"حين نظرناإلى الأرض من كوكب المريخ لم نَرَ فيها إلا عالما صغيرا يمكن التحكم فيه بسهولة"
ألا تبدو الكرة الأرضية من المريخ للأمريكان أشبه بتفاحة زرقاء؟ هؤلاء الأشباح الجدد، مصّاصو الدماء فهذه الأمة التي استطاعت خلال أقل من قرن أن تكون سيدة العالم لم تكتسب هذه الثقة في ذاتهاإلا لأن زاوية نظرها إلى العالم قد تغيرت فتغيرت نظرتها لنفسها فضلا على قدرتهاالأخطبوطية على استقطاب العقول و رؤوس الأموال من كل مكان في العالم...
طالما علمتنا حضارتناأن العلم فضيلة و لكن العلم على الطريقة الأمريكية لا يخضع لمنطق الفضيلة و الرذيلة بل يخضع لمقياس الأسرع و الأنجع و الأربح..
أما نحن ورثة الحرب الباردة فقد بقينا داخل الكرة الأرضية و لم نستطع أن نغادرها لنراها يوما من الخارج علّ أشياء فينا تتغير علما أن الكثير من أدمغتنا المهاجرة قد شارك في صنع ذلك الحدث الإنساني و رغم أن لنا حقا في الأموال التي جعلت الاكتشافات أمرا ممكنا لأن أغلبها ناجم عن الفترة الاستعمارية التي غنم فيها العالم الغربي و ما زال يغنم.
إن هذا النموذج الأمريكي الذي طالما أثار الإنبهار بعظمة اقتصاده هو نموذج قائم على العلم، العلم الذي نقدته الابستيمولوجيا فنقّته من كل ما عداه من العلوم الكنسية و الفلسفة حتى عاد عِلما محضا هو وسيلة ذاته و غايته النجاعة و المادية بكل وجوهها..
و من النظريات التي قامت عليها القوة الأمريكية، نظرية الانتقاء الطبيعي لداروين التي جعلت من الإنسان قِردًًا في أصله الأول والثانية نظرية التحليل النفسي (فرويد) و التي وضعت الانسان وجها لوجه مع عالمه الآخر و قدمته في جانبه الأخسّ و طبعا نظرية ماركس الشهيرة حول "رأس المال" و نتائجها الهامة حتى الآن رغم سقوط الشيوعية و إن هذه الأفكار على أهميتها النظرية قدغيّرت مسار البشرية تغييرا سلبيا أفقدها الكثير من مقوماتها الأخلاقية و هذا لدى جميع الشعوب باختلاف مشاربها فقد وقع استغلال نتائج هذه النظريات التي عادت بالهلع على الشعوب حتى جعلت منها سوقا لمنتوجاتها الإنحرافية من قبيل علم التنجيم الذي ازدهر في عصرنا ازدهارا لا حدّ له فتجده حيثما سارت قدماك على صفحات المجلات و الكتب و الانترنت و بالهاتف و كأن المنجم يملك مفتاح مستقبلك السحري و كثير من المتابعين للأبراج يفعلون ذلك من أجل سماع كلمة تحفيز تنهض بهم و إن كانوا "كالمستجير من الرمضاء بالنار" يبحثون عن المطلب الحسن في المنبًَت السوء
و من نتائج ذلك صناعة مواد التجميل التي توهم المرأة أنّها تمتص غضبها و تبرز جمالها و تحدث لها تعويضاعن الرعب الوجودي الذي تعيشه كفرد من أفراد المجتمع الغربي أو كفرد معرّض أكثر من غيره للضغوط الإجتماعية. بل إن من نتائج هذا النظام الاستهلاكي كل الأمراض السرطانية التي تقتل آلاف الأفراد في العالم كل يوم بسبب المواد الإشعاعية و الخطرة التي تحتوي عليها الأطعمة الحديثة و المنتوجات التبغية بكل أنواعها. فهل العلم هو نظرية الدونية العنصرية (هوفمان)التي شاعت في أمريكا و كانت تتخذ من الزنوج حيوانات مخبرية يقع قيس أعضائها عضوا عضوا ليثبتوا قابلية هذا العرق للدونية في سلم البشرية البيولوجي و بالتالي العقلي دون اعتبار الظروف الاجتماعية المتمثلة في القهر و الإهمال الصحي فضلا عن الظروف التاريخية المتمثلة في شراء العبيد و حملهم من افريقيا إلى الأطلسي للعمل و التي جعلت منهم سلالة ضعيفة تنهشها الأوبئة و تحدّ من طموحاتها ظروفها الاقتصادية في تلك الفترة.
و هل العلم أن نفقر الإنسانية مما يحييها و نحشو سوق الاعلام بالأفكار الانحرافية كتلك التي تشجع المثلية الجنسية و التطاول على القيم الأساسية و تجعل من الجسد سلعة ممجوجة تُلاكُ و تُرْمى و هل العلم أن ننتج سلعا استهلاكية تنتج بِدَوْرها أمراضا لتقدم لنا سلعة استهلاكية أخرى في شكل دواء بل أي علم هذا الذي يواكب تطوُرُه تاريخ التسلح على وجه الكرة الأرضية..
هذا النظام الاقتصادي الذي وجد نفسه في ورطة كبيرة في عصرنا بسبب المحدودية النظرية التي قام عليها لا بد أن يسترد أنفاسه في وقت قصير و يجد بدائل جديدة في أسماء ماركات جديدة و في أسماء دول جديدة و أقطاب صناعية جديدة لأن العقول التي تقف وراءه لا تعترف بأي انتماء غير انتماء المصلحة و لا ترتضي أي نوع من العلاقة غير علاقة الحوت الكبير يلتهم الحوت الصغير..كما أن العالم يتجه نحو هذا النوع من المعاملات فمفاهيم مثل الوطن و المبادئ و الشرف صارت ذات دلالات هلامية لا تحيل على الحميّة و العصبية بل قد صارت لدى الأغلبية الغالبة كلمات بلا معنى بعد أن أصبح للدولة مفهوم العصابة التي تملك الحق المطلق في التصرف في الموارد المادية و البشرية و تكرّس الصراعات الطبقية الأكثر تجذرا و تقليدية في المجتمع لتستفيد من اللاتوازن على كل الأصعدة...