أسعد طه: بيروت عام ألفٍ وتسعمائة واثنين وثمانين، وبيروت ليست مدينة وحسب، وإنما مكان محفور في ذاكرتنا الجماعية ووشم منقوش في مخيلتنا المشتركة، السلام عليكم.
صحيح، فقد كانت مركزاً من مراكز النهضة العربية وفيها تشكَّلت نواة المجتمع المدني الحديث بجمعياته العلمية والأدبية والسياسية المستقلة، ومنها تجددت النهضة في الستينات والسبعينات تاركةً بصماتها في المشهد العربي الحديث. بيروت التي اتجه إليها الفدائيون بعد ذاك الأيلول الأسود، بيروت التي عاد قابيل وهابيل للتناحر فيها باسم الطوائف والقبائل، بيروت التي انقضَّ عليها الجيش الإسرائيلي حتى يقضي على مقاومتها كيف أمكن ذلك؟
الاجتياح الإسرائيلي للبنان
نبيل إسماعيل (مصور صحفي): الصبح بكير الساعة خامسة بيدق الباب حدا من الجريدة قال: إنه رئيس التحرير عنده معلومات بتقول إنه الدبابات الإسرائيلية اجتاحت الجنوب، لازم نمشي على بكير خمسة ونص كنت أنا وإحدى المحررات اللي بالجريدة بالسيارة نتجه جنوباً، ما نلحق نوصل لمحل إلا لما تكون الدبابات الإسرائيلية سبقتنا، (النَبَطيَّة) خلال ساعات كانوا آخدين المنطقة كلتها هناك المنطقة كلاتها هناك، صرنا محتارين من رجع عم بنتسابق نحنا وين للدبابات، كان فيه اجتياح غريب الشكل جحافل من الدبابات كلياتهم كانوا قادمين، كُنَّا عم نضطر نرجع.. نرجع صورنا اللي صورناه واللي كان أبرز شيء لإلي بهاداك الوقت هو هجرة الناس وهربة.. والناس اللي هاربين من الجنوب باتجاه المناطق الآنية، كل 15 عيلة، 20 عاية ببيك أب صغير ما عارفين حالهم بده بيروح، فيه إرباك عام وقتها لأول يومين تلاتة أيام بالساحة ما بنعرف، أرجع على الجريدة، سلَّم الصور، اسأل رئيس التحرير شو هيصير إلي، ما حدا بيعرف. يمكن يكفوا، يمكن ما يكفوا، عم بيحكوا بس بأربعين كيلو متر لقبل صيدا. رجعنا رحنا راحت صيدا راح شو يا جماعة؟ قالوا يمكن بس للدمور ممنوع يفوتوا على بيروت فيه قرار دولي، بأصدق أنا، أطلع أصور، شوية وصلنا شو القصة يا جماعة؟ راحت.. راحت الدمور. قالوا بس على خالدة شوية راحت خالدة. كل ها المناطق هايدا سقطت بسرعة بالنسبة لإلنا وبدأ الحصار على مدينة بيروت. وقت يبلش القصف ما كان ينتهي أبداً؟! أصوات مرعبة ما نعرف إذا كان قصف أو أصوات، ما نعرف شو عم بيصير. الآلة العسكرية الإسرائيلية كانت أكبر من مدى تصورنا إنه بيقصفوا، تُفهم اتنين عم بيقاتلوا بيقوسوا على بعضهم بس طيران وقصف وبوارج ومدفعية ومارينز وإلى ما هنالك والناس ببيروت ما كان عندها شيء. بعد ما أرجع أنا من التصوير من جولتي اليومية على المحاور نرجع كان بدأت بهاذاك الوقت الدبابات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين يمنعوا دخول الخضار والمي على.. على بيروت حتى الخبز، كان لابد من عملية تموين، فبقيوا ناس بالجريدة بيشتغلوا بالأرشيف بنات واللي بيشتغلوا على السنترال وبعض المحررات تحولوا إلى ناس عم بيشتغلوا بالمطبخ، خاصة اللي بيشتغلوا بالأرشيف كانوا، صاروا يروحوا الصبح كي يؤمِّنوا بعض العلب التون أو السردين إذا لقوا شيء مهرب تهريب على بيروت ويجيبوه يطبخوه من شان إحنا عشية ناكل، كنا ناكل وقعة واحدة بس وننام قليل كتير مش إنه إجا الليل وقفت المعارك خلاص (دووا) وتكَّسوا ومشيوا لأ، كانوا الليل أصعب من النهار وقتها، كان القصف الليلي أصعب كتير ما كنت تعرف شو عم بيصير، لأنه كل شيء عتم ببيروت وأنتِ مضطرة تمشي بسيارتك والطيران فوق منك، كان كتير مرعب. إلى حين يوم أنا وبعض الزملا قررنا نشوف للإسرائيلي هذا الرعب إحنا عايشين فيه، يوم كانت بيروت محاصرة قررنا نفوت نشوف هذا اللي عم نخاف إحنا منه، هذا اللي رعبنا طول سنين واللي جاي يقتلنا. طلعنا بسيارة تاكسي مسلحين بكاميراتنا وأنا وقتها كنت أشتغل في (فر رانس) بوكالة اسمها (Associated press) فخزقت كل شيء بيَمُت صلة لجريدة السفير شلته وحملت بس بطاقة (Associated press) إنه هايدي وكالة أميركية ربما تحمين وكوني أنا بأشتغل بجريدة السفير. وفعلاً اجتزنا منطقة حي السلوم وطلعت باتجاه الشويفات وهاديك المنطقة تأجي على مثلث خالدة حتى أشوف شو عم بيصير هناك يعني وإذ بآلاف وآلاف السيارات اللي مُحاصرة بالمثلث، شو بده تجي على بيروت، شو بده طار على بيروت الكل خاضع للتنبيش. لحظة وصولنا إلى هناك زميلي قدام عم بيسوق وأنا قاعد على يمينته.. على اليمين واتنين مصورين ورا، دغري M 16 براسي وبراسه على الارض كما تكون خليت أحد أخدونا لعند واحد اسمه الميجور (خاكي) اعتقلنا أربع مرات.. أربع ساعات -Bardon- اعتقلونا أربع ساعات وبعد منها إجا شخص طرقنا محاضرة بالديمقراطية الإسرائيلية وبالنزاهة الإسرائيلية وإنه إسرائيل بريئة وإنه ها دول مُخربين هم اللي عملوا هيك. أكيد ده كان كذب كتير يعني، وبعدين أفرجوا عنا وطلبوا منا ما نصورش.
القصف الاسرائيلى على الجنوب
دافيد هيرست (صحفي بريطاني): أذكر أنني أمضيت يوماً أو يومين مع المقاتلين الفلسطينيين في مُخيم صبرا وشاتيلا قبيل خروجهم من بيروت، ولا يمكن أن أصف مدى حسرتهم، كانوا ممزقين بين قرار الخروج الذي تم اتخاذه من قِبَل القيادات وبين ما حققوه من سيطرة كاملة على تلك المنطقة، ذلك أنهم كبَّدوا الإسرائيليين خسائر فادحة عند دخولهم إلى بيروت الغربية. كنت أرى في وجوه هؤلاء المقاتلين البسطاء تحسراً بالغاً، وكان يوم خروجهم مأسوياً، كانوا يجوبون بيروت الغربية ويطلقون الرصاص وكأنما هم ينفصلون عن البلد الأم، ولذا جعلوا من خروجهم انتصاراً. أذكر ما شاهدته في ذلك اليوم من انفصال الفلسطينيين عن إخوانهم في بيروت، وعلى طول كورنيش المزرعة كنت ترى هؤلاء يصنعون من خروجهم نصراً حتى ينسوا تلك الطريقة المهينة التي كانوا يغادرون بها بيروت. وقُرب بيتي في عين المرايسة كنت ألتقي بالمقاتلين الفلسطينيين، كانوا يبدون في منتهى الأسف وخلف هتافاتهم بالنصر كانت تختفي الحسرة، كان يجلس إلى جانبي مقاتل دورزي، قال لي شيئاً لا أنساه، قال بالحرف الواحد: "لقد انتهينا من أمرهم الحمد لله وأخيراً خرجوا". ساءني ما قاله ذلك المقاتل وساءني أكثر أنه كان صديقاً لي وأخاً للمقاتلين في بيروت الغربية.
أسعد طه: دعونا نستعرض معاً شريط هذه الأحداث الأليمة من خلال شهادات بعض من عاصروها من رجال السياسة والحرب عَلَّنا نجد بعض الإجابات في اختلاف الآراء وبين السطور.
[ضيوف البرنامج]
- وليد جنبلاط، قاد الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تؤيد الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان.
- كريم بقرداني، محامي ونائب رئيس حزب الكتائب اللبناني، كان قريباً جداً من بشير الجميل.
-جورج حاوي، زعيم الحزب الشيوعي اللبناني سابقاً، وأحد صانعي الأحداث في الحرب الأهلية اللبنانية.
-شفيق الوزان، مسلم سُنِّي كان يشغل منصب رئيس الوزراء خلال الاجتياح الإسرائيلي.
-مَنْح الصُّلح، أحد أبناء آل الصلح صانعوا استقلال لبنان، مثقف وكاتب قومي، عمل مستشاراً للرئيس سركيس.
-أحمد جبريل، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة).
-نايف حواتمة، أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
-فاروق القدومي، أحد مؤسسي حركة فتح، ينتمي إلى التيار الناصري.
-اللواء محمد فوزي، وزير الحربية المصري السابق، كلفه الرئيس جمال عبد الناصر بالإشراف المباشر على توقيع اتفاق القاهرة عام 1969م.
[عرض مختصر للأحداث في بيروت]
تتابعت أحداث بيروت هكذا: في عام 69 يُعقد اتفاق القاهرة، الذي يُشرِّع العمل الفدائي المنطلق من أرض لبنان.
وفي منتصف عام 76 تقع أحداث مخيم (تل الزعتر) الشهيرة.
وفي نوفمبر تشرين الثاني من العام التالي يقوم السادات بزيارته الشهيرة إلى القدس.
وفي العام التالي تجتاح إسرائيل لبنان، وهو الأمر الذي يتكرر في عام 82 الذي يشهد شهرُه التاسع اغتيال رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل، فاجتياح إسرائيلي لبيروت الغربية وبداية مجازر المخيمات، ثم انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية، وفي الأسبوع الأخير من ذات الشهر يبدأ خروج الفدائيين من لبنان، وكذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من بيروت الغربية.
المقاومة الفلسطينية وأسباب الاجتياح الإسرائيلي
الدبابات الاسرائيلية تجتاح بيروت
أسعد طه: كيف أمكن هذا؟ مدينة النهضة العربية تلتهب بنار الفتنة، يحاصرها العدو الصهيوني وينذر أهلها بالإبادة إن لم يتعاونوا معه للقضاء على المقاومة الفلسطينية، هذه المقاومة التي جعلت من بيروت خيمتها الأخيرة؟ كيف تمكن العدو الإسرائيلي من الفدائيين ومن قدرات لبنان والأمة العربية؟
جورج حاوي (رئيس الحزب الشيوعي اللبناني سابقاً): للحرب الأهلية اللبنانية أسباب عدة، الداخلي والخارجي، وفي أسبابها الداخلية عناصر متعددة، تبدأ بتأزُّم الوضع الاقتصادي الاجتماعي، لتمر بتأزم الحياة الديمقراطية اللبنانية في ظل نظام سياسي محتجر يكرس الامتيازات الطائفية باسم الموارنة على حساب جماهير الموارنة والمسيحيين والطوائف الأخرى، ولحساب قلة من المتسلطين من أبناء العائلات أو أصحاب النفوذ المالي والإقطاعي. ذلك إذن تفاقم وأدى إلى لقاء عوامل انفجار في المجتمع اللبناني مع عامل النهوض الفلسطيني بعد أحداث الأردن وضرب المقاومة الفلسطينية في الأردن انتقل الثقل الأساسي للصراع إلى لبنان ووجد في لبنان.. أقول: الأرض الخصبة.
نايف حواتمة (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين): عندما وجدنا أنفسنا في بيروت جنوب لبنان بعد أيلول الأسود في أغوار الأردن وفي عَمَّان درجة التفاوت في النضج أيضاً سحبت نفسها -مع الأسف- لسنا كلنا الذي تعلم الدروس، نحن قدمنا قراءة نقدية شاملة صدرت في كتاب عنوانه (أيلول الأسود ودروسها خلاصات ونتائج). نشرناه ثم قدمنا مراجعة نقدية لسياسة الجبهة الديمقراطية وتكتيكاتنا في المجلس الوطني الفلسطيني في يونيو 71 الذي انعقد بالقاهرة، ولم يقدم أي فريق فلسطيني مثل هذه المراجعة النقدية، بل كان ذهولاً عاماً ومناقشة لنا: كيف تكشفون كل هذا الغسيل أمام الجميع وأجهزة الإعلام؟ قلنا: نحن نبني علاقتنا على قاعدة ديمقراطية مع الجماهير فقوتنا الأساسية هي مع الناس، مع المناضلين ومع الذين يتفهمون قضايانا.
أحمد جبريل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة): خرجنا من الأردن مهزومين، تركن الأرض الملائمة والمناسبة للتحرير عمقنا للتحرير، عارف كيف فكان ما فيه أمانا إلا أن نجلس في قاعدة انتظار هي سوريا ولبنان، وسوريا نظام قوي لا نستطيع أن نمارس أو يمارسوا هؤلاء الناس كما كانوا يمارسوا في الأردن فذهبوا إلى لبنان كنظام ضعيف هناك، فتم وضع ثقل في لبنان. لكن كُرر نفس الخطأ العسكري كنا موجود على تماس.. كنا موجودين على تماس مع العدو بين جبل الشيخ ورأس الناقورة نتيجة للضربات العسكرية وإغارات المدرعة للعدو في منطقة العرقوب أول مرة. وتاني مرة ثم في منطقة (بنت جبيل) سبب انكفاء للمقاتلين إلى داخل القرى ثم إلى داخل المدن الصغيرة ثم إلى بيروت وكانت النهاية في عام 1982م الاجتياح.
كريم بقرداني (نائب رئيس حزب الكتائب اللبناني): وأعتقد هنا أن الفلسطينيين لم يعني لم يلحظوا كفاية أنهم تجاوزوا خطوط حُمر كثيرة داخل المجتمع اللبناني وأصبحوا بالنهاية استعداءهم سهلاً.
أسعد طه: كانت البداية مع نكسة 67 المأساوية، فالفلسطينيين يبحثون عن مأوى وجبهة لدى بلدان الجوار من الأردن إلى سوريا ولبنان. وبلدان الجوار ما فتئت تعاني من اضطرابات عِضال منذ قيام الكيان الصهيوني، ففي لبنان توالت الأزمات الحكومية بحثاً عن صيغة توُفق بين وجود المقاومة الفلسطينية من جهة، وسيادة الدولة اللبنانية من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي كان يؤمن فيه فريق من اللبنانيين بضرورة المقاومة ويضع تجاوزات بعض الفلسطينيين جانباً، كان فريق آخر يغالي ويطالب بطرد من سماهم بالغرباء. والحق أن الخلاف حول وجود المقاومة الفلسطينية كشف عن أزمة في بنيان الدولة اللبنانية، هذه الدولة التي قامت على أساس ميثاق وطني تمت صياغته قبل الاستقلال عام 1943م، وهو الميثاق الذي رسم تمثيل الطوائف في الدولة ووزع بناءً عليه مناصبها الرئيسية. لكن التوازن الطائفي المُعتمد تغير مع مرور الزمن، ولم تكن إثارة الأزمات حول شرعية وجود الفدائيين على الأرض اللبنانية سوى مؤشر للحاجة إلى مراجعة هذا الميثاق الوطني. لكن بانتظار حل الأزمة الداخلية وجب اللجوء إلى حكم خارجي تمثل في الرئيس جمال عبد الناصر.
اللواء. محمد فوزي (وزير الحربية المصري السابق): جبت إميل، قائد الجيش اللبناني هنا في مكتبي في القاهرة، وجبت ياسر عرفات وقعدتهم جنب بعض وعملت عملية تنظيمية وتنسيق بين قوتين واحدة منهم كاشة والتانية نشطة بس على تواجد على أرض لبنانية، والبند الأخير كان في الاتفاقية عدم المساس بالسيادة اللبنانية. فنظمت العملية بالشكل اللي يبقى فيها إيجاد مقاومة موجودة في الحدود اللبنانية لأول مرة.
فاورق القدومي (رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية): وهنا بدأ دور لبنان أيضاً إحنا في عَمَّان يعني استوعبنا الحركة الوطنية، أما في لبنان قلنا لا بلاش استيعاب للحركة الوطنية، خليها تعمل معنا بالتوازي. فكانت الحركة الوطنية اللبنانية تعمل معنا بالتوازي، وساعدنا كما قلت.. المرحوم عبد الناصر عندما عُقد هذا الاتفاق اللي هو اتفاق 69 مع لبنان.
شفيق الوزان (رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق): هذا.. هذا الاتفاق صار فيه شيء من التخلي عن السيادة اللبنانية عملياً، وإن كان بعد كل بند مع حفظ السيادة اللبنانية. وكان الموضوع إنه إعطاء الفلسطينيين (Corridor) ممر إلى الأرض المحتلة. وكان أصبح هناك اللي بيقولوا (فتح لاند) أي أرض فتح. وبدأت تشتغل بالفعل المقاومة الفلسطينية بلبنان.
كريم بقرداني: صار الخلاف حول هل هيحق للفلسطينيين القيام بعمليات من خلال الحدود اللبنانية أم لا؟ المسيحيين كانوا يقولون لأ، المسلمين كانوا يقولون.. يدعمون.
فاروق القدومي: وبدأ إخوتنا في لبنان أيضاً يدخلون المقاومة ويشكلون منظماتهم، مثلما تشكلت أفواج المقاومة اللبنانية اللي هِيْ أمل، كان رحمة الله الشيخ الصدر هو الذي شكل هذه القوات، ساعدناه كثيراً في تشكيل هذه القوات.
نايف حواتمة: نحن في الجبهة الديمقراطية بنينا علاقتنا في إطار العلاقات الفلسطينية اللبنانية على ذات القاعدة التي ناضلنا من أجلها على الأراضي الأردنية، أيْ.. أيَّ تعارضت على الأرض اللبنانية بين القوى الفلسطينية.. بين قوى فلسطينية وقوى لبنانية يجب حلها سلمياً وبهدوء وإخضاعها للتناقض الرئيسي مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل أرضاً الفلسطينية ويوجه ضرباته الموجعة الدامية.
أحمد جبريل: حاولنا أن نقوم.. أن نوقف هذا التراجع، عارف كيف؟ وعرفات واجهنا بقوة النار. افتعل الاشتباكات والقتال مع كل من الفصائل الفلسطينية، نحن الجبهة الشعبية والديمقراطية تآمر علينا.. على داخل هذه الفصائل لشراء بعض الضمائر المهزوزة، لعمل انشقاق في كل فصيل من هذه الفصائل.
اتفاق القاهرة عام 69، أثاره وموقف الحكومة اللبنانية منه
القصف الاسرائيلى على الجنوب
أسعد طه: لم يقدم إذن اتفاق القاهرة الموقع في الثالث من أكتوبر تشرين الأول عام 69 أي مخرج للأزمة اللبنانية-الفلسطينية، فقد شَّرع هذا الاتفاق عمل الفدائيين على الأرض اللبنانية، واشتد عود المقاومة على اختلاف فصائلها، وانحرف بعضها عن الهدف الأساسي لوجودها.
ولم يَطَل الوقت حتى دخلت المقاومة دائرة الصراع اللبناني الداخلي وأصبحت أحد عناصره فلم تتأخر الحكومة اللبنانية عن توجيه النقد لاتفاق القاهرة كونه يشكل انتقاصاً من سيادة الدولة وتعدٍ عليها.
شفيق الوزان: مع الزمن جى صف.. صف ها الاتفاق مدخل لتركيز يعني تواجد مسلح وأكثر من مسلح، يعني فقدت الدولة سيادتها حقيقة على المناطق. هون بلشت الأصوات تكبر، مش بس في المنطقة التي كانت تسمى شرقي، لأ حتى في الجنوب، حتى في الجنوب يعني الأهالي صاروا معرضين لاحتلال مباشر إلهم.
صحيح.. صحيح يعني همّ مع المبدأ، وإنما مش مع التصرفات والتجاوزات.
أحمد جبريل: لما عرفات ومن معه يطلب الانكفاء أمام الضغط الإسرائيلي إلى القرى، عارف كيف، اللبنانية ويتركوا هؤلاء في القرى يعبثون كما يشاؤون عارف كيف، يتدخلون في أمور الأسرة، يزوجون، يطلقون، يخطفون، ثم ينكفؤوا إلى المدن الصغيرة النبطية، وصور، وصيدا، ويصبحوا هم الحكام يسجنون كما يريدون، يعبثون في القيم، في الأخلاق، في كل المواضيع. ما أتت عام 82 إلا كنا في وضع محزن.
منح الصلح (مستشار الرئيس اللبناني السابق إلياس سركيس): وبدأت في أول الأمر كحوادث فردية ثم انتشرت، وخصوصاً بعد أن أصبح هناك تصادم بين الثوب اللبناني العسكري، والفلسطيني المقاتل.
كريم بقرداني: كان الاعتقاد السائد بأن هذه الحرب سيحسمها الفلسطينيون خلال أيام، يعني كانوا يقولون كانوا.. كان فيه اعتقاد إنه المنظمات الفلسطينية الجيدة التدريب والتجهيز، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم دخول المناطق المسيحية خلال أيام. يعني ما كان في اعتقادها. هلا ردة الفعل كمان كانت كبيرة عند المسيحيين التفت حول هذه القوة النظامية التي سرعان ما تحولت إلى قوى شعبية واسعة، ومن ثم إلى ميليشيا قامت على القوات اللبنانية. أنا برأيي القوات اللبنانية هي نتاج الحرب وليست أسباب الحرب.
منح الصلح: فلما جاءت هذه الحرب جاءت ككارثة لم تكن منتظرة، والأساس -لنكن صرحاء- الأساس هو أن حجم القضية الفلسطينية كان أكبر من أن يتحمله لبنان وحده، بالكاد الدول العربية كلها تتحمل حجم القضية الفلسطينية، ولكن في فترة من الفترات حُمل لبنان وحده كل أثقال هذه القضية، وكان هذا الشعور موجوداً عند جميع العرب، كانوا جميعاً يعرفون أن الحجم أكبر من الساحة اللبنانية، وكان الفلسطينيون كلهم يقرون بذلك. ولكن العز العربي مع الأسف كان يفضل أن تبقى القضية الفلسطينية كلها تعيش في لبنان ولبنان وحده.
أسعد طه: لقد اعتبرت الحكومة اللبنانية أن العالم العربي والدولي قد ترك لبنان وحيداً، وأن الفلسطينيين يتجاوزن الاتفاق المبرم معهم. أما القادة المسيحيون فلم يتأخروا في التأهب لما اعتبروه دافعاً عن مناطقهم وعن مقاتلة ما سموه: بالخطر المحدق بوجودهم. ومن جديد عاد اللبنانيون للبحث عن حكم خارجي لتسوية الخلافات، وكانت الجارة سوريا خارجة للتو من حرب 73، لكنها لم تتردد في التدخل، وبعد زيارة إلى دمشق عاد الرئيس سليمان فرنجية المسيحي ورئيس الوزراء رشيد كرامي المسلم ببرنامج عمل يدعو إلى تجديد الميثاق الوطني اللبناني. لكن الحرب استمرت بل استعرت، فتدخل الجيش السوري فعلياً في لبنان في بداية شهر يونيو/حزيران عام 76، ثم تولى تدخل الأطراف العربية من ليبيا إلى العراق مروراً بالسعودية وانتهاء بإيران، بين من شارك في القتال وبين من حاول لعب دور الوساطة أو شارك في تشكيل قوات الأمن العربية.
شفيق الوزان: أنا فتحت خط مع الإخوة السوريين لما شفت التقاتل يحصل بين بعض قواهم والقوى الفلسطينية والوطنية، فكان يعز على نفسي العربية أن أرى إنه إخوان عرب وجيراننا بسوريا يتقاتلون بالرصاص أو بالكلام ونحن تربينا في نشأتنا الصغيرة على عناوين: بلاد العرب أوطاني من الشام إلى بغداني من نجد إلى اليمن إلى مصر فتطواني.
أحمد جبريل: إحنا كان رأينا واضح وجبنا الليبيين وإجى عبد السلام جلود إذا بتذكره قعد 40 يوم لنجد حل بيننا وبين السوريين.
جورج حاوي: الدخول السوري أنا هكذا لم يحصل بدون موافقة إسرائيل، وقد تولى تأمين هذه الموافقة الملك حسين كما أذيع لاحقاً.
أحمد جبريل: الإسرائيلي لما بدأ يئن من هذه الضربات الفدائية النوعية الموجعة الاستشهادية استنجد بالقوات المسيحية الانعزالية اللي في الداخل.
جورج حاوي: كانت قد بدأت فعلاً ملامح الحل الداخلة في رعاية سورية عندما قفز الجانب الذي استعان بسوريا إلى إسرائيل وعقد معها حلفاً غير مقدس ضد سوريا وضد المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية وهنا كانت خطورة الأحداث اللبنانية.
أحمد جبريل: أنا كنت أحكي له ياسر عرفات من فيه عاقل بيقول: ثورة حتى النصر، والإسرائيلي جنوبه والانعزالي خلفه، وبدنا نقاتل السوري، والبحر ورانا. بتقول ثورة حتى النصر!! معناه إنتو وين ماشيين أنتو؟! أنتو معناه عم بتقودونا إلى بالنهاية إلى العجز الكامل لتقولوا ليس أمامنا إلا الاستسلام.
جورج حاوي: في ذلك الوقت كانت تحضر زيارة السادات للقدس كان يحضر خرق لاتفاق الرياض والقاهرة بانحدار أكثر من قبل الموقع الرسمي المصري، ومع توقع أن سوريا لن توافق على مثل هذه الزيارة.
إقامة اتصالات سرية لإسرائيل في المنطقة
إحدى الدبابات الاسرائيلية تجتاح بيروت
أسعد طه: لم تكن الدولة العبرية بعيدة عما يحدث في لبنان، فقد كانت تسعى إلى إقامة اتصالات سرية بهدف إيجاد حلفاء جدد لها في المنطقة، تبادلهم الدعم وتتلاقى مصالحها وإياهم. وبدت الحرب الأهلية اللبنانية وكأنها محرقة تتأجج مع تدخل كل طرف إقليمي جديد. محرقة تفتت لبنان يوماً بعد يوم وتفتك بالمقاومة الفلسطينية أكثر فأكثر. وجاءت زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 77 لتحدث شرخاً عميقاً في الصف العربي ولتشجع الكيان الصهيوني على البحث عن المزيد من الحلفاء. وبدا قادة المعسكر المسيحي المتطرف في لبنان وكأنهم المرشحون الطبيعيون للتحالف مع إسرائيل، كونهم كانوا يعتقدون أن مسؤوليتهم هي تحرير مناطقهم من الوجود الفلسطيني والسوري وفي تلك المرحلة -من الوجود اللبناني غير المسيحي أيضاً. وبناءً عليه اجتاحت القوات الإسرائيلية الجنوبية اللبناني في الرابع عشر من مارس/آذار عام 78، في إطار ما أسمته بعملية الليطاني، لتقيم حزاماً أمنياً لمسافة عشرة كيلو مترات بحجة حماية شمال إسرائيل من هجمات الفدائيين المنطلقة من الجنوب اللبناني، وللفور أدان مجلس الأمن الدولي هذا الاعتداء، وأصدر القرار 425 مطالباً إسرائيل بالانسحاب الفوري وغير المشروط من لبنان، لكن القرار الأممي ظل دون ضغوط أميركية ودولية أو حتى عربية، وبالتالي لم يأبه الكيان الصهيوني مجدداً بالقرار الدولي.
أحمد جبريل: بدؤوا يشنوا علينا حرب كما قلنا في الداخل في بيروت وأرادوا أن يحتلوا بيروت، واحتلوا مخيم (ضبي) والكرنتينا النابعة وبرج حمود عارف كيف.. ومن ثم تل الزعتر عارف كيف، فاضطررنا نحن في الجبهة الشعبية للقيادة العامة أن نسحب مقاتلينا إلى بيروت.
شفيق الوزان: وأنا بالواقع يعني متمسك وما زالت حتى هذه اللحظة متمسك بقضيتهم إلى أبعد الحدود، وإنما كنت عم بأحس كيف نحنا حتى في المنطقة الغربية كان أحدنا لا يستطيع أن يتحرك دون أن يبدي التحية.
منح الصلح: وجود الفلسطينيين في لبنان كان دليل أن اللبنانيين ذهبوا بعيداً جداً في تبني البعد العربي.
شفيق الوزان: وطبعاً نحنا بلبنان كنا نعيش بمخابرات العالم كلها على أرضنا والصراعات كلها على أرضنا، الصراعات الدولية على أرضنا، الصراعات الإقليمية عل أرضنا، الصراعات العربية على أرضنا، الصراعات الداخلية على.. على أرضنا.
أسعد طه: لم تزد خسارة الأرض من تماسك الصف اللبناني أو العربي، ولم يشكل هذا الخطر دافعاً للحكومة اللبنانية أو للحركة الوطنية كي تهب وتتدارك الكارثة، كما لم تفعل المقاومة الفلسطينية. وبدأت الخلافات تظهر بين فصائل المقاومة مع انتشارها على كامل الأراضي اللبنانية ووصلوها إلى العاصمة بيروت. كما ساهمت تصرفات الفدائيين فينمو شعور عام في الصفين المسيحي والمسلم، يحمل الفلسطينيين مسؤولية الحرب القائمة، فاتسعت دائرة الصراعات، وشرعت بعض الأطراف المتقاتلة تدرس مجدداً إمكانية الاعتماد على العدو الإسرائيلي للقضاء على عدوها الداخلي.
وليد جنبلاط (قيادي في الحركة الوطنية اللبنانية): أتى إلى لبنان الوسيط الأميركي (فيليب حبيب) وترك رسالة واضحة لجميع الفرقاء بأنه إذا تم مجدداً أي -إن صح التعبير- مناوشة عسكرية مع إسرائيل أو أي اعتداء بالمفهوم الأميركي لإسرائيل.. فسيجري اجتياح كبير.
كريم بقرادوني: هل كان حزب الكتائب يعلم بالاجتياح الإسرائيلي؟ جوابي أن الحزب كمؤسسة لم يكن على علم بهذا الاجتياح. لكن بشير كشخصية سياسية مع فريقه كانوا يتداولون هذا الموضوع.
جورج حاوي: إذن عندما طرحت قضية العدوان على لبنان -وهذه قصة يعني أخذتها من.. من شاهد عيان- وجرى التباحث في اجتماعات في بيروت حضرها شارون شخصياً و(إيتان) و(أوري لوبراني) وإلى آخره مع الشيخ بشير الجميل آنذاك قائد القوات اللبنانية و(فادي فرام) رئيس الأركان أو كان يعني في إطار هذا.. كان قوات اللبنانية، والوزير الراهن في الحكومة اللبنانية الأستاذ إيلي حبيقة.
كريم بقرادوني: جرى اجتماع واحد في شباط/فبراير 1982م في بيت بشير الجميل ضم أرييل شارون وإيتان.. فول إيتان ومجموعة عسكريين، وكان من الجانب المسيحي موجود بشير جميل، بيير جميل وكميل شمعون مع قيادات من القوات اللبنانية.
جورج حاوي: عندما سئل شارون عن حدود خطة العدوان فقال 40 كيلو متر، قال له بشير الجميل هذا لا يكفي نريد أن يصل.. أن تصل قواتهم إلى هنا وأشار على الخريطة وهذه الـ "هنا" كانت بعبدة أي مركز دراسة الجمهورية والمتحف أيضاً.
كريم بقرادوني: في هذا الاجتماع جرى شيء مهم أن أرييل شارون حاول أن يأخذ قراراً من القيادة المسيحية بالمشاركة في هذه الحرب، وكان كميل شمعون وبيير الجميل، وهنا أيضاً بشير متحفظين، لأنهم شعروا بأن قرار الاجتياح متخذ في مطلق الأحوال، وأن إسرائيل لا تعمل اجتياحاً من أجل سود عيون المسيحيين أو اللبنانيين، وأن الجيش الإسرائيلي لا يقوم بعملية عسكرية إلا من أجل خدمة المصالح الإسرائيلية دون سواها. وكانوا يشعرون بأن هناك نوع من رغبة في استغلال الوضع الفلسطيني والصراع الفلسطيني -المسيحي واستمرار الحرب الطويلة التي بدأت بالـ 75 في لبنان من أجل جعل فئة من اللبنانيين ليست تدخل فريقاً محارباً ومقاتلاً ضد فريق آخر هو الفريق المسلم وضد الفلسطينيين معاً.
جورج حاوي: شارون لم يكن ينفذ قراراً صهيونياً فقط، الحالة الثورية التي نشأت في لبنان في التحالف بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والسورية شكلت حالة لا تهدد.. إسرائيل فقط أعني تهدد بمعنى بمواجهة مخططات إسرائيل، بل تهدد أيضاً التسوية العربية الإسرائيلية المذلة وتهدد الأنظمة الرجعية العربية، وبالتالي كان التدخل الإسرائيلي تدخلاً بأداة إسرائيلية بمشاركة لبنانية يمينية تمثلت في دور معين في (العدوان) بتغطية أميركية ودعم أميركي وبتمويل عربي.
أسعد طه: وهكذا بدأ العد التنازلي ولا أحد يجهل أن إسرائيل تحضر لاجتياح رابع للبنان بالتواطؤ مع فريق مسيحي متطرف من اللبنانيين. ولا أحد يستطيع أو يريد أن يحرك ساكناً، فعلى الصعيد الدولي ضاق ذرع الدول الكبرى من لبنان وعنفه الذي لا ينتهي، خاصة بعد اغتيال السفير الأميركي عام 76 والسفير الفرنسي عام 81. أما على الصعيد العربي فإن الحرب تشتد ضراوة دون أن يتمكن الجيش السوري أو قوات الردع العربية من وضع حد للاقتتال، وهي ظروف مناسبة تهيئ لإسرائيل شن هجومها الواسع. كان الهجوم بقيادة أرييل شارون الذي أخذ على عاتقه مهمة الاتصال المباشر بالقادة المسيحيين المتطرفين وإقناع الكنيست الإسرائيلي بضرورة توسيع الحزام الأمني المقام في الجنوب اللبناني، دون أن يتعرض إلى مخطط الوصول إلى العاصمة اللبنانية واجتياحها.
وليد جنبلاط: كنا نتوقع الاجتياح، لكن في الدقة في الوقت كيف، أمر آخر. لكن كنا.. نتوقع اجتياح لكن.. لم نكن -أعتقد- ما من أحد منا كان يتوقع اجتياح بهذا الحجم الذي أوصل القوات الإسرائيلية إلى حصار بيروت ثم الدخول إلى بيروت.. لأن، كنا ربما.. نتوقع اجتياح من حيث كانوا آنذاك يتحدثون عن مسافة 40 كيلو متر، 40 كيلو متر من الحدود الإسرائيلية، لكن طبعاً الحدود الإسرائيلية ليست خطاً مستقيماً، فأربعين كيلو متر من إصبع الجليل شيء وأربعين كيلو متر.. من لمطلي شيء آخر مثلاً أو من غيرها من الأماكن.
جورج حاوي: جاءنا يوماً دكتور سمير صباغ وهو حي يرزق نتمنى له يعني كل الصحة، كان ممثلاً للمرابطون، أخبرني أنا والرفيق محسن إبراهيم.. قال: كنت عند السفير الفرنسي في Resedance depan يعني (قصر الصنوبر) اللي هو الآن مقر السفير الفرنسي، قال: السفير الفرنسي أكد لي أن الاجتياح الإسرائيلي سيصل إلى بيروت. قال: خرج معي إلى الباحة وأشار إلى هنا أي إلى المتحف فلم تعد الأمور مجرد توقعات.
كريم بقرادوني: وضعنا خطة تبناها بشير شخصاً بالحقيقة وهو الذي سوقها بأن نتكلم مع الفلسطينيين والسوريين ونعملهم باحتمال جدي باجتياح. وكان عرض بشير واضح تماماً وقد اجتمع بالحقيقة.. مع.. مع في بيت العقيد جوني عبده، الذي كان آنذاك رئيس المخابرات العسكرية اللبنانية اجتمع مع العقيدة محمد غانم، الذي كان آنذاك رئيس المخابرات السورية في لبنان صارت مجموعة اجتماعات في بيت جوني عبده كما جرت مجموعة اجتماعات مقابلة في بيت بشير مع القيادات الفلسطينية.
وهذا تم تقريباً ما بين نيسان وآيار، وكان كلام بشير في غاية الوضوح، كان بشير يقول: أن هناك عملية اجتياح ستتم، وأن القرار متخذ وأن إسرائيل تتهيأ.. تنتظر فقط الفرصة أو الذريعة، وكان يقول للفلسطينيين وللسوريين: أنا أقترح عليكم أن نتفق فوراً على إعلان تطبيق اتفاقيات القاهرة -يعني- إنهاء العمل.. العمل العسكري الفلسطيني بداخل لبنان، تطبيق الهدنة أي وقف العلميات العسكرية على الحدود مع إسرائيل ونحن فوراً نقف معاً لنطالب بحكومة اتحاد وطني نشارك كلنا فيها، وإذا ما قامت إسرائيل بمحاولة اجتياح نكون صفاً واحداً لنقول لا، ونذهب إلى الأمم المتحدة والعالم لنطالب بوقف هذا الاجتياح.
ولبيد جنبلاط: حاولنا.. حاولنا نجس نبض السلطة اللبنانية.. السلطة، مين السلطة اللبنانية كانت سركيس، لكن السلطة الفعلية كانت بشير السلطة الفعلية كانت بشير، لأنه أميركيون والسلطة اللبنانية جوني عبده وسركيس كان مشروعهم بشير باينة، فكان فيه وفد رسمي معروف مع، كان مع.. كان فيه وقتها ألبير منصور، دكتور ألبير منصور، مروان حميدي و.. نسيت الشخص التالت، القتوا.. التقوا بممثلي القوات، محاولة جس نبض إلى أين بشير.. إلى أين بشير ما اتفقوا. كان المهم إنه يعني: انصاعوا لشروطنا ونحكي بعدين، شروطهم شو؟ جيش لبناني، قوات لبنانية في الجبل، الحرب ماشية في الجبل كانت بلشت مناوشات وبعدين نحكي طبعاً هم كانوا بموقع قوة، نحنا حاولنا نشوف نجرب نلاقي نافذة، ما لقينا نافذة من أجل ذلك خرجنا من بيروت قبل اجتياح بيروت.
إسرائيل تجتاح لبنان من جديد في 82
أسعد طه: في السادس من يونيو حزيران عام 82 اجتاح العدو الإسرائيلي الأراضي اللبنانية في إطار ما سماه (سلام الجليل)، ولتحقيق هذا السلام الإسرائيلي جيشت الدولة العبرية ما لا يقل عن 100 ألف جندي تقدموا بأسلحتهم الثقلية إلى صيدا التي بقيت محاصرة، بينما تابعت القوات الإسرائيلية التقدم نحو العاصمة بيروت، وفي الوقت نفسه شنت الطائرات الإسرائيلية هجوما واسعاً قصفت فيه مواقع الجيش السوري في البقاع لشل قدرته العسكرية، فكان الاجتياح براً وبحراً وجواً. وبدا واضحاً أن مخطط العدوان يتعدى الحزام الأمني في الجنوب اللبناني إلى خلق واقع لبناني يرجح كفة المعسكر المسيحي المتطرف وزعيمه الحليف بشير الجميل.
جورج حاوي: عندما كنا في غرفة العلميات في ذلك المساء، وكان أبو عمار وأبو جهاد وأبو الوليد والكل وكان.. نحنا اللبنانيين وكان معنا حسن النقيب من العراق وآخرين. عندما جاءتني برقية من رفاقنا في الجنوب تقول: أن إسرائيل تخطت صيدا، قال أبو عمار: ده مش ممكن لا مستحيل، وبدأ يتصل بالحاج إسماعيل ويقول ويكذب كل ما يجريه من اتصالات، والحاج إسماعيل كان في ذلك الوقت منشغلاً في الخروج من صيدا آخذاً معه القوى الوطنية، بدلاً من أن يكون هناك موقف تعزيز القتال الداخلي ضد إسرائيل كما فعلنا في بيروت.
أحمد جبريل: هذه الأحداث التي حدثت وأنا أريد أن أثبت للتاريخ أن هذه الأحداث قسم منها. صنع باليد سواء في الأخطاء العسكرية في الأخطاء السياسية أو في الممارسات والعلاقات مع المجتمعات اللي كنا موجودين حولها عرفت كيف، مش معقول هذا الشعب اللبناني في الاجتياح يقابل الإسرائيليين في الجنوب بالأرز والورد.
وليد جنبلاط: يعني الأخبار أخذت تتوالى وكنت أظن أن الاجتياح قد يكون محدود الجنوب ثم يعني أخذت تتوالى الأخبار فقلت لزوجتي آنذاك الأولاد احملي تيمور واذهبي إلى.. فلنذهب فلنخرج من (شومان) وتوجهت شخصياً إلى المختارة، وصلت إلى المختارة وقالوا لي الإسرائيليون في.. على مشارف قرية مزرعة الشوف قصة طويلة.. في المختارة بقيت ثلاثة أيام أعتقد، ثلاثة أيام وكأنها ثلاثة قرون، كنا ننظر في الليالي وفي النهارات على القوافل الدبابات والملالات الإسرائيلية التي تمر للوصول إلى بيروت أو للصعود إلى الجبل.. جبل المعصر والنزول إلى البقاع.
جورج حاوي: ثم وصلت إلى الناعمة.. إلى خالدة، وهناك كانت العقدة الرئيسية في الدفاع وطوقت بيروت لتصل إلى العقدة الأخرى في الدفاعات التي أقمناها على المتحف.
وليد جنبلاط: كان همي إخراج أكبر كمية ممكنة من السلاح إلى منطقة (المتن) إلى الخلف، لأنه كانت تقدمت القوات الإسرائيلية واجتاحت وكانت مع الأسف أيضاً بعض الفصائل الفلسطينية الرسمية عم بتنسحب، طب في هذا الجو من الانسحاب الشامل ما كنت لوحدي فيني نقاتل.
جورج حاوي: سوريا كانت في موقعين، تقاتل معنا في بيروت عبر فرقة أو يمكن كتيبتين أو أكثر من الجيش السوري. أنا لا أريد مزايدة كانوا أكثر منا قتالاً جزء من صمودنا باسم القيادة المشتركة القوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية على خالدة على..، وانسحبوا أيضاً مع الذين انسحبوا.
وليد جنبلاط: وكانت قد شكلت في بيروت ما يسمى هيئة الإنقاذ الوطني هيئة الإنقاذ الوطني وكان الإلحاح من هؤلاء: عرفات، علي الشاعر، مروان حمادة، الحركة الوطنية، أن ألتحق بهيئة الإنقاذ الوطني، أرسلت لهم: طيب جاهز لكن أنقذوني من المختارة من الحصار. وهكذا كان أتى مروان في.. لست أذكر اليوم بالتحديد، لكن كان يوماً شهيراً، لأنه حمل في طياته ملابسات تاريخية كبيرة. في هذا اليوم أتى شيمون بيريز إلى المختارة، وكنت.. كنت موجوداً في باحة القصر وأتى رجل مدني برفقة عسكريين طبعاً وقال.. وعرف عن نفسه وعرفته أنه شيمون بيريز، جلسنا مدة نصف ساعة، قلت له: لماذا هذا.. يعني هذا الاجتياح، قال: نحن لمحاربة الإرهاب، جاوبته: ليس.. ليس بهذه الطريقة تحاربون الإرهاب، هناك قضية فلسطينية عادلة.
أسعد طه: وهنا بدأت المحنة محنة بيروت التي كان عليها أن تدفع ثمن الخلافات الطائفية وتجاوزات بعض فصائل المقاومة. ومرة أخرى بعد ذلك الأيلول الأسود كان على المقاومة الفلسطينية أن تشد الرحال. ولكن هذه المرة إلى الشتات، إلى حيث لا مستقر. ولكن كيف تم خروجها من لبنان؟ وهل كان ذلك فعلاً الحل الوحيد لإنهاء المحنة التي عصفت ببيروت؟ أم هو نتيجة حتمية لتواطؤ نظام بشير الجميل مع الكيان الصهيوني؟ ذاك ما سنعمل على بيانه في الحلقة المقبلة، السلام عليكم.
الجزيرة