أقرت جميع دول العالم الأهداف الإنمائية للألفية الثمانية خلال القمة العالمية للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول من عام 2000، وتعهدت أن تحققها جميعاً بحلول العام 2015، وتكون بذلك قد قطعت شوطاً طويلاً في مكافحة الفقر والجهل والمرض الذي يهدد شعوب العالم.
لقد أسعدني اختيار موضوع "الأهداف الإنمائية للألفية والإعاقة" ليكون محور احتفال اليوم العالمي للأشخاص المعوقين لهذا العام، خاصة أنني طالما وجدت في هذه الأهداف الإنمائية التي تسعى إلى تحسين حياة الشعوب، أنها لم تف قضيتا الإعاقة والشيخوخة في العالم ما تستحقان من اهتمام وعمل.
نعم .. لقد وجدت في هذا الاختيار تعويضاً عن هذا التقصير، وإن جاء متأخراً، عملاً بالمثل القائل: يأتي المطر متأخراً خـير من أن لا يأتي.
لقد سعى اليوم العالمي للأشخاص المعوقين (3 كانون الأول من كل عام)، منذ اعتماده في الأمم المتحدة بعد إقرار برنامج العمل العالمي المتعلق بالمعوقين في 3 كانون الأول 1982 إلى التأكيد على حق الأشخاص المعوقين في التمتع بفرص متكافئة مع الفرص التي يتمتع بها سائر المواطنين في مجتمعاتهم، وقد أتاح هذا اليوم الفرصة لتسليط الضوء على حقوق وحاجات الأشخاص المعوقين، والدروس المستفادة من تجارب الدمج والمشاركة في المجالات الصحّية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
في كل عام يتم اختيار موضوع خاص يجري التركيز عليه من قبل المؤسسات الإعلامية، ومنظمات الأشخاص المعوقين وباقي المنظمات الحكومية والأهلية. وقد سلطت المواضيع التي تم اختيارها خلال السنوات الماضية -على سبيل المثال- الضوء على جوانب خاصة محدَّدة مثل: "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: الكرامة والعدالة لنا جميعاً" في عام 2008، "العمل اللائق للأشخاص ذوي الإعاقة" في عام 2007، "إمكانية الوصول الإلكتروني" في عام 2006، أما هذا العام فموضوع "الأهداف الإنمائية للألفية والإعاقة" يسعى إلى الربط بين قضية الإعاقة والأهداف الإنمائية الثمانية، وهو أمر يستحق الكثير من الاهتمام والعمل، ويحتاج إلى تجنيد جهات عديدة في الميادين الصحية والاجتماعية والتربوية والسياسية والإعلامية وغيرها.
يقع بعض الأشخاص المعوقين في العالم، بسبب عدم تمكينهم، ضمن الفئات الأفقر في المجتمع الأمر الذي يحتاج إلى اهتمام خاص عند السعي إلى تحقيق الهدف الإنمائي الأول وهو القضاء على الفقر المدقع والجوع، والذي يتضمن خفض نسبة السكان ممن يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد، و تخفيض نسبة السكان الذين يعانون الجوع إلى النصف، وفي هذا المال، لا يغيب عنا الواقع المؤلم لشعبنا في فلسطين بفعل الاحتلال والحصار، وكذلك شعبنا في العراق والسودان والصومال وغيرها.
كذلك الأمر عند السعي إلى تحقيق الهدف الثاني، وهو تعميم التعليم الابتدائي، و كفالة تمكّن الأطفال في كل مكان، سواء الذكور أو الإناث منهم، من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي، آخذين بعين الاعتبار تفشي الأمية في بعض مناطق الوطن العربي كالسودان واليمن ومصر والمغرب وموريتانيا والعراق.
أما الهدف الثالث وهو تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، فمن الضروري تعزيز المساواة بين الأشخاص المعوقين إناثاً وذكوراً، من جهة، وتمكين المرأة المعوقة من حقوقها في المجتمع، من جهة أخرى، علما أن المرأة العربية، بشكل عام، لا تزال بعيدة عن تحقيق المساواة والمشاركة الفاعلة في معظم أقطارنا العربية.
وتكثر الوفيات في صفوف الأطفال المعوقين، كما تعاني المرأة المعوقة نقصاً في خدمات الصحة النفاسية، وهما أمران يعالجهما الهدف الرابع والخامس، في حين تحتاج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض اهتماماً خاصاً بالأشخاص المعوقين والحرص على شمولهم جميعاً بالحماية والرعاية أسوة بالأشخاص العاديين، كما جاء في الهدف السادس.
إن كفالة الاستدامة البيئية -كما جاء في الهدف السابع- تعني الكثير للأشخاص المعوقين الذين يتأثرون بسرعة بالمشكلات البيئية التي تشغل العالم هذه الأيام. أما الهدف الثامن وهو إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية فهو مجال خصب للتعاون على المستويين الوطني والدولي لوضع وتنفيذ استراتيجيات التعاون والدعم في مجالات عديدة، تهم الأشخاص المعوقين، وكذلك الأمر في مجالات التعاون مع القطاع الخاص لإتاحة فوائد التكنولوجيات الجديدة للجميع، وبخاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وهكذا يشكل هذا اليوم فرصة متجددة لربط قضية الإعاقة والمعوقين في المجتمع بعجلة التنمية المجتمعية الشاملة، وهي فرصة لجميع المهتمين من أفراد ومؤسسات في وطننا العربي، لنشر التوعية في المجتمع بهذا الموضوع وجوانبه العديدة، وهي فرصة أيضاً لمراجعة ما تم من خطوات وإنجازات، وإبراز ما نواجه من تحديات وصعوبات وسبل التغلب عليهما، وفرصة لا غنى عنها لمعرفة النجاحات والإخفاقات والاستفادة منهما.
نعم إن هذا اليوم والمواضيع الثقيلة والكبيرة التي يحملها فرصة ينبغي الاستفادة منها والبناء عليها، ومسؤولية تقع على أكتافنا جميعاً لا نملك إلا تحملها والقيام بها على أفضل وجهٍ ممكن.