آخر الأخبار

وقل : ربي احفظهما كما ربياني صغيرا

توافدوا وتزاحموا ..على باب دار المسنين يودعون أباءهم وامهاتهم ...أمانة غالية في تلك الدار ملأوا الاستمارات المطلوبة ..كتبوا أسماء آبائهم أسماء امهاتهم كتبوا عناوينهم ومحلات اقامتهم وسلموا الامانة مرتاحي البال والخاطر .
دار المسنين هي وفي المجتعات الراقية هي دار الامان..هي منتجع للمسنين قبل رحلة اللاعودة ...دار واسعة فسحة سماوية عجائز في مقاعد مريحة أزهار وانغام وحياة أشبه برياحين أبواب الجنة الفة بينهم مسن ومسنة يلعبان الورق

مسنة تضفر جديلتها البيضاء تحت شمس النهار ..مسن يتجول في حديقة الدار..تسعفه عكازة... قدمت له هدية من جمعية خيرية ...وهناك هناك في الزاوية الأخرى فتيات يوزعن الحلوى للمسنين والمسنات ...حياة هانئة وجميلة في تلك الدار والتي همها تأجيل رحلتهم الأخيرة الى دار الفناء .
أقامت ادارة دار المسنين حفلا مسرحيا أبطاله وشخصياته من المسنين والمسنات ذاتهم ...واحتفاءا وسرورا من ادارة الدار وجهت دعوات رسمية الى أبنائهم وبناتهم لحضور الحفل وذلك على العناوين المدونة في استمارة كل مسن .
ابتدأ الحفل... وفتح الستار ..وتقدم شيخ جليل .هو عريف الحفل المسرحي
قال بشفتين مرتجفتين :
اشتقت لأبنائي ..ولا حفادي .. أشتقت لحفيدتي الصغيرة لتقدم لي كأس الحليب ..وبكى ...ثم بكى ...ثم أجهش بالبكاء وانسحب ترافقه غصة ودموع .
وتقدمت من المسرح عجوزا ..ضحكت ..تفرست في وجوه الحضور ...حبست دمعها ..
قالت : اشتقت اليهم جميعا ..اشتقت لابنتي البكر ..ولابني الأكبر ..الذي لم يسعفني نظري الان في رؤيته بين الحضور . اشتقت لنطنطات أحفادي على سريري .
أين هم الان هل كبروا
هل ذهبوا الى المدرسة ؟
وارتحلت عن المسرح
وتقدم شيخ آخر يستند على عكازته ..فرحا ..ضاحكا ..قال للجمهور .:.ليس لي من أشتاق اليه لأنه ليس لي أبناء وارتحل وقهقهاته تنوس وتنطفيء بدمعاته التي تعرجت ساخنة بأخاديد وجهه الذي كانت له سمات الجمال والعنفوان أيام صباه
وانتهى الفصل الاول من المسرحية واسدل الستار
انفتحت الستارة وابتدأ الفصل الثاني من المسرحية
وصفق المسنون تصفيقا حارا وتعالت ضحكاتهم وازداد هرجهم ..وغصت القاعة بالدموع
تربع المسرح ثلاث عجائز كل واحدة بقربها كلب جاث عند قدميها ويزرف الدموع ويلملم بفمه اردان ثوبها الابيض
قالت العجوز الاولى: هذا كلبي الذي ربيته وأطعمته مرة واحدة ..
وقالت الاخرى: ..هذا كلبي نزعت الشوك من رجله مرة واحدة فقط ..مرة واحدة فقط
وقالت الثالثة :هذا كلبي غطيته مرة واحدة من برد الشتاء ..
كلابنا أيها الحضور حضروا دون دعوة .. فلماذا لم يحضر أبناؤنا بالرغم من دعوتهم
وأسدل الستار وفتح ثانية لتلقي مديرة دار المسنين كلمتها قائلة :
أعذروني أيها الأحباء ..ان هذه الدار تحتضنكم بالحب والحنان ونحن أبناؤكم وبناتكم وأحفادكم .
اعذروني أيها الأحباء فقد أرسلنا دعوات الى أبنائكم جميعا وفق العناوين التي دونونها بالاستمارة العائدة لكم ..وعادت الدعوات ... مكتوب عليها... العنوان خطأ ..فقد كتب أبناؤكم في الاستمارة عناوين( المقابر) وليس عناوينهم
واسدل الستار
وفتح الستار
ردد المسنون نشيد دار المسنين
بصوت واحد( ربي أحفظهم
ربي يسر خطاهم
ربي سامحهم
لانهم لم يدركوا ما فعلوا
ربي سامحهم لأنهم نسوا
ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما
وقل ربي احفظهما كما ربياني صغيرا))
واسدل الستار
وأسدل الستار "