أنا متيقن من أنك تتقلب في قبرك بعد إن أقدم احدهم على رفع العلم الإسرائيلي في ذكرى رحيلك... فاغفر لنا يا معلمنا ما صنعوا بك وبنا فإننا بعد قليل سوف نعود إلى ذاتنا خجلين.
اعلم أخانا محمود انه لا يروق لك هذا المشهد "الرذيلة" التي ارتكبها بعض التافهين... ولو كنت تدري بأنهم سيهينونك بهذا الشكل، لفضلت إلغاء مراسيمك، ولفضلت أن تمر الذكرى الأولى بصمت فأنت لا تحب "الهيصة" والصخب نعرفك تحب صمت البروة المهجرة!وعنفوان فلسطين الثائرة .
إنهم يطلقون الرصاص على جثمانك يا محمود فماذا تقول ؟ إنهم يتاجرون بموتك وأنت الذي لم تمنحهم فرصة التجارة بحياتك ولا بقضيتك ولا بشعرك.. هم يسرقون اسمك وفسيفساء موتك ليتباهوا بها .. فأي قيادة هذه التي تتنكر لكون درويش فلسطينيا من صلب فلسطيني !وأي جمهور هذا الذي سمح بأن تطلق رصاصة الاهانة على درويش بعد موته .
هم لا يستحقونك !
ما أتفهنا.. ما أقبحنا .. ونحن نهين ذاتنا المتجسدة بدرويش .. ما أوقحنا حين نجعل العلم الذي جعل من أهل درويش لاجئين في وطنهم يرفرف في ذكرى غيابه..فأصحاب هذا العلم لم يحترموا درويش اضطهدوه وهجروه.. هدموا بيته واستولوا على أرضه ... فبأي حق يرفع هذا العلم ويظلل ذكراه... نريد إجابة من القائمين على هذه البهدلة ... نريد إجابة من تجار المناسبات ... نريد اجابة من الذين تواجدوا هناك وصفقوا لدرويش .. نريد الإجابة ومحمود درويش أيضا يريد الإجابة في قبره !
لماذا تغتالونه ؟
ما من شك بأن هناك من دفع البعض إلى رفع العلم الإسرائيلي وهو يهدف إلى اهانة درويش واغتياله من جديد وربما أراد اهانة درويش عن سبق إصرار وتعمد لكنني اعتب على من تواجد هناك وسمح بتمرير الاهانة .. اعتب على القادة السياسيين الذين سمحوا بقتل درويش مرة ثانية ! اعتب عليكم جميعا إذ سمحتم للاهانة تمر بهذه السهولة .. واعتب على القيادة العليا للأقلية الفلسطينية هنا والمسماة لجنة المتابعة العليا والتي لم تتبنى المهرجان إدارة وتنظيما وتجعله مهرجانا يليق بقامة درويش .
بدلا من رفع علم مضطهدي درويش ضعوا على قبره سبع سنابل خضراء فهي موجودة اليوم .. مروا بالبئر القديمة في البروة وقولوا للموتى حواليها سلاما ! أو فاصمتوا فأحيانا الصمت أفضل !
إلى أين وصلنا ؟
حتى تجارتكم خاسرة ومهما حاولتم تبرير الجريمة التي اقترفت اليوم بحق محمود درويش ومحبيه إلا أن هذا التبرير سيرتد عليكم .. فأنتم تثبتون يوما بعد يوم بأنكم "صُناع الهزيمة" .. الذي يصمت على ما حصل فهو شريك خائب في الجريمة..والذي وقف فهو أخيب من خائب.
لم يكن محمود درويش بحاجة لهذه المهزلة.. محمود درويش بحاجة لمن يصون وصاياه .. لمن يحفظ تراثه الذي أصبح تراث شعب وجيل .
فمحمود الذي طلب من الموت ان ينتظره ريثما ينهي تدابير الجنازة حيث ولد ... وحيث سيمنع الخطباء من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين.. وعن صمود التين والزيتون ....
"أيها الموت انتظرني خارج الأرض
انتظرني ريثما انهي تدابير الجنازة في الربيع الهش,
حيث ولدت ,حيث سأمنع الخطباء
من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين
وعن صمود التين والزيتون في وجه الزمان وجيشه.
سأقول صبوني بحرف النون,حيث تعب روحي سورة الرحمن في القران.
وامشوا صامتين معي على خطوات أجدادي
ووقع الناي في أزلي.ولا تضعوا على قبري البنفسج, فهو زهر المحبطين,
يذكر الموتى بموت الحب قبل أوانه.
وضعو ا على التابوت سبع سنابل خضراء إن وجدت, وبعض شقائق النعمان إن وجدت.وإلا فاتركوا ورد الكنائس للكنائس والعرائس"
انه يصرخ اليوم في قبره ويقول اتركوني أنام طويلا.. فلم يعد للتين طعما ولا رائحة للزيتون .. اتركوني أيها الخطباء لا أريد.. لا سبع سنابل خضراء ولا شقائق النعمان .. لا أريد !! إنني أرى ما أريد
.