(القصيدة)
ولدي، أختي،
أحلمْ بطريقة لطيفة
أحلْم بأن نذهب إلى هناك،لنعيش جميعاً
ارغب في الراحة
أحب ومْت،
في البلد الذي يشبهك !
شموُسه المبللة
من هذي السماوات الملبدة
من أجل روحي لها المفاتنُ
المكتنفة كثيرا بالأسرار
مفاتن عينيك الخائنتين،
تلمعان عبر دموعهما
هناك ... كل شيء ليس إلا نظاما وجمالا،
فخامة، هدوءا، واشتهاء حسيا.
سوف يزين غرفتنا،
أثاث متوهج،
صقلته السنون؛
الزهور النادرة جدا
تمتزج أرائجها
بروائح العنبر الملتبسة
] وإذا لقيت، هناك، لقيت [ السقوف الباذخة
والمرايا العميقة،
والتألق الشرقي،
كل شيء سوف يتحدث هناك.
إلى النفس سرا
لغة مسقط رأسه العذبة.
هناك ... كل شيء ليس إلا نظاما وجمالا،
فخامة، هدوءا واشتهاء حسيا.
أطلي على هذه القنوات
حيث تنام هذه البوارج
مزاجها شارد؛
ومهما تبحر من أقصى العالم
فلكي تشبع أقل رغبتك
- الشموس الراقدة
تكسو الحقول،
والقنوات، والمدينة كاملة،
بالياقوت الأحمر وبالذهب؛
وينام العالم
في ضوء ساخن
هناك ... كل شيء ليس إلا نظاما وجمالا،
فخامة، هدوءا واشتهاء حسيا.
النص النثري:
يقال إنه بلد بديع، "بلد النعيم"، البلد الذي احلم بزيارته مع صديقة عزيزة.
بلد فريد، غارق في ضباب شمالنا، وقد يمكننا تسميته "الشرق" في بلاد "الغرب"،
و"الصين" في "أوربا". وبقدر ما أتيح فيه الخيال، بقدر ما صور من الخيال بأناة
وإصرار، علماءه ونباتاته الطرية.
إنه بلد حقيقي لـ "النعيم"، كل شيء فيه جميل، غني، هادئ، وفاضل، يحلو فيه
للفخامة، أن ترى نفسها مجلوة في نظام؛ الحياة فيه، ثرة ناعمة للتوق إليها؛ من
حيث الفوضى؛ فإن الشغب وغير المتوقع، قد استبعدا؛ السعادة فيه، مقترنة
بالهدوء، والمطبخ بالذات شاعري، دسم، ومثير في آن؛ الكل فيه يشبهكم ملاكي
العزيز.
أتعرفين هذه الحمى التي تتسلط علينا عند الشدائد القاسية، وهذه النوستالجية
للبلد الذي نجهله، وهذا التضايق من حب الاستطلاع ؟ توجد بقعة تشبهك، كل شيء
فيها جميل، غني، هادئ وفاضل، الخيال فيها شيد وزخرف "صينا" غربية، الحياة
فيها ثرة ناعمة للتوق إليها، والسعادة فيها مقترنة بالهدوء. هناك ينبغي شد
الرحال إليها للعيش، وهناك ينبغي الذهاب للموت فيه !
أجل، هناك ينبغي أن نصبو، وأن نحلم، ونمدد الساعات من خلال اللانهائي
للمشاعر، كتب موسيقار لحنا لـ "الدعوة بالفالس ". فمن ذا الذي سيلحن "الدعوة
إلى السفر" التي يمكننا تقديمها إلى المرأة التي نحب، والأخت التي وقع عليها
الاختيار ؟
أجل، في هذه البيئة سيطيب العيش - هناك الساعة فيها أبطأ، تتضمن مزيدا من
الأفكار، وآلة الساعة فيها ترن سعادة بأبهة اعمق وأكثر دلالة.
فوق دعامات خشبية مضيئة، أو فوق جلود مذهبة ومن نفائس داكنة اللون، تحيا
ببساطة، لوحات تشكيلية وديعة، هادئة ومتأصلة، مثل نفوس الفنانين الذين
أبدعوها.
الشموس الراقدة التي تلون قاعة الأكل تلوينا بمثل هذه الأبهة، أو الصالون،
متسللة من خلال القماشات الرائعة أو من خلال هذه النوافذ العالية المتقنة
الصنع بمهارة، التي يقسمها الترصيص إلى أجزاء متعددة. الأثاث وافر، طريف
وعجيب، مسلح بالمغالق وبخزائن الأسرار، مثل نفوس مرهفة. تعزف المرايا
والمعادن والقماشات والصباغة والخزفيات، هناك للعيون سينفونية صامتة ومليئة
بالأسرار؛ ومن كل الأشياء، وكل الزوايا، وشقوق الأدراج، وثنايا القماشات،
يتسرب عطر فريد، "عودة معهودة " من سمطرة، عطر مثل روح الشقة.
أقول لك إنه بلد حقيقي لـ " النعيم "، كل شيء فيه غني، نظيف، ومتوهج، مثل
ضمير صاح، ومثل أواني المطبخ، وحلي متألقة، وجواهر مبرقشة ! تتدفق هناك كنوز
العالم، مثلما الحال في بيت رجل مجد، ومن له الفضل في العالم أجمع. إنه بلد
فريد، أفضل من البلدان الأخرى، مثلما "الفن" الشرقي أفضل من "الطبيعة" حيث
أعاد الحلم صياغة هذه الطبيعة وحيث إنها صححت، وأعيد انصهارها.
لو انهم يبحثون، ولو أنهم مازالوا يبحثون، ولو أنهم دفعوا وراء بدون توقف
الحدود لسعادتهم، هؤلاء الكيماويون القدامى للبستنة ! لو أنهم يقترحون أسعارا
من ستين ومن مائة ألف " فلورين" لمن سيحقق رغباتهم الجامحة !
أنا وجدت "زنبقتي السوداء" و " دهلياي الزرقاء " !
إنها زهرة لا مثيل لها ، عثر عليها ثانية، هي داهليا رمزية، إنها هناك، أليس
كذلك، في هذا البلد الرائع، الهادئ والحالم بهذا القدر، والذي ينبغي الذهاب
للعيش فيه والازدهار ؟
ألا تصبحين مؤطرة في تشابهك، أولا تستطيعين أن تري نفسك، من أجل أن تتحدثي
مثل الرمزيين في " تجاوبك" الخاص ؟
أحلام ! دائما أحلام ! فضلا عن ذلك؛ فإن النفس طموح ورهيفة، وأكثر من ذلك،
تبعدها الأحلام عن الإمكان. إن كل امرئ يحمل في نفسه كمية خفيفة ومتجددة من
الأفيون الطبيعي باستمرار، وكم نحسب من الساعات المليئة بالاستماع الإيجابي،
خلال العمل الناجح والحاسم، من الولادة إلى الممات ؟
إن هذه الكنوز وهذه الزهور المدهشة، لهي أنت، إنها لا تزال أنت، هذه الأنهار
العظيمة وهذه القنوات الهادئة. إن هذه السفن الهائلة التي تجر منقولها ،
المحملة تماما بالثروات، والتي تتصاعد منها الأغاني الرتيبة لعمال الباخرة،
لهي أفكاري التي تنام أو التي تتقلب على شيئك. إنك تقودينها بهدوء، عبر البحر
الذي هو اللانهائي، متفكرة كل التفكر في أعماق السماء داخل صفاء النفس
الرائعة - السفن متعبة بالتماوج، ومكتظة بنتاجات "الشرق"، وعندما تدخل
الميناء مسقط الرأس، فهي أيضا أفكاري الغنية التي جاءت نحوي من اللانهائي.
ترجمة : محمد الإحسايني
شارل بودلير