بيك آب" كانت متوقفة في الجانب الشرقي للعمارة ليستقر بعد ذلك فوق كومة من التراب وأضاف الشهود إنهم فوجئوا بالشاب يسقط، ويقف على قدميه دون أن يُصاب بأي أذى وكأن شيئاً لم يحصل.

"عمر ألفين" شاب آخر في أواخر العقد الثاني من عمره يتذكر حادثة مؤلمة حدثت له في طفولته المبكرة قائلاً: كنت في التاسعة من عمري ألعب على سطح منزلنا عندما لفتت نظري دالية عنب تتدلى منها حبات حصرم على سطح الجيران، وكانت هناك قطعة حديد طويلة تصل السطحين ببعضهما بعضاً وهي بطول ستة أمتار، وبشقاوة الأطفال مشيت فوقها دون أن أقدر خطورة هذا الأمر، وعندما اقتربت من سطح الجيران سمعت صوت إحدى جاراتنا تحذرني من الوقوع وما إن سمعت صوتها حتى هويت من الطابق الثاني إلى أرض الديار في منزلنا، ولم أعِ ما حدث بعد ذلك وتم إسعافي وكنت مغسولاً بالدماء وغائباً عن الوعي كما قالت لي أمي في ما بعد لأنها كانت أول من رآني على الأرض بهذه الحالة، وبقيت في المشفى الوطني في حمص حوالي شهر ونصف الشهر غائباً عن الوعي تماماً في شعبة العناية المركزة، وحينما عدت إلى الوعي وجدت أهلي وأقاربي حولي غير مصدقين أنني ما زلت حياً ولكن كما يُقال "عمر الشقي بقي" وشفيت بعدها والحمد لله ولكن هذا الحادث ظل مرتسماً في خيالي وذاكرتي إلى الآن وما زلت أخاف من الأماكن المرتفعة.

ويروي المهندس نجيب نقرور قصة تعرّضه لحادث سيارة خطير ونجاته بمعجزة إلهية قائلاً: يوم 17/8/1998 كنت أقود سيارتي قادماً من مدينة طرطوس باتجاه حمص وكان يركب إلى جانبي صديقي وطفلاه الصغيران وزوجته في الخلف، وفي الطريق فوجئت بسيارة مرسيدس تنطلق بسرعة هائلة في حارة المرور التي كنت أسير فيها وأخذت أقصى يميني، لكنه ظل يلاحقني فأخذت يساري محاولاً تفادي الاصطدام به وعندها سلمت بوقوع القدر وجّهتُ السيارةَ بشكل عرضي وعندها اصطدم بمنتصف سيارتي فانشطرت إلى قسمين وطار السقف العلوي في الهواء والنصف الأمامي من السيارة توقف في مكانه لأن السيارة الصادمة ضربت المحرك فتوقف عن الحركة، أما النصف الخلفي الذي كان يضم زوجة صديقي وطفليها فطار بعيداً ليستقر في أرض زراعية، وحاول الشخص الصادم أن يهرب عندما رأى هذا المنظر الفظيع ولكنه لم يستطع لأن سيارته توقفت أيضاً من أثر الاصطدام، وغبت عن الوعي ولم أفق إلا في المشفى وقد أصبت من جراء هذا الحادث بكسر في الفقرة السادسة من العمود الفقري وهذه الإصابة عادة ما تؤدي إلى شلل رباعي، لكنني نجوت بمعجزة إلهية وبقيت على فراش المرض حوالي ثلاثة أشهر زالت بعدها مضاعفات الحادث وعدت طبيعياً والحمد لله.

ويروي ياسر منصور، موظف، قصة صديق له في العمل أجريت له عملية قلب مفتوح في منتصف الثمانينات وكانت مثل هذه العمليات غير مضمونة العواقب وتحمل نسبة كبيرة من الخطورة تلك الفترة لعدم توفر وسائل العلاج المتوفرة اليوم، وبعد خروجه من العملية أعطاه الأطباء المعالجون عمراً افتراضياً للصمام المركب بحدود 15 سنة يفترض بعدها أن يبدل هذا الصمام وقد مضى على هذه العملية حتى الآن حوالي ربع قرن ولا يزال على قيد الحياة وبصحة مقبولة رغم أنه لم يبدل الصمام ومن المفارقة أن زوجة هذا الصديق كما يقول محدثنا أجرت عملية بسيطة لإزالة المياه الزرقاء (الساد) من عينها اليمنى وشاءت الأقدار أن تموت تحت التخدير وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن "الأعمار بيد الله".

ويسوق عادل الأحمد قصة واقعية لوالده بدر سليم الأحمد الذي كان في أحد أيام عام 1980 في كراج العباسيين في دمشق يحاول الركوب في أحد باصات النقل ليأتي إلى مدينته حمص، ونتيجة التدافع الشديد سقط تحت العجل الخلفي لأحد الباصات فمشى الباص فوق جسمه في منتصف أسفل الظهر وأصيب والدي ب12 كسراً في الحوض كما كُسرت سبع من أضلاعه، إضافة إلى حدوث ثقوب في إمعائه وبقي في العناية المركزة مدة 72 ساعة، وقد نصحنا الأطباء الذين عالجوه أن نحفر له قبراً ونستعد لمراسم العزاء ولكن إرادة الله شاءت أن يظل على قيد الحياة ويتعافى والحمد لله.

أما نبيه الحسن وهو كاتب سوري فيروي تفاصيل تجربة قاسية واجه الموت فيها عندما كان في الثالثة عشرة من عمره قائلاً: في أحد أيام عام 1968 كنت أهم بدخول شركة مصفاة حمص التي كان عمي مديراً لها وعندما حاولت اجتياز طريق الاوستراد باتجاه مدخل المصفاة صدمني باص كان قادماً من دمشق باتجاه اللاذقية ورمى بي إلى الأعلى بحوالي ثلاثة أمتار لأهوي بعدها على الأرض مضرجاً بدمائي، وقد بقيت في غرفة العناية المركزة أكثر من أربعين يوماً عانيت خلالها من آلام الكسور التي لم تترك جزءاً من جسدي وكل من رآني من الأهل والأقارب لم يكن يصدق أنني سأبقى على قيد الحياة ولكن إرادة الله شاءت أن أبقى حياً إلى اليوم بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على هذا الحادث الأليم.

الخليج