آخر الأخبار

اللقاء الذي لم ينشر مع المخرج المسرحي فرحان الخليل

(خاص للموقع)

 


أخرج للمسرح : (القبض على طريف الحادي) لـ ممدوح عدوان, و (الهزيمة عن منمنمات تاريخية- يوم من زماننا - رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة- طقوس الإشارات والتحولات - الأيام المخمورة- بلاد أضيق من الحب) لـ سعد الله ونوس, و(قصر الأوسكريال) و (السيد والخادمة). و(زورق يبحر في غابة)
كتب وأخرج : (كاليكولا) عن البير كامو و(التصريح الأخير لشهريار) و(تداعيات الزمن المر).
كتب للمسرح: إضافة لما سبق (صوت امرأة) و (بقايا مجنون) عن قصة د.محمد الحاج صالح, و(الأحدب), و( القبلة الأخيرة لديدمونة) عن عطيل. كما كتب مجموعة من المقالات التي تعنى بالمسرح وقراءات نقدية لعروض مسرحية نشرت في الصحافة المحلية والعربية والصحافة الالكترونية ومعه كان هذا اللقاء حول علاقته العاطفية مع المسرح.
سؤال: هناك حضور للمسرح في حياتك واضح, فمن هو المسرح الذي بداخلك؟ ومن هو الحاضر أكثر بالآخر المسرح أم أنت؟
قد يستغرب البعض أن مراجعاتي الذاتية تقوم ضمن أبعاد مسرحية, حيث دائما أغوص في عوالمي الداخلية وأتمنى أن لا أخرج, وحين أخلو إلى سراديب نفسي أمارس لذتي السرية حيث أخلو إلى أمنياتي بعيدا عن أو في مواجه العالم الخارجي بما ينطوي عليه من فظاعة وابتذال... وهذا ليس هروبا أو طوباوية على الإطلاق, لأني حينها أدخل في الفعل المسرحي, في متعته ونعمته الكبرى , حيث أدرك الحقيقة على أشدها, فحضور المسرحي يتأتى من مجموعة الأفكار التي بنيت نفسي عليها, فهو الوعاء الذي يستطيع أن يستوعب آمال وآلام الإنسان, لأنه الكبير فينا, ونحن الصغار في إجلاله, ورغم ذلك يبقى جامعا لذواتنا, أما من هو الحاضر في الآخر, فمن يتجرأ أن يقول أنني حاضر في المسرح, لأن الكل حاضر بالجزء, فالجزء هو يتبع الكل ويسعى لمرضاته, فحضوري في المسرح هو حضور دائم في الحلم, والحلم رؤيا والرؤية استشراف والاستشراف خلق والخلق حياة, والمسرح هو الحياة بعينها, أما أن تقترب من المسرح وتدخل في حُمّى التجربة المسرحية, هو أسهل الأشياء لدى الكثير ممن يدعون حضوره فيهم, وينفون حضورهم فيه, فهم الكبراء, والعرفاء!!! أما بالنسبية لي- وهذا ليس تواضعا وادعاء- أن دخولي إلى معمعة الفعل المسرحي وأنا أعرف تماما أن اقترابي من المسرح كتابة وإخراجا وتمثيلا, هو اقتربي من المَطـْهَر وأنا مثقل حتى الإرهاق بالخطايا, أن أدخل إلى أتون الخشبة المتقد, لأنني عرفت فعلا بأنني لن أخرج من المطهر إلى الجنة, وأن أكثر ما يمن علي الرب ويمنني به,هو أن يحتجزني في المطهر, فلا يدفع بي مكبلا بالسلاسل الزقومية إلى جهنم, ولا تدخلني مرضاته إلى جنانه ولا يطلقني حرا, على الرغم من أن كل الأشياء الجميلة تتراءى لي وأنا أساهم في خلق جديد على خشبة مستباحة, فلا الخلق يكتمل, ولا الاستباحة تزول, ويستمر الحلم وأستمر في الدخول إلى المطهر مرتعدا مثقلا بما لا طاقة لي على حمل أعبائه ....لكنني دائما ألح على ما لا يلح عليه غيري!!!!!! والكثير من الأحايين أشعر بالهول حين أستعرض حياتي, فلا أذكر أنني عشت فترة تتيح لي أن أتفتح وأن أعبر عن نفسي بحرية, وأعلن بكليتي عن عشقي الأزلي للمسرح....
سؤال: إذن هناك علاقة عاطفية تربطك بالمسرح؟
بداية أريد أن أخضع الدلالة اللغوية لمعناها وأبعادها الحياتية لتتضح مكوناتها الصورية, وهذا فعل مسرحي أيضا, فالعطف هو الميل والإشفاق, وأن تكون هناك علاقة ميل وإشفاق بيني وبين المسرح هذا يعني اتكاء واحد على الآخر,إما بقصد المنفعة, وهذا ما نراه على مد الخشبة, ولا أقبل به!! وأما يكون بقصد الإشفاق فلا أنا أقبل الإشفاق ولا المسرح ينتظر الشفقة مني رغم الجور والحيف الذي يحيق به, ولكن هناك عمق وجداني بيني وبين المسرح, علاقة وجد وخلق, أي أنني أحبه ولا أشتهيه وبين الحب والاشتهاء وديان متراكمة من الممثلين والمخرجين والكتاب, فحبي يا سيدتي للمسرح يذكرني بقول النفري: (يا عبد, الحروف كلها مرضى إلا الألف, أما ترى كل حرف مائل, أما ترى الألف قائما غير مائل, إنما المرض الميل للسقام فلا تمل) وأمام هذا الزخم الكبير من الميل أجاهد أن أتكئ على حبي وعشقي للمسرح لكي أبقى منتصبا, فلا يغريني الميل على الأقوياء لمرضاتهم, , ولا يسعدني الميل على المراوغة والخديعة كي يسندني المغررين!!!! فالميل انحناء والإنحاء مرض والمرض موت , وأنا لن أغادر هذا الكون إلا منتصبا كسنديان الأرض!!! فعلاقتي بالمسرح علاقة تجزر وفعل حضاري متجدد هدفه الإنسان , والسبر في خفايا إنسانيته وإعلانها بجرأة دون تحفظ وخوف, لأن المسرح يشكل لي بعدا يرتكز على الحب لا على العاطفة لذا دائما أقف عند تقاطع المسرح وجمهوره أسعى لاندماجهما ضمن مسرحة فعلية حقيقية , وهذا أمر في غاية الصعوبة, فالذي نراه على خشباتنا ليس مَسْرَحة بالمعنى الفعلي لأن ما يقدمه الممثلون من أفعال يختلط بين فعل العوالم وميكانيكية الحواة - وقد أستثني البعض القليل- فالممثلون غالبا يجهلون ماهية ما يقدمونه لأنهم لا يخضعونه للعلم. أما ما يقدم من نصوص مؤلفة محليا كما يقولون لا تقارب حتى التسمية, فاستسهال التأليف أصبح أمر طبيعي دون أدنى شعور بالخجل, والإخراج حدثي ولا حرج من نسف مدارس وإلغاء تجارب, وشتم مبدعين , لذا فأنا محزون على المسرح وهذا الحزن يتبدى للآخرين بعدا عاطفيا, أي أن هناك خطأ في الرؤية والتحليل, وهذا ليس ذنبي,
وحتى لا يقال عني جزارا بأحكامي, فهناك أعمال لا زالت تذكرها اللاذقية لروعتها, كـ (حكاية بلا نهاية) لـ سلمان شريبا, (ورحلة مجانين) لـ كمال قرحالي, (والثعلب والعنب) لـ سهيل حداد وحسن إسرب, (وبكرى ع بكرى) لـ بسام جنيد وسليم بركات (وسهرة من أجل أبي خليل القباني) لـ لؤي شانا, لكن الغث كثير ولا يحصى!!!!.
سؤال: برأيك.. ما هي العلاقة الصحيحة بين المسرحيين وبين المسرح؟
لا أحد يستطيع التكهن بسر هذه العلاقة وكيف يجب أن يذوب المسرح في نفوس المشتغلين به أو ذوبان النفوس في المسرح, ذلك المعمار الروحي الأزلي, لأن المسرح قصيدة لم تكتمل أو فلنقل هو رهان يدعو إلى ولوج عوالم معقدة تتوقع فيها الخسارة في كل لحظة, ومع ذلك يجد المسرحي الحقيقي ثمة متعة تجرفه باتجاه الوهم أو ينزوي في أقاصي المخيلة, ليس هناك ما يصف هذه العلاقة بكلمات لأن اكتشاف هذه العلاقة يعني معرفة ما نريد, وحين وصولنا إلى المعرفة فإننا نتوقف! لعلمنا بأن ما يدور أمامنا مُدرك ويسير...ولأن الديمومة والتجدد من صفات المسرح فهو عصي على القناعات الثابتة, لذا نجد من يغادره يظل في حنين دائم إلى وطن أسسه وانتمى إليه. هذا بشكل عام, وأنا هنا ليس بصدد التنظير عن طبيعة العلاقة, ولكني أقول عن طبيعة علاقتي(أنا) مع المسرح. فأنا أسعي دائما لخلق علاقة مع المسرح من خلال إيجاد فكرة عمل متوهجة,,, وهذه الفكرة المتوهجة, حتما تأتي بما هو جديد. إذ ما نفع اجترار أفكار عفى عليها الزمن, ولأنني مؤمن بأن المسرح هو حالة حضارية لا يمكن الاستغناء عنها فلذلك يترتب علي البحث عن أفكار تبتعد عن الجاهزية والقوالب المعروفة , وأنظر بعمق عما هو مستفز ومتوهج, وبذلك يمكنني أن أقول بجرأة وبلا تواضع: أنا أدافع من خلال المسرح عن فكرة تمتلك الديمومة والاستمرار, وغير مكشوفة الأوراق منذ اللحظة الأولى, والأدلة واضحة في عروضي وبشكل خاص في طقوس الإشارات والتحولات, والأيام المخمورة, ومونودراما كاليكولا وتداعيات الزمن المر... الخ. فأنا أبحث عن الفكرة وفق شكل مقترح يكون أكثر قربا من البنى النفسية العميقة للناس وأبتعد عن السذاجة وعدم احترام المشاهد, لذلك أجد نفسي ملزما بالوفاء للمسرح من جهة وللمتلقي من الجهة الأهم.
سؤال: ما هو رأيك في المهرجانات المسرحية التي تقام في اللاذقية بشكل عام, ومهرجان الكوميديا بشكل خاص؟
بالعموم أن اصطلاح مهرجان للمسرح هو تأطير الفعل المسرحي ضمن حالة احتفالية محددة تاريخا ونوعا, وهذا أحد أشكال الخنق والتضييق على المسرح, لأن المسرح أكبر من أي مهرجان, وأشمل من أن يؤطر. وأنا هنا ليس بصدد تقيم المهرجانات, بل أستطيع أن أتكلم عن تجربتي في هذه المهرجانات. وهذا جزء من حقي بكون مشتغل في المسرح.
فمهرجان المونودراما بدأ بشكل جيد واستمر على هذا النحو حتى دورته الثالثة, ومن ثم أصبح تحصيل حاصل, لأن الفردية طغت على كل معطياته, وهذا ليس اتهاما فمدير المهرجان هو القائم بأمر الله: هو من يختار المؤسسين على الرغم من اشتغالي منذ بداية المهرجان وحتى دورته الرابعة في كل المجالات ابتداء من معرض للعروض المسرحية في اللاذقية وانتهاء بثلاث عروض مونودرامية متتالية مرورا في كوني مراسلا صحفيا واعتمادهم علي في المراسلات العربية والدولية, ولم أصنف في هذا المهرجان مؤسسا!!!, بينما هناك مثلا موفق مسعود وحتى زيناتي قدسية وحسن عكلا لم يكونوا حتى ضيوفا للمهرجان في بعض الأحيان, ولم يفعلوا أي شيء لإنجاح هذا المهرجان, فهم يبقون مؤسسين وأنا أستعبد وهذا أحد أشكال الإقصاء المتعمد الذي ذكرته سابقا, وهذا سؤال يطرح على ياسر دريباتي شخصيا!!.
ومهرجان نقابة الفنانين الذي أنشأته النقابة بعد استلام حسين عباس مقدراتها - مشكورا - أيضا هناك من هو الحاكم الناهي لاختيار العروض المسرحية, واختياره خاضع للمحسوبيات والعلاقات الشخصية, فمثلا اختير عرضي (بلاد أضيق من الحب) في المهرجان الأول لأن أحد المساهمين ماليا في دعم المهرجان مشترك معي كممثل في العرض, بينما في المهرجان الثاني رفض عرضي بدون أي تبرير على الرغم من الوعد القطعي لاشتراكه إذا لم يحضر العرض الجزائري - ولم يأتي العرض الجزائري- واستبدل عرضي بعرض أخر لشخص لا يدرك معنى العرض المسرحي وهو حسام قعقع, وأنا هنا لا أستهين بإنسانيته بل أستهين بتجربته ومعارفه المسرحية وهذا حق يحسب لي, على الرغم من أن عرضي كان مكتملا وجاهزا, وهذا أيضا هو أحد أشكال الإقصاء التي يتعمدها القائمين على المهرجان, وهذا يعني أن المهرجانات هي حكر لأشخاص أليس كذلك!!!!.
أما بالنسبة لمهرجان الكوميديا, وهو تجربة رائدة بكون الكوميديا أكثر قربا من الناس, هذا من جهة, وتساهم بعودة الناس إلى المسرح من جهة أخرى, وخاصة حين قدم عروضا للأطفال, وهذه مساهمة مهمة في تكريس الفعل المسرحي لدى المتلقي الذي بدأ يهجر المسرح, لكن هل كانت كل اختياراته كوميدية؟ وهل (وعكة عابرة) و(حمّام بغدادي) عروضا كوميدية مثلا؟ أم كان الاعتماد على النجوم في اختيار العروض بعيدا عن المقومات العلمية للعرض الكوميدي؟ ونحن متفقين بأن الكوميديا ليس شرط الإضحاك علميا. هذا بشكل عام , أما ما استغربه لما لم يكن عرضي (زورق يبحر في غابة ) مدرجا في هذا المهرجان على الرغم يمتلك مقومات العرض المسرحي الكوميدي, وهذا السؤال برسم الأستاذ أحمد قشقارة بكونه أكثر دراية بماهية العرض الكوميدي, وهنا يلح السؤال مرة أخرى أليس هذا إقصاء؟؟ وإن لم يكن كذلك لما أبعدت من مجموعة المحررين لمجلة (الكوميضة) دون أي تبرير على الرغم من أنني كنت مصرا على دوام المجلة خارج أيام المهرجان وهذا ما يعرفه الأستاذ لؤي شانا, أم أن مقالاتي غير جديرة بالنشر وقراءاتي غير دقيقة للعروض المسرحية, وهذا سؤال برسم أحمد قشقارة أيضا. شكرا ......!

حاوره: ندا حبيب علي

ملاحظة: هذا اللقاء كان بطلب رئيس تحرير مجلة (الكوميضة) الأستاذ أحمد قشقارة,وتحت زاوية (علاقة عاطفية) وقد أجرته مع المخرج مسؤولة المكتب الصحفي في  المسرح القومي في اللاذقية وطرطوس السيدة ندا حبيب علي, ولم ينشر هذا اللقاء في المجلة المذكورة لأن المخرج رفض طلب رئيس التحرير بحذف السؤال الأخير من هذا اللقاء