تعكف سيدات البيوت في القرى الساحلية في مثل هذه الفترة من السنة لإعداد سلة غذائية متكاملة من الخضر المجففة تخزن مؤونة لفصل الشتاء مستفيدات من الوقت المثالي الذي يوفره شهر أيلول من تراجع الرطوبة وزيادة حدة أشعة الشمس لإنجاز هذه الصناعة الطبيعية بنجاح.
وفي لوحة تتعدد فيها الألوان وفق أنواع الخضر تأخذ حبائل البامياء والباذنجان المحفور والقرع والفلفل الأحمر والملوخية مكان نشر الملابس إلى حين على الشرفات والأسطح في المنازل الريفية وسط الجبال لضمان تعرضها إلى الشمس بصورة كافية بما يحصنها ويمنع الحشرات من إفسادها.
ورغم انتشار طريقة حفظ الخضر بالتبريد والتي وفرتها الثلاجات الكهربائية المنزلية لكن السيدة ساريتا كيليكيان من منطقة كسب في اللاذقية تحرص على حفظ الخضر بطريقة التجفيف التقليدية كجزء من تراث المطبخ الساحلي وتقول إن تجفيف الأطعمة موجود في تراث الطعام الجبلي منذ القدم ويشمل الأعشاب والخضار والفاكهة.
وتقول كيليكيان في لقاء مع سانا.. تلجأ النسوة إلى تجفيف ما يزيد عن إنتاج محاصيل الموسم للاستفادة منه كمؤونة شتوية واصفة هذه الطريقة في حفظ الخضر بالطبيعية والمفيدة للصحة فالمحاصيل المجففة لا تفقد قيمتها الغذائية كما أنها تعد مصدر رزق للعديد من الأسر التي تبيع ما يزيد عن حاجتها في الأسواق.
وتميز السيدة كيليكيان بين عملية تجفيف الخضر وتجفيف الفواكه فلكل منهما طريقة خاصة وان كان تجفيف الفواكه أكثر صعوبة لاحتوائها على نسبة عالية من السكر الذي يمنع تبخر الماء من الثمار ويحتاج إلى فترة أطول تحت أشعة الشمس.
وترى السيدة كيليكيان أن أشهر أنواع الفواكه المرغوب تجفيفها التين والعنب والمشمش وبعضها يترك طويلاً على الأشجار قبل أن يقطف مثل ثمرة التين كي تتعرض لمرحلة أولية من التجفيف ثم تعالج في خطوات لاحقة ليستكمل تجفيفها بوضعها في مكان نظيف على سطح المنزل أو تعلق في خيطان بأحجام متوسطة في مكان مصدر جيد للشمس.
وتنصح بالابتعاد عن الأنواع الرديئة من الثمار واختيار الأنواع الجيدة لتظهر الألوان بشكل أقوى وأجمل وتعريضها لأشعة الشمس المدة اللازمة.
وإلى جانب الخضر والفواكه المجففة تنشغل سيدات البيوت في الريف الساحلي في إعداد مساحيق النعناع والريحان والكزبرة والزعتر الذي يستخدم في تحضير أقراص الشنكليش وهي طعام ذاعت شهرته حتى وصل موائد المطاعم وسط المدن السورية
ويعد بغلي اللبن وانتزاع جميع خواصه الدسمة حتى يتحول إلى مادة أولية من القريشة وتلف على شكل أقراص صغيرة وتغلف بالزعتر البري الجاف وحبة البركة وتغطى بالشاش بعد وضعها في صوان معدنية قبل أن تعرض للهواء ثم تخزن في أوان فخارية حتى تصبح طرية وبذلك تكون جاهزة للأكل.
ولا تقل أهمية تجفيف الخضار والفواكه عن عملية تجفيف الأعشاب البرية في استخداماتها الغذائية والعلاجية لدى اهل ريف الساحل ويرى المزارع علي أسعد عند تجفيف الأعشاب بضرورة قطفها قبل موعد ازهارها اذ تحوي نسبة أعلى من الزيوت المتطايرة واختيار الوقت المناسب للقطاف يكون صباحاً أو مساء ويشترط عدم تعرضها لأي نوع من المبيدات الحشرية او الكيميائية ومع ذلك لابد من غسلها ومن ثم جمعها في طاقات صغيرة بعد تخليصها من الشوائب وتعليقها بالهواء تحت أشعة الشمس المباشرة لثلاثة أسابيع قبل وضعها ضمن أوان زجاجية محكمة الإغلاق في مكان جاف من المنزل.
وتعد عشبة اليانسون والزعتر البري والشمرة والبابونج من أكثر الأنواع استهلاكاً لكونها تستعمل في الشتاء بشكل كبير على شكل مشروبات لها فوائد علاجية أو عن طريق إدخالها في أنواع كثيرة من الأطعمة كمنكهات لها لذة مميزة.
ويؤكد الدكتور واصف الحاج أخصائي تغذية أن هذه المواد لا تحتفظ بقيمتها الغذائية عقب تجفيفها فقط بل تتركز الفائدة الغذائية بشكل أكبر لأن الرطوبة والمياه الداخلة في تركيب حبة الخضر أو الفاكهة يزول تماما ويظهر الطعم بشكل أقوى من الحبات الطازجة كما ان التجفيف يساعد على قتل الكثير من البكتيريات والفطور التي لا تتحمل المناخ الجاف فيها فتموت من تلقاء نفسها.
ويضيف الحاج أن كمية السعرات الحرارية المأخوذة من هذه المواد تكون اعلى من الطازجة نظرا لتركز السكريات بكميات أكبر لذلك ننصح مرضى السكري والأشخاص الذين يتبعون حميات غذائية بالابتعاد عنها او تناولها بكميات قليلة. ( ياسمين كرّوم-شهيدي عجيب-سانا)