آخر الأخبار

ذكرياتي(أم علي) -3

-----------------
قي يوم 5 / حزيران / 1967 وكنت لازلت أسكن في دار أم هيثم في الطبالة بدأ العدوان وبدأت الناس حركة نزوح وكنت وحدي في الدار وكنت أرى الخوف في عيون أطفالي وذلك من ضجة غارات الطيران وأصوات صفارات الإنذار. كان كل شيء غير عادي والأطفال كانوا يحسون وأنا بأن شيئا ما يحدث ولم يكن سند الدار معنا.
بدأت أبحث عن وسيلة لأذهب إلى مدينتي حمص وحصلت عملية استغلال : سائق طلب مني 150 ليرة فقط ليوصلني إلى محطة الباصات إلى أن أتى الجار أبو هيثم فأوصلني إلى المحطة حين وصلنا فحدثت غارة على المنطقة وركض البشر ودخلنا مكان مغلق /ملجأ/ وكنت وأطفالي خائفين ونظرت حولي فوجدت نفسي في مطبعة ورأيت كلمة /البعث/ مكتوبة على الجدار فسألت أحدهم :
- كم أبعد عن فرع الحزب ؟
فأجابوني
- الفرع قريب
فناديت شابا ورجوته :
- أرجوك نادي لي أحد السادة / عودة قسيس أو محمود حديد / وذهب إليهم فأتوا ولم يستطيعوا أن يدخلوا من الباب من زحمة الناس فكسروا الشبابيك بأخمص البندقية فظن الناس أنها الغارة وخافوا , لكن هنا دخل إخوتي و زملاء زوجي عودة ومحمود من الشباك ورأوني وسألوني كيف جئت إلى هنا فحكيت قصتي وطلبت أن أسافر فحملوا الأولاد وصعدوا إلى الباص وكان السائق مرعوبا فأمروه أن يسافر بي وبأولادي إلى حمص و يستطيع أخذ ركاب من الطريق و هكذا كان ، وطوال الطريق كنت أبكي وأطفالي معي .......... أين أنت يا عبد الله !؟
كان أبو عبد الله بانتظارنا في محطة حمص ...

.... انتهت الحرب بسرعة وتركت آثار في نفوس الناس كانت هزيمة كبرى نفسية قبل كل شيء...
عاد أبو علي على الفور من موسكو وجاء إلى حمص برفقته رفيق دربه يوسف ميرو جاء وضم أولاده واحدا واحداً وضم ابنته /فوز/ التي ولدتها عندما كان غائبا وأطلقت عليها أسم / فوز / لمحبتي بأبي فراس الحمداني وابنته فوز .. ضم الجميع وبكي بحرقة و عاد أملي من جديد ..
تسلم أبو علي مهمة رئيس إتحاد عمال دمشق ونائبا لرئيس اتحاد نقابات العمال وبعد عدة أشهر حصلت انتخابات وانتخب في قيادة فرع دمشق للحزب و في خلال هذا الوقت كان بيتنا في برزة قد صار على ما يشبه العظم وبقيت الشبابيك والأبواب و أذكر مرة أننا ذهبنا لزيارة البيت لنرى أين وصل العمار و قمت بطبخ طنجرة برغل بالزيت الحلو و كنا قد نسينا الصحون فقام أبو على و طلبت إليه العودة للأكل في بيت الطبالة فأصر قائلا : سأتدبر الأمر و ذهب و غسل بعناية شباكاً من شبابيك المنزل و جعله (صحناً) كبيراً و دلق فيه طنجرة البرغل و قال: كلوا !
قبل انتهاء العمار تماما أصر أن نذهب لنعيش هناك وقال : سنكمله تدريجيا من مرتبي ولا حل آخر وذهبت للعيش والأولاد هناك في بيت بلا شبابيك و لا أبواب إلا غرفة واحدة . كان عندي حينها علي و محمد و سلمان و فوز و قحطان (الذي كان يحبو وقتها)
في هذا الوقت انضم أبو علي للعمل الفدائي في منظمة الصاعقة وتركني مع الأولاد ومع سلفي /إبراهيم/ وسلفي /يحيى/ وكان إبراهيم مدرسا ويحيى صغيرا وينشط في اتحاد الشبيبة...
في بدايات عام / 1969 / حصلت حادثة معنا عندما أعلن راديو دمشق عن أسماء شهداء إحدى العمليات الفدائية وكان أن شهيدا - رحمه الله - اسمه (أحمد العبد الله) فالتبس الأمر على رفاق أبو علي و ظنوا أنه هو لأنه كان مشتركاً في العملية الفدائية و جاء أبو علي بعد العملية إلينا وقد امتلأ جسده برائحة البارود والطين والدخان .. وكان الدم ينزف من أذنيه فلقد سقطت عليهم قذيفة مدفعية....
جاء رفاقه و كانوا على الباب يبحثون عن طريقة لعزائي وصحت بهم - أبو علي في الداخل.!!!
وكان موقف أترك للقارئ أن يتخيله.
بقي الرفاق عندنا حتى منتصف الليل , في اليوم التالي حكى لي أبو علي الرواية كلها وبأنهم كانوا في عملية في الأرض المحتلة وأنهم تعرضوا لنيران عدوة شديدة بعد أن أتموا مهمتهم و روى لي عن أن رفيقاً له يدعى (عبد الكريم موال) دخل وراءهم لتغطيتهم بالنيران مما مكنهم من الانسحاب وأنه لن ينسى في حياته هذه الفدائية من (عبد الكريم) .
لقد كان لموقف عبد الكريم البطولي ما بعده وسيصبح صديقا وسيعمل مع أبو علي فترة طويلة من الزمن .
بعد عدة أشهر شب حريق في منزل مجاور لمنزلنا وصاح الجيران / حريق , حريق / وذهبت إلى المكان ووجدت حالة هلع وصياح وفهمت أن طفلة رضيعة في الداخل وتبين أن صاحب الدار كان يعبئ الغاز المنزلي من عبوة الغاز الكبيرة واندلعت النار وعندما فهمت أن طفلة بالداخل كسرت الشباك الخارجي و هممت بالدخول فدخل شباب وأنقذوا الطفلة كان أصحاب الدار هم / أم أيمن و أبو أيمن / الأحباء والأعزاء و / أبو أيمن / - رحمه الله - هو اللواء عبد اللطيف ياسين فيما صديق العمر والجار والأخ والضابط السوري المميز الذي خدم بلده بإخلاص وزوجته / وردة / ستصبح صديقة العمر الغالية .. لم أنتبه يومها إلى الدم الذي كان يخرج من يدي حتى نبهني البعض ولكن سعادتي بإنقاذ / ميساء / ابنتهم الغالية أنستني كل شيء .

الحركة التصحيحية :
اختلف الرفاق في القيادة فيما بينهم و هنا أريد أن أروي ما أعرف ليس كإنسان يعمل في السياسة بل كزوجة وأم و كمواطنة ليس إلا وكان أبو علي يروي لي بعض الأشياء ليس فقط لأنه زوجي بل لأنه رفيق العمر أيضا و كان من وقت لآخر يشاورني في بعض الأمور أو يشتكي هماً ما ربما لأنه عبر رفقة العمر وثق في بعض رأيي ... بين فترة وأخرى كنت أسمع منه عن أنباء الخلاف بين أناس أشعر تجاههم جميعا بالمحبة والاحترام وكانوا بالنسبة لي أسماء كبيرة لها احترامها ... ولم أكن أتمنى حدوث أي خلاف ولكنه كان واقعا لا محالة...
جاء البعض أثناء المؤتمر الحزبي الى (أبوعلي) وكلفوه بأمر حزبي باحتجاز ابن وزير الدفاع حافظ الأسد و معه رئيس الأركان مصطفى طلاس للمساومة عليهم حيث كان الخلاف على أشده في المؤتمر وكان جواب المرحوم أبو علي بأنني لست برجل عصابة وإنما مناضل سياسي في حزب يحترم نفسه. وعندما عرفت بالأمر قلت له:
- كيف ..أنهم بغلاوة أولادي أن / باسل / بغلاوة / علي / وقال لي بالطبع يا أم علي لقد رفضت الأمر رفضا قاطعا ... ولقد علمت فيما بعد أنهم عرضوا عليه المال ومنصبا رفيعا في الدولة وأنه قال : لست برجل عصابة أنا أعمل في حزب و ثورة ...
وفي نهاية المؤتمر الحزبي اعتقل الجميع وكان أبو علي بين المعتقلين وأعتقل أيضا أخي محمد وبقيت مع أطفالي ابكي ...
جاءني الأخ أبو أيمن / عبد اللطيف ياسين / وحدثني عن الوضع وقال أنه على استعداد لإيصال رسالة إلى أبو علي في السجن وأرسلت له رسالة.
بعد عشرة أيام من المعاناة خرج أبو علي بالفعل من السجن ودخل المنزل ليلاً وبدأ الأولاد يحتضنوه / علي / و / محمد / وكان الصغار نائمون ولم يكونوا في عمر يسمح لهم بوعي شيء من هذا القبيل....
في اليوم التالي وفي تمام السابعة صباحا سمعت قرعا على الباب وخفت خوفا شديدا ورفضت أن أفتح الباب إلى أن جاءني صوت / أبو إياد / محمد حيدر من وراء الباب :
- أم علي افتحي أنا أبو إياد , وفتحت الباب و كانوا خمسة : محمود الأيوبي - عبد الحليم خدام - محمد حيدر - عبد الله الأحمر ، و محمد جابر بجبوج . ورحبت بهم وأيقظت أبو علي وذهبت لصنع القهوة ... وكنت مصفرة من الخوف ...
قال أبو إياد للرفاق :
الله لا يعطيكم العافية المرأة اصفر وجهها / كان صاحب نكتة دائما / فقال الأيوبي :
أم علي لا تخافي نحن أهلك وأخوتك ونحن هنا لنكمل الطريق سوا ...
قال / حيدر / : أي منيح ضمنوها منشان ما تحطلنا شي بالقهوة .
أصبح زوجي من هذا التاريخ عضوا في القيادة القطرية المؤقتة للحزب أي أنه أصبح واحدا من قيادة البلاد التي تساند قائدها الجديد الرئيس حافظ الأسد الذي حاز بسرعة على محبة الناس و تأييدها.
ومن يومها أصبح بيتي شيئاً آخر, صار مقصدا لأصحاب الحاجة ممن نعرف ومن لا نعرف و كنت أحب الناس كثيرا و لكني بكل صراحة
( هلكت) و لم أعد قادرة على إعطاء الوقت الكافي لأولادي , وكان المشهد بالفعل صعبا للغاية ولم يكن أحد بجانبي لمساعدتي ونحن أبناء ريف و نحب الناس كما قلت ولا بد لمن يأتيك من الريف ضيفا أن يجد لديك المأوى وكل أسباب الرعاية ... و إلا أتهمك بأشياء وأشياء و إضافة لكل ذلك كان عليك أن تلبيه وتساعده ولا لوم لأهلنا فهم أبناء الفقر ومن الطبيعي أن يروا فينا أملا في تحسين أوضاعهم ... لكن الأمر كان أحياناً يتجاوز الطبيعي و مقدرتنا حتى المادية .. و البعض كان يرى فيك ساحراً و يأتيك بطلبات مثل: حطوني معاون مدير أو مدير! اعطوني كلاشنكوف ! جوزوني بنت عمي ! ما بدي ابني ع الجبهة !
( بالضبط مثل غوار الطوشة بدو يصير مخرج بالتلفزيون لانو حسني صاحبو)! و مسائل أخرى أترك للقارئ تصور الصح منها و الخاطئ .

إضافة لكل ذلك ولدت ولدي السادس طارق في عام 1970 فلقد شعرت في شتاء 1971 بإنهاك شديد و صار لزما أن أزور عيادة الطبيب وكانت زيارة إلى عيادة المرحوم - جوزيف صايغ - الذي أصر على أبو علي أنني في وضع شديد الإنهاك والتعب وأن الراحة هي العلاج .
هنا سمع السيد الرئيس بتعبي وكان يسأل على الدوام رفاقه عن أحوالهم وأشار أبو علي أن نذهب في رحلة استراحة إلى الإتحاد السوفيتي وكانت الرحلة الأولى إلى خارج الوطن .

----------------
[url=http://www.jablah.com/modules/news/article.php?storyid=6045]الحلقة الأولى[/url]
[url=http://www.jablah.com/modules/news/article.php?storyid=6071]الحلقة الثانية[/url]