آخر الأخبار

هل يجروء الرئيس الفلسطيني على الرحيل؟

هذا الموقف هو من سلسلة مواقف وتصريحات سابقة ادلى بها الرئيس الفلسطيني، والتي تعبر بكل وضوح على طبيعة خطه السياسي ونهجهه بكيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية وتعاطيه مع عملية الصراع مع الكيان الصهيوني، فهو الذي دعا واعطى الاوامر لاعتقال كل من يحمل السلاح ضد الكيان الصهيوني بتهمة الاخلال بالامن، وهو نفسه من اعطى الاوامر باطلاق النار على كل من يطلق الصواريخ، وتحريمه للمقاومة الشعبية ورفضه الصريح والواضح لعسكرة انتفاضة الاقصى، وادانته للعمل العسكري ووصفه للنضال الفلسطيني بالارهاب والعنف، وجرأته ليصف العمليات الاستشهادية "بالحقيرة" وغيرها من المصطلحات التي اساءت الى القضية الفلسطينية والحقوق والثوابت الفلسطينية.

فضيحة تاجيل التصويت على تقرير غولدستون، وتصريحاته الاخيرة المؤيدة لبناء الجدار الفولاذي على الحدود الفلسطينية المصرية التي تساهم بمزيد من معاناة شعبنا بالقطاع، وتصريحاته الخاصة بحق العودة والتي اكدت كلها على تراجع واضح وصريح تنازل عنه وعن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، واكتفاءه بتجميد البناء بالمستوطنات بدلا من ازالتها، والصمت المخجل والعاجز عن تقديم اي دعم ومساندة للقدس وسكانها الذين يواجهون الاجراءات الصهيونية والممارسات القمعية بالمدينة والمهددون بالطرد والنفي، وسكوته عن بناء الجدار وغيرها من المواقف التي تؤكد على موقف سلبي من القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني.

تمكن ابو مازن ان ينتزع من المجلس المركزي قرارا بتعيينه رئيسا للسلطة الفلسطينية، الا ان تتوفر الارضية التي تسمح لاجراء انتخابات لرئاسة السلطة وانتخابات اعضاء المجلس الوطني والمجلس التشريعي، حيث اكد الرئيس الفلسطيني بخطابه امام اعضاء المجلس المركزي "انه لن يرشح نفسه مرة اخرى وان هناك خطوات اخرى سيتخذها مستقبلا" معللا هذا القرار لعدة اسباب منها تعثر المفاوضات ووصولها الى طريق مسدود، وحالة الانقسام الفلسطيني التي تمر بها الساحة الفلسطينية، والموقف الامريكي التراجعي امام الوعود التي قطعوها، ولاسباب اخرى كانت وراء عدم ترشيحه، فقرار ابو مازن الذي اتخذه هو نهائي حسب ما ادلى به علنا، وكم هي جريئة هذه الخطوة التي اقدم عليها، ولكن الذي يبقى عالقا، معرفة السبب الذي جعله يوافق على تسيمته من قبل المجلس المركزي للاستمرار بهذا الموقع، اذا كان هو رافض ان يستمر رئيسا للسلطة الفلسطينية بعد الانتخابات القادمة، والسؤال الذي يبحث عن جواب: الى متى سيستمر ابو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية؟

الكيان الصهيوني لن يتراجع عن مواقفه امام هشاشة الموقف والوضع الفلسطيني الذي يمر باسوء مراحله، وموازين القوى العالمية تميل لصالح الكيان الصهيوني، والحركة الصهيونية ورؤوس الاموال الصهيونية واليهودية والصناعات وعلى راسها الصناعات الحربية والتطور التكنولوجي وغيرها اخذت طريقها بالنفوذ داخل العديد من الدول بالقارات الخمسة، والوضع العربي الرديء والاخطار الداخلية التي تهدد وحدة القطر العربي الواحد، كل هذه العوامل والاسباب تشكل عائقا امام خلق وقائع جديدة تسمح للشعب الفلسطيني باعادة تنظيم نفسه وتفعيل مؤسساته، والكيان الصهيوني يستغل كل هذه الحقائق لانه يعتبرها فرصة تاريخية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تعاملت القيادة الفلسطينية بكل ليونه مع الصراع، كان ثمنها تنازلت من هذه القيادة عن حق العودة، وعن 78% من الارض الفلسطينية، وتنازلت عن ازالة المستوطنات، ووافقت على حكم ذاتي، والغت الميثاق الوطني الفلسطيني وبنوده التي تؤكد على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني، مقابل عودة عددا من القيادة الفلسطينية الى الضفة الغربية وقطاع غزة، والحصول على 30 الف جمع شمل لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، كل هذه الليونة الفلسطينية لم تكن كافية بوجهة نظر الحكومات الصهيونية المتعاقبة، التي طالبت وما زالت المزيد من التنازلات للبحث عن مخارج للتخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية بمناطق ال 48، مع تاكيد قادة هذا الكيان على الاردن كوطن بديل للفلسطينين.

الملفت للنظر هو ذلك الاصرار على ان يبقى ابو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية، الى جانب رئاسته للدولة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكأن القضية هو الفراغ الذي يتركه ابو مازن، فابو مازن يرفض الاستقالة حتى لا يترك هذا الفراغ، فالمجلس المركزي لم يوضح سر قراره بابقاء ابو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية حتى الانتخابات، فهل استمراره بهذ الموقع هو استمرار للازمة ام الخروج منها؟ الم تكن فشل راهانات ابو مازن هي سببا لرفضه ترشيح نفسه، فكيف يتمسك المجلس المركزي برجل فشلت رهاناته واثبتت فشل سياساته؟ فاصرار بعض الفصائل والشخصيات الفلسطينية على ان يستمر ابو مازن كرئيسا للسلطة الفلسطينية، فهذا يموه ويشوه حقيقة الموقف الفلسطيني، فهل ابو مازن هو الشخصية الفلسطينية الوحيدة الحريصة والحكيمة للدفاع عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني؟ ام هناك شخصيات ورموز اخرى تتوفر لديها هذه الحكمة والذكاء والشجاعة؟ لماذا لم يتم البحث عن بديل؟ ولماذا تصر بعض القوى والفصائل الفلسطينية على توافق وبرنامج سياسي ونضالي وحدوي؟ اليست هي حركة فتح التي يراسها ابو مازن تصر على مواقف لا تمثل الحد الادنى من برنامج الاجماع الوطني؟ وما اكثر تصريحات ابو مازن عن السلام، وهل شعبنا الفلسطيني رفض يوما من الايام السلام؟ اليس السلام هو ذلك السلام الذي يعيد الى شعبنا حقوقه التاريخية والشرعية والوطنية؟

الرئيس الفلسطيني ابو مازن يسرع بتجريد القضية الفلسطينية من كل اوراق القوة التي تختزلها، وسياساته وموقفه تعمل على خلق واقع جديد يقر ويعترف بالوجود الصهيوني من النهر الى البحر، ويتماشى مع مفاهيم ومصطلحات المشروع الصهيوني والايديولوجية الصهيونية، فالكيان الصهيوني لم يتراجع قيد انملة عن مفاهيمة وايديولوجيته بالصراع، وما زال يضغط باتجاه اعترافات جديدة من الجانب الفلسطيني، والا ماذا تعني موافقة الرئيس الفلسطيني على تبادل الاراضي مع الكيان الصهيوني؟ اليس هذا موافقة على يهودية الدولة؟

المراهنة على وحدة فلسطينية ومصالحة فلسطينية بظل هذه القيادة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقرا لها، هو رهان خاسر بكل التفاصيل، والخروج من هذا المأزق هو ايجاد قيادة فلسطينية تحترم الارادة الشعبية الفلسطينية، فهذا النهج هو من يتحمل المسؤولية لما آلت اليه الساحة الفلسطينية، وهو نفس النهج الذي سيطر على القرار الفلسطيني منذ عام 1969، وهذا ما يسجله تاريخ النضال الفلسطيني، وان الانتكاسات والخسارات التي تكبدتها القضية الفلسطينية كانت نتيجة سياسة هذا النهج، فاذا لم يتم حماية القرار الفلسطيني وحماية القضية الفلسطينية على مدار هذا التاريخ وعلى طول هذه المسيرة النضالية من سلسلة التنازلات المجانية، الى متى ستستمر قوى المعارضة برهانها على هذا النهج للتراجع عن مواقفه وسياساته التنازلية؟ والى متى سيستمر الرهان على انجاز برنامج الاجماع الفلسطيني والقيادة الجماعية؟ اذا كان المعارضين لهذا النهج لم يستخلصوا العبر والدروس على مدار هذا المسيرة، فمتى سيستخلصوها؟

- البرازيل
25/12/2009